إدارة الخلافات المذهبية في حال مواجهة عدو صائل.. جدل ونقاشات
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
مع علو نموذج المقاومة في غزة وتسيده للمشهد الإسلامي في كثير من الدول العربية والإسلامية، ازدادت وتيرة اشتغال بعض أتباع المذاهب العقدية والمذهبية بالخلافات التقليدية (عقائديا ومذهبيا وفقهيا)، وإثارتها بقوة بين أتباع تلك المذاهب، وإشغال الساحة الإسلامية بها.
وفي تفسير ذلك السلوك ثمة من يرى أنه يأتي من بعض رموز وأتباع تلك المذاهب في سياق تعزيز وجودهم، وإشاعة مذاهبهم، وإظهار فاعليتهم بعد أن انجذب عامة المسلمين لنموذج المقاومة في غزة، وانفضاضهم عن المشايخ التقليديين، والاشتغال بقضاياهم التقليدية المعروفة.
وفي هذا الإطار لفت الكاتب والإعلامي الأردني، حاتم الهرش أنه لاحظ "أثناء الحرب على غزة ازدياد حدة الخلافات المذهبية في المسائل الكلامية والفقهية بين أرباب الكهنوت الديني، وانتشار المناظرات والمناقشات بين أتباع الأنماط التدينية التقليدية، وانخراط أتباع هؤلاء في الرد، والرد على الرد، وإحياء سجالات فقهية وكلامية بطريقة لافتة".
وأضاف في منشور عبر صفحته على "فيسبوك"، اطلعت "عربي21" عليه "كل هذه الأنماط التديّنية استشعرت أن الطوفان أتى عليها، وأن مشروعية حضورها اهتزت، وأن مشروعها نُقض، وأن كلمة الفصل في بناء الأمة اليوم، هي في غزة حصرا، وفي مشروعها الجهادي، لا في المتون ولا في الحواشي، ولا في التكفير ولا في التبديع..".
وتابع: "لقد استشعر كل هؤلاء أن دورهم انتهى، وأن البساط قد سُحب من تحت أرجلهم.. وأن المخرج من المأزق التاريخي يستدعي نيش الركام عن مسائل الخلاف، "وكل ذلك بما يرضي الله، وفي سبيل نقاء أهل السنة والجماعة، وطهورية الصف"!
وخلص الهرش في ختام منشوره إلى القول "جاء الطوفان ليقول بأن هذه الأنماط التدينية لا تقتات إلا على لحظات انحطاط الأمة الإسلامية، وأنها من مظاهر التخلف الحضاري، وأن موتها يكون بانبعاث مشروع الأمة، وأنها لا تنشط إلا عندما تكون الأمة ميتة..".
ذلك الجدل وتلك السجالات دفعت بإشكالية إدارة الخلافات المذهبية حال مواجهة عدو قاتل غاشم يتهدد الوجود الإسلامي برمته، إلى الواجهة من جديد، إذ ما زال السلوك الإسلامي في كثير من تجلياته ينشغل بإحياء الخلافات المذهبية، ويحولها إلى أداة لتأجيج الخلافات الإسلامية الإسلامية، وإشغال عامة المسلمين بها.
ولعل التحدي المفروض على جميع اتجاهات ومكونات الحالية الإسلامية، على اختلاف توجهاتهم إشاعة رؤى فكرية، وتجذير أنماط سلوكية راشدة في التعامل مع الخلافات المذهبية، وعدم إضاعة الجهود وتبديد الطاقات في تلك النقاشات والردود، وتوحيد الصف الداخلي في مواجهة أخطار العدو الخارجي.
من جهته رأى الداعية السلفي المغربي، حسن الكتاني أن معالجة الخلافات المذهبية تكون بالحوار وتدار بالتفاهم، وهذا في سائر الأحوال العادية، فكيف إذا كان ثمة ظروف استثنائية كحالات الصراع وتسلط الأعداء على المسلمين، ما يوجب أن يكون واجب جميع المسلمين توحيد الجهود والطاقات لمواجهة العدو الصائل، ودفعه بالمستطاع والمقدور عليه عن بلاد المسلمين".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "ولقد عهدنا في وقائع وأحداث تاريخية أن المسلمين كانوا يدعمون السلاطين الذين يجاهدون في سبيل الله وإن كانوا مخالفين لهم، فإن العلماء كما كان سلوك العلماء بالجهاد مع بني أمية مع جورهم، وهو ما كان كذلك زمن المعتصم، فمع مخالفة علماء له إلا أنهم كانوا يدعمونه في جهاده وقتاله، ومن المعروف أن صلاح الدين الأيوبي كان أشعريا، وقرر الأشعرية في الأزهر، ومع ذلك شارك علماء أثريون معه في تحرير بيت المقدس".
