د. قاسم بن محمد الصالحي

حتى لا نتأثر بالمعايير المزيفة الكاذبة، علينا أن نحسم قدرتنا في الدفاع عن حقوقنا، وإبراز مظلوميتنا مع الآخر بشكل لا لبس فيه ولا مواربة؛ لأن الصراع مع الخارج غير المحسوم يؤدي لصراع داخلي مزعج ومقلق، ولتجنب ذلك علينا أن نفهم معايير بائعي الوهم في عالمنا المضطرب، قليلون هم من يتعاطون مع تسويق الأكاذيب وبيع الأوهام، ومروجها رأس كيان الوهن والضلال والكذب، بطريقة يقظة وإيجابية.

حيث تجاوز خطاب "كبير الواهمين" الذي ألقاه، للمرة الرابعة داخل سوق "عرصة" الضلال، كل الأعراف والملل، فوضع نفسه من على منصة "مناخ النفاق" فوق حقوق الشعوب، مخاطباً كل "كذبة العصر"، قائلا: "أنا كبيركم من علمكم بيع الوهم وتسويق الأكاذيب.. أنا من منحكم ميزة الغطرسة، من لا يخضع لغطرستي وجبروتي ينفى من على وجه الأرض.. إني آمركم أن تبنوا لي مكانة أعلى من مكانة البشر، لأرقى بها وأدوس على رقاب من خالفني وعصاني أو لم يشترِ وهم صهيونيتي .. أنا هو من يمن عليكم بما أنتم فيه، أحميكم، أدافع عنكم، أقاتل من أجل أوهامي التي أبيعكم إياها، إنْ لم تشتروا مني سأقطعكم وأنزع عنكم حمايتي، وتنالون غضبي".

لقد رجم  "الكذاب الأشر" قبل أن يدخل بيت الكذب ومناخ الضلال، لكنه نال المكاء والتصدية تحت قبته.. هو يستثمر مخزون الكذب الذي يملكه، ليضلل، ويمني، ويأمر زبانيته، يحرضهم ضد الفطرة الإنسانية، وقضاياها في الحاضر والمستقبل.

كنت أجلس في زاوية، أتابع شاشة التلفاز، التي تعرض للتو لعبة، بعنوان: بيع الوهم في "عرصة" الكونجرس -الدلال- يتصرف بطرافة وانهماك وانشداد مضحك.. بدأ، متباكيا، يصرخ، محركا جسده ويديه، في إيحاء أنه الكاهن، الساحر، ومؤرخ الصهيونية، حامي رأسماليتها، ومُسير أمورها.. كان بعض من صدق الوهم والأكاذيب يتربص من خطاب "قارون العصر" أن يقول شيئا يجسد واقع جبروته وظلمه، وفضاء سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، لكنه كان قد أخفق وهوى في جرف أوهامه وكذبه، أظهر فشلا ذريعا.. باع بضاعة نتنة، وعرض الكذبة الصادة، ثم المضادة، فيما يقوم به من جرائم بحق الفلسطينيين قائلا: إن أفعالي تأتي دفاعا عن أمريكا قبل أن تكون دفاعا عن كياني، إني حامي حمى السامية ومنقذ الديمقراطية.. من يقل غير ذلك، فهو دُمية في يد إيران وأعوانها، وأي مقاومة لأوهامي وكذبي هي معاداة للسامية، وعائق لكياني الذي أزعمه وأرتضيه.

رُبما استطعت أن أقرأ زوبعة "عرصة" بيت الضلال، لكنني لم أجد تشبيها فعليا لما جرى سوى أنه إفلاس أتى من مفلس باع أوهاما لإدارة إفلاس سياسي، أكملت دعمها لبضاعة أوهام وأكاذيب الكيان الغاصب.. إفلاس صادر عن كاذب خائب يبيع الوهم، ولا يزال في خطاب بدت مضامينه قراءة لتاريخ أسلافه سحرة بيع الوهم والضلال.. سافر إلى واشنطن فمارس ما ورثه عنهم، ليتحرر من قوقعة إجرامه المستمر، ويطرح على العالم زاوية كذبه، ويبتعد عن محور ذاته المهلك.. في وقت وصلت فيه المقاومة الحرة إلى نقطة اللارجوع، ونقطة اللا ثقة في كل ما يخرج عن بيت الكذب والضلال، فلقد حسمت المقاومة والشعب الفلسطيني والشعوب الحرة الأمر، وتَعِد "الكذاب الاشر" بأن تخلع عنه شرنقة فكره الواهن، ليجد عالما، لم يكن ليخطر في باله إن قد وجد أصلا.

أول شيء عند قراءتي لبعض من أوهام وأكاذيب "دلال" بني صهيون، وساحرهم الأكبر، أقول: خطابك، وإن بدت فيه الغطرسة.. نتائج زيارتك لواشنطن انتهت وقد كسدت بضاعتك قبل أن تعرضها في المزاد، نفس السردية تكررها في دائرة وهمك الباطل المنبوذ.. العالم الحر انتفض، قضي الأمر الذي كنت والمتصهينين معك واهمون فيه، لقد سمعت الشعوب الحرة أوهامك، وأكاذيبك، وتباكيك، ملّت وسئمت منها، إنها ممجوجة، لكنك ومع تماديك وساديتك وغطرستك، لم تقطع فيهم دبيب لحظة الفطرة الإنسانية، ولم يعد هناك شيء ما بداخل هذه الشعوب، يسهل به خداعها أو التهليس عليها.. لا تعبث بحرية الشعوب وآمالها من خلال بيعك للوهم، إنَّها أدركت أنك وكيانك أشد خطورة وأشد عداوة على إنسانيتها، وأنك أشد مكرا.

