بين الاتهامات والنفي.. تقرير: الجيش السوداني يمنع دخول المساعدات الإنسانية
تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT
قد يواجه السودان الذي يشهد حربا أهلية منذ نحو عام ونصف "واحدة من أسوأ المجاعات في العالم منذ عقود"، على ما يؤكد خبراء لصحيفة "نيويورك تايمز".
هذا التحذير يتسق مع ما تحدثت به منظمات إغاثية، وحتى مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي التابعة للأمم المتحدة، في أواخر يونيو، أن في ظل معاناة نصف السكان من جوع شديد، هناك 14 منطقة في أنحاء البلاد تواجه خطر المجاعة.
ويمر السودان بأسوأ أزمة جوع في العالم منذ اندلاع الحرب بين الجيش بقيادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع شبه العسكرية التي تسيطر على أجزاء كبيرة من البلاد، وفق ما نقلته رويترز.
ويشير تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز إلى أن الجيش السوداني بمنع إدخال كميات هائلة من المساعدات عبر معبر حدود حيوي، وهو ما يعمق من أزمة الجوع في زمن الحرب.
ونقلت الصحيفة عن جماعات إغاثية أن هذه المساعدات ضرورية لمنع حدوث آلاف الوفيات، ومنع إدخال المساعدات من معابر يؤثر على ما لا يقل عن 2.5 مليون سوداني.
معبر أدري في بؤرة الأزمة
ويتركز الحديث عن معبر أدري الذي يوصل المساعدات القادمة من تشاد إلى دارفور، والتي تقدر بمساحة إسبانيا، وكانت قد عانت من إبادة جماعية قبل عقدين، ويوجد فيها ثماني مناطق على الأقل من بين 14 منطقة مهددة بخطر المجاعة المباشرة.
هذا المعبر يتدفق عبره كل شيء إلا شاحنات المساعدات التي ترسلها الأمم المتحدة، حيث يتدفق اللاجئون والتجار، ودراجات نارية تحمل جلود الحيوانات وعربات تجرها الحمير محملة ببراميل الوقود، وفق الصحيفة.
وزير الزراعة ينفي وقوع مجاعة في السودان
نفى وزير الزراعة السوداني تواجد مجاعة في البلاد وشكك في بيانات مدعومة من الأمم المتحدة مفادها أن 755 ألف نسمة يعانون من جوع كارثي، رافضا فكرة تجاوز منظمات الإغاثة قيود توصيل المساعدات عبر الحدود.
ويقول الجيش السوداني إن معبر أدري المؤدي إلى ولاية غرب دارفور، التي تطلب منظمات الإغاثة دخولها، يُستخدم في إمداد قوات الدعم السريع بأسلحة بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وتشير الصحيفة إلى أن التذرع بتهريب الأسلحة "لا معنى له" إذ يمكن أن تستمر الأسلحة والمقاتلون في التدفق للسودان، الذي يمتلك حدودا طولها أكثر من 1400 كلم، حيث تسيطر قوات الدعم السريع على العديد من نقاطها.
وحتى معبر أدري، الذي أصدر الجيش أمرا بمنع دخول المساعدات من خلاله قبل أشهر، تقول الصحيفة إن "انعدام إمكانية الجيش على السيطرة على أي شيء يدخل عبره واضح بشكل ملفت"، مشيرة إلى أن المتنقّين يحملون مئات البراميل من الوقود والتي تستخدم لصالح مركبات الدفع الرباعي التابعة لقوات الدعم السريع، والتي تتربع فوقها الأسلحة.
وتقول الأمم المتحدة إنها يجب "أن تحترم أمر عدم العبور من الجيش" المتمركز في بورتسودان على بعد 1600 كلم إلى الشرق، ولهذا تحتاج شاحنات الأمم المتحدة للذهاب في رحلة شاقة لأكثر من 300 كلم شمالا، إلى معبر التينة الذي تسيطر عليه ميليشيا متحالفة مع الجيش السوداني، حيث يسمح لها بالدخول باتجاه دارفور.
وتقول منظمات إغاثة إن معبر التينة لا يمكن استخدامه بسبب الأمطار، وهو المعبر الوحيد الذي تسمح الحكومة بالمرور منه إلى إقليم دارفور الذي توجد به معظم البؤر المعرضة لخطر المجاعة.
