قلاع وحصون محافظة مسقط..آثار راسخة وإرث للأجيال
تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT
«العمانية»: تشكل القلاع والحصون شواهد حضارية بارزة في تاريخ عُمان العريق، وتُعدّ من أهمّ المعالم الأثرية التي تُزيّن جبالها وسواحلها. بنيت هذه القلاع على مر العصور، لتكون بمثابة حصون دفاعية تحمي البلاد من الغزاة، ولتُصبح مراكز ثقافية وتجارية نابضة بالحياة. و تُعدّ محافظة مسقط حاضنةً لعددٍ من القلاع والحصون التاريخية التي تُشكّل إرثا حضاريا غنيا، وتُضفي على المدينة سحرًا خاصًا.
ومن هذه القلاع قلعتا الجلالي والميراني وقلعة الراوية وقلعة مطرح وبيت الفلج وحصن قريات وبيت المقحم وسور ماجد.
تقع قلعة الجلالي (الكوت الشرقي) على الصخور الشرقية المنعزلة بمسقط القديمة على ارتفاع (٤٥) مترا عن سطح البحر حيث تطل على بحر عمان، اكتمل تشييدها عام (٩٩٧هـ / ١٥٨٨م) وهي مبنية من الحجر الرملي في مكان تحصيني قديم، ويتألف مبنى القلعة من برجين حصينين يصل بينهما سور به ثماني فتحات مقوسة لإطلاق نيران المدافع وبالقلعة مجموعة أخرى من الأبراج مختلفة الارتفاع، والبناء معزول تمامًا ولا يمكن الوصول إليه من الواجهة الصخرية إلا عن طريق جسر صغير وسلم محفور في الصخر من (۸۰) درجة ينتهي عند أحد المعاقل، وقد استخدمت القلعة كموقع دفاعي، وتم ترميمها عبر العصور المختلفة وآخرها في عام (١٩٨٠م).
أما قلعة الميراني (الكوت الغربي) فتقع على الصخور الغربية بمسقط القديمة على ارتفاع (٤٥) مترا عن سطح البحر، حيث تطل على بحر عمان من موقع إستراتيجي يصعب الوصول إليه، وتم الانتهاء من تشييدها عام (٩٩٦ هـ / ١٥٨٧م). يتكون هذا البناء الضخم من عدد من الأبراج التي يصل بينها سور يحتوي على فتحات لإطلاق نيران المدافع، ويقع باب المثاعيب عند القاعدة ويمتد منه سور مسقط، وقد استخدمت القلعة لأغراض دفاعية، وتم ترميمها في عام (١٩٧٥م).
وهناك أيضا قلعة الراوية وهي تقع بالقرب من الوادي الكبير على بعد حوالي نصف كيلومتر جنوب غرب منطقة مسقط المسورة، وقد قام ببنائها السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي، حيث تم الانتهاء من تشييدها في عام (١٢١٤ هـ /١٧٩٩م)، وهي بناء حصين مستطيل الشكل بطول (١٣،٥متر) وعرض ١٢٨مترا وارتفاع (٢٨مترا)، يتوسط مدخل القلعة السور الشرقي المواجه لمسقط بطول (٢٨مترا) وعرض (١٨مترا) حتى قمة القنطرة ذات القوسين المعكوسين التي تخفي كوة لإطلاق النار، والمبنى مكون من طابق واحد به أربع غرف وله فتحات عالية وضيقة مثلثة الشكل للتهوية رممت القلعة في خلال الفترة (۱۹۸۰ - ۱۹۸۲م).
أما قلعة مطرح التي بُنيت في عام (٩٨٧هـ / ١٥٧٩م) فتقع على قمة جبل. وقد أطلق عليها قديما كوت مطرح، وهي مطلة على بحر عمان، وتحيط أسوارها بمنطقة مثلثة الشكل. وتنحدر بشكل حاد تبعا لانحدار التلة، وتحتوي القلعة على ثلاثة أبراج مستديرة الشكل، وقد بُنيت بالحجارة والصاروج واستخدمت لأغراض دفاعية بحتة، ورُممت خلال الفترة (۱۹۸۰م - ۱۹۸۲م).
