بنيامين نتانياهو: التنفس كذبًا
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
«هجوم السابع من أكتوبر يشبه الحادي عشر من سبتمبر مضاعفا عشرين مرة، إسرائيل لا تسعى لتدمير غزة، عدد الضحايا في حرب غزة هو الأقل في تاريخ حروب المدن، منذ تسعة أشهر والجنود الإسرائيليون يُبدون بسالة لا نظير لها، ولا ينبغي إدانتهم على ما يرتكبونه في غزة بل يجب الثناء عليهم! المتظاهرون ضد إسرائيل اختاروا أن يقفوا مع الشر، إيران تمول المتظاهرين خارج الكونجرس الآن، الأراضي الفلسطينية المحتلة هي موطن الشعب اليهودي منذ أربعة آلاف سنة!» هذه عينة فقط من الأكاذيب التي صفق لها الكونجرس الأمريكي يوم الأربعاء الماضي خمسًا وأربعين مرة.
تُشبه علاقة بنيامين نتانياهو- رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي المحتل- بالكذب عبر تاريخه السياسي علاقة لاعب موهوب بكرة القدم، إذْ في البداية يعتمد هذا الموهوب على خامة الموهبة فقط، لكنه مع الوقت يسخّر كل شيء لتنمية موهبته وتطويرها ونقلها من الهواية إلى الاحتراف، وذلك بتكثيف التدريبات وخوض المباريات، وتجريب مراكز اللعب المختلفة، إلى أن يجد نفسه أصبح لائقًا أكثر وقادرًا على مراوغة الخصوم بشكل سلس واللعب بطريقة ممتازة، وهذا بالضبط ما صار إليه نتانياهو وهو يمارس هوايته الأثيرة: الكذب! وحريٌّ بنا الإشارة إلى أنه عدّ نفسه في تصريح له عام 2019 «ميسّي السياسة الإسرائيلية»، في إشارة إلى أفضل لاعب كرة في العالم. إنه «يكذب بصدق» إذا جاز التعبير، ولم يبدُ مجسِّدًا فقط للمقولة الشهيرة التي تنسب لجوزيف جوبلز -وزير الدعاية النازية- «اكذب، اكذب، اكذب حتى يصدقك الناس، وفي النهاية سيصدقونك»، بل بدا كذلك أنه يصدق أن الهراء الذي تفوّه به طوال ستٍّ وخمسين دقيقة (هي مدة خطابه في الكونجرس) هي حقائق غير قابلة للدحض.
في كتابه «تاريخ الكذب» يخصص الكاتب الإسباني خوان خاثينتو مونيوث رنخيل فصلًا لـ«أكاذيب السياسة» نقل فيه تحليل الطبيب وعالم الرياضيات الإسكتلندي جون أربوثنوت لأنماط الخداع المختلفة التي استخدمها الساسة في عصره. توصّل أربوثنوت إلى تصنيف ثلاثة أنواع من الأباطيل، ليس من المفاجئ حقًّا أن نجد لها جميعها تمثيلات من خطاب نتانياهو في الكونجرس؛ الأول «الكذب المفترى» وهو ما يحاول انتزاع سُمعة شخص أو كيان اكتُسِبتْ عن جدارة، خشية أن تُستخدَم ضد توجهات السياسي الكاذب، ونمثّل على هذا من خطاب نتانياهو بإعادة ترديد الاتهامات ضد حركة حماس بالـ«بربرية» وقتل المدنيين الإسرائيليين في السابع من أكتوبر، أما النوع الثاني فهو «الكذب من أجل المبالغة» ويتمثل في إضفاء سمعة على الشخصية السياسية أكبر مما تحوزها، ويتبدى هذا في محاولته أن يُظهِر نفسه قائدًا كبيرًا يقتل الفلسطينيين لأنه «يحارب إيران»، وهو «يحاربها» لا ليحمي إسرائيل فقط، بل أيضًا ليحمي أمريكا! ولا يرضى بأقل من انتصار كامل على حماس. النوع الثالث من أباطيل الساسة حسب أربوثنوت هو «كذب الادعاء»، ويكمن في منح خصلة فعل حميد إلى آخر لم يفعله، ويتضح هنا في إحضاره معه في الكونجرس إحدى الأسيرات المحررات، وتأكيده في الخطاب أنه نجح في استعادة 135 من الأسرى منهم سبعة عبر عمليات إنقاذ خاصة، وأنه لن يهدأ له بال حتى يحرر جميع الأسرى، ليوحي بذلك أنه يبذل أقصى جهد في هذا الملف، بينما الحقيقة التي يعرفها القاصي والداني أنه هو لا سواه الذي يعطّل بخداعه ومماطلاته صفقة تبادل الأسرى منذ شهور. كما يكمن «كذب الادعاء» أيضًا في نزع خصلة فعل ذميم، عن شخص أو جهة ونسبه إلى آخر، ويتضح هذا في ادعاء نتانياهو أن إسرائيل لم تُجوِّع سكّان غزة كما اتهمها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وإنما «سكان غزة يشعرون بالجوع لأن حماس تسرق المساعدات الإنسانية»! وادعائه أيضًا أن الـ1203 الذين قتلتهم إسرائيل في رفح (والرقم الدقيق هذا نسبه نتانياهو إلى أحد قادة الجيش الإسرائيلي في رفح) لم يكن فيهم مدنيٌّ واحد! وكأن صور أشلاء الأطفال والنساء التي كنا نشاهدها على الشاشات محض أوهام وتخيلات!
