عين ليبيا:
2025-01-30@21:47:49 GMT

من عدالتنا الاجتماعية (4 – 4)

تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT

في الجزء الأول  – من هذا المقال – حاولت تسليط بعض الضوء على معنى العدالة الاجتماعية والإجابة على السؤال: ما هي أهم مبادئ عدالتنا الاجتماعية؟ وفي الجزء الثاني حاولت التركيز على أهم واجبات الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية، وفي الجزء الثالث حاولت الإجابة على السؤال المتعلق بـ: متى يمكن للدولة أن تتدخل من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية؟ أما في هذا الجزء – الرابع والأخير- فسأحاول الإشارة إلى:

أهم الفروق بين عدالتنا الاجتماعية والمدارس الاقتصادية الأخرى؟

بمعنى: كيف يمكن تصنيف عدالتنا الاجتماعية:

هل هي “اشتراكية؟” أم “رأسمالية؟” أم ماذا؟

هناك من الإخوة والسادة من يدعو إلى الاشتراكية بسبب الخلط بينها وبين العدالة الاجتماعية من جهة، ومناداتها بمحاربة الظلم من جهة أخرى.

والحقيقة أن الاشتراكية تتفق مع عدالتنا الاجتماعية في بعض المواقف مثل محاربة الظلم، ولكن تختلف معها في مواضع عديدة أخرى وخصوصا في تصنيف المجتمع على أسس الصراع الطبقي بين الأغنياء والفقراء، وهيمنة الدولة على الاقتصاد والثقافة.

يُعرف الأستاذ صبري أبو المجد (صحفي ومؤرخ مصري، 1920- 1991) في كتابه “البناء الاشتراكي” الاشتراكية كالآتي: “… إن الخطوط الرئيسية لاشتراكيتنا العربية هي أن نؤمن بحق الدولة الصريح والواضح في تملك وسائل الإنتاج وتأميم مصادر الثروة الطبيعية والإشراف الكامل والشامل على الاقتصاد والثقافة…”29

من هذا يمكن القول إنه بالرغم من اتفاق الاشتراكية مع بعض الأهداف الإسلامية إلا أنه لا يمكن وصف العدالة الاجتماعية في الإسلام بالاشتراكية وذلك لأنها تجيز الكثير من الوسائل التي لا تتفق مع الإسلام، وفي هذا الصدد يقول الشيخ محمود الصواف (أحد علماء العراق والدعاة الإسلاميين، 1915-1992) في كتابه “لا اشتراكية في الإسلام”: “… إن الإسلام قد وافق اليهودية في بعض قواعدها وأصولها ولكنه خالفها في جميع مسائلها. فهل يجوز لنا أن نطلق على الإسلام وحاشاه (الإسلام اليهودي) لأنه وافق اليهودية في بعض مبادئها؟ وكذلك في النصرانية، فإن الإسلام قد وافقها في كثير من أخلاقها ومبادئها، فهل يجوز لنا أن نطلق عليه وحاشاه (الإسلام النصراني) لمجرد أن مبادئ منه وافقت مبادىء النصرانية؟ فكما لا يجوز هذا ولا ذاك, فلا يجوز بحال أن نطلق الاشتراكية على الإسلام، ونقول (الإسلام الاشتراكي) لمجرد موافقته لبعض مبادئ أو ملامح الاشتراكية”.30

هذا كما تختلف العدالة الاجتماعية في الإسلام عن الرأسمالية في الغاية والهدف وكثير من الوسائل والأدوات، فالرأسمالية على سبيل المثال تطلق الحرية للأفراد بلا حدود، هذا كما تركت حرية التملك شبه مطلقة، ولا تضع إلا قيودا خفيفة على طرائق الكسب، ولا تضع حدا معينا للثروات المكتسبة، فهي تبيح الربا وتعتبره نوع من أنواع التجارة الناجحة! وعليه بالرغم من أنها وافقت الإسلام في بعض المواضع إلا أنها خالفته في مواضع أخرى، فلا يجوز، بحال من الأحوال، أن نطلق الرأسمالية على الإسلام، ونقول (الإسلام الرأسمالي) لمجرد موافقته لبعض مبادئها أو أهدافها.

الخلاصة

في الختام يبقى السؤال:

ماذا يمكن أن نسمي عدالتنا الاجتماعية؟

بمعنى آخر، إذا كان لا ينبغي أن نطلق مصطلح الاشتراكية ولا الرأسمالية على عدالتنا الاجتماعية،

فما هي إذا؟ وكيف يمكن تصنيفها؟

في اعتقادي أنه من المناسب أن نطلق عليها مصطلح:

“التعاونية”، أي “الاقتصاد التعاوني”.