وليس ببعيد عن مطرح هناك بيت الفلج الذي بُني في أواخر القرن (١٢هـ / ١٨م) وأوائل القرن ( ١٣هـ / ١٩م)، وهو عبارة عن مبنى مربع الشكل يتكون من طابقين بطول (٢٥مترا) للواجهة الواحدة ويضم برجين بقطر (۷أمتار) يقعان في ركنين متقابلين هما الركن الشمالي الغربي والجنوبي الشرقي، ويقع المدخل الرئيسي في منتصف الواجهة الشمالية، حيث يبلغ عرض الباب (٢١مترا) وارتفاعه (٢٦مترا) ويحيط به إطار كثيف النقوش، تبلغ مساحة الفناء المركزي (١٠,٥متر)، واستخدم البيت كمقر للقيادة العسكرية حتى السبعينيات من القرن العشرين ورُمم بيت الفلج في ديسمبر (۱۹۸۸م). ويستخدم حاليا كمتحف لقوات السلطان المسلحة.
ومن الحصون في محافظة مسقط حصن قريات الذي بناه السيد حمد بن سعيد البوسعيدي في القرن (13) هـ / ١٩م) في وسط السوق بولاية قريات في عهد السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، وهو عبارة عن بيت محصن من طابق واحد يوجد به (۱۲) غرفة، باستثناء برج الحصن الدائري المكون من طابقين، وهناك آثار تدل على وجود سور سابق بمساحة (٢٠مترا).
و من البيوت الأثرية في المحافظة بيت المقحم ويطلق عليه أيضا اسم «البيت الكبير» ويعد أكبر بيت في حارة الفلج بولاية بوشر كما يُسمى بيت السيدة ثريا بنت محمد بن عزان التي عاشت في القرن (١٢هـ/ ١٨م). ويتألف بيت المقحم من عدة مداخل وأروقة وهو مكون من ثلاثة طوابق، وقد صُمم على شكل قلعة منيعة. رُمم البيت في الفترة (۱۹۹۰م - ۱۹۹۳م).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی عام
إقرأ أيضاً:
واحات مصر.. من بيئة طاردة إلى جاذبة للسكان
مرت واحات مصر بعصور متقلبة بين الرخاء والشدة، وبين الاستقرار والترحال، وارتبط الرخاء والاستقرار بتدفق مياه الآبار والعيون واستصلاح وزراعة الأرض، وعند جفاف مياه الآبار والعيون تتقلص مساحة الأراضي الزراعية ويقل الغذاء ويزيد الفقر بين أهلها ويكون الحل هو الترحال إلى مكان آخر.
وتشير الدراسات الجيولوجية إلى أن الواحات وما حولها من صحراء كانت جنات خضراء بفعل سقوط الأمطار الغزيرة وأنها أصل العمران في مصر قبل ظهور نهر النيل وتغير المناخ.
و السؤال الذي يفرض نفسه: هل يعيد مانراه الآن من تغير المناخ لواحات مصر وصحرائها أمطارها وخضرتها؟
وتستمد كلمة «واحات» اسمها من مجموع الواحات السبع التي عرفها المصريون القدماء، وكلمة «واحة» كانت للتدليل على منخفض بذاته كالواحة الكبرى، أي الواحات الخارجة، وواحة الشمال، أي الواحات البحرية، وهذا يدل على أن كل منخفض من منخفضات الواحات كان له وحدة واحدة متصلة الرقعة الزراعية فيه نضرة دائمة وازدهار متجدد في الربيع بما تزدان به حدائقها من ثمار وأزهار وفيه الأغصان وارفة الظلال والطيور المغردة والماء الزلال جعل من بعض واحاتها جنة للديناصورات.
وبمرور الزمن أصبحت الواحة الواحدة واحات بعد أن زحفت اليها الأراضي القاحلة، ويجمع الكثير من العلماء على أن واحات مصر كانت سبعا في عصر البطالمة وهي: الواحة البحرية والواحة الخارجة والواحة الداخلة وواحة الفرافرة وواحة سيوة والواحة التي كان يسميها قدماء المصريين واحة (اوت) وهى لم تكتشف بعد، وواحة وادي النطرون، لكن رأى بعض العلماء ومنهم أحمد شفيق باشا مدير عام مصلحة الