توافدت إليَّ أسئلة ملخصها في سؤال كبير: ما أفضل التخصصات الجامعية التي ينبغي أن يختارها الطالب، والتي تقترن بفرص مهنية عالية في المستقبل؟ وأمامي الآن -لحظة كتابة هذا المقال- خبرٌ نُشرَ بتاريخ 23/ 7/ 2024م في موقع القناة الإذاعية «هلا أف أم» الذي نقل عن مركز القبول الموحّد التابع لوزارة التعليم والبحث العلمي والابتكار أن «العدد الإجمالي للمقاعد الدراسية بمؤسسات التعليم العالي الحكومية والبعثات الداخلية، والمنح المقدّمة من القطاع الخاص للدراسة في مؤسسات التعليم العالي الخاصة، والبعثات الخارجية ومنح الدول الشقيقة للعام الأكاديمي 2025/2024 (32625) مقعدًا دراسيًا».
لست بصدد مناقشة آلية توزيع المقاعد الدراسية وأعدادها الممنوحة من قبل الجهات المعنية التي أرى أن أهل الاختصاص في مركز القبول الموحّد يدركون نسب هذه المقاعد وتناسبها، ولكنني سأحاول أن أجيب عن سؤال يَرِدُ كثيرا على لسان الطالب المقبل على هذه المقاعد والمنح الدراسية متعلق بالتخصص المناسب الذي يمكن اختياره في منصة القبول الموحّد الذي حُددَ تاريخ 4/ 8/ 2024 آخر يوم لتعديل الرغبات. هناك وجهان في موضوع التخصص الجامعي؛ إذ يعكس الوجه الأول ميولات الطالب واهتماماته المعرفية التي تنطلق من مكنونات الشغف الشخصي والقدرات المعرفية، ويتعلق الوجه الثاني بالفرص المستقبلية الأكثر حظًا للمهن، والتي يتعيّن بواسطتها تحديد التخصصات الأكثر قبولا في المستقبل، ووجدت أن الوجه الثاني أكثر اهتماما من قبل الطالب وولي أمره، وهذا عائد إلى الثقافة المجتمعية السائدة التي تركّز على المهن والتخصصات من حيث قبولها المجتمعي ورواجها في سوق العمل دون الضرورة إلى تقديم الميولات الشخصية على الفرص الوظيفية أو البحث عن أرضية تجمع بينهما؛ فمن الجلّي أن معظم مخرجات دبلوم التعليم العام -وما يعادله- تركّز على الوجه الثاني اتّباعا للثقافة السائدة التي لا نقطع بسلبيتها المطلقة؛ فثمّة موجهات تؤيد هذه الثقافة تنطلق من مفاهيم بَدَهِيّة منها احتياجات سوق العمل الفعلية، ومستجدات الحركة التقنية في العالم، والتغيّرات المُحدَثة بفعل التحولات الرقمية التي تدفع برقمنة المجتمعات؛ فتبحث عن الكوادر البشرية المتخصصة في القطاع الرقمي، وهذا ما يمكن أن نجعله مبررًا لوجود هذه الثقافة التي تُؤْثِرُ التركيزَ على الفرص واحتياجات سوق العمل على الميولات الفردية للتخصصات. لا يمكن بأيّ حال أن نفرضَ واقعًا مغايرًا للتوجهات الجمعية التي يتفق معظم أفراد المجتمع على قبولها وممارستها؛ فهناك مبررات مثل التي سقتها في السطور الآنفة، ولكن من منطلقات الرأي أجد أن التوازن مطلوب في صناعة التخصصات وصناعة المهن؛ فنحن بحاجة إلى متخصصين في كل المجالات الإنسانية والعلمية، وعندما نقول كلمة «متخصصين»؛ فنقصد بها المتخصص المتميّز في تخصصه الذي يفني جهده في بلوغ أفضل المراحل المعرفية في هذا التخصص ليكون مرجعا يعتمد على توصياته ويستفاد من خبراته، ويبدأ هذا -في غالبه- بوجود الميولات المبنية على الشغف في دراسة هذا التخصص الذي يضمن نجاحا مدهشا يحقق بواسطته بناء قاعدة تخصصية صُلبة، ولكن -من زاوية أخرى- نرى أن هناك معوقات يمكن أن تعوق وجود هذا التوجه تتمثل في الثقافة السائدة التي أشرنا إليها سابقا؛ إذ أنها تقلص فرص تنوع التخصصات وتحقيق التوازن المطلوب؛ فنرى -مثلا- في حاضرنا أن سوق العمل يركّز على التخصصات الرقمية التي تمثل الذكاء الاصطناعي، وعلم البيانات، والأمن السيبراني وغيرها من التخصصات، وهذا ما يضع بعض الطلبة أمام خيارات صعبة خصوصًا أولئك الذين يميلون إلى التخصصات الإنسانية مثل علوم اللغة والنفس والاجتماع، والإدارة، وبجانب التخصصات العلمية غير الرقمية، والتي لا ينبغي أن تتراجع حتى في ظل الزحف الرقمي؛ فوجود هذه التخصصات بجانب الهيمنة الرقمية أمر حتمي، ولا أجد صداما بينهما، ولهذا من المهم أن نلفت الانتباه إلى أن وجودنا في العصر الرقمي لا يعني انتهاء العلوم الأخرى وتخصصاتها؛ فنحن مع حاجتنا الماسّة إلى المتخصص في علم البيانات وتحليلها وعلوم الذكاء