فهي من جهة تشترك مع الرأسمالية في بعض الأمور، مثل ممارسة التجارة وحق العمل، ولكن تختلف معها في أمور أخرى عديدة،

ومن جهة تتفق مع الاشتراكية في بعض الأهداف، كمحاربة الفقر وتحقيق المساواة، ولكن تختلف معها في الكثير من الأساليب والأهداف الأخرى.

وعليه يمكن القول، إن عدالتنا الاجتماعية ليست اشتراكية ولا رأسمالية، وإنما “تعاونية”، ولعل من أهم ما يعني ذلك أن:

* اقتصادنا “تعاوني”، يقوم على شعار: “وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”،

* واقتصادنا “تعاوني”، لأنه لا يلغي الملكية الخاصة، ولا يسمح بأن تضع الدولة يدها على موارد وأدوات العمل المُكتسبة، فالملكيه الفردية مشروعة ومصونة ومقدسة، ويجوز الاستشهاد في سبيلها كما ورد في الحديث الشريف: “… من مات دون ماله فهو شهيد…”، ولا يحق للدولة انتزاعها إلا لضرورة تقتضيها المصلحة العامة ووفقا لإجراءات قانونية وبتعويض فوري وعادل.

* واقتصادنا “تعاوني”، لأنه يعتبر الملكية العامة أصل ولا يجب التفريط فيها، وتشمل كل المصادر الطبيعية للطاقة والثروة، ويجب اعتبار كل مال لا مَالك له هو مُلك عام.

* واقتصادنا “تعاوني”، لأنه يقوم على أسس محاربة الاحتكار، والغش، والاستغلال، والإسراف، والفساد.

* واقتصادنا “تعاوني”، لأنه يقوم على أساس “التكامل” وليس “الصراع” الطبقي.

* واقتصادنا “تعاوني”، لأنه يقوم على أساس محاربة الفقر – لكن ليس بمعاقبة الأغنياء وإنما بمساعدة الفقراء.

* واقتصادنا “تعاوني”، لأنه يرتكز على مبدأ: “لا ضرر ولا ضرار”، بمعنى ألا يبتدئ المواطن غيره بالضرر، ولا يُقابل الضرر بضرر مثله.

* واقتصادنا “تعاوني”، لأنه ينادي بمبدأ: “من أين لك هذا”، وبمحاسبة المسؤولين على كل أنواع الفساد في المجتمع.

* واقتصادنا “تعاوني”، لأنه يُقدس العمل ويجعله عبادة وفريضة ويضعه في مرتبة الجهاد،

* واقتصادنا “تعاوني”، لأنه يُشجع الاعتماد على النفس، ويجعل صاحب الشيء أحق بالقيام به.

* واقتصادنا “تعاوني” لأنه يضمن المساواة في الحاجات الضرورية للمواطنين، ويُلزم الدولة بتوفير الحد الأدنى من اليسر والرفاة لكل أفراد المجتمع.

* واقتصادنا “تعاوني”، لأنه يشجع الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص لتحقيق أهداف استراتيجية ووطنية.

بناء على هذا يمكن القول أن تحقيق العدالة الاجتماعية ضرورة لبناء وتقدم الدول والمجتمعات وذلك:

أولاً، لأنها واجب إسلامي.

ثانيا، لأنها ضرورة لتحقيق رغبات الناس المادية والمعنوية.

وثالثاً، لأنها ركن أساسي في الحياة السياسية والاجتماعية والنفسية.

ختاما، أدعو الله أن أكون قد وفقت في المساهمة في هذا الموضوع، وما هذا المقال إلا مجرد دعوة صادقة لفتح باب الحوار بين كل المهتمين في هذا الشأن، من اشتراكيين ورأسماليين وإسلاميين، للتوافق حول هذه القضية الضرورية والمصيرية لبناء دولة حديثة ومتقدمة يحلم بها الجميع.

أخيرا لا تنسوا، يا أحباب، أن هذا مجرد اجتهاد،

اعتقد أنه صواب،

فمن أتى باجتهاد أحسن منه قبلناه،

ومن أتى باجتهاد يختلف عنه احترمناه.

والله المســتعـان.

