جاءت محاولة أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لاعتقال قائد كتيبة طولكرم محمد جابر (أبو شجاع) خلال تلقيه العلاج في مستشفى ثابت ثابت الحكومي لتفتح الباب أمام العديد من التساؤلات حول دور السلطة خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وإعادة الذاكرة الفلسطينية حول ممارسات السلطة منذ إنشائها في العام 1994.
وشكلت محاولة اعتقال أبو شجاع حلقة في سلسلة ممتدة لاعتقال مقاومين وإطلاق النار على البعض منهم واستشهاده، وتفجير عبوات ناسفة وضعتها المقاومة في الضفة الغربية لمنع اقتحامات المدن والمخيمات، والتحذير من تنامي عمل المقاومة هناك.
ويرى العديد من المحللين أن تصرفات السلطة تلك تهدف لإثبات جدارتها في لعب دور في المعادلة الفلسطينية الجديدة بعد معركة طوفان الأقصى، وأنها قادرة على لعب دور رئيس في السيطرة على قطاع غزة.
مواقف السلطة تلك دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للقول "بأنه لا يمكن تجاهل ما تقوم به السلطة الفلسطينية"، مشيرا إلى أن هناك فوائد لإسرائيل من ذلك، بحسب ما ذكرت القناة الـ 12 الإسرائيلية التي أشارت إلى أنه على الرغم من مهاجمة نتنياهو "للسلطة الفلسطينية بشكل علني، فإن تصريحاته بالمحادثات المغلقة معتدلة أكثر"، وذكرت أن نتنياهو قال أيضا "خلال المحادثات المغلقة بأن انهيار السلطة الفلسطينية ليس مصلحة إسرائيلية بالوقت الحالي".
السلطة وطوفان الأقصى
جاءت معركة طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي لتعيد إحياء السلطة الفلسطينية وتضعها على الخارطة مجددا بعد أن تم تجاهلها خلال السنوات الماضية، خاصة بعد عقد اتفاقات سلام مع عدة دول عربية وباتت اتفاقات أبراهام هي العنوان الأبرز لتلك المرحلة واعتقد البعض أن نجم القضية الفلسطينية قد بدأ في الأفول.
فقد بشر نتنياهو بـ"فجر عصر جديد من السلام"، في خطابه بالأمم المتحدة في 22 سبتمبر/ أيلول الماضي، وأشار إلى أن "مثل هذا السلام سيقطع شوطا طويلا نحو إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي وخلق شرق أوسط جديد، وسيشجع الدول العربية الأخرى على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل".
وشدد على أنه يؤمن بعدم وجوب إعطاء الفلسطينيين "حق النقض (الفيتو) على اتفاقيات سلام جديدة مع دول عربية".
يتماهى موقف نتنياهو هذا مع موقف التيار الديني الحليف له في الحكومة فهما يعتبران أن "الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من دولة إسرائيل"، وأن وجود السلطة الفلسطينية يتعارض سياسيا مع مخططاتها المستقبلية، وأن دورها لا يتعدى كونه جانبا خدماتيا، ترعى فيه التعليم والصحة للفلسطينيين، بالإضافة لدور آخر يتعلق بالتنسيق الأمني مع الاحتلال. وفقا الأكاديمي والمحلل السياسي الدكتور عقل صلاح.
ويرى الباحث نهاد أبو غوش أن سلطات الاحتلال عملت على إضعاف السلطة الفلسطينية وانتزاع صلاحياتها ومحاولة اختزالها إلى مجرد وكيل أمني، وحاجز بين الاحتلال والشعب الفلسطيني يعفي إسرائيل من أية مسؤوليات تجاه ملايين الفلسطينيين.
بعد 7 أكتوبر 2023 وقبل انقشاع غبار المعركة وصمود المقاومة بات مقر المقاطعة في مدينة رام الله محجا للسياسيين الغربيين الذين عقدوا العديد من الاجتماعات مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلا أن ذلك الموقف تغير خلال مسار الحرب وعاد الوضع لما كان عليه قبل ذلك التاريخ مع مطالبات بإصلاح السلطة للقيام بمهامها بشكل أفضل مما تقوم به.