متطوعون في جمعية خيرية يقدمون وجبات الطعام في مخيم للنازحين شرق السودان
وتشير الصحيفة إلى أن الرحلة إلى معبر التينة "خطيرة وغير سهلة" وتزيد تكاليف النقل لخمسة أضعاف، ناهيك عن أنه لا يمر إلا جزء بسيط من الشاحنات والمساعدات المطلوبة، ومنذ فبراير لم تدخل سوى 320 شاحنة من المواد الغذائية، فيما يؤكد مسؤولون في الأمم المتحدة أنه بدلا من إدخال آلاف الشاحنات، حولت الأمطار المعبر إلى ما يشبه النهر.
وفي مؤتمر صحفي الخميس، جددت مفوضية العون الإنساني "التزام السودان بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتأثرة جراء انتهاكات مليشيا الدعم السريع"، وفق ما نقلته وكالة الأنباء السودانية "سونا".
ونوه عثمان خوجلي المكلف للعون الإنساني في السودان إلى "التزام الحكومة بالتعاون مع الأمم المتحدة في جهود توصيل المساعدات الإنسانية للمناطق المتأثرة، مشيرا إلى الموجهات والإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمساعدة المنظمات فى عملها وتذليل العقبات التي تواجه المنظمات في القيام بواجباتها"، على حد تعبيره .
ونقلت الوكالة السودانية عن خوجلي قوله إن ادعاءات بعض الدول والمنظمات بإعاقة الحكومة لوصول المساعدات "محض افتراء ولا أساس له من الصحة".
وأوضح خوجلي أنه "تم الاتفاق على عدد من المعابر والمطارات مع دول الجوار مع مصر وتشاد وجنوب السودان لتسهيل عملية الإغاثة وتقديم المساعدات للنازحين".
كما أشار إلى "الدعم الذي تم تقديمه عبر معبر الطينة لعدد ٦٠٢ شاحنة مواد غذائية تشمل مواد غذائية وايوائية مبينا أن معبر أدري لم يصرح للعمل به لاستخدام المليشيا له في أغراض غير إنسانية في نقل السلاح والمرتزقة. ونفى تلقي المفوضية طلبا لإيصال مساعدات من إثيوبيا".
بين تأكيد للمجاعة.. ونفي وقوعها
ومع إغلاق معبر أدري، منذ فبراير وحتى الآن، ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات مرتفعة من الجوع من 1.7 مليون شخص إلى سبعة ملايين نسمة.
من جانبه، نفى وزير الزراعة السوداني، أبو بكر البشري، في المؤتمر الصحفي ذاته الخميس، وجود تواجد مجاعة في البلاد وشكك في بيانات مدعومة من الأمم المتحدة مفادها أن 755 ألف نسمة يعانون من جوع كارثي.
وذكر أن 755 ألف مواطن ليسوا نسبة كبيرة مقارنة بالعدد الإجمالي للسكان، وإنه لا يمكن وصف ذلك بالمجاعة.
ويبلغ عدد سكان السودان 50 مليون نسمة.
ويمكن إعلان المجاعة إذا تعرض ما لا يقل عن 20 بالمئة من سكان منطقة ما لظروف جوع كارثية وإذا عانى الأطفال من سوء التغذية ووقعت وفيات بسبب الجوع.
وشكك البشري في قدرة الخبراء على قياس بيانات في مناطق تسيطر عليها قوات الدعم السريع، وقال إن مؤشرات سوء التغذية لم تتحدد بعد.
وعقب صدور بيانات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، يمكن للجنة مستقلة إعلان حدوث مجاعة، وهو ما يُحتمل أن يدفع مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة إلى إصدار أوامر بتجاوز أي قيود يفرضها الجيش على معابر يمكن استخدامها في توصيل المساعدات.
وقال البشري إن الحكومة ترفض مثل هذه الأوامر.
وذكر البشري أنهم يرفضون "طبعا فتح الحدود بالقوة... لأنه قد يفتح لنا حدودا مع دول معادية، وحدودا تسيطر عليها الميليشيا"، بينما قال مسؤول آخر في المؤتمر الصحفي ذاته إن مثل هذا التحرك جزء من "مؤامرة" على البلاد.
"عرقلة غير مقبولة".. وتسييس متعمَّد
سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، ليندا غرينفيلد، قالت للصحفيين مؤخرا "إن هذه العرقلة غير مقبولة"، في إشارة إلى منع إدخال المساعدات عبر معبر أدري.
