المبادرة الأمريكية وعقبة مكاسب ما قبل التفاوض
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
صلاح جلال
(١)
المبادرة الأمريكية لوقف الحرب فى السودان تأتى فى سياق ظرف وطنى وإقليمى ودولى معقد ، لم تأتى من فراغ فقد سبقتها عمليات إحماء محلية وإقليمية ودولية هامة ، منها مؤتمر باريس لمواجهة الحالة الإنسانية فى السودان ومؤتمر الجامعة العربية فى مصر وورشتين فى سويسرا وتلتها قرارات مجلس السلم والأمن الأفريقى على مستوى الرؤساء ثم إجتماع القاهرة للقوى المدنية واجتماعات جيبوتى الأخيرة وورش عمل متعددة فى بعض العواصم الأفريقية وقبل ذلك الحدث الأبرز إجتماع القوى الديمقراطية المدنية [تقدم] وإنتخاب قيادة مدنية ذات مِصداقية وازنة على المستوى الوطنى والإقليمى والدولى ، يوجد خيط ناظم بين كل هذه التحركات جاءت فى سياقة المبادرة الأمريكية الراهنة، فهى ذات دلالة من حيث الشكل والموضوع، فقد ذكر المبعوث الأمريكى للسودان توم بيريلو أنهم عازمون على إنهاء الحرب فى السودان خلال الأسابيع القليلة القادمة وسبقته للتصريح مندوبة الولايات المتحدة فى مجلس الأمن ليندا غرينفيلد بالقول (كفاية) بإنجليزية فصيحة Enough العالم لايحتمل المزيد من الفظائع التى تحدث فى السودان ، فقد ذكر بيريلو ستكون هناك محاولة أخيرة لوقف القتال المدمر فى السودان والمهدد للأمن والسلم الدوليين ، إذا أظهر طرفى الحرب جدية فى إغتنامها ستكون المنجية للشعب السودانى وبالعدم لابد من تفعيل الخطة (ب)Plan B لإنقاذ الشعب السودانى ، هذا هو المناخ العام الذى أنتج المبادرة الأمريكية وهو يمثل المقدمات الموضوعية التى تحكم النتائج والتصرفات المتوقعة.
(٢)
المبادرة الأمريكية تأتى فى خضم المعركة الإنتخابية لرئاسة البيت الأبيض وبالتالى تصبح جزء من مؤشرات الحملة للحزب الديمقراطى لذلك هى مبادرة محسوبة بعناية للحد الذى لايتيح فرص للفشل فيها ويتوقع أن تكون هناك عدة سيناريوهات لضمان الوصول للنتيجة المرجوة ، خاصة أن الإدارة الديمقراطية متهمة بالضعف فى سياستها الخارجية فى إشارة للتعامل مع الملف الإيرانى وملف الإنسحاب من أفغانستان وملف حرب غزة ، *المخطط الديمقراطى إختار هذا التوقيت والشكل والمضمون لمبادرة وقف الحرب فى السودان Soft Target دون أى هامش إحتمال للخطأ وعدم تحقيق الهدف ، من تقاليد الشعب الأمريكى الوقوف مع الرئيس وحزبه فى أى نزاع مسلح خارجى تم هذا مع الرئيس كلينتون عندما ضربت صواريخ كروز مصنع الشفاء فى الخرطوم إرتفعت شعبية كلينتون بالتزامن مع القصف و حدث ذلك للرئيس بوش الإبن فى حالتى الحرب فى أفغانستان والعراق ، لذلك اتوقع أن تكون خيارات الولايات المتحدة فى مبادرتها ستكون النجاح أو النجاح ولا مكان للفشل أو التراجع الذى تترتب عليه نتائج إنتخابية وخيمة بما يعزز فكرة فشل الحزب الديمقراطى فى السياسة الخارجية فى عين الناخب الأمريكى وهذا غير مسموح أو مرغوب فيه فى هذا التوقيت.
(٣)
من حيث الشكل إختارت الولايات المتحدة الأمريكية الإنفراد بالإعلان عن المبادرة وأن يقوم بالإعلان عن ذلك رئيس الدبلوماسية الأمريكية حول العالم أنتوني بلينكن وزير الخارجية كما حددت الولايات المتحدة إطار المبادرة فى ثلاثة أهداف رئيسية وقف عاجل لإطلاق النار وضمان عملية إنسانية شاملة لتوصيل الغذاء للمحتاجين داخل البلاد دون تعويق ، والهدف الثالث والأخير تشكيل آلية تحقق ورقابة فعالة لإطلاق النار، كما إختارت الولايات المتحدة المراقبين للمفاوضات من الدول والمنظمات والدول المضيفة وهى المملكة العربية السعودية Co Host ودولة سويسرا وإختيار الأخيرة مستضيف للمفاوضات له دلالة واضحة وهى إشراك أوربا وحِلف النيتو فى الخطوات اللاحقة للتفاوض وخاصة قضية الرقابة الفعالة لوقف إطلاق النار ورفع العصى لمن عصى إذا تقاصرت قدرات مجلس الأمن عن إتخاذ القرارات الحاسمة.
