صحيفة الاتحاد:
2025-03-25@22:17:39 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: جمالية النقص

تاريخ النشر: 27th, July 2024 GMT

يشير العماد الأصفهاني إلى استيلاء النقص على البشر، ويحيل إلى حال الكتابة بوصفها أبرز حالات تكشّف العيب فيقول (إِنِّي رَأَيتُ أَنَّهُ لاَ يَكْتُب أَحَدٌ كِتَاباً فِي يَومِهِ إِلاّ قَالَ فِي غَدِهِ: لَو غُيِّرَ هَذَا لَكَانَ أَحْسَن، وَلَو زِيدَ هَذَا لَكَانَ يُسْتَحسَن، وَلَو قُدِّمَ هَذَا لَكَان أَفْضَل، وَلَو تُركَ هَذَا لَكَانَ أَجْمَل.

وَهَذَا مِن أَعْظَمِ العِبَرِ، وهُوَ دَلِيلٌ عَلَى اِستِيلاَءِ النقصِ عَلَى جُملَةِ البَشَرِ)، ومثله ذكر طه حسين في مقابلة بثها التلفزيون السعودي، حيث أجاب عن سؤال ماجد الشبل عن نظرة طه حسين لكتبه فقال: لست راضياً تمام الرضا عن أي كتاب من كتبي، ولم يزد على هذه الجملة وهي جملة كافية لتعبر عن نفسها، ولتستعيد مقولة العماد الأصفهاني، وكأن العميد يتقمص العماد، وكما قال الأصفهاني فهي تشير إلى حالة استيلاء النقص على البشر، والكتابة هي في جوهرها محاولة لتحويل المكتوم إلى معلوم فهي تفجير لكوامن الروح ولطافات النفس، ولكن لغة الروح ولغة النفس أبلغ من لغة الجسد التي هي لغة اليد واللسان، وترجمة ما في الروح أو في النفس أو العقل هي أصعب أنواع الترجمات، وكل ترجمة هي نقل للقول من لغة إلى لغة، وتبعاً لهذا تتصعب ترجمة الشعر بين اللغات، لأن الشعر في أصله ترجمة للروح وللنفس، وكما أن كتابة ما في الروح والنفس تتصعب على الكاتب الأول فحتماً ستتصعب أكثر وأكثر على الكاتب الثاني الذي يطمح عادة لترجمة روح النص وليس لظاهر لفظه، وسيتضاعف النقص مع الشعر كما هو ملموس عند كل من حاول ترجمة أي شعر من لغة إلى لغة أخرى، وقد حدث لي ذلك حين حاولت ترجمة بعض قصائد للشاعر الإيرلندي ييتس، وقد كنت معجباً به أيام السبعينيات أثناء بعثتي لبريطانيا، وكنت أمضي أوقاتاً مع شعره، ونقلت بعضها إلى العربية، ولكني عجزت حقاً أن أقتنع بأني قد بلغت درجة التأثير التي في النص الأصلي، وكلما قرأت النص الإنجليزي ثانيةً وثالثةً، ثم قارنته بما خطته يدي من ترجمات له أحسست بأن النص في ترجمتي أصبح غريباً وناقصاً، وانتهى بي الأمر أن ألغيت مشروع الترجمة بسبب هذه الثغرة العميقة التي تظهر لي نقصان النص وانكشافه مجرداً من ثيابه المجازية رغم محاولاتي تلبيسه ثياباً مجازية مستعارة، لكن هذا لم ينتج نصاً يحمل الأثر ذاته كما في الأصل.
ولعل هذا هو ما حدث لحال المتنبي مع المستشرقين، حيث ظل مقامه عندهم أقل من مقام أبي نواس مثلاً كما صرح نيكلسون، وأدرك نيكلسون ذلك بحذاقة مشكورة، حيث قال (إن كان الإنجليز هم الأولى في تذوق شكسبير فالعرب بلاشك هم الأولى في تفضيل المتنبي)، وهي مقولة توحي بحس نيكلسون بعجزه عن ترجمة روح المتنبي وحكمته إلى الإنجليزية، ما جعل نصوصه العظيمة عندنا تتبدى أقل عظمةً في الذائقة الإنجليزية، وهذا اعتراف يشبه اعتراف العماد الأصفهاني بالنقص البشري، وهو هنا عجز لغة ما عن تقمص روح لغة غيرها تختلف في روحها ونسقها الوجداني والعقلي.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: لوثة الإبداع وحرقة الفكر د. عبدالله الغذامي يكتب: المتنبي والزمن المستحيل

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي ه ذ ا ل ک ان

إقرأ أيضاً:

صلاح الدين عووضة يكتب.. روق يا هيثم !!