كل من تعامل مع نتانياهو يعرف أن أهم خصاله الكذب، بمن في ذلك الإسرائيليون أنفسهم، بدءًا من طاقم حكومته الذي يعمل معه ولا يثق فيه، وليس انتهاء بتحليلات الصحف الإسرائيلية. وإذا كانت مهمة أي قائد سياسي في العالم هي السهر على مصالح بلاده، فإن نتانياهو وعبر عمره السياسي المديد لم يخدم كيان إسرائيل يومًا إلا إذا انسجم ذلك بالصدفة مع خدمتِه مصالحَه الشخصية، وهذا ما يؤكده ساسة ومحللون إسرائيليون كثر، من بينهم إيهود أولمرت -رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق- الذي يصفه بالقول: «نتانياهو مخادع ومدع، يقوم بما يراه مناسبا لنفسه فحسب، على حساب إسرائيل».
وإذن؛ فقد تفوق نتانياهو على كل كذابي التاريخ الحديث والقديم؛ في الحديث تجاوز جوزف جوبلز، حسب تصريح السياسي الفلسطيني مصطفى البرغوثي، وفي القديم تجاوز مسيلمة الكذاب، حسب مقال الكاتب الفلسطيني محمد هلسة الذي تساءل فيه عمّا إذا كان كذب نتانياهو كذبًا مَرَضِيًّا، «أي أنّه نزعة مستمرة وقهرية لقول الأكاذيب وسلوك الكذب المفرط، أم أنه آلية للتكيف طوّرها الرجل ارتباطًا بالنزعة النرجسية التي تحكم شخصيته، بحيث لا يعود يقلق بشأن العواقب المحتمَلة لكشف كذبه، ولا يعود بإمكانه التحكُّم في الرغبة في الكذب، ما يجعل الكذب لديه سلوكًا مستمرًّا مدى الحياة»! وشخصيًّا أميل إلى هذا التحليل الثاني، الذي يجعلني أشعر أنه إذا كان بقية البشر يتنفسون شهيقًا وزفيرًا، فإن نتانياهو الوحيد في هذا العالم الذي يتنفس كذبًا وخداعا.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
ما هو صاروخ “بار” الذي استخدمه الاحتلال لأول مرة في غزة؟
#سواليف
أعلن #جيش_الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الاثنين، استخدام #قذيفة_صاروخية جديدة من طراز ” #بار ” لأول مرة خلال العدوان المستمر على قطاع #غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ونشر جيش الاحتلال مقطع فيديو يوثق عملية الإطلاق، مشيرًا إلى أن صاروخ “بار” أطلق نحو أهداف داخل قطاع غزة، ويعمل وفق نظام توجيه ملائم لساحات القتال المعقدة، وقادر على إصابة الأهداف خلال وقت وجيز للغاية، بحسب ما أفادت به مصادر صحفية.
ويُعد “بار” من الصواريخ قصيرة المدى، وهو نسخة مطورة وأكثر دقة من صاروخ “روماخ”، ويزيد مداه الأقصى عن 35 كيلومترًا، وفق ما عرضته الصحفية سلام خضر في خريطة تفاعلية بثتها قناة الجزيرة.
مقالات ذات صلةويُطلق هذا الصاروخ الإسرائيلي من قاذفة إسرائيلية الصنع قادرة على حمل نحو 16 صاروخًا تُطلق بشكل متتالٍ.
ووفقًا لجيش الاحتلال، فإن إدخال صاروخ “بار” إلى الخدمة يهدف إلى تحقيق إصابة دقيقة للأهداف خلال فترة زمنية محدودة جدًا بين رصد الهدف واستهدافه. ولم يكشف جيش الاحتلال عن كامل المواصفات العسكرية والميدانية للصاروخ الجديد حتى الآن.
ومن المقرر أن تحل صواريخ “بار” محل صواريخ “روماخ” القديمة التي كانت تُطلق من راجمات الصواريخ المتعددة “إم 270″، وفق المصادر ذاتها.
ويأتي هذا الإعلان بالتزامن مع مواصلة الاحتلال لجرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، حيث استأنفت قواته منذ 18 مارس/آذار الماضي تنفيذ غارات عنيفة استهدفت بشكل رئيسي مدنيين ومنازل وبنايات سكنية وخيام تؤوي نازحين.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، يشن الاحتلال، بدعم أميركي مطلق على المستويين السياسي والعسكري، حربًا غير مسبوقة بحق الفلسطينيين في غزة، مترافقة مع حصار خانق أدخل القطاع في ظروف إنسانية كارثية وغير مسبوقة، وفق ما أفادت به تقارير حقوقية وصحفية.