جريدة الرؤية العمانية:
2024-11-14@12:26:25 GMT

الضرائب: هل هي جباية مشروعة؟!

تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT

الضرائب: هل هي جباية مشروعة؟!

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي *

الضرائب التي تفرضها الحكومات على الرعية من أكثر القضايا إثارة للجدل عبر التاريخ، فقد ظهرت الضريبة لأول مرة قبل أكثر من 3 آلاف سنة، وارتبطت بالحكومات والأنظمة الاستبدادية التي تهدف لجمع الأموال من جيوب مواطنيها بدون وجه حق، فهي أسهل الطرق لإعداد الجيوش وتجهيزها للحروب والسيطرة على الآخرين في هذا العالم مترامي الأطراف، وكذلك يُعتبر ذلك أقصر الأساليب لجيوب الشعب للصرف على الملذات والحفلات وشراء القصور واليختات المصاحبة للمنظومة الحاكمة؛ فكان السوماريون والفراعنة والرومان أول الكيانات السياسية التي جمعت الضرائب من شعوبها في التاريخ.

ومع مرور الأيام تحوَّلت الضرائب إلى دخل أساسي لخزائن الحكومات في معظم دول العالم خاصة الدول الديمقراطية التي تعتبر الضريبة جزءًا من المشاركة السياسية في صنع القرارات؛ كون دافع الضرائب هو من يختار من يمثله في الحكومة المنتخبة من الشعب؛ فالأموال هنا تدفع مقابل المشاركة في صنع القرارات السيادية للبلد بالنسبة للمواطن.

أمَّا في الدول الفقيرة أصلا، فتجمع الأموال لرفع أرصدة كبار المسؤولين والمتنفذين وليس لتحسين وتطوير الخدمات الاجتماعية والاقتصادية كالتعليم والصحة والطرق وإيجاد فرص عمل للشباب. وفي هذه الأيام نتابع ما يحصل في جمهورية كينيا في القرن الإفريقي، من مظاهرات شعبية عارمة والتي أدت لسقوط الحكومة وإقالتها بعد عدة أسابيع من إعلانها عن زيادة الضرائب في بلد يعاني الأمرَّين من الفقر والبطالة، وعلى الرغم من إلغاء الضريبة الجديدة، إلا أنَّ المطالبات بالإطاحة برئيس الجمهورية المنتخب الذي حاول إنقاذ نفسه مُقابل التضحية بالوزراء مستمرة وبقوة. كم هي غبية تلك الحكومات التي تفرض الجبايات على المواطنين عشوائيًّا؛ بدون إجراء دراسات متعمقة على المجتمع الذي يفترض أن تطبق عليه تلك القرارات الصعبة. فقد رصدنا خلال العقود المنصرمة انهيار أنظمة وحكومات كثيرة بسبب التمادي في فرض الضريبة على المواطنين الذين يعانون من الفقر، ولعل القرار الجماعي الذي اتخذته حكومات دول مجلس التعاون الخليجي بفرض ضريبة القيمة المضافة واحدًا من تلك القرارات الصعبة وغير المتوقعة، وعلى الرغم من جمع مئات المليارات من الدولارات من هذه الضريبة الجديدة في هذه الدول النفطية التي لها أرصدة كثيرة تقدر بمئات المليارات في البنوك الغربية والسندات الأمريكية، والتي هناك من يشكك باسترجاعها مرة ثانية؛ في مختلف منظومة مجلس التعاون الخليجي، إلا أنَّنا لم نر أي تحسن في رفاهية المواطن الخليجي، بل الفجوة بين الطبقة العليا والطبقة المتوسطة تزداد يوماً بعد يوم، كما أنَّ خلق فرص العمل للشباب في هذه الدول لم تكن حسب طموحات الشعوب الخليجية التي يتضاعف فيها العاطلون كل عام في ظل غياب سياسات وطنية واضحة المعالم.