(٤)
كتب الرئيس ريتشارد نيكسون كتابه المرجع فى الدبلوماسية نصر بلا حرب ، على ذات القافية – المبادرة الأمريكية والسباق على مكاسب ما قبل التفاوض
لقد سبق الدعم السريع بتأييده للمبادرة ومن سبق أكل النبق ، قيادة القوات المسلحة مازالت فى مرحلة الدراسة وتفهم المؤشرات ولكنها أطلقت يد السواقين من الخلف Backseat Drivers من أنصارها لإختبار عمق المياه تمثل ذلك فى تصريحات دكتور أمين حسن عمر ومجموعة المشتركة المتحالفة فى الحرب فقد طالبوا بإشراكهم فى المفاوضات بما يعنى مطلبهم أن تشمل المفاوضات بجانب قيادة الجيش مناوى وجبريل وعقار وتمبور وعبدالله جنا وممثل لكتائب البراء والمستنفرين والتوم هجو وأردول فقد ذكرهم جميعاً الفريق ياسر الخطأ فى أحد تصريحاته بأنهم يحاربون بجانبهم، وقد تفتقت ذهنية دكتور أمين حسن عمر المفاوض الأشهر حول صراع السلطة والثروة مع الحركات المسلحة ايام الإنقاذ على التعبير عن مكاسب ما قبل التفاوض (مرحلة التفاوض تحت الطاولة) وهو إنتزاع إعتراف من الامريكان بأن حكومة بورتسودان تمثل الحكومة الشرعية فى البلاد والدعم السريع محض مليشيا متمردة
وبالتالى يجب على الأمريكان توجيه الدعوة للحكومة وليست لقيادة القوات المسلحة ، والنقطة الثانية أن لابد للتفاوض من إعلان مبادئي الذى يجب أن تتفق عليه أطراف التفاوض فقد قفز السيد أمين حسن عمر على تجربة الإنقاذ التفاوضية فقد طرحت الإيقاد أجندة التفاوض من خلال إعلان مبادئي كتبه السيد سيوم مسفن وزير خارجية أثيوبيا والقيادى فى جبهة تغراى TPLF كبير الوسطاء عن مبادرة الإيقاد قبل تعيين الجنرال سمبوية الكينى الجنسية ، كل ما تقدم هو محاولة من قيادة القوات المسلحة تحقيق مكاسب ما قبل التفاوض التى أعتقد هناك صعوبة بالغة لدى المفاوض الأمريكى بمنحها لهم ستكون المبادرة الأمريكية صماء كما هى خذها أو أرفضها Tak it Or Leave it فى حالة الرفض تترك الخيارات مفتوحه للطرف الأمريكى المبادر وبقية المجتمع الدولى الذى يرى ضرورة وقف القتال لضمان سلامة المدنيين والتدخل الإنسانى والحفاظ على السلم والأمن الإقليمى فالمبادرة الأمريكية بيضة أم كتيتى كما وردت فى المثل السودانى إذا أخذتها تقتل أمك وإذا تركتها تقتل أبوك .
(٥)
ختامة
لابد لنا أن نتعلم من دروس التاريخ أن الفرص التى تذهب فى ظروف الجذر لن تعود بل ستأتي أسوأ منها وتضيق فرص المناورة
هذا الحرب وصلت لنهايتها لأسباب ذاتية أزمة إقتصادية طاحنة أقرب للإنهيار العمودى ونذر مجاعة شاملة وحكومة عاجزة عن تقديم الإحتياجات الضرورية للمواطنين حتى فى بورتسودان الشعب السودانى فى أغلبيته بلغ به الزهد لدرجة عالية فى هذه الحرب ويتطلع لوقفها أمس وليست غداً ، العالم الذى نعيش فيه ليست مثالى ولكنه واقعى ، أقول لقيادة القوات المسلحة أخشى أن تصبحوا رِسالة فى ظرف تخاطب الناخب الأمريكى ، لذلك شحن مكبرات الصوت بالمفردات المفخخة لايحقق نصر على الواقع
ويواجه بنضحك مما نسمع، نصيحتي لقيادة القوات المسلحة قبول الدعوة للتفاوض بالتى هى أحسن بدل إنتظار التى هى أخشن مما يحفظ لما تبقى من الجيش كرامته ووضعه بأيديهم على منصة إعادة التأسيس بعد تجربة الحرب المرير التى كشفت عوراته والتى تم توريطه فيها فدفع شعب السودان الثمن ونختم بمرثية الشاعر محمد المكى إبراهيم التى ينعى فيها الوطن وجثامين الأحبة التى كنا ندخرها أوتاداً لتراب الوطن تتفرق بين مدافن القاهرة وأدرى وكمبالا وبقية المنافى ونحن لا نحسب تراب جوبا غربه فهنيئا لمن إتكأ جسده المنهك فيه .