يمكن معرفة الدور المطلوب من السطلة الفلسطينية القيام به من خلال التصريحات الإسرائيلية والغربية، إذ لم يعد يخفي أي من الطرفين طبيعة الدور الذي أنيط بالسلطة منذ اتفاقية أوسلو في العام 1993.
فقد ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية في شهر يونيو/ حزيران الماضي أن المنظومة الأمنية في إسرائيل تتخوف من أن تؤدي خطة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش لانهيار السلطة الفلسطينية إلى إشعال الوضع في الضفة.
وأوضحت أنه في حال تم هذا الأمر فقد "تتوقف عمليات الجيش البرية في غزة وينقل قواته فورا إلى الضفة، إذ سيكون من الصعب إدارة ساحتين قتاليتين في الضفة والحدود الشمالية (مع لبنان)".
وهو ما عبر عنه نتنياهو من خلال التسريبات التي نقلت عنه في وسائل الإعلام الإسرائيلية من أن هناك "ضرورة لاتخاذ خطوات تدعم ثبات السلطة الفلسطينية لمنع التصعيد".
الموقف الأميركي كان منسجما مع تلك المواقف الإسرائيلية فقد ذكرت الخارجية الأميركية، في معرض انتقادها لاحتجاز أموال الضرائب الفلسطينية من قبل إسرائيل، إلى أنه تم إخبار حكومة نتنياهو "بوضوح بأن عليها الإفراج عن أموال السلطة الفلسطينية فورا"، مؤكدة أن حجز أموال السلطة يعرقل قدرتها على حفظ الاستقرار في الضفة الغربية، "وهذا يضر بإسرائيل".
ومع مخاوف انهيار السلطة بسبب الأزمة المالية التي تعاني منها فقد حذر وزير الخارجية النرويجي إسبن بارث من "خطورة انهيار السلطة في ظل استمرار العقوبات المفروضة عليها والصراع القائم في قطاع غزة والضفة الغربية، وأن حدوث انهيار السلطة يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية".
من خلال ذلك يمكن القول إن الموقف الإسرائيلي والغربي من السلطة الفلسطينية ورؤيته لوجودها يتسم وفق ما يوضحه المختص بالشأن الإسرائيلي عزام أبو العدس للجزيرة نت في حصر دور السلطة بالجانب الأمني فهو "يريد إكمال مشروع السلطة باعتباره مربحا وموفرا لجهد كبير، فالسلطة بالنسبة لهم دجاجة تبيض أمنا".
ويعزز ذلك ما قاله قائد المنطقة الوسطى بجيش الاحتلال الإسرائيلي السابق يهودا فوكس "إن قدرة القيادة على القيام بمهامها، لحماية إسرائيل، تعتمد أيضا على وجود سلطة فلسطينية فاعلة وقوية"، كاشفا أن "العمل بشكل متعمد على تقويض الواقع الأمني بهذه المنطقة يشكل تهديدا أمنيا على دولة إسرائيل".
بعد معركة طوفان الأقصى تصاعدت وتيرة الاعتقالات والملاحقة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة خلال الفترة الأخيرة ضد المقاومين المطاردين والناشطين، وصلت إلى حد إطلاق النار المباشر أو على المركبات الخاصة بهم.
ولم تقف مهام السلطة على التبادل الاستخباراتي مع الاحتلال أو ما اصطلح على تسميته بالتنسيق الأمني فقط بل تطورت إلى حد تفكيك العبوات الناسفة التي تزرعها خلايا المقاومة لجيش الاحتلال، وتحديد الكمائن، وإزالة الحواجز التي وضعها المقاومون على مداخل المخيمات لصد اقتحامات جيش الاحتلال، إضافة إلى قمع بعض المظاهرات المؤيدة لغزة ومنددة بممارسات الاحتلال هناك حيث قتلت السلطة 5 فلسطينيين بينهم طفلة خلال فض تلك المظاهرات.
كما اتهمت كتيبة جنين السلطة بقتل عضو كتيبة برقين أحمد هاشم عبيدي بعد ملاحقته وإطلاق النار عليه، كما قتلت المطارد من قبل الاحتلال معتصم العارف بعد إطلاق النار عليه في طولكرم، وقد أدت ممارسات السلطة تلك إلى إصابة عدد من المقاومين والمطاردين من قبل الاحتلال.