حسن الكتاني.. داعية سلفي مغربي
ولفت الكتاني إلى أن "المقصود بالخلاف هنا ما كان بين أهل السنة بمعناه العام، بين الأشاعرة والماتريدية والأثرية أو السلفية، كما يمكن أن يقال الكلام نفسه في الخلاف بين الكرامية (أتباع محمد بن كرام السجستاني) وبين باقي اتجاهات المسلمين في بلاد غزنة، زمن السلطان محمود الغزنوي، فقد كان مُقربا للكرامية، الذين كانت لهم أقوال وآراء يختلف معهم فيها الأشاعرة والماتريدية والسلفية أيضا، فعامة المسلمين مدحوا السلطان محمود الغزنوي، ورأوا أنه من المجاهدين الأبطال".
وأردف: "فإذا كان هذا الخلاف في دائرة أهل السنة، فإن الخلاف بين السنة والشيعة كان يُجمد حال وقوع الأحداث العظمى كذلك، وهذا ما سلكه المسلمون في وقائع متعددة من مراحل التاريخ الإسلامي، كما حدث ـ على سبيل المثال ـ حينما هاجم الصليبيون مصر زمن العبيدين فطالبوا عموم المسلمين نجدتهم لمواجهة خطر الصليبيين".
وفي ذات الإطار أجاب الباحث الشرعي الأردني، الدكتور محمد سعيد بكر عن سؤال "عربي21" حول كيفية التعامل مع الخلافات المذهبية حينما تكون بلاد المسلمين محتلة من قبل عدو غاشم كما يحدث الآن في غزة وفلسطين بالقول "إدارة تلك الخلافات تكون بالتعاون فيما اتفقنا عليه، وأن يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.. وننظر إلى الجوامع ولا نشمت أعداءنا بالنبش عن المفرقات".
وأضاف: "في كل زمان هناك من يثير الخلافات؛ إما جهلا وتعصبا أعمى أو خبثا وقصدا لإضعاف الأمة وتوهينها، ولن تنتهي الاختلافات لأن التنوع من سنن الكون، فلسنا نسخة واحدة، ولا يدير الاختلافات ويستمر التنوع إلا كبار النفوس والعظماء الذين يستوعبون الآخرين".
د. محمد سعيد بكر.. باحث شرعي أردني
وتابع "كما تستوعب المقاومة الغزية اليوم كل مقاوم بتركيز بوصلتها على المحتل وعدم توسيع جبهات معاركها في الداخل والخارج، والظروف العصيبة والتحديات والأزمات تجمع كل متجرد ولا تفرق إلا أصحاب الأهواء والأجندات الشخصية" على حد قوله.
بدوره أوضح الداعية والباحث اليمني، الدكتور عبد الفتاح اليافعي أن إدارة الخلافات المذهبية تكون عبر عدة نقاط "أولا تصحيح تصورات أتباع الاتجاهات الإسلامية بعضهم عن بعض، فمن خلال مخالطتي لكل الاتجاهات والطوائف تبين لي أن تصور كثيرا من أتباع تلك الاتجاهات لبعضهم البعض على خلاف الواقع، فحتى يكون الحكم صحيحا لا بد أن يصدر عن تصور صحيح"ز
وتابع "وثانيا يكون بتصحيح الحكم على المخالف، بأن يكون الحكم حكما علميا متجردا عن العواطف والجهل والأهواء، وبعيدا عن المصالح والبيئات والمؤثرات، وفي نفس الابتعاد عن تضخيم مسائل الخلاف وتكبيرها، كما يجعل بعضهم من الحبة قبة، وهذا من شأنه تقليل مساحة الخلافات وإدارتها بحكمة وتعقل"ز
وواصل اليافعي حديثه لـ"عربي21" ذاكرا النقطة الثالثة في إدارة الخلافات المذهبية ألا وهي تصحيح التعامل بين أتباع الاتجاهات الدينية الإسلامية، إذ ينبغي مع اختلافاتهم أن يتعاملوا بالأخلاق الحسنة، فالرسول عليه الصلاة والسلام كان يتعامل مع اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين بالأخلاق الراقية والعالية، وهذا مطلوب مع كل الخلق".