والسبب وراء ذلك الجمود والفشل في التخطيط الصحيح؛ في إدارة تلك القطاعات الاقتصادية، التي تعتمد على النفط بشكل شبه كامل؛ وعدم القدرة على إيجاد قاعدة عريضة من المصانع والحاضنات البديلة للنفط، وذلك لتنويع مصادر الدخل وإيجاد بدائل عن الاقتصاد الريعي الذي دام لعقود طويلة خلال العقود الذهبية لرتفاع أسعار النفط إلى مستويات قياسية، خاصة تطوير ودعم قطاعات الثروة السمكية والزراعة والسياحة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لعدم تطوير التعليم والإنفاق عليه بشكل صحيح؛ كون هذا القطاع الواعد أي التعليم هو الجسر الذي يمكن أن تعبر عليه المجتمعات الخليجية نحو المستقبل المشرق والوصول لمصاف الدول المتقدمة.

وتكمن الأهمية هنا فيما يفترض عمله والتركيز عليه؛ هو الإنسان واحتياجاته الأساسية خاصة الباحثين عن عمل، وعلى وجه الخصوص تطوير العقول وتنميتها والصرف عليها وليس فقط الإنفاق على بناء المدن وناطحات السحاب والمباني الاسمنتية التي تشتهر بها المنطقة؛ إذ يجب الاتجاه وبشكل سريع نحو ما يعرف بالاقتصاد المعرفي الذي يعدُّ الإنسان المتعلم هو بيت القصيد وقائد سفينة المستقبل؛ وذلك من خلال تشجيع الاختراعات وتخصيص الحاضنات في المناطق الصناعية والإنفاق عليها لرفد البلد باحتياجاتها الضرورية؛ بل والتصدير إلى الخارج مثل: فنلندا وسنغافورة ورواندا؛ إذ تعتمد هذه الدول على الإنتاج الفكري لشبابها ثم تحويل تلك الأفكار إلى مشاريع اقتصادية، وليس الموارد الطبيعية التي غير موجودة في الأساس في هذه الدول؛ بهدف خلق فرص عمل جديدة تعتمد على عقول مخرجات الجامعات الذين تمَّ تأهيلهم بشكل صحيح وحقيقي، مستفيدين بذلك من التكنولوجيا وعلى وجه الخصوص تقنية الذكاء الصناعي الذي أصبح يستخدم في مختلف المجالات الحياة.

ومن المفارقات العجيبة أنَّ الإستراتيجيات التنموية الخليجية التي يعلق عليها الجميع الآمال الكبيرة والمتمثلة في رؤى 2030 و2035 و2040 والتي بدأ تنفيذها في جميع دول المجلس لم تلامس طموحات المواطن الخليجي حتى الآن؛ رغم مرور سنوات على تنفيذها، وكأنها تنفذ في مناطق جغرافية بعيدة عن الخليج، وبالفعل فقد بدأ بعض المنظرين لهذه الخطط الاستراتيجية يعترفون بالتحديات الكثيرة التي تقف حجر عثرة في نجاحها، بعض ما كشف عنه يدور حول نقص في التمويل وأخرى عقبات في التخطيط السليم.

وفي الختام.. مشروع قانون ضريبة الدخل على الأفراد يخضع حاليا لدراسة مجلس عمان بغرفتيه، نأمل من المكرمين وأصحاب السعادة الأعضاء أن يقوموا بتشخيص الإيجابيات والوقوف على السلبيات لهذا المشروع إن وجدت. صحيح هذا القانون الجديد يستهدف الأغنياء وأصحاب الدخل المرتفع من التجار وكبار المسؤولين في الدولة التي استفادوا من خيراتها، وأسسوا مؤسسات وشركات عملاقة منذ فجر السبعين، ويمكن لهؤلاء الآن رد الجميل للحكومة والمجتمع خاصة أصحاب الدخل المحدود، ولكن هناك مخاوف من هروب الأموال وهجرتها خارج السلطنة، وذلك لتجنب دفع الضريبة والتهرب منها. وهنا استشهد بقول مؤسس علم الاجتماع المفكر العربي ابن خلدون قبل بضعة قرون حين قال: "الضرائب المرتفعة ستجعل الناس ينتشرون في كل مكان بحثًا عن القوت، وسيهربون إلى أماكن بعيدة خارج الولاية القضائية لحكومتهم".