الاصطناعي وبناء خوارزمياتها؛ فنحن أيضًا لا نستغني عن الطبيب والمهندس والتربوي واللغوي وعالِم النفس وعالِم الاجتماع بل والمتخصص في علوم الحيوان والحشرات، ونصيحتي للطالب المقبل على اختيار التخصص المناسب أن يراعي قبل ذي بدء ميولاته الداخلية التي يمكن أن تضمن له النجاح في التخصص والمواصلة فيه، وما يتعلق بالرؤية المستقبلية للمهن؛ فستكون -بلا شك- الوفرة للتخصصات الرقمية التي ستدخل جميع قطاعات حياتنا ومهنها بما فيها القطاعات الإنسانية مثل اللغة وعلم النفس والتعليم والإدارة والطب، ويدعونا هذا إلى صناعة توازن جديد يجمع بين الميولات والفرص؛ فالميولات أولوية، وبنجاح أصحابها تتوفر الفرص وتتنوع، ومن المهم أيضًا أن ندرك أن التخصصات الرقمية لا يمكن أن تكون الصوت الأعلى مهما علا شأنها وذاع صيتها؛ فهي تخصصات في غالب حالها معنية بدعم قطاعات حياتنا ومفاصلها، ولا تعمل -في كثير حالاتها- بشكل مستقل، ولهذا من السهل أن نقول إن الطبيب المتخصص في الطب والمبدع فيه بحاجة إلى ثقافة رقمية تعينه في مواصلة نجاحه التخصصي دون الحاجة إلى التخصص في المجال الرقمي.دعوتنا عبر هذا المقال إلى جميع أفراد المجتمع وأولهم طلبة الدبلوم العام وما يعادله في إيجاد صورة أكثر إيجابية عن موضوع التخصصات وعلاقتها بالمهن المستقبلية، وهنا أؤكد أننا بحاجة إلى تنوّع في التخصصات نضمن بواسطتها توفّر كوادر وطنية في جميع القطاعات، وينبغي أن يكون تركيزنا على صناعة المتخصص قبل صناعة أصحاب المهن؛ فالمتخصص الناجح قادر على صناعة المهن التي بدورها تترجم حركة المجتمعات وحاجاتها، أترك المجال مفتوحًا للجميع؛ فما عرضته لا يخرج عن حيّز الرأي الشخصي الذي يعكس ما أؤمن بأهميته وأهمية تحققه.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية:
سوق العمل
یمکن أن
إقرأ أيضاً:
ميلانيا ترامب ترفض إقامة بارون في السكن الجامعي.. والسبب؟
متابعة بتجــرد: في شهر أيلول (سبتمبر)، بدأ ابن الرئيس المنتخب دونالد ترامب والسيدة الأولى المقبلة ميلانيا ترامب عامه الجامعي الأول في كلية ستيرن للأعمال التابعة لجامعة نيويورك، الواقعة في مانهاتن السفلى.
مصادر متعددة أفادت مجلة “بيبول” بأن بارون، البالغ من العمر 18 عاماً، يعيش فصلاً جديداً من حياته بتوجيه من والدته ميلانيا، بينما يقيم في برج ترامب، مقر إقامة عائلته في مانهاتن الوسطى.
ويبدو أن ميلانيا تسعى لتحقيق التوازن بين حياتها المهنية كسيدة أولى ورعاية ابنها، مع إعطاء الأولوية لاحتياجاته في هذه المرحلة المهمة من حياته.
فقد صرّح مصدر سياسي للمجلة قائلاً: “ميلانيا ستفعل كل ما بوسعها للتأكد من أن بارون يحقق النجاح في دراسته الجامعية، وأنه متأقلم اجتماعياً ونفسياً مع حياته كطالب جامعي”، مضيفاً: “العيش في سكن جامعي ببلدة صغيرة ليس خياراً مطروحاً بالنسبة له في الوقت الحالي”.
ووفقاً للمصدر، يمتلك بارون بالفعل أفكاره السياسية الخاصة، إلا أن “كل ذلك يحتاج إلى مراقبة في ضوء الوضع الراهن”.
على الرغم من التحديات، يبدو أن بارون يحظى بقبول واسع حتى بين الأشخاص ذوي التوجهات الليبرالية، مما يعكس شخصيته المؤثرة وشعبيته بين زملائه.
نظراً إلى انقسام الآراء حول عائلة ترامب ومع اقتراب دونالد ترامب، البالغ من العمر 78 عاماً، من تولّي منصب الرئاسة مرة أخرى، تعتقد ميلانيا، البالغة من العمر 54 عاماً، بأن بقاء بارون في المنزل بدلاً من السكن الجامعي في جامعة نيويورك هو الخيار الأفضل في الوقت الحالي، وفقاً لمصدر تحدث لمجلة “بيبول”.
ويقول المصدر: “سواء اعتقد الآخرون أنه قادر على العيش بمفرده أم لا، تشعر ميلانيا أن من الأفضل أن تكون قريبة منه قدر الإمكان”، مضيفاً: “أرى أن هذا النهج سيستمر”.
هذا القرار يعكس حرص ميلانيا على توفير بيئة داعمة ومستقرّة لبارون، خصوصاً في ظل الظروف السياسية المحيطة بعائلة ترامب. وبينما تستعدّ لاستئناف دورها كسيدة أولى، تركز ميلانيا ترامب على التوازن بين واجباتها السياسية واحتياجات ابنها في هذه الفترة، وفقًا لمصدر سياسي.
main 2024-12-15
Bitajarod