شهدت الساحة السودانية مؤخرًا حراكًا سياسيًا مكثفًا، حيث اجتمعت معظم القوى السياسية والمدنية في القاهرة، تبعتها اجتماعات أخرى تحت مظلة الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا، بجانب مناقشات حول المسار الإنساني بين الحكومة وقوات الدعم السريع في جنيف. كما زار وفود من السعودية وأثيوبيا وقطر مدينة بورتسودان.

في هذا السياق، أعلن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عن دعوة الولايات المتحدة للقوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات لإنهاء الحرب بالسودان، المقررة في 14 أغسطس بسويسرا، برعاية أمريكية، سعودية، سويسرية.

موافقة سريعة 


سارع قائد الدعم السريع، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، إلى الموافقة على الدعوة الأمريكية فور إعلانها. بالمقابل، لم تصدر الحكومة السودانية بيانًا رسميًا حتى الآن بشأن قبولها أو رفضها للمبادرة.

تساؤلات حول التوقيت والمكان
تأتي هذه المبادرة الأمريكية وسط تساؤلات حول توقيتها ومكانها، خاصة بعد خمسة عشر شهرًا من اندلاع الحرب. يتساءل البعض عن جدوى نقل المفاوضات من جدة إلى جنيف، وما إذا كان هذا يمثل محاولة لتفريغ منبر جدة من محتواه والبدء من جديد، مما قد يخفف من التزام الدعم السريع بما سبق وأن وافق عليه.

الشكوك حول النوايا الأمريكية
تثار أيضًا تساؤلات حول الهدف الحقيقي من هذه التحركات لإنهاء الأزمة، وهل هي نية أمريكية صادقة أم مجرد دعاية للإدارة الأمريكية الحالية مع اقتراب الانتخابات.
انقسمت الآراء في السودان حول المبادرة، حيث يرى البعض أنها محاولة لاختطاف منبر جدة، بينما يعتبرها آخرون فرصة ذهبية يجب استغلالها لإنهاء الحرب في البلاد.

وزارة الخارجية السودانية


من جانبها، أعلنت وزارة الخارجية السودانية، يوم الخميس الماضي، عن تلقيها دعوة من الولايات المتحدة للمشاركة في محادثات لوقف إطلاق النار تُعقد في سويسرا منتصف أغسطس المقبل. وصرحت الوزارة بأنها ستجري مشاورات حول المبادرة الأمريكية مع الجهات الأخرى للرد عليها من حيث الشكل والمضمون.

مكاسب سياسية


قال المحلل السياسي السوداني، عمرو شعبان، إن المبادرة الأمريكية من المتوقع أن تحقق تقدمًا أكبر من مبادرة جدة، خصوصًا أن الديمقراطيين يحاولون خلال تلك الفترة كسب بعض النقاط في السياسة الخارجية مع تقدم الجمهوريين مشيرًا إلى أن هذه هي المرة الأولى التي تأتي فيها المبادرة بشكل مباشر من الإدارة الأمريكية، مما يعتبر خطوة حقيقية لوقف الصراع في السودان.

وأضاف شعبان في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن وقف الحرب ليس بيد الجيش أو الدعم السريع، بل بيد الداعمين لهما الذين ينتقدون المبادرة السابقة.

عمرو شعبان موقف الدعم السريع


علق المحلل السياسي السوداني على موافقة الدعم السريع على المبادرة الأمريكية قائلًا: "إن الدعم السريع يوافق على تلك المبادرة في رسالة منه بأنه لا يريد الحرب".

آمال وتحديات


أوضح المحلل السياسي السوداني محمد الأمين أبو زيد، أن دعوة الولايات المتحدة لجولة مفاوضات جديدة في جنيف بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع تأتي بعد فترة من الحراك السياسي الملحوظ.

وأشار إلى أن التحول إلى جنيف بدلًا من جدة كمنبر للمفاوضات يعكس اهتمامًا أمريكيًا ودوليًا متزايدًا. وقد جاء هذا الاهتمام بعد جهود أمريكية مكثفة بقيادة المبعوث الأمريكي توم بيرلو، إلى جانب الحراك السياسي في القاهرة وأديس أبابا، وزيارات الرئيس الإثيوبي للسودان، وتحركات المبعوث الأممي رمطان لعمامرة.

