صحيفة الاتحاد:
2024-09-07@22:54:38 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: جمالية النقص

تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT

يشير العماد الأصفهاني إلى استيلاء النقص على البشر، ويحيل إلى حال الكتابة بوصفها أبرز حالات تكشّف العيب فيقول (إِنِّي رَأَيتُ أَنَّهُ لاَ يَكْتُب أَحَدٌ كِتَاباً فِي يَومِهِ إِلاّ قَالَ فِي غَدِهِ: لَو غُيِّرَ هَذَا لَكَانَ أَحْسَن، وَلَو زِيدَ هَذَا لَكَانَ يُسْتَحسَن، وَلَو قُدِّمَ هَذَا لَكَان أَفْضَل، وَلَو تُركَ هَذَا لَكَانَ أَجْمَل.

وَهَذَا مِن أَعْظَمِ العِبَرِ، وهُوَ دَلِيلٌ عَلَى اِستِيلاَءِ النقصِ عَلَى جُملَةِ البَشَرِ)، ومثله ذكر طه حسين في مقابلة بثها التلفزيون السعودي، حيث أجاب عن سؤال ماجد الشبل عن نظرة طه حسين لكتبه فقال: لست راضياً تمام الرضا عن أي كتاب من كتبي، ولم يزد على هذه الجملة وهي جملة كافية لتعبر عن نفسها، ولتستعيد مقولة العماد الأصفهاني، وكأن العميد يتقمص العماد، وكما قال الأصفهاني فهي تشير إلى حالة استيلاء النقص على البشر، والكتابة هي في جوهرها محاولة لتحويل المكتوم إلى معلوم فهي تفجير لكوامن الروح ولطافات النفس، ولكن لغة الروح ولغة النفس أبلغ من لغة الجسد التي هي لغة اليد واللسان، وترجمة ما في الروح أو في النفس أو العقل هي أصعب أنواع الترجمات، وكل ترجمة هي نقل للقول من لغة إلى لغة، وتبعاً لهذا تتصعب ترجمة الشعر بين اللغات، لأن الشعر في أصله ترجمة للروح وللنفس، وكما أن كتابة ما في الروح والنفس تتصعب على الكاتب الأول فحتماً ستتصعب أكثر وأكثر على الكاتب الثاني الذي يطمح عادة لترجمة روح النص وليس لظاهر لفظه، وسيتضاعف النقص مع الشعر كما هو ملموس عند كل من حاول ترجمة أي شعر من لغة إلى لغة أخرى، وقد حدث لي ذلك حين حاولت ترجمة بعض قصائد للشاعر الإيرلندي ييتس، وقد كنت معجباً به أيام السبعينيات أثناء بعثتي لبريطانيا، وكنت أمضي أوقاتاً مع شعره، ونقلت بعضها إلى العربية، ولكني عجزت حقاً أن أقتنع بأني قد بلغت درجة التأثير التي في النص الأصلي، وكلما قرأت النص الإنجليزي ثانيةً وثالثةً، ثم قارنته بما خطته يدي من ترجمات له أحسست بأن النص في ترجمتي أصبح غريباً وناقصاً، وانتهى بي الأمر أن ألغيت مشروع الترجمة بسبب هذه الثغرة العميقة التي تظهر لي نقصان النص وانكشافه مجرداً من ثيابه المجازية رغم محاولاتي تلبيسه ثياباً مجازية مستعارة، لكن هذا لم ينتج نصاً يحمل الأثر ذاته كما في الأصل.
ولعل هذا هو ما حدث لحال المتنبي مع المستشرقين، حيث ظل مقامه عندهم أقل من مقام أبي نواس مثلاً كما صرح نيكلسون، وأدرك نيكلسون ذلك بحذاقة مشكورة، حيث قال (إن كان الإنجليز هم الأولى في تذوق شكسبير فالعرب بلاشك هم الأولى في تفضيل المتنبي)، وهي مقولة توحي بحس نيكلسون بعجزه عن ترجمة روح المتنبي وحكمته إلى الإنجليزية، ما جعل نصوصه العظيمة عندنا تتبدى أقل عظمةً في الذائقة الإنجليزية، وهذا اعتراف يشبه اعتراف العماد الأصفهاني بالنقص البشري، وهو هنا عجز لغة ما عن تقمص روح لغة غيرها تختلف في روحها ونسقها الوجداني والعقلي.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: لوثة الإبداع وحرقة الفكر د. عبدالله الغذامي يكتب: المتنبي والزمن المستحيل

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي ه ذ ا ل ک ان

إقرأ أيضاً:

"تشريعية النواب" توافق على 502 مادة من قانون الإجراءات الجنائية الجديد.. وتعاود الانعقاد الأسبوع المُقبل (تفاصيل)

انتهت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب، برئاسة المستشار إبراهيم الهنيدي، خلال اجتماعاتها، الأسبوع الجاري، من مناقشة 502 مادة من مواد مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد الذي أعدته اللجنة الفرعية، على أن تستكمل مناقشة باقي المواد خلال اجتماعها الأربعاء المقبل الموافق 11 سبتمبر الجاري.

 


جاء ذلك بحضور المستشار محمود فوزي، وزير الشئون النيابية والقانونية، والمستشار محمد عبدالعليم كفافي، المستشار القانوني لرئيس المجلس ومقرر اللجنة الفرعية، عبدالحليم علام، نقيب المحامين، وهيئة مكتب لجنة حقوق الإنسان، ممثلين عن وزارتي العدل والداخلية، ممثلين عن مجلس القضاء الأعلى، هيئة القضاء العسكري، النيابة العامة، المجلس القومي لحقوق الإنسان، نادي القضاة.

