تصديق جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي.. الأسباب والتداعيات
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
بعد 12 عامًا من توقيع جنوب السودان على اتفاقية التعاون الإطاري لدول حوض النيل "عنتيبي"، وافق برلمان جوبا بالإجماع على التصديق على الاتفاقية، لتصبح الدولة السادسة التي تصادق عليها بعد إثيوبيا، رواندا، تنزانيا، أوغندا، بوروندي. وبذلك تدخل الاتفاقية حيز النفاذ بموجب المادة 43 منها التي تنص على تفعيلها بعد 60 يومًا من إيداع سادسة دولة تصديقها لدى الاتحاد الأفريقي.
تعد اتفاقية الإطار التعاوني Cooperative Framework Agreement (CFA) المعروفة اختصارًا بـ"عنتيبي"، أول محاولة لوضع إطار قانوني مؤسسي لدول حوض النيل مجتمعة، اتساقًا مع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لاستخدام المجاري المائية الدولية في غير أغراض الملاحة لعام 1997، التي طالبت الدول المعنية في كل حوض بوضع إطار قانوني ملزم يحدد تفاصيل استخدام الموارد وآليات فضّ النزاعات بينها. وستحل الاتفاقية الجديدة بديلًا لمبادرة دول حوض النيل التي تم التوقيع عليها عام 1999، وكانت بمثابة منتدى غير ملزم للدول الأعضاء.
دوافع التصديق وآثارههذا التصديق يثير تساؤلين أساسيين ينبثق عنهما العديد من الأسئلة الفرعية:
دوافع جنوب السودان للتصديق، الآن، بعد 12 عامًا؟ هل ترتبط بمصالح جنوب السودان، أم بحوافز من دول أخرى مثل إثيوبيا، باعتبارها الفائز الأكبر من دخول الاتفاقية حيز التنفيذ؟ أم أن هناك دولًا إقليمية ودولية أخرى وراء ذلك؟ وهل تأخر هذا التصديق؟ ما الآثار المترتبة على دخول الاتفاقية حيز التنفيذ على مصر والسودان، وإثيوبيا وباقي دول حوض النيل؟ تصديق مفاجئ ومتأخريمكن القول إن هذا التصديق اتسم بكونه مفاجئًا ومتأخرًا في الوقت ذاته. فهو مفاجئ؛ لأن المتوقع هو تصديق كينيا التي كانت سابقة لجنوب السودان في التوقيع على الاتفاقية، كما أنه جاء متأخرًا 12 عامًا، وكان يُفترض أن يصادق عليه البرلمان منتصف العام الماضي. لكن يبدو أن الضغوط الدبلوماسية المصرية والإثيوبية والتي تدفع كل واحدة منهما في اتجاه، ساهمت في عدم حسم الأمر حينها.
هذه الضغوط استمرت حتى قبل أيام من التصديق، فوزير الري المصري زار جنوب السودان نهاية الشهر الماضي؛ لافتتاح عدد من المشروعات، قبل أسابيع قليلة من هذه الخطوة. وقبل يومين فقط من موافقة البرلمان على الاتفاقية، وقعت جنوب السودان وإثيوبيا اتفاقيات؛ لإقامة طرق برية على الحدود بينهما، فضلًا عن إقامة خط أنابيب لنقل نفط جنوب السودان عبر إثيوبيا إلى ميناء جيبوتي، أو ميناء بربرة في أرض الصومال، ومنهما إلى العالم الخارجي.
وجاء مشروع خط الأنابيب بعد الاضطرابات الأخيرة في السودان التي منعت نقل النفط عبر ميناء بورتسودان على البحر الأحمر. وقد تعهدت أديس أبابا بتحمل تكلفة المشروع المقدرة بـ 738 مليون دولار، على أن تقوم جنوب السودان بالسداد من خلال توريد النفط الخام إليها.
