المحن والمصائب تصنع الفكر
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
أحمد بن موسى البلوشي
المحن والمصائب دائمًا ما تكون مصدرًا للتعلم، وتطور الفكر، والنمو الشخصي. فعندما نُواجه تحديات وصعوبات في الحياة فإنها تدفعنا للتفكير، والخروج من مناطق راحتنا واكتساب تجارب وخبرات جديدة. كل هذا يمكن أن يؤدي لتطوير الفكر وتحسين الفهم الشخصي للمجتمع من حولنا. إضافة إلى ذلك، فإنَّ التجارب الصعبة يمكن أن تساعدنا في اكتشاف قوتنا الداخلية وإمكانياتنا التي لم نكن ندركها من قبل.
تتعرَّض العديد من المجتمعات لأوقات صعبة مليئة بالمحن والمصائب، التي قد تسبب مُعاناة وألمًا كبيرين للبعض. في مثل هذه الأوقات، يكون من الضروري أن يتحلى المواطنون بالقدرة على التفكير الإبداعي والتكيف مع الظروف المتغيرة. ففي ظل الأزمات، تتجلى أهمية تطوير الفكر وتبني إستراتيجيات مرنة لمُواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص للنمو والتطور. عند مواجهة محنة أو مصيبة، من المهم أن يتوقف المواطن للتأمل في أسباب وجوانب المشكلة المختلفة. يمكن للتأمل العميق أن يُساعد في فهم أبعاد الأزمة والبحث عن الدروس المستفادة منها. على سبيل المثال، أدى تأمل المجتمع في تداعيات جائحة كوفيد-19 إلى تعزيز الوعي بأهمية الصحة العامة والإجراءات الوقائية.
ومن الطبيعي أنْ يشعر الأفراد بالحزن أو الإحباط في أوقات المحن والمصائب، ولكنَّ النضج والعقلانية يُعدَّان أمورًا أساسية في التعامل مع المواقف الصعبة والأزمات. فيجب على الأفراد تجنب التفاعل العاطفي أو العشوائي مع الأحداث الصعبة، وبدلاً من ذلك، ينبغي عليهم التركيز على التفكير الهادئ والمنطقي الذي يُساعدهم على إيجاد حلول فعّالة. كما أنه من المُهم أن يقوم المواطنون بتقييم الوضع بشكل شامل واستقراري، وعدم الانجراف وراء الشائعات أو الأخبار غير المُؤكدة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الأفراد أن يتجنبوا نشر الإساءة أو زرع الانقسام بين أفراد المجتمع خلال الأزمات، وبدلاً من ذلك، ينبغي عليهم التركيز على الوحدة والتعاون. ينبغي للأفراد أن يستفيدوا من الأزمات كفرصة للتعلم والنمو الشخصي، وذلك من خلال تحسين مهاراتهم وزيادة معرفتهم في مجالات مختلفة. وأخيرًا، يجب على الأفراد أن يعتمدوا على المصادر الموثوقة والمعلومات الصحيحة أثناء اتخاذ قراراتهم وتحليل الأوضاع الصعبة، وعليه، يجب أن نتعلم الكثير من خلال هذه الأحداث، ونستثمر في تطوير قدراتنا على التكيف والتفكير الإيجابي، لنكون قادرين على مواجهة التحديات المستقبلية بثقة وإصرار.
في مواجهة المحن والمصائب يظهر دور صناعة الفكر بوضوح في تعزيز القدرة على التكيُّف والابتكار لدى المُواطنين. فالتأمل والتحليل العميق يُمكن أن يساعدا الأفراد على فهم أبعاد الأزمات والبحث عن حلول فعّالة. التخطيط المرن يساعد في التأقلم مع المتغيرات وتعديل الإستراتيجيات بمرونة لمواجهة التحديات الجديدة. الاستمرار في التعلم يعزز القدرة على التكيف مع التقنيات والممارسات الجديدة التي قد تنشأ خلال الأزمات. الدعم الاجتماعي يلعب دوراً أساسياً في تعزيز الروح المعنوية وتوفير الدعم العاطفي والمعرفي خلال الأوقات الصعبة. التفكير الإيجابي يساعد على إدارة العواطف والحفاظ على مناخ نفسي صحي، مما يزيد من قدرة الأفراد على التحمل والتكيف. إدارة الضغوط بشكل فعال تساعد في الحفاظ على الأداء العالي والتفكير الهادئ أثناء المواقف الصعبة. يمكن لهذه الاستراتيجيات الشاملة أن تساهم في تعزيز التواصل والتعاون بين أفراد المجتمع، مما يسهم في بناء مجتمع قوي ومتماسك قادر على مواجهة المستقبل بثقة وإيجابية.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
الندم المزيف
يكتسب الأفراد الخبرات من خلال التجارب المختلفة، والتي بشأنها صقل الشخصية، وتمنيتها. وفي هذه الرحلة، يواجه الأفراد الكثير من الاخطاء. ويجب وضع الأسباب التي أدت إلى الفشل، أو عدم اكتمال النتائج المرجوة، كما تم التخطيط لها سابقًا، وهذا الفشل بسبب الاخطاء، لديه توابع نفسية على ذات الفرد.
حينما يقع الفرد في الأخطاء، فإن هناك سياسة معينة في العقل الباطن، تظهر في هذه المرحلة، و يبدأ العقل برفع مستوى اللوم الذاتي على الفرد، فتسود حالة التوتر العام، ويبدأ شعور اللوم بالذات بالانخفاض بمجرد ما يبدأ الفرد بالتفكير الايجابي، والبدء بالخطط الجديدة.
وممّا لا شك فيه، أن لوم الذات، هو شعور تابع للشعور الأصلي، ألا وهو الندم بسبب الوقوع في الأخطاء، وقد يظهر الفرد لذاته أنه نادم على القرارات السريعة، أو سوء التخطيط، وإضاعة الوقت حتى لا يشعر بالذنب تجاه نفسه، وليس هذا فحسب، قد تكون الأخطاء ليست خاصة بالفرد، بل تمتد إلى علاقات الفرد الاجتماعية أيضًا.
وقد ينجح الفرد بتمثيل الندم على عقله، وربما تنجح هذه العملية لتهدئة الأعصاب، ولكنها خطة أشبه بتسّكين الألم المؤقت، وسرعان ما تزول هذه الخطة تدريجياً حتى يجد الفرد نفسه أمام مشكله كبيرة مع نفسه، حيث أن الندم المزيَّف الذي لا يعقبه أي تغيير، يتحول إلى ندم حقيقي، ويتحول إلى لوم ذاتي مُدمِّر.
على البشر جميعاً، معرفة أن الوقوع في الاخطاء، أمر طبيعي، وظاهره مؤلم، لكن باطنه تنموي وتطويري للذات، وهذا يعني أن الأفراد ليسوا بحاجة إلى تمثيل الندم على الذات، أو التظاهر بالندم المزيَّف أمام الآخرين، بل عليهم أن يكونوا أكثر حزمًا مع أنفسهم، وأن لا يظهروا عكس ما يداخلهم، وذلك لضمان سلامتهم النفسية والجسدية.
fatimah_nahar@