هذه هي قضية السودان المركزية بعيدا عن الاوهام
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
رشا عوض
الناس احرار في أفكارهم طبعا، من كان يظن ان قضية السودان المركزية هي هزيمة الامبريالية وتحرير جنوب الكرة الارضية من الاستعمار الجديد فهذا شأنه!
ومن كان يظن ان قضية السودان المركزية هي تحرير فلسطين فهو حر!
ومن كان يعتقد ان قضية السودان المركزية هي نصرة الاسلام بجهاد الدفع وجهاد الطلب في آن واحد واستعادة الاندلس والانطلاق منها لفتح اوروبا وامريكا فعلى كيفه!
ومن كان يظن ان قضية السودان المركزية هي احياء البان افركانزم وكتابة تاريخ جديد لافريقيا على هداها بقيادة السودان فنتمنى له التوفيق!
ولكن مهما يكن من امر هناك حقيقة واحدة فقط وهي في حكم البداهة ستظل تمد لسانها ساخرة من الجميع، وهي ان السودان لن يستطيع مد رجليه الى ابعد من لحافه! واللحاف في الرطانة السياسية المعاصرة هو الوزن السياسي للدولة الذي يتحدد بمستوى تقدمها في النظام السياسي وفي مجالات المعرفة والعلوم والتكنولوجيا والاقتصاد والتنمية والقوة العسكرية! ويقاس التقدم بمعايير العصر الحديث!
وبالتالي فان قضية السودان المركزية يجب ان تكون الانعتاق من إسار التخلف الذي يكبل السودان! هي انتشال السودان من واقع الجوع والامية والامراض المستوطنة والعجز البنيوي الذي انتج ما نحن فيه من هشاشة سياسية وانهيار اقتصادي وتراجع مخيف في كل المجالات!
ضربة البداية بداهة لن تكون الدخول في مواجهات كونية مع القوى العظمى في العالم لان مثل هذه المواجهات لن تقودنا إلا إلى حتفنا! لاننا ببساطة لا نمتلك من ادواتها سوى العنتريات التي ما قتلت ذبابة!!
احد مواطن الخلل في العقل السياسي السوداني هو عدم " مركزية السودان شعبا واهدافا ومصالح"! كأنما السودان في حد ذاته لا يرقى لان يكون مقصودا لذاته في تكريس الجهد والعمل!
دائما السودان وسيلة لخدمة مشروع اكبر منه في حين ان السودان في حاجة ماسة لان نكرس له كل ما في وسعنا لانتشاله من واقعه البائس!
هذا الخلل يتجسد في المنهج الذي حكم علاقات السودان الخارجية منذ استقلال السودان!
ظل هذا المنهج مستلبا لسرديات ايدولوجية وهوس بالقومية العربية ثم جاءت الطامة الكبرى ممثلة في هوس الاسلام السياسي، والقاسم المشترك بين كل انواع الهوس هي تهميش المصالح المباشرة للدولة السودانية في سبيل ملاحقة ريادة في قضايا اممية او قومية لا نملك مقومات الريادة فيها اصلا!
لا بد ان تتطور الثقافة السياسية السودانية في اتجاه التمييز الصارم بين دوائر اشتغال رجل الدولة ودوائر الانفعال والتفاعل مع القضايا الكونية الكبرى، فرجل الدولة يجب ان يعكف على اداء واجبه المباشر تجاه الدولة السودانية ومواطنيها وان يحدد حلفاءه واعداءه الخارجيين على اساس نفعهم او ضررهم الفعلي على السودان ، وتفاعل رجل الدولة المتخلفة مع العالم الخارجي ينطلق من ارضية البحث عن فرص النهوض والتقدم المتاحة لبلده وفق معطيات النظام العالمي ومحاولة تعظيمها دون معارك تكسير عظام نتيجتها الحتمية تكسير عظام دولته!
هل النظام العالمي عادل؟ الا ينطوي على اختلالات كبيرة ومظالم تستوجب اقصى درجات الغضب وضحايا هذا النظام بالملايين؟
الاجابة نعم ، ولكن التصدي لمهمة تغيير النظام العالمي لا يعقل ان يدرج في اجندة رجل او امرأة الدولة في السودان ، لان ترتيب جدول الاعمال في اجندة رجل الدولة يختلف عنه في اجندة المفكر او الفيلسوف او الاديب او الشاعر في نفس الدولة، كما يختلف عن اجندة رجل الدولة في بلد اخر ظروفه السياسية والاقتصادية ومستوى تطوره مختلف عن دولتنا.