د. عبد الفتاح اليافعي.. داعية وباحث يمني
وأردف "وكذلك يجب أن نتعاون في المتفق عليه، وهو كثير وميادينه واسعة جدا، ومن المتفق عليه أن اليهود الصهاينة محتلون لفلسطين، ويجب أن نجتهد لإخراجهم من فلسطين بدعم أهلها ومؤازرتهم ونصرتهم ومد يد العون إليهم بما نستطيع فعله ونقدر عليه".
وشدد في ختام كلامه على أهمية "الترفع عن حظوظ النفوس وشهواتها في التعامل، إذ ثمة جوانب كثيرة من الخلافات بين الاتجاهات والطوائف خلافات شخصية، ناتجة عن مصلحة وهوى، لكن المؤسف أن بعضهم يغطيها بثوب ديني وشرعي، ويقيم معارك عليها معارك كبيرة بذرائع دينية وشرعية".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير تقارير غزة الحرب فلسطين احتلال فلسطين غزة حرب تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير تقارير سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة
إقرأ أيضاً:
عقب العداء المعلن.. هل يذيب لقاء حزب الإصلاح بالزبيدي جليد الخلافات باليمن؟
أثار اللقاء الذي جمع قيادات في حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن)، مع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، قبل أيام، أسئلة عدّة تتمحور حول سياق اللقاء الذي وُصف بـ"النادر والمفاجئ".
وكانت قيادات في حزب الإصلاح، الذي يعتبر من الأحزاب المؤيّدة للحكومة اليمنية المعترف بها، قد التقت بالزبيدي، بعدما اتّسمت العلاقة بينهما بـ"العداء المعلن"، إذ لم تخلو خطابات الأخير منذ عام 2017، من: "التحريض والحرب على الحزب بأشكاله المختلفة".
كذلك، طرح اللقاء نفسه، جُملة أسئلة، من قبيل: هل نحن أمام مرحلة جديدة من التقارب بين الطرفين؟، أم أنه لا يعدو عن كونه تهدئة واستهلاك إعلامي؟.
"خطوة طيبة"
قال رئيس التكتل الوطني للأحزاب والقوى اليمنية (ائتلاف تشكّل حديثا)، أحمد عبيد بن دغر، إنّ: "مصلحة الوطن تتطلب تعزيز العلاقة وتمتينها بين القوى المناهضة للمشروع الحوثي الإمامي المدمر في اليمن، المرتبط بمشروع إيراني توسعي في المنطقة".
وأضاف بن دغر الذي يرأس مجلس الشورى اليمني: "أن يلتقي الإخوة في قيادة حزب الإصلاح بنائب الرئيس عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي، فذلك لقاء الإخوة وخطوة طيبة من الجانبين، وبادرة نحو مصالحة وطنية شاملة ينبغي المضي نحوها".
وأردف: "إننا نقترب شيئًا فشيئًا من مقتضيات المرحلة، ومهامها الجسيمة، وتتعمق رؤيتنا المشتركة لطبيعة الصراع"، متابعا بالقول: "يصفو وعينا جميعا من وهم التفرد، ونغادر بعض أطروحاتنا الإقصائية، وبعضا من خطابنا المحمل بإرث التناقضات".
"نعيش بعض الأمل فنبدو وكأن العافية تدب من جديد في أطراف تفكيرنا السياسي الرشيد" تابع المتحدث نفسه، مؤكدا أنّ: "المعركة مع الحوثيين بطبيعتها القادمة من غبار الماضي وإرث التاريخ ليست شمالية كما أنها ليست جنوبية، وهي ليست أيضًا مسؤولية الشرق أو مهمة الغرب".