وأضاف أبو زيد في تصريحات خاصة لـ "الفجر"، أن التغيير في مكان المفاوضات وتوسع التمثيل الدولي، مع وجود مصر والسعودية والإمارات والاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي وسويسرا كمراقبين، يعكس اهتمامًا أمريكيًا كبيرًا. ومع ذلك، يظل التوقيت عنصرًا جدليًا، خاصة في ظل الاستعدادات الأمريكية للانتخابات الرئاسية وتزايد التحديات الإقليمية والدولية.

محمد الأمين أبو زيد ردود الفعل


لفت المحلل السياسي السوداني إلى أن موافقة قوات الدعم السريع على الدعوة الأمريكية، بينما لم تصدر قيادة الجيش السوداني بيانًا رسميًا بشأن قبول أو رفض المبادرة،  وقد تؤثر ردود الفعل من قبل الجيش بشكل كبير على نجاح المبادرة، حيث تشير التعليقات إلى احتمال رفض غير مباشر أو شروط مسبقة للتفاوض.

الآمال والتحديات


اختتم رغم التحديات، رحبت القوى المدنية والسياسية في السودان بالمبادرة، معتبرة إياها فرصة حاسمة لوقف الحرب وإعادة الانتقال المدني الديمقراطي. يعتمد نجاح المبادرة على الإرادة السياسية للطرفين وقدرتهما على تلبية تطلعات الشعب السوداني لإنهاء النزيف والدمار.

المصدر: بوابة الفجر

كلمات دلالية: السودان الازمة السودانية تداعيات الأزمة السودانية المبادرة الأمريكية المبادرة الأمریکیة الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

انقسام ليبي بشأن مبادرة المبعوثة الأممية لحل الأزمة السياسية

طرابلس- تعيش ليبيا حالة من الجمود السياسي المستمر منذ تأجيل انتخاباتها العامة التي كانت مقررة نهاية عام 2021، وانعكس ذلك على المشهد العام في البلاد.

فمع استمرار الانقسام المؤسسي وتشكيل مجلس النواب للحكومة الموازية تفاقمت الأزمات السياسية والاقتصادية وبلغت ذروتها، خاصة مع تصاعد الخلاف على مصرف ليبيا المركزي، مما هدد استقرار المنظومة المالية للبلاد قبل التوصل إلى تسوية خففت حدة التوترات.

وفي ظل هذا التعقيد برزت جهود دولية جديدة للبحث عن مخرج للأزمة، إذ أطلقت المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة ستيفاني خوري مبادرة جديدة لحل أزمة القوانين الانتخابية الخلافية وتشكيل حكومة توافقية للوصول إلى الانتخابات عبر تشكيل لجنة استشارية لحلحلة المسائل الخلافية.

وخلال إحاطتها الأخيرة أمام مجلس الأمن الاثنين الماضي قالت خوري إن "أي حكومة جديدة قد تنبثق عن مفاوضات ليبية- ليبية يجب أن تلتزم التزاما صارما بالمبادئ والضمانات والأهداف والآجال الزمنية للوصول إلى الانتخابات كشرط لشرعيتها والاعتراف بها دوليا".

وبعد إطلاق المبادرة الجديدة أعلنت كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة في بيان مشترك لسفارات الدول الخمس في ليبيا الثلاثاء الماضي دعمها المبادرة الأممية الجديدة، وحثت جميع الأطراف على المشاركة فيها، ودعتها إلى الامتناع عن أي مبادرة موازية وغير منسقة، مؤكدة دعمها بقوة الجهود الشاملة للتوصل إلى اتفاق سياسي قادر على توحيد الحكومة وإنهاء مسار التفتت.

إعلان تحرك المياه الراكدة

وكان من اللافت في مبادرة خوري تجاهلها دور مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة اللذين يمثلان الهيئتين التشريعيتين الرئيسيتين في ليبيا، مما دفعهما إلى عقد اجتماع تشاوري أول أمس الأربعاء بين أعضاء من المجلسين قارب عددهم 100 شخصية في مدينة بوزنيقة المغربية.