في هذا العالم دول حققت مستويات معقولة من التنمية الاقتصادية والبشرية وتفوقت على السودان في كل المجالات رغم ان السودان متفوق عليها في الموارد، فعلت ذلك دون اي معارك فاصلة على الصعيد العالمي مثل تلك التي يطالبنا بها محتالو اليمين الديني واليسار الطفولي.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: رجل الدولة من کان
إقرأ أيضاً:
من يدعم بقاء السودان موحدا هو من يدعم بقاء الدولة
بعض القوى السياسية من جماعة (تقدم) وتحديدا من عناصر فيهم أكثر تحالفا مع مليشيا الدعم السريع تسعى لتشكيل حكومة، هناك مقولة تهكمية في رواية (مزرعة الحيوان) ننسج على منوالها هذه العبارة: (كل جماعة تقدم حلفاء للدعم السريع إلا أن بعضهم أكثر تحالفا من الآخرين)، المقولة الأصلية هي (كل الحيوانات متساوية إلا أن بعض الحيوانات أكثر مساواة من الآخرين)، هي مقولة من القواعد التي وضعتها (الخنازير) بعد ثورتها التي صورها الأديب الإنجليزي الساخر جورج أورويل.
من المهم أن تبدأ هذه الجماعة مراجعات كبيرة وجذرية، فمن يرغب منهم في تشكيل حكومة موازية لحكومة السودان الواقعية والمعترف بها ليس بريئا من حالة عامة من غياب الرشد الوطني والتمادي بالصراع لأقصى مدى هذا نوع من إدمان حالة المعارضة والاحتجاج دون وعي وفكر. وهؤلاء لا يمكن لجماعة تقدم نكران أنهم جزء منها بأي حال.
الخطأ مركب يبدأ من مرحلة ما قبل الحرب، لأن السبب الرئيس للحرب هو تلك الممارسة السياسية السابقة للحرب. ممارسة دفعت التناقضات نحو مداها الأقصى، وهددت أمن البلاد وضربت مؤسساتها الأمنية، لقد كان مخططا كبيرا لم ينتبه له أولئك الناشطون الغارقون في حالة عصابية مرضية حول الكيزان والإسلاميين، حالة موروثة من زمن شارع المين بجامعة الخرطوم وقد ظنوا أن السودان هو شارع المين.
ثمة تحالف وتطابق في الخطاب وتفاهم عميق منذ بداية الحرب بين الدعم السريع وجماعة تقدم، واليوم ومع بروز تناقضات داخل هذا التحالف بين من يدعو لتشكيل حكومة وبين من يرفض ذلك، فإننا أمام حالة خطيرة ونتيجة منطقية للسردية الخاطئة منذ بداية الحرب.
الحرب اليوم بتعريفها الشامل هي حرب الدولة ضد اللادولة، آيدلوجيا الدولة دفاعية استيعابية للجميع وتري فيها تنوع السودان كله، ولم تنقطع فيها حتى سبل الوصل مع من يظن بهم أنهم من حواضن للمليشيا، هذه حقيقة ملموسة. أما آيدلوجيا المليشيا هجومية عنيفة عنصرية غارقة في خطاب الكراهية، وتجد تبريراتها في خطاب قديم مستهلك يسمى خطاب (المظلومية والهامش).
من يدعم بقاء السودان موحدا هو من يدعم بقاء الدولة، وكيفما كانت تسميته للأمور: وقف الحرب، بناء السلام، النصر…الخ، أو غير ذلك المهم أنه يتخذ موقفا يدعم مؤسسة الدولة القائمة منحازا لها، من يتباعد عن هذا الموقف ويردد دعاية الدعم السريع وأسياده في الإقليم فإنه يدعم تفكيك السودان وحصاره.
نفهم جيدا كيف يمكن أن يستخدم مشروع المليشيا غير الوطني تناقضات الواقع، والأبعاد الاجتماعية والعرقية والإثنية، لكنه يسيء فهمها ويضعها في سياق مضلل هادفا لتفكيك الدولة وهناك إرث وأدبيات كثيره تساعده في ذلك، لكننا أيضا نفهم أن التناقض الرئيس ليس تناقضا حول العرق والإثنية بل حول ماهو وطني وما ليس وطني، بكل المعاني التي تثيرها هذه العبارات.
عليه ومهما عقدوا الأمور بحكومة وهمية للمليشيا مدعومة من الخارج، ومهما فعلوا سيظل السودان يقاتل من أجل سيادته وحريته ووطنيته والواقع يقول أن دارفور نفسها ليست ملكا للمليشيا، وأن الضعين نفسها هي جزء من السودان الذي يجب أن يتحرر ويستقل ويمتلك سيادته عزيزا حرا بلا وصاية.
والله أكبر والعزة للسودان.
هشام عثمان الشواني
إنضم لقناة النيلين على واتساب