وأوضح: "إنها مسؤولية الدولة وتعبيرها السياسي السلطة وقد غدا الانتقالي إحدى ركائزها، كما هي مسؤولية المجتمع بمكوناته السياسية والاجتماعية والثقافية". فيما لم يرد المتحدث الرسمي باسم حزب الإصلاح على طلبات التعليق حول هذا اللقاء.
"شغل سياسي"
من جانبه، قال رئيس مركز أبعاد للدراسات والبحوث، عبدالسلام محمد، إنّ: "لقاء الانتقالي والإصلاح شغل سياسي ذكي جدا.. وهذه الحقيقة".
وتابع محمد، عبر تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "إكس": "هناك حاجة من الطرفين للتفاهم خاصة وأن التعديلات الحكومية ستقلص من هذين المكونين الوطنيين لصالح مكونات أخرى".
وأضاف: "سبق هذه الصورة (صورة اللقاء) حملة إعلامية مشتركة على الفساد، لكن للأسف لم تكن مرتبة بشكل أفضل".
الحقيقة أن لقاء الانتقالي والإصلاح شغل سياسي ذكي جدا..
هناك حاجة من الطرفين للتفاهم خاصة وأن التعديلات الحكومية ستقلص من هذين المكونين الوطنيين لصالح مكونات أخرى..
سبق هذه الصورة حملة إعلامية مشتركة على الفساد ، لكن للأسف لم تكن مرتبة بشكل أفضل. pic.twitter.com/Bc2TjKpOmU — Abdulsalam Mohammed (@salamyemen2) November 21, 2024
"لن يذيب جليد الخلافات "
بدوره، قال الكاتب والناشط اليمني، صلاح السقلدي، إنه: "إذا تم النظر إلى مكان وزمان اللقاء، فقد عقد في الرياض بالتوازي مع تحركات لعقد جلسة لمجلس النواب في عدن".
وأضاف السقلدي، في حديث خاص لـ"عربي21" أنّ: "الرياض هي من دفعت بالطرفين لهذا اللقاء، وضغطت بالذات على المجلس الانتقالي الذي ظل يمانع مثل هذه اللقاءات لئلا يبدو أنه يتحرك ويتحالف كحزب".
وأشار إلى أن: "المجلس الانتقالي يؤكد أنه أكبر من أن يكون حزبا فهو بذاته تحالفا من عدة كتل جنوبية"، كما "أنه لا يريد أن يظهر أمام جماهيره أنه يتماهى مع النشاط الحزبي على حساب القضية الجنوبية فهو قبل بشراكة مع هذه القوى الحزبية في إطار مؤسسات حكومية ورئاسية وليس شراكة حزبية، فالجنوب كما نعلم خارج الخارطة الحزبية منذ حرب 1994".
وأوضح الكاتب الموالي للمجلس الانتقالي أنّ: "هكذا لقاءات -على أهميتها- لن تذيب جبل جليد الخلافات بين الأحزاب من جهة والانتقالي من جهة أخرى"، مؤكدا: أن "الخلافات بجوهرها هي خلافات مشاريع سياسية حتى وإن رأينا لقاءات من هذا النوع، وشاهدنا تحالفات وشراكات كنوع الشراكة بالحكومة والرئاسة واتفاق الرياض الأول والثاني".
وبحسب الناشط السياسي نفسه، فإن: "هذه اللقاءات تظل محدودة الأثر والإيجابية في ظل تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية في عدن معقل الانتقالي، وفي عموم الجنوب (جنوب اليمن)"، موضحا أن "المجلس الانتقالي يجابه سخطا شعبيا عارما جراء ذلك، الأمر الذي جعل معه أي حوارات تبدو عبثية فاقدة المعنى حتى وإن كانت مسنودة إقليميا ودوليا".
ومنذ سنوات، تعرّضت شخصيات سياسية وقيادات أمنية وعسكرية لعملية "اغتيالات"؛ فيما كانت غالبية الأشخاص المستهدفين من كوادر وأعضاء حزب الإصلاح اليمني المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، وكانت أصابع الاتهام توجّه لدولة الإمارات التي تشكل المجلس الانتقالي الجنوبي، بدعم منها، وعناصر يمنيين تم تدريبهم على تنفيذ هكذا عمليات، وفق تقارير دولية.