علي المخمري يفتح شرفة جديدة على نهر الشعر
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
أصدر الشاعر العماني علي المخمري ديوانه الشعري الجديد بعنوان "نهر وشرفة" في 78 صفحة من القطع المتوسط عن دار الوطن للنشر بالمملكة المغربية، وتم إخراج الديوان فنيا على يد هند الساعدي، وصمم الغلاف أمير ناصر، ليضيف بذلك عملا أدبيا جديدا إلى المكتبة العمانية والعربية، يتضمن الديوان مجموعة من النصوص الشعرية المميزة التي تعكس تجارب وتأملات "المخمري" في الحياة والمشاعر الإنسانية.
يحتوي الديوان على النصوص التالية: حلم، مباراة، جدران، طفولة، إحباط، مداهمة، بلل، وطنية، أمل، تشوه، مسودة، مقاربة، أحلام، تعريفات، عطش، صلاحية، انفجار، يوم، نوستالجيا، عين، كآبة، حنين، كعكة، أصدقاء، جوهر، هبوط، عصفورة، مسارات، عودة، وظيفة، بالإضافة إلى براءة، سأم، سفر، ارتياب، مدخل، نسخة، وتكوين. يتناول المخمري في هذه النصوص مواضيع متنوعة تعكس براعة علي المخمري في التعبير عن مشاعر وأفكار عميقة بأسلوب شاعري فريد.
وعلي المخمري هو شاعر عُماني ينتمي إلى جيل التسعينيات الشعري في سلطنة عمان، ويعد من أبرز كتّاب قصيدة النثر في بلاده. أصدر المخمري عدة مجموعات شعرية متميزة على مدار مسيرته الأدبية، بدءا من "الخطوة الأولى لاجتياز قماطي" عام 1998، مرورا بـ"غيابات الجب" عام 2000، و"رجل لا يفرّق بين السكين والوردة" عام 2002، و"نُفاث" عام 2013، وصولا إلى "ترميم الأعمال الشعرية كشجرة مقطوعة ترقب الغيم، يليها لا أعرف ليلا غيرك (في كتاب واحد) عام 2015. تتميز أشعار "المخمري" بتركيزها على ثلاث ثيمات رئيسية هي الطفولة والمرأة والجذور، حيث يرى الشاعر أن الإنسان لا ينفصل أبدا عن طفولته، بل تظل هذه الطفولة تنمو معه وتكبر في داخله. ويجدر الذكر أن قصيدة النثر في عُمان، والتي يعتبر علي المخمري أحد روادها، قد واجهت في بداياتها الكثير من الجدل والمقاومة قبل أن تتمكن من الحصول على مكانتها وحضورها المميز في المشهد الشعري العُماني.
وحظيت أعمال الشاعر علي المخمري باهتمام نقدي واسع، حيث تناولتها العديد من الدراسات والقراءات النقدية، منها دراسة عبدالرزاق الربيعي عن "إغواءات الطفولة" في ديوانه الأول، وبحث د. ضياء خضيّر حول "طفولة الشعر وشعرية الطفولة" في أعماله، إضافة إلى تحليلات نقدية متنوعة تناولت جوانب مختلفة من شعره كالتراث والسيرة الذاتية والسرد، قدمها نقاد بارزون مثل د. خالد المعمري وإدريس الخضراوي ود. عزيزة الطائية وعدي العبادي، وتُرجمت مختارات من أعماله الشعرية إلى الإنجليزية والفرنسية والألمانية، كما أسهم المخمري بكتابات عديدة في الصحف والمجلات المحلية والعربية، مما عزز حضوره في المشهد الثقافي العربي.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
نصوص قبطية وسياقات تاريخية حول اتحاد مملكتي نوباديا (مريس) والمقرة: إعادة قراءة في ضوء المصادر
يُعدّ موضوع اتحاد مملكتي نوباديا (مريس) والمقرة من القضايا المفصلية في دراسة تاريخ السودان الوسيط، خاصة في علاقته بالكنيسة القبطية من جهة، وبالحضور الإسلامي في وادي النيل من جهة أخرى. فمنذ انهيار مملكة مروي في القرن الرابع الميلادي نتيجة للجفاف وتحركات سكانية كبيرة – كما تشير دراسات هيلسون وسامية بشير وهندرسون – برزت ثلاث ممالك نوبية كبرى: نوباديا، المقرة، وعلوة. وقد اعتنقت هذه الممالك المسيحية، وتبعت نوباديا الكنيسة القبطية بينما اتبعت المقرة المذهب الملكاني.
ومع تعدد الروايات حول توقيت وكيفية اتحاد نوباديا والمقرة، يقدم لنا المقال الأخير للدكتور أحمد الياس حسين مادة جديدة ومهمة تُستقى من نصوص قبطية نادرة، تشير إلى وجود توتر بين المملكتين استمر حتى أواخر القرن السابع الميلادي، وتطرح فرضية دقيقة بأن الاتحاد لم يتم قبل نحو عام 700م، وهو ما يخالف الرواية الكلاسيكية التي تضع الاتحاد قبل حملة عبد الله بن سعد على النوبة سنة 31هـ/652م.