إنني ذاهب فاهنأوا أيها الظافرون
في الفراغ تُجلجلُ حِكمتكم
وتروجُ حوانيتكم
فأنظروا ما فعلتم بنا
إن صقرا عجوزاً مليئاً بحِكمته
وغُبارات أيامِه يذهبُ
في نهايات عُمرِه يتغرب
٢٧/يوليو /٢٠٢٤م
الوسومصلاح جلالالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: صلاح جلال قیادة القوات المسلحة المبادرة الأمریکیة الولایات المتحدة فى السودان الحرب فى
إقرأ أيضاً:
وزير الدفاع والإنتاج الحربى يتفقد إحدى القواعد الجوية ويلتقى عدد من مقاتلى القوات الجوية
تفقد الفريق أول عبدالمجيد صقر القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى إحدى القواعد الجوية، وذلك بحضور الفريق أحمد خليفة رئيس أركان حرب القوات المسلحة وقادة الأفرع الرئيسية وعدد من قادة القوات المسلحة، والذى يأتى فى إطار المتابعة الميدانية لوحدات وتشكيلات القوات المسلحة للوقوف على مدى الجاهزية والاستعداد القتالى لتنفيذ كافة المهام التى توكل إليها.
وقام القائد العام للقوات المسلحة بالمرور على معرض أرضى لعدد من الطائرات والمقاتلات متعددة المهام، واستمع إلى شرح تفصيلى لأحدث الأنظمة القتالية والأسلحة ومعدات الطيران التى زودت بها تلك الطائرات، وناقش عددًا من الطيارين فى أسلوب التخطيط والتنفيذ للمهام المكلفين بها لحماية سماء مصر وتأمين مجالها الجوي تحت مختلف الظروف، كما تابع تنفيذ إقلاع عدد من الطائرات المقاتلة لتنفيذ إحدى المهام التدريبية التى أكدت قدرة وكفاءة مقاتلى القوات الجوية على آداء المهام بدقة وكفاءة عالية.
وقام الفريق أول عبدالمجيد صقر بالمرور على إحدى الدورات للتدريب على أعمال القتال الجوى التى تنفذ بمشاركة مقاتلى القوات الجوية المصرية وعناصر من القوات الجوية للدول الصديقة والشقيقة، ورحب بطيارى الدول المشاركة بالدورات التدريبية المختلفة على أرض مصر مؤكدًا حرص القوات المسلحة على دعم آفاق التعاون العسكرى وتبادل الخبرات مع جيوش الدول الصديقة والشقيقة، كما تم تنفيذ عدد من الطلعات الجوية التى أظهرت مدى القدرة على تنفيذ عمليات جوية مشتركة.
كما التقى القائد العام للقوات المسلحة بعدد من مقاتلى القوات الجوية، حيث بدء اللقاء بكلمة الفريق محمود فؤاد عبدالجواد قائد القوات الجوية أكد خلالها على أن مقاتلى القوات الجوية يمتلكون القدرة لتأمين حدود الدولة والدفاع عن سماء مصر وترابها المقدس فى ظل التحديات الراهنة.
ونقل الفريق أول عبدالمجيد صقر تحيات وتقدير الرئيس عبدالفتاح السيسى رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة لمقاتلى القوات الجوية، مشيرًا إلى حرص القيادة العامة للقوات المسلحة على تزويد القوات الجوية بأحدث نظم وأنظمة الطائرات الحديثة وفقًا لرؤية إستراتيجية للتعامل مع كافة التحديات ومواكبة التطور التكنولوجى المستمر لتظل القوات الجوية دائمًا الذراع القوية للقوات المسلحة والتى تمتلك القدرة على تنفيذ مختلف المهام التى تسند إليها على مختلف الاتجاهات الإستراتيجية للدولة،
مؤكدًا أن القوات الجوية هى مفتاح النصر فى جميع المعارك ورجالها هم حماة سماء مصر وأن العامل الحاكم فى أى معركة هو الفرد المقاتل الذى يمتلك قدرات قتالية عالية تمكنه من تنفيذ كافة المهام تحت مختلف الظروف.