وخلص الاجتماع إلى الاتفاق على تشكيل 5 لجان مشتركة، أهمها لجنة لبحث إعادة تكليف سلطة تنفيذية جديدة تتألف من حكومة ومجلس رئاسي جديدين، ويكون من مهامها التواصل مع البعثة الأممية ومع الأطراف المحلية والدولية بهذا الشأن.

ويرى عضو مجلس النواب عصام الجهاني -وهو أحد المجتمعين في بوزنيقة- في تصريح للجزيرة نت أن مبادرة خوري "قاصرة وغير واضحة.."، مؤكدا في الوقت نفسه دعمه أي مبادرة "تحرك المياه الراكدة".

وأكد الجهاني أن ذهابه إلى اجتماع بوزنيقة جاء نتيجة التحركات الدولية التي دفعت المجلسين إلى التشاور من أجل وضع خطة متكاملة لتحقيق كل الاستحقاقات، مؤكدا أن "أي حكومة جديدة لا بد أن ترتبط بالاستحقاق الانتخابي، وهو ما يستدعي التنسيق والبحث عن ضمانات حقيقية لتجنب تكرار التجارب الفاشلة سابقا"، حسب تعبيره.

آراء متباينة

محليا، انقسمت المواقف بشأن المبادرة بين مؤيدين يدعمونها بلا تحفظ، وآخرين يرحبون بها بحذر، ومعارضين يرفضونها بشكل قاطع، فقد رحب كل من خالد المشري ومحمد تكالة المتنازعين على شرعية رئاسة المجلس الأعلى للدولة بمبادرة خوري، في حين عبر عضو المجلس الرئاسي عبد الله اللافي عن دعمه الكامل لإطلاق عملية سياسية شاملة برعاية "البعثة الأممية للدعم في ليبيا".

وفي السياق ذاته، أكد رئيس مجلس النواب عقيلة صالح خلال لقائه القائم بأعمال السفارة الأميركية في ليبيا جيريمي برنت الثلاثاء الماضي أهمية بذل كل الجهود لدعم المساعي الأممية للدفع بالعملية السياسية وتشكيل حكومة موحدة في مدد محددة، هدفها إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

إعلان

من جهة أخرى، اتهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة مجلس النواب بعرقلة العملية الانتخابية واستمرار المراحل الانتقالية.

وأضاف الدبيبة في تصريحات له أمس الخميس أن لجنة الدستور المنتخبة من الشعب قدمت مسودة دستور إلى مجلس النواب الذي رأى أن مصالحه لا تتوافق معها فجعلها حبيسة الأدراج، مشيرا إلى أن حكومته جاهزة لتسليم السلطة إلى حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية.

وأصدر أعضاء مجلس النواب فوزي النويري وسالم قنان وطلال الميهوب وعائشة شلابي بيانا مشتركا قالوا فيه إن إحاطة ستيفاني خوري وخطتها تمثلان "عبارات عامة ومواقف مكررة لا تلبي تطلعات الليبيين"، مؤكدين رفضهم القاطع "أي محاولة لفرض حلول خارجية"، على حد وصفهم.

مراقبون يتخوفون من تكرار المراحل السابقة والاستمرار في مسلسل المراحل الانتقالية (الصحافة الليبية) الحل

بدوره، يرى المحلل السياسي فرج فركاش أن خوري -كغيرها من المبعوثين- أهملت الإطار الدستوري "الذي يعد الحل الأمثل لنصف الأزمة الليبية، إذ لن ترى الانتخابات النور دون دستور توافقي يرسم شكل الدولة وينظم العلاقة بين السلطات والمؤسسات"، حسب تصريحه للجزيرة نت.

أما عضوة المجلس الأعلى للدولة أمينة المحجوب فانتقدت المبادرة، واستبعدت -في تصريحها للجزيرة نت- نجاحها في ظل تضارب المصالح الدولية بشأن ليبيا.

وشددت المحجوب على الحاجة الماسة إلى دستور دائم "بدل الخوض في صياغة قوانين معيبة"، حسب وصفها.