يرى رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن افرايم عنبار أن "الرغبة التي أظهرتها السلطة الفلسطينية في الدفاع عن إسرائيل أساء لسمعتها، كما أن للسلطة مصلحة في منع تعزيز قوة حماس في الساحة الفلسطينية، وهذا هو حجر الزاوية في التعاون الأمني مع إسرائيل".
ما عبر عنه عنبار أدركه العديد من الفلسطينيين منذ مدة، فقد أظهر استطلاع للرأي العام أعده المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الفترة الواقعة ما بين 26 مايو/ أيار و1 يونيو/ حزيران الماضي، أن أكثر من 60% من الفلسطينيين يؤيدون حل السلطة الفلسطينية، و89% يطالبون محمود عباس بالاستقالة.
ووفق الاستطلاع تبلغ نسبة الرضا عن أداء محمود عباس 12% ونسبة عدم الرضا 86%، فيما يريد حوالي 89% استقالة الرئيس. وتبلغ نسبة المطالبة باستقالته اليوم 94% في الضفة الغربية و83% في قطاع غزة.
وأظهر أن 51% من المستطلعة آراؤهم يرون أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) هي الأحق بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني، و16% فقط يعتقدون أن حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بقيادة الرئيس محمود عباس هي الأحق.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي ساري عرابي أن "السلطة فقدت مشروعها السياسي وحاضنتها الشعبية"، وأن "الاحتلال لا يريد أي ممثل سياسي للشعب الفلسطيني حتى لو كانت السلطة بسقفها ومنهجيتها الحالية".
واعتبر عرابي أن "انهيار السلطة سيدفع إلى حالة فوضى داخلية تعيشها الضفة من جهة، وتصاعد الحالة النضالية من جهة أخرى".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات السلطة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة انهیار السلطة محمود عباس العدید من قطاع غزة إلى أن
إقرأ أيضاً:
الاحتلال الإسرائيلي يواصل تصعيد في الضفة الغربية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي تصعيدها في الضفة الغربية، حيث اقتحمت مدينتي نابلس وقلقيلية فجر اليوم الاثنين بعد ساعات من دفعها بالدبابات إلى مناطق جنوب غربي جنين، في حين اقتحم مستوطنون مسجدا شرقي نابلس.
وأفادت وسائل إعلام فلسطينية بأن قوات الاحتلال داهمت مبنى سكني في محيط جامعة القدس المفتوحة غربي مدينة نابلس.
كما بثت المواقع الفلسطينية مشاهد تظهر اقتحام آليات جيش الاحتلال نابلس من حاجز الـ17.
وقالت وسائل الإعلام المحلية إن مقاومين تصدوا لقوات الاحتلال قرب السوق الشرقي في محيط البلدة القديمة بنابلس.
وفي الوقت نفسه، اقتحمت قوات الاحتلال حي كفر سابا في مدينة قلقيلية وفقا لوسائل إعلام محلية.
من ناحية أخرى، اقتحم مستوطنون إسرائيليون ليل الأحد مسجدا يقع شرقي بلدة بيت فوريك شرقي نابلس أثناء صلاة التراويح، واعتدوا على المصلين وعبثوا بمحتويات المسجد.
وفي تصعيد آخر، اقتحمت دبابات الاحتلال مناطق الهدف ووادي برقين ومحيط بلدة برقين جنوب غربي جنين في الضفة الغربية.
وقام الجيش الإسرائيلي بجولات عبر دباباته ومدرعاته في مناطق مختلفة من محافظة جنين، دون معرفة أسباب ذلك.
كما اقتحمت قوات الاحتلال مخيم الفارعة جنوبي طوباس، ودفعت بتعزيزات عسكرية نحو المخيم.
ودهم الجنود منازل عدة وفتشوها واعتقلوا عددا من الفلسطينيين، في حين اعتلى القناصة أسطح المباني.
ويشن جيش الاحتلال عمليات واسعة في المدن والمخيمات الفلسطينية شمالي الضفة الغربية منذ يناير الماضي أدت إلى تهجير عشرات آلاف الفلسطينيين وخلفت دمارا واسعا.
كما