في هذا المقال المطوّر، نعيد النظر في هذه الفرضية من خلال مقارنة النصوص القبطية، والمرويات الإسلامية، والدراسات الحديثة (خاصة Hendrickx وVantini)، ونتناول دلالات المصطلحات والمواقف السياسية-الدينية التي وردت في تلك النصوص.
أولاً: السياق السياسي والكنسي بين نوباديا والمقرة
ورد في سيرة البطرك إسحاق التي كتبها أبا منا نحو عام 700م أن ملك المقرة أرسل رسالة إلى بطرك الإسكندرية يشكو فيها من عجز كنسي بسبب منع ملك "موريتانيا" مرور الأساقفة من مصر إلى المقرة. وقد فُسِّر مصطلح "موريتانيا" خطأً على أنه إشارة إلى المغرب، بينما توضح الشروح والهوامش أن المقصود بها هو ملك نوباديا، استنادًا إلى تفسير يوحنا النقيوسي الذي يصف "بربر مديريتي النوبة وأفريقية" بالموريتانيين.
هذا المعطى مهم جداً لأنه يُثبت أن مملكة نوباديا كانت لا تزال قائمة ومتمايزة عن المقرة حتى بعد عام 67هـ/686م، أي بعد أكثر من ثلاثين عاماً من معاهدة البقط. كما أن رسالة البطرك إسحاق التي تدعو إلى المصالحة بين الملكين توضح أن العلاقة بين المملكتين لم تكن ودية في تلك المرحلة، وأن وحدة القرار الكنسي لم تكن ممكنة بعد.
ثانياً: نصوص معاهدة البقط وإشكالية تحديد الطرف الموقع
تشير رواية المقريزي إلى أن عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقّع معاهدة البقط مع "ملك النوبة"، دون ذكر اسم المملكة تحديداً. غير أن النص يشير إلى أن حدود هذه المملكة تصل إلى أسوان، ما دفع العديد من المؤرخين إلى الافتراض بأن نوباديا كانت قد دُمجت فعلياً تحت سلطة المقرة آنذاك. غير أن هذا التفسير يتنافى مع مضمون الرسائل القبطية التي تُظهر بوضوح استمرار وجود ملكين حتى بعد عقد المعاهدة.
ويبدو أن ما حصل لم يكن اتحاداً مؤسسياً نهائياً، بل ربما خضوعاً سياسياً تدريجياً من نوباديا للمقرة، دون أن يفضي ذلك فوراً إلى إلغاء الكيان السياسي لنوباديا، وهو ما يفسر تأخر وحدة الكنيسة والإدارة إلى ما بعد نهاية القرن السابع.
ثالثاً: البُعد الديني والصراع المذهبي كأحد أسباب الانقسام
كان التباين المذهبي عاملاً أساسياً في الفتور بين المملكتين. فقد تبعت نوباديا الكنيسة القبطية، بينما تبعت المقرة الكنيسة الملكانية في بداية الأمر، مما خلق نوعاً من "الازدواجية المسيحية" داخل بلاد النوبة. وبعد أن غادر بطرك الكنيسة الملكانية الإسكندرية في القرن الأول الهجري، خضعت الكنيستان في مصر والنوبة لسلطة البطريرك القبطي، مما مهد تدريجياً لتوحيد الرؤية الدينية، وبالتالي السياسية.
رابعاً: دلالات التسمية "موريتانيا" ومفاهيم الهوية النوبية في النصوص
من أهم الإشارات التحليلية التي تطرق إليها الدكتور أحمد الياس حسين هو استخدام مصطلح "موريتانيا" للإشارة إلى نوباديا. ويُظهر هذا الاستخدام كيف كانت مفاهيم الجغرافيا السياسية في النصوص الكنسية مرتبطة بالرؤية الرومانية القديمة التي تصنّف سكان الجنوب ضمن إطار "البربر"، دون دقة في التفريق بين النوبة وغرب شمال إفريقيا. هذا الفهم يساعد على تفسير الالتباسات في قراءة بعض المصادر البيزنطية والقبطية عن السودان القديم.
خامساً: نحو تأريخ أكثر دقة لاتحاد المملكتين
استناداً إلى الوثائق القبطية التي كتبها أبا منا، وإلى تحليل فانتيني وهندركس، يمكن القول إن الاتحاد الفعلي بين نوباديا والمقرة لم يتم قبل عام 700م، أي بعد عقود من معاهدة البقط. بل إن هذا الاتحاد كان على الأرجح عملية تدريجية امتدت على مدار النصف الثاني من القرن السابع الميلادي، عبر تقارب كنسي ثم إداري، حتى أضحت نوباديا إقليماً شمالياً ضمن مملكة المقرة الكبرى.
خاتمة: المقال الجديد للدكتور أحمد الياس يضيف بعداً مهماً لفهم المرحلة، ليس فقط عبر تقديم النصوص، بل من خلال تأويل دقيق لمفاهيمها وسياقاتها. ويظهر أن التاريخ النوبي في تلك الحقبة لا يمكن اختزاله في مجرد معاهدة سياسية، بل هو صراع مذهبي وجغرافي وهوياتي، انعكس في تأخر الاتحاد بين المملكتين. ومن هنا، تظل إعادة قراءة النصوص القبطية والإسلامية ضرورة لفهم تاريخ السودان المبكر بتوازن واستقلال عن الرواية الرسمية التقليدية.
zuhair.osman@aol.com