أما عضو المجلس الأعلى للدولة بلقاسم قزيط فقال إن المبادرة "جاءت في وقتها بعد مرور 4 سنوات على حكومة لم تنجح في تحقيق أهدافها"، داعيا إلى تجنب الحكم عليها لأنها غير واضحة المعالم، ولكنه انتقد خلوها من ذكر أي دور للمجلسين.

وأضاف قزيط في تصريح للجزيرة نت "إذا كان التحرك الدولي جادا ويوفر الأدوات المناسبة فمن الممكن التوصل إلى حلول حقيقية للأزمة، لكن الصعوبة هي في كيفية ردع الدول التي تصفي حساباتها الدولية على الأراضي الليبية، وهو ما فشلت البعثة الأممية في إنجازه"، حسب تعبيره.

إعلان

من جهته، يرى عضو مجلس النواب عبد المنعم العرفي أن المبادرة يمكن البناء عليها في ظل الانسداد السياسي.

وأضاف العرفي في حديثه للجزيرة نت أن "نقطة الخلاف هي في تشكيل اللجنة الفنية"، موضحا أن تشكيل لجنة مكونة من 150 شخصا دون آلية واضحة ومعايير محددة سيؤدي إلى تكرار خطأ حوار جنيف السابق نفسه الذي أنتج حكومة الدبيبة، "وكانت نتائجه أسوأ من المتوقع"، حسب وصفه.

بدوره، يعتقد المحلل السياسي عبد الله الكبير أن خوري لم تجد دعما حقيقيا من الأطراف الدولية ولا الأطراف المحلية لإطلاق مبادرة حقيقية لحل أزمة الوصول إلى الانتخابات، مضيفا أن "الطريق في هذه المبادرة طويل لا تحتمله الأزمة الليبية، ويعكس الموقف الدولي الذي لا يريد حلولا جذرية للأزمة".

وأضاف الكبير خلال تصريحه للجزيرة نت أنه كان من اللافت مطالبة المندوب الروسي بتعيين مبعوث أممي جديد إلى ليبيا يوم إحاطة خوري في مجلس الأمن، "وهو ما يعكس رفض موسكو أي مبادرة تطلقها خوري الأميركية الجنسية، متوقعا أن يؤول مصيرها إلى الفشل"، حسب قوله.

ووسط كل تعقيدات المشهد الليبي وتضارب المصالح الداخلية والخارجية تبدو مبادرة خوري أقرب إلى محاولة أخيرة قبل نهاية ولايتها في يناير/كانون الثاني المقبل، لكن مصير المبادرة يبقى رهينا بتجاوب الأطراف المحلية وفاعلية الدور الأممي والدولي في الضغط لإيجاد حلول ناجعة للأزمة.

مقالات مشابهة

  • القوة المشتركة تسيطر على أكبر قاعدة عسكرية لقوات “آل دقلو” وتستولي على مركبات وفرار قائد للدعم السريع والجيش السوداني يعلق” فيديو”
  • أطباء بلا حدود: قوات الدعم السريع هاجمت مستشفى بالعاصمة السودانية
  • السودان يطلب من الولايات المتحدة الضغط على الإمارات بشأن الدعم السريع
  • انقسام ليبي بشأن مبادرة المبعوثة الأممية لحل الأزمة السياسية
  • في جلسة لمجلس الأمن.. السودان يكشف بالأدلة عن شحنات سلاح مضطردة من الإمارات للدعم السريع ومهابط سرية لطائرات داخل السودان ويدفع مطالب عاجلة ويعلن عن “خطة” فيديو
  • واشنطن تعيد تقييم مزاعم الإمارات حول عدم تسليح الدعم السريع
  • رغم تأكيد الإمارات.. واشنطن تعيد تقييم مزاعم أبو ظبي حول عدم تسليح الدعم السريع
  • كركوك.. كتلة الديمقراطي تنهي الأزمة بعد مشاجرة الحمايات
  • السوداني يعلن تقديم ورقة عمل عراقية بشأن الأزمة السورية ويؤشر تداعيات غير مسبوقة بعد 7 اكتوبر
  • السودان: أحكام بالسجن المؤبد والإعدام في قضايا تعاون مع “الدعم السريع”