ظللت تتاجر بالتهليس والتدليس، وكانت مهمتك في واشنطن، هدفها منح أتباعك خلاصة كذبك، وإيهامهم برواج بضاعتك، التي يتمنَّاها المخدوعون بصهيونيتك، التي تعتاش على دماء الأبرياء، وبيع وهم قوة وديمقراطية كيانك، مقابل المزيد من الإبادة للشعب الفلسطيني، وسلب ثروات الشعوب الحرة.. لقد ذهبت وعودك وكلماتك عن ديمقراطية الكذب مع الرياح، نسي المخدوعون حكايتك الواهمه ولن تنال إلا مكاء وتصدية؛ لأن وهنك قد انكشف وعورة كيانك انفضحت.. أنت تجدد عملية البيع ذاتها وبنفس خداعك.

من خلال استعراضاتك التي شاهدتها على شاشة التلفاز، وشاهدها الأحرار معي، التي لا تنتهي ولا تتوقف، كنت مكشوف الغطاء، مفضوحا مذعورا، منحت الصهاينة والمتصهينين جرعات جديدة خادعة، مع ذلك صفق لك المصفقون وهتف الهاتفون، الذين أغويتهم، تحرقص بعضهم، لكنك في نهاية "عرصة الكونجرس" حظيت بالخيبة والأخفاقات.

أفلست من جديد، وأدمنت تلقي الضربات، وأصبحت مصابًا بعارض الهلوسة الكبرى، تنتابك كوابيس أرواح الإنسان المعذبة، وتنتظرك محاكم فيما اقترفت في حق المظلومين من أطفال ونساء وشيوخ، وقد جهز لك الداخل في كيانك قضايا حول ما سرقت واختلست، وزورت.. إنَّ كيانك في منزلق الانهيار، ربما لن تجد لك مكانًا فيه لتعود إليه، حتى في المقاعد الخلفية ضمن مشهد الأحداث المتسارعة فيه.. ستفرمك عجلات مجتمعك المصطنع، تنتظرك المزيد من الانتكاسات، فيما ارتكبته، وبما غمرت به أرض فلسطين المحتلة من جرائم، حتى فاضت به حبات الرمال من غربة احتلال كيانك المسخ، اللقيط.. سارع في الطلب من بيت الكذب والضلال أن يضمك، لتحتفظ بك أمريكا بين وجوه كالحة أخرى، حيث لا يمكن لهواء فلسطين أن يدخل صدرك الذي تعششت فيه جينات القتل والتعذيب والتشريد والعنصرية.. لقد حطَّم الطوفان صَنَمك الصهيوني، وستزيح المقاومة كل المقاومة إرث استعمارك البغيض، "طوفان القدس" منحها متنفسًا لحياة التحرر والانعتاق من نير أوهامك وأكاذيبك وضلالك.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

هل من نهاية لنفق الطغيان الطويل؟

21 ديسمبر، 2024

بغداد/المسلة:

علي مارد الأسدي

يفترض أن تحدث عمليات التغيير الكبرى والثورات الإصلاحية الحقيقية، التي تقوم بها الشعوب المقهورة، في الدرجة الأولى، بالضد من الركائز الثقافية والاجتماعية والسياسية التي تنشأ وتحمي وتدعم التسلط والطغيان والفساد، سواء كانت هذه الركائز متخفية تحت قبعة أو غترة أو شروال أو عمامة.

لكن ما نشهده في معظم البلدان الإسلامية هو عكس ذلك تمامًا. فالشعوب تسعى لإسقاط طغاتها الذين جاء بهم انقلاب عسكري في العادة، متذرعة بأسباب مقنعة، كعدم تطبيقه للقوانين المدنية التي وضعها بنفسه. ومع ذلك، وبعد معاناة طويلة، نجد أن هذه الشعوب هي نفسها من تستبدل طاغيتها الأوحد بطاغية آخر أو عدد من صغار الطغاة المنتخبين شكليًا، الذين يتسلحون بشرعيات مزيفة، سواء كانت دينية أو قبلية أو قومية.

وسرعان ما يعيد هؤلاء الطغاة المشهد ذاته، إذ يتحولون، مع حاشيتهم، إلى محميات فوق الدستور والقانون الذي شرعوه بأيديهم.

هذا الواقع يعني، ضمنيًا، أن النقمة ضد الدكتاتور الأوحد لم تكن بسبب طغيانه أو افتقاده للشرعية، بل لأنه متفرد بالسلطة، يرغب في الاستئثار بمغانمها وحده، أو على الأغلب مع أسرته، ولا يقبل أن يشاركه أحد في فساده واستبداده!

الثورة الحقيقية التي لم تأت بعد هي تلك التي تجتث عوامل الفساد والطغيان من جذور المجتمع، لكي تحرر الإنسان من نفسه قبل كل شيء، وتعيد له إنسانيته وحريته وكرامته المسلوبة.

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author زين

See author's posts

مقالات مشابهة

  • بائع حلوى في شبرا.. من يكون أبو لمعة الحقيقي؟
  • نحو منظور جديد للديمقراطية التمثيلية
  • الحوثي لنتنياهو: زوال كيانك حتمي.. والنصر للمستضعفين قادم
  • الموسوي من حورتعلا: ثبات المقاومة مع الجيش والشعب هو الذي يقدم الحماية
  • القراءة والمطالعة ونهضة الشعوب
  • حلوى دمشق تصبح ”حلوى أردوغان“!
  • علامات رئيسية تكشف الكذب في ثوان
  • 5 علامات في لغة الجسد تكشف الكذب.. لا تسمح لأحد يخدعك
  • هل من نهاية لنفق الطغيان الطويل؟
  • ما الذي يريده محمود عباس من مطاردته لرجال المقاومة بعد كل تلك الملاحم؟!