 

ميني خاطرة
روق يا هيثم !!

كان ذلك باستاد المريخ..
ومباراة ختام الدوري مشتعلة بين طرفي القمة..
وكأس البطولة على المنصة..
وأمامنا – مباشرة – كان يجلس رجل متأنق..
بدلة ، وربطة عنق ، وتصفيفة شعر بذل فيها الحلاق جهدا مقدرا..
وشارب مشذب بعناية..
هل قلت يجلس؟…في الحقيقة هو لم يجلس أبدا..
منذ بداية المباراة وحتى منتصف الشوط الأول هو واقف يهتف ، ويصرخ ، ويناوش الهلالاب..
ثم يتلفت خلفه – نحونا – بلا سبب..
لم يجلس إلا حين صاح فيه بعضنا – غاضبين – بأنهم غير قادرين على متابعة المباراة بسببه..
وأضاف أحد الظرفاء بصوت جهوري : ياخي خلاص شفنا قصة شنبك وشقة شعرك أقعد روق خلينا نتابع الكورة..
ثم أردف مغمغما : عامل رويسك ده..
والآن حربنا هذه شوش علينا متابعة كثير من وقائعها المشتعلة وزير الصحة الاتحادي..
فهو يصر على إقحام نفسه في مجريات الأخبار – والأحداث –
بإصرار عنيد..
علما بأنه يحرص على أناقته كحرصه على الظهور الإعلامي..
ومن دون رصفائه الوزراء – والمسؤولين – يبحلق في الكاميرا عند تصويرها بداية الاجتماعات..
ثم يتبسم بخفة لا تناسب وزيرا في خضم حرب..
وهذا الأمر – كما علمت بعد ذلك – ضايق العديد من المكتوين بويلات الحرب ؛ لا أنا وحدي..
فيا سيد هيثم : ياخي خلاص شفنا قصة شنبك وشقة شعرك..
فهناك ما هو أهم الآن من من وعودك المكررة – السمجة – بتأهيل المشافي..
هناك حرب مشتعلة هي الأقذر في تاريخ بلادنا..
فبالله عليك روق شوية عشان نقدر نتابع الماتش ؛ أقصد الحرب..
ولا أقول لك كما قال ذاك الظريف لصاحب البدلة في لقاء القمة :
عامل رويسك ده !!.

مقالات مشابهة

  • حسين خوجلي يكتب: لقد انتهى الدرس يا غبي (وخزة)
  • صلاح الدين عووضة يكتب.. روق يا هيثم !!
  • محمد حامد جمعة يكتب: عافية
  • تقرير أمريكي يكشف عن ذخائر وأسلحة جديدة لأول مرة تستخدمها واشنطن في اليمن (ترجمة خاصة)
  • السوداني يوجه بإطلاق مشاريع الطاقة المتجددة لسد النقص في الخدمة الكهربائية
  • استياء وردود فعل غاضبة في الأوساط الأمريكية.. بعد فضيحة إضافة صحفي لمجموعة سرية بشأن اليمن (ترجمة خاصة)
  • غُرفتان... غرفة لأحمد السعدي وأخرى لحسن المطروشي
  • صحيفة أمريكية: هزيمة الحوثي شرط أساسي لعودة ابحار سفن الشحن في البحر الأحمر (ترجمة خاصة)
  • شكوى رسمية من ليبيا إلى الفيفا والكاف بعد سلوك “غير أخلاقي” في مباراة أنغولا
  • تقرير أمريكي: هل يستطيع ترامب أن يضع حدًا لجماعة الحوثي؟ (ترجمة خاصة)