انحياز لإثيوبياتصديق جنوب السودان الذي انحاز للموقف الإثيوبي الداعم لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ، يرجع لعدة أسباب:
رغبتها في الاستفادة من المشاريع المشتركة التي ستترتب على الاتفاقية: بعض هذه الجوانب عبرت عنها لجنة الموارد المائية والري بالبرلمان قبل عملية التصديق، ومنها تعزيز إمكانات الطاقة الكهرومائية، والتغلب على النقص المزمن في الكهرباء وانقطاعاتها المستمرة في البلاد، ومعالجة مخاوف الأمن المائي مثل الجفاف والفيضانات وتأثيرات تغير المناخ.جنوب السودان تعد من الدول ذات الوفرة المائية، إذ يبلغ إجمالي موارد المياه المتجددة السنوية للشخص الواحد هناك 3936 مترًا مكعبًا، وهو من أعلى المعدلات وفق مقياس Falkenmark Water Stress Index للإجهاد المائي. مشاكل توزيع المياه والبنية التحتية: تكمن المشكلة في جنوب السودان في توزيع المياه وتوفير البنية التحتية لنقلها لجميع أنحاء البلاد، وبالتالي باتت الحاجة للبحث عن مشاريع مشتركة لضمان عملية التوزيع، خاصة في ظل وجود أماكن تتعرض للجفاف في أقصى الشمال والجنوب. مواجهة التداعيات السلبية للأزمة الإنسانية: تمر جنوب السودان بأسوأ أزمة إنسانية في العالم بعد تفاقم عمليات النزوح؛ بسبب الحرب في السودان المجاورة العام الماضي، فضلًا عن الجفاف الذي ضرب مناطق عدة في البلاد، ونجم عنه معاناة قرابة ثمانية ملايين نسمة "ثلثي السكان"، من انعدام أمن غذائي شديد، وواجهت البلاد أسوأ أزمة جوع في تاريخها. تقوية موقفها التفاوضي: تسعى جنوب السودان لتقوية موقفها التفاوضي عند بحث ملف تقاسم المياه مع السودان. رغم أن جنوب السودان لا تعترف باتفاقية 1959 لتقسيم مياه النيل بين مصر والسودان، إلا أنها تظل إحدى القضايا العالقة بين الجانبين منذ استقلال جنوب السودان في 2011. رغبة النظام في إحراز أي إنجاز قبل الانتخابات المقررة نهاية هذا العام: خاصة في ظل استمرار العنف والاضطرابات الأمنية في البلاد منذ أوائل هذا العام، واضطرار الأمم المتحدة لنشر قوات حفظ سلام إضافية، مع تمديدها العقوبات المفروضة على البلاد؛ بسبب استمرار انتهاكات حقوق الإنسان، فضلًا عن استمرار التمرد المسلح جنوب البلاد بقيادة توماس سيريلو وجبهته الوطنية للخلاص. الضغوط الإقليمية الإثيوبية
ويمكن القول إن تصديق جوبا على اتفاقية عنتيبي يعد ثمرة الجهود الإثيوبية الدؤوبة لإقناع كل من جنوب السودان وكينيا بالتصديق على الاتفاقية لتدخل حيز التنفيذ. إثيوبيا تسعى لإثبات هيمنتها في حوض النيل، وإجبار مصر على الانصياع للاتفاقية بشكلها الحالي بعد رفضها الشديد للتحفظات المصرية. وقد وصف رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد هذا التصديق بأنه لحظة تاريخية لبلاده.
لقد حاولت إثيوبيا تقديم نفسها لدول المنطقة على أساس تحقيق المصلحة المشتركة للجميع، واستخدمت في ذلك مجموعة من الأدوات الاقتصادية والدبلوماسية. فعلى سبيل المثال، لديها مصالح اقتصادية في سوق جنوب السودان الناشئة وفي ثروتها النفطية، ووقع البلدان اتفاقية بشأن التجارة والتنمية الاقتصادية والكهرباء والنقل؛ فضلًا عن مشروع الطريق البري وأنبوب النفط.
فيما يتعلق بالجانب السياسي والأمني، لعبت إثيوبيا دورًا هامًا في انفصال واستقلال جنوب السودان عن السودان عبر دعمها للجيش الشعبي لتحرير السودان. كما أنها شاركت بدور هام في عملية صنع وحفظ السلام بين السودان وجنوب السودان خاصة في منطقة أبيي المتنازع عليها. هذا هو الفارق بين الجهود الإثيوبية والمصرية، حيث تركز إثيوبيا على الجوانب التنموية والدفاعية والاستخباراتية.