المندوب الدائم للسودان لدى الأمم المتحدة، السفير الحارث إدريس الحارث دافع في مقابلة عن إغلاق معبر أدري، وقال إن "الأمم المتحدة سعيدة بترتيب توجيه الشاحنات شمالا لمعبر التينة".
وأضاف أن الدول الأجنبية التي تتنبأ بحدوث مجاعة في السودان تعتمد على "أرقام قديمة" وتبحث عن "ذريعة للتدخل الدولي".
واتهم الحارث مانحين بـ "تسييس متعمد ودقيق للمساعدات الإنسانية للسودان".
عمال الإغاثة والمسؤولون الأميركيون يقولون إن قيادة الأمم المتحدة يجب أن "تحث بقوة أكبر" على إعادة فتح معبر أدرية، ويتساءلوا لماذا لا يتم تكثيف الضغط بجعل الشاحنات تصطف أمام المعبر.
ولم يرد منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لدى السودان على استفسارات "نيويورك تايمز".
وزارة الخارجية السودانية، اتهمت قبل أسبوعين "ميليشيا الجنجويد" بمواصلة مخططها "الخبيث لإحداث مجاعة في البلاد"، وتعطيل النشاط الزراعي، وتدمير النية التحتية للزراعة، ونهب الآليات، بحسب بيان نقلته وكالة الأنباء السودانية "سونا".
وأعلنت الولايات المتحدة الثلاثاء أنها دعت الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى محادثات سلام في أغسطس المقبل في سويسرا بهدف إنهاء النزاع في السودان.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان إن واشنطن "دعت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع للمشاركة في محادثات بشأن وقف إطلاق النار، بوساطة الولايات المتحدة، تبدأ في 14 أغسطس في سويسرا".
وأضاف أن المحادثات التي ترعاها أيضا السعودية ستضم الاتحاد الأفريقي ومصر والإمارات والأمم المتحدة بصفة مراقب.
وقد أدى النزاع إلى مقتل عشرات الآلاف وتسبب في أزمة إنسانية كبيرة. ولم تثمر الجولات السابقة من المفاوضات التي عقدت في جدة بالسعودية بنتيجة.
وحذرت منظمة أطباء بلا حدود غير الحكومية في تقرير الاثنين، من أن 15 شهرا من الحرب في السودان كان لها تأثير "كارثي" على المدنيين.
ويورد التقرير أن "ما يبدو وكأنه صراع بين طرفي نزاع هو في الواقع حرب ضد الشعب السوداني".
في حين أوقفت منظمات عديدة أنشطتها في البلاد، تواصل منظمة أطباء بلا حدود العمل في ثماني ولايات في جميع أنحاء السودان.
وأجبرت الحرب أكثر من 11 مليون شخص على النزوح داخل السودان وعبر الحدود، وفقا للأمم المتحدة، ودمرت البنية التحتية ودفعت البلاد إلى حافة المجاعة.
وذكر تقرير رعته الأمم المتحدة، ونشر في نهاية يونيو، أن نحو 26 مليون شخص، أي أكثر من نصف سكان السودان، يواجهون حاليا "انعداما حادا للأمن الغذائي".
وقد اتهم الجانبان بارتكاب جرائم حرب لاستهدافهما مدنيين عمدا.
منذ بداية الحرب، اتهم الجيش وقوات الدعم السريع بنهب المساعدات الإنسانية وعرقلة توزيعها، فضلا عن تدمير النظام الصحي الهش أصلا، في حين نفى الطرفان الاتهامات الموجهة بحقهما.
الحرة - واشنطن
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: المساعدات الإنسانیة وقوات الدعم السریع الجیش السودانی الأمم المتحدة فی السودان فی البلاد مجاعة فی إلى أن
إقرأ أيضاً:
هجوم على الفاشر ومجزرة في أم درمان وضربات للبنية التحتية.. الجيش السوداني يُحبط خطة شاملة لميليشيا الدعم السريع
البلاد – الخرطوم
تواصل الدعم السريع هجماتها على مدينة الفاشر، فيما صدّت القوات المسلحة السودانية هجومًا واسعًا شنّته الميليشيا من أربعة محاور، في عملية استمرت لأكثر من سبع ساعات، بالتزامن تصعد الميليشيا عمليات التصفية الجسدية بحق المدنيين واستهدافها الممنهج للبنية التحتية الحيوية، في مسعى لخلط الأوراق وشحن الرأي العام ضد الجيش، عقب خسائرها المتتالية في الخرطوم مؤخرًا.
وفيما شهدت الفاشر هدوءًا حذرًا وسط استمرار التراشق المدفعي أمس الثلاثاء، أوضح قائد الفرقة السادسة مشاة، اللواء محمد أحمد الخضر، أن الهجوم الأخير للميليشيا استُخدمت فيه طائرات مسيّرة، ومدفعيات ثقيلة، وعربات مدرعة، مشيرًا إلى أن الجيش كان على أتم الجاهزية للتصدي له. وأضاف أن الهجوم انتهى بالقضاء على التقدم المعادي، مؤكدًا أن القوات المسلحة في موقع قوة، ومستعدة لحسم أي محاولة مماثلة.
وخلّف الهجوم الذي وقع الاثنين 40 قتيلًا مدنيًا، بينهم نساء وأطفال، نتيجة القصف العشوائي للميليشيا على أحياء سكنية. وقد أعلنت قوات الدعم السريع لاحقًا سيطرتها على ستة أحياء داخل الفاشر، موجّهة نداءً إلى عناصر الجيش لإلقاء السلاح ومغادرة المدينة، متعهدة بضمان سلامة من يستجيب. غير أن مصادر ميدانية أكدت تراجع المهاجمين تحت ضربات الجيش والمقاومة الشعبية، في حين أشار حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، إلى أن الهجوم قاده عبد الرحيم دقلو، وانتهى بانسحاب القوات المهاجمة بعد تصدي القوات المشتركة لها.
ويرى خبراء أن التحوّل في تكتيكات الدعم السريع، عبر استهداف منشآت البنية التحتية الحيوية، بهدف إثارة السخط الشعبي وتشتيت تركيز الجيش عن تقدّمه في دارفور. يعكس حالة يأس ميداني للميليشيا بعد خسائر بشرية كبيرة وفقدان كميات كبيرة من العتاد العسكري.
وفي هذا السياق، قصفت الميليشيا بطائرات مسيّرة مصفاة الجيلي شمال الخرطوم، ومحطة بربر التحويلية للكهرباء، ومحطة عطبرة للمرة الرابعة خلال أسبوع، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في مناطق واسعة، وزاد من معاناة المدنيين في ظل وضع إنساني متدهور.
وعلى صعيد الانتهاكات، طالب المرصد السوداني لحقوق الإنسان بفتح تحقيق دولي في مجزرة مروعة وقعت بمنطقة الصالحة جنوب أم درمان، حيث تم إعدام 31 مدنيًا ميدانيًا، بينهم أطفال. وأكد المرصد أن الضحايا كانوا مدنيين عُزّل، وأن قوات الدعم السريع نفذت الجريمة بدافع “الانتقام”. وقد اعترف بذلك قادة في الميليشيا بمقاطع مصوّرة، ما يُشكّل جريمة حرب مكتملة الأركان بموجب القانون الدولي الإنساني.
وفي السياق، قال رئيس مجلس السيادة، القائد العام للجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إن قتل ميليشيا الدعم السريع للمواطنين في منطقة صالحة جنوبي أم درمان ينم عن كراهيتهم للشعب السوداني، وأضاف في كلمة أمس الثلاثاء أن الحرب الدائرة حاليا ضد ميليشيا الدعم السريع وليست ضد قبيلة، مشيرا إلى أن المرجفين يروجون أن الحرب ضد أعراق محددة، بهدف تحشيد الناس وجرهم للقتل، وتابع بأن “حربنا ضد كل من يحمل السلاح ضد الدولة، وتمرد رئيس القبيلة لا يعني تمرد كل القبيلة، مؤكدًا أنه “لا تفاهم مع هؤلاء المرتزقة بعد كل ما فعلوه وسيذهبون في هذه المعركة حتى الانتصار”.
ويُثبِت المشهد الميداني أن الميليشيات لم تجلب للسودان والمنطقة سوى الدمار والدم، فيما يتجدد الأمل مع صمود الجيش السوداني في التأسيس لمستقبل تستقر فيه البلاد على قاعدة الدولة الوطنية والجيش الواحد.