هوامش

د. صبرى أبو المجد (1963) “البناء الاشتراكي” الدار القومية للنشر. القاهرة.29

الشيخ مححمود الصواف (1979)  “لا اشتراكية في الإسلام” القاهرة، مصر. دار الأنصار. ص 930

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: العدالة الاجتماعیة فی الإسلام یقوم على لأنه ی من جهة فی بعض فی هذا

إقرأ أيضاً:

إيفاد إمامين وقارئ إلى دول أمريكا وكولومبيا وفنزويلا

أعلنت وزارة الأوقاف عن إيفاد إمامين وقارئ إلى دول أمريكا وكولومبيا وفنزويلا لإحياء ليالي شهر رمضان المبارك لعام ١٤٤٦هـ / ٢٠٢٥م، في إطار رؤية وزارة الأوقاف، برئاسة  الأستاذ الدكتور أسامة الأزهري، وزير الأوقاف، لتعزيز الدور الدعوي لمصر في الخارج وتقديم صورة مشرفة للأئمة والقراء المصريين.

مراكز الثقافة الإسلامية تطلق مسابقة بحثية بين دارسيها حول المحاور الأربعة لوزارة الأوقاف "مخاطر الهجرة غير الشرعية".. ضمن ندوات مديرية الأوقاف الفيوم 

أكدت وزارة الأوقاف أن هذه الخطوة تأتي تأكيدًا للريادة المصرية في نشر الفكر الوسطي المستنير، الذي يعزز قيم الإسلام الحقيقية من تسامح وسلام وتعايش. كما تؤكد الوزارة دور البرامج التدريبية المكثفة التي تقدمها للأئمة والقراء، وحرصها على تأهيلهم ليكونوا على قدر عالٍ من الكفاءة العلمية والدعوية بما يليق بمكانة مصر وريادتها العالمية في هذا المجال.

وأشارت الوزارة إلى أن اختيار الموفدين تم وفق معايير دقيقة شملت التميز العلمي والقدرة على التفاعل مع الثقافات المختلفة، لتقديم صورة مشرقة للإسلام والمسلمين في الخارج. وتهدف الوزارة من خلال هذه الإفادات إلى نقل رسالة الإسلام السمحة وتأكيد القيم الإنسانية المشتركة التي تجمع بين الشعوب. وقد تم إيفاد كل من:

١. الشيخ أحمد رجب عبده خليفة – إمام وخطيب بمديرية أوقاف البحيرة، للعمل بمسجد الرحمن بمنطقة بروكلين، نيويورك - أمريكا. (إمامًا)

٢. الشيخ الطيب محمد حسان محمد – إمام وخطيب بمديرية أوقاف الأقصر للعمل بالجمعية الإسلامية (مسجد عثمان بن عفان) برانكيا - كولومبيا. (إمامًا)

٣. الشيخ علي يوسف محمد علي – معلم بالأزهر الشريف للعمل برابطة العالم الإسلامي (مسجد إبراهيم بن عبد العزيز البراهيم) كاراكاس – فنزويلا (قارئًا).

وأكدت وزارة الأوقاف أن هذه الإيفادات تؤكد التزامها الراسخ بخدمة الإسلام والمجتمع الإنساني من خلال نشر القيم السمحة وتعزيز التفاهم بين الثقافات. كما أعربت الوزارة عن تمنياتها للموفدين بالتوفيق والنجاح في مهمتهم، مشددة على أهمية الدور الذي يقومون به كرسُل سلام وسفراء لمصر في الخارج.

واختتمت الوزارة بيانها بالإشادة بالدور الذي تقوم به الدولة المصرية في دعم الخطاب الديني المستنير، داعية الموفدين إلى تمثيل مصر بأفضل صورة وتحقيق الأهداف النبيلة التي يحملونها في هذه المهمة المباركة.

مقالات مشابهة

  • إيفاد إمامين وقارئ إلى دول أمريكا وكولومبيا وفنزويلا
  • صحيفة الثورة الخميس 1 شعبان 1446 – 30 يناير 2025
  • 3 فضائل لشهر شعبان في الإسلام.. ترفع فيه الأعمال إلى الله
  • بوتين: الحرب في أوكرانيا قد تنتهي خلال شهرين والمفاوضات ممكنة ولكن ليس مع زيلينسكي لأنه “غير شرعي”
  • صحيفة الثورة الأربعاء 29 رجب 1446 – الموافق 29 يناير 2025
  • الحكمة من ترتيب الأنبياء في السماوات برحلة الإسراء والمعراج
  • قوليله لؤه.. ياسمين عز للزوجات: حطي إيدك في جيب البنطلون وخدي اللي عايزاه
  • ملخص مباراة ضمك 2 – 1 الاتحاد – دوري روشن
  • ملخص مباراة القادسية 2 – 1 الهلال – دوري روشن
  • صحيفة الثورة الثلاثاء 28 رجب 1446 – 28 يناير 2025