 

* أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

82%  نمو أرباح "E7" قبل الضريبة خلال 9 أشهر

أعلنت مجموعة "E7"، اليوم الثلاثاء، نتائجها المالية محققة نمواً في صافي الربح قبل الضريبة بنسبة 82% ليصل إلى 180.8 مليون درهم خلال التسعة أشهر الأولى من العام الجاري، مع زيادة الهامش إلى 37%.

وقالت الشركة المدرجة في سوق أبوظبي للأوراق المالية، في بيان، إن صافي الربح بعد الضريبة ارتفع بنسبة 65% ليصل إلى 164.5 مليون درهم، مع زيادة الهامش إلى 33% مقارنة بهامش 21% على أساس سنوي.

وقال المهندس أحمد الشامسي، رئيس مجلس إدارة مجموعة "E7"، إن الشركة حققت نتائج قوية، ما يعكس التقدم المحرز في تنفيذ استراتيجية النمو الخاصة بالمجموعة وذلك في ظل النمو الاقتصادي في دولة الإمارات الذي يحفز في قطاعات متخصصة مثل الحلول الأمنية، لافتاً إلى أن الشركة تخطط لإجراء استثمارات كبيرة لتعزيز قدراتها على مدار الأشهر 12 المقبلة، مع التوسع في مجال التعبئة والتغليف المستدام.

من جانبه، قال علي سيف علي عبدالله النعيمي، الرئيس التنفيذي لمجموعة "E7"، إن نتائج الشركة القوية في الربع الثالث تعكس أداءها في جميع قطاعات أعمالها، وستواصل الشركة توسيع محفظتها من عقود العملاء طويلة الأجل، مما يعزز الرؤية المستقبلية للإيرادات.

إيرادات وبلغت إيرادات الشركة نحو 190.9 مليون درهم في الربع الثالث من عام 2024، مدعومة بتوقيع عقود مع عملاء جدد في قطاع التعبئة والتغليف.
كما بلغت إيرادات المجموعة في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 حوالي 491.7 مليون درهم، بزيادة قدرها 6% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق.
وبلغت الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الديون 391 مليون درهم في الربع الثالث من عام 2024، بزيادة قدرها 6% على أساس سنوي، فيما بلغ هامش الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الديون خلال الفترة 31%، ما يعكس الاستفادة من عقود التوريد طويلة الأجل والمستويات الثابتة من استخدام الطاقة الإنتاجية.
وفي الأشهر التسعة الأولى من عام 2024، ارتفعت الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك وإطفاء الديون بنسبة 5% لتصل إلى 129.9 مليون درهم.
ووصلت الأرصدة النقدية والبنكية لمجموعة "E7" في نهاية الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 إلى 1.44 مليار درهم، ما يساعد المجموعة على الاستثمار في فرص النمو الإستراتيجي.

مقالات مشابهة

  • العراق خارج القائمة.. الدول التي تضم أعلى عدد من المفاعلات النووية
  • ما الذي تراهن عليه تركيا في سوريا بعد فوز ترامب؟
  • السودان من أوائل الدول التي تعاني «سوء التغذية الحادّ»
  • منها دولة عربية.. قائمة الدول التي تضم أعلى عدد من المفاعلات النووية
  • ما الذي نعرفه عن المقاتلات الأمريكية التي تقصف الحوثيين لأول مرة؟
  • 82%  نمو أرباح "E7" قبل الضريبة خلال 9 أشهر
  • إسرائيل: الوحش الذي صنعه الغرب ولم يعد يسيطر عليه؟
  • قمة الرياض المزدوجة.. ما الذي سينبثق عنها؟
  • أسعار التذاكر في أوروبا "تحلق" مع الطائرات.. قصة الضريبة التي ارتفعت وسترتفع معها التكاليف
  • رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي: أخاطبكم باسم لبنان للتعبير عن هول الكارثة التي نعيشها هذه الأيام جراء العدوان الإسرائيلي الذي نشر الموت والدمار في انتهاك صارخ للقانون الدولي