تداعيات التصديق على عنتيبيوسيكون لدخول هذه الاتفاقية حيز التنفيذ، تداعيات عديدة:
الانتقال من مبادرة حوض النيل إلى مفوضية حوض النيل: الانتقال من مبادرة حوض النيل، وهي ترتيب انتقالي، إلى مفوضية حوض النيل، وهي مفوضية دائمة تشرف على تنفيذ الاتفاقية. إنهاء فكرة الحقوق التاريخية المكتسبة لمصر: وسيكون الحديث بدلًا من ذلك عن مبدأ الاستخدام العادل "المنصف" والمعقول. تطوير إجراءات الإخطارات التفصيلية: إنشاء مبادئ توجيهية لتبادل البيانات، وتقييمات الأثر البيئي، وحل النزاعات. إمكانية تصديق دول أخرى: تلعب إثيوبيا دورًا في ذلك عبر عدد من المشاريع الإقليمية. إمكانية انضمام السودان للاتفاقية: السودان مستفيد أيضًا من سد النهضة، والتقارب الأخير بين إثيوبيا والبرهان قد يؤدي إلى إمكانية انضمام السودان لهذه الاتفاقية مستقبلًا. تأكيد الهيمنة الإثيوبية في منطقة حوض النيل على حساب مصر: استمرار اتباعها سياسة الأمر الواقع، وعدم التشاور في استكمال عملية الملء والتشغيل الخاصة بسد النهضة. حصول المفوضية الجديدة على المشروعية القانونية الدولية: إمكانية الحصول على التمويل الدولي للمشاريع المشتركة.الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الاتفاقیة حیز التنفیذ على الاتفاقیة دول حوض النیل جنوب السودان فضل ا عن
إقرأ أيضاً:
وزير خارجية الصومال يطلع نظيره المصري على اتفاق نبذ الخلافات مع إثيوبيا في أنقرة
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- أجرى وزير الخارجية الصومالي، أحمد معلم فقي، مساء السبت، اتصالا هاتفيا بنظيره المصري، بدر عبدالعاطي، أطلعه خلاله على اتفاق "نبذ الخلافات" التي أعلنت تركيا التوصل إليها بين الصومال وإثيوبيا، مؤخرا.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أعلن، الأربعاء الماضي، التوصل إلى "اتفاق تاريخي" بين الصومال وإثيوبيا على نبذ خلافاتهما، خلال مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، ورئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، بأنقرة.
وقالت وزارة الخارجية المصرية، الأحد، في بيان عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، إن "الاتصال تناول العلاقات الاستراتيجية المتميزة بين مصر والصومال، والحرص المتبادل لتطوير العلاقات الثنائية في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، بما يلبى طموحات البلدين الشقيقين، والبناء على الزخم الذي تشهده العلاقات المصرية - الصومالية خلال الفترة الأخيرة، ومتابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة بين رؤساء مصر والصومال وإريتريا في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2024".
وأضاف بيان الخارجية المصرية أن "وزير خارجية الصومال أطلع وزير الخارجية المصري على مخرجات قمة أنقرة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً بين الصومال وتركيا وإثيوبيا، حيث أكد وزير خارجية الصومال على تمسك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما شدد عليه بدر عبدالعاطي، مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار"، طبقا للوزارة.
وبحسب البيان، فقد "اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا، تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث، لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك".
وتعليقا على الاتفاق الصومالي- الإثيوبي، قالت وكالة "الأناضول" التركية للأنباء، إن "إعلان أنقرة" أكد أن "الطرفين اتفقا على نبذ خلافاتهما، وتنحية القضايا المتنازع عليها، والمضي قُدما وبإصرار نحو الازدهار المشترك".
ونص "إعلان أنقرة" على أن "الطرفين أقرا بالفوائد المحتملة التي يمكن جنيها من وصول إثيوبيا الآمن إلى البحر، مع احترام سلامة أراضي الصومال".