 


كما انتهت اللجنة من مناقشة الكتاب الخامس المستحدث الخاص بالتعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية، الذي يعتبر نقلة كبيرة في مجال تتبع الجريمة وملاحقتها في ضوء الاتفاقيات الدولية النافذة في حق مصر بما يضمن تحقيق مبدأ المعاملة بالمثل.

 


تعويضات الحبس الاحتياطي


ووافقت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية أيضًا على المادة الخاصة بإقرار حالات للتعويض عن الحبس الاحتياطي، وسط اشادات واسعة من نواب اللجنة والمعارضة والمجلس القومي لحقوق الإنسان، مؤكدين أن هذه المادة جاءت استجابة للاستحقاق الدستوري المقرر في المادة (54) من الدستور، والمطالبات المتعددة في مجال حقوق الإنسان بضرورة إقرار حالات للتعويض عن الحبس الاحتياطي، وتمثل نقلة كبيرة في مجال حقوق الإنسان في مصر ولها مردود إيجابي بالغ على المستوى الدولي.

 


وناقشت اللجنة أيضا التعديلات المقترحة من نقابة المحامين، واستجابة لمطالب النقابة وافقت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية على تعديل بعض المواد أبرزها (15، 72، 105، 274) وتم إرجاء مناقشة بعض التعديلات الأخرى لحين توافق النقابة عليها مع مجلس القضاء الأعلى والنيابة العامة ونادي القضاة.

 


المادة ( 72)


وكان قد شهد اجتماع اللجنة جدلًا واسعًا عند مناقشة طلب إعادة المناقشة المقدم من نقيب المحامين للمادة (72) من مشروع القانون التي تنص على أن "يجوز للخصوم ولوكلائهم أن يقدموا إلى عضو النيابة العامة الدفوع والطلبات التي يرون تقديمها، وفيما عدا ذلك لا يجوز لوكيل الخصم الكلام إلا إذا أذن له عضو النيابة العامة، فإذا لم يأذن وجب إثبات ذلك في المحضر".


حيث أعرب نقيب المحامين عن تمسك النقابة بحذف الفقرة الأخيرة، وفيما عدا ذلك لا يجوز لوكيل الخصم الكلام إلا إذا أذن له عضو النيابة العامة، فإذا لم يأذن وجب إثبات ذلك في المحضر.

 

وعقب النائب عبد المنعم إمام،  رئيس حزب العدل، بأن هناك فهم خاطئ لدى الكثير من السادة المحامين وأساتذة القانون الذين تحدثوا عن هذه المادة، لافتًا إلى أن هناك حديث خاطى من أن هذا النص يعتبر تجاوزًا وتضييقًا في حق الدفاع ولكن حقيقة النص الذى صاغتة اللجنة الفرعية المشكلة لدراسة مشروع قانون الاجراءات الجناءية يعد ضمانة أكثر لحق الدفاع، حيث إن الواقع العملي يُمكِّن عضو النيابة من قبول طلب المحامي في الكلام أو منعه، في ضوء تعليمات النيابة العامة في هذا الشأن التي تجيز منع المحامي من الكلام، والتي كانت محل خلاف دائمًا في النيابات وساحات القضاء، ولهذا السبب تم وضع هذا النص بهذا الشكل بما يُلزم عضو النيابة العامة في حال عدم الإذن للمحامي بالكلام بإثبات ذلك في المحضر كضمانة لحق الدفاع، مشيرًا أن العود إلى النص الأصلي سيعيد الأمر إلى تعليمات النيابة العامة التي تقلل من الحق في ذلك.


وأضاف النائب عبدالمنعم إمام، أن الجزء الذي طالبت النقابة بحذفه سيؤدي إلى خطأ كبير في حق المحامين، مشيرًا أنه يسجل رأيه للتاريخ مؤكدًا أن هذا النص ضمانة حقيقية وليس فيه أي تقليل من شأن المحامي.

 


وبعد مناقشات مستفيضة تمسك نقيب المحامين بطلب النقابة بحذف الجزء المشار إليه من المادة، ونزولًا على رأي النقابة ورغبتها في ذلك بعد التأكيد على أهمية هذا النص قررت اللجنة التشريعية الاستجابة لرأي النقابة والموافقة على حذف المادة، وإثبات جميع ما دار من ملاحظات بتقرير اللجنة لإبراء ذمتها من تعديل النقابة المطلوب.

 

 

مقالات مشابهة

  • د.حماد عبدالله يكتب: نعيش حالة من "العبث" !!
  • د. عبدالله الغذامي يكتب: المرايا
  • سليمان دعا الى مبادرة لانشاء منطقة اقتصادية عربية مشتركة بالتنسيق مع بارنييه
  • د.حماد عبدالله يكتب: "ياليتنا نبطل كلام" ومانبطلش نحلم !!
  • "تشريعية النواب" توافق على 502 مادة من قانون الإجراءات الجنائية الجديد.. وتعاود الانعقاد الأسبوع المُقبل (تفاصيل)
  • تير شتيغن يصف اختياره حارسا أول لألمانيا بعد 12 عاما من الانتظار ببلسم الروح
  • تير شتيجن سعيد بـ«بلسم الروح»!
  • الامن والدفاع النيابية: الغام بمذكرة التفاهم العراقية التركية
  • قراءة في مسرحية «البحار العجوز»
  • مستشار حكومي يعلن الموافقة على تعيين أكثر من 57 الفاً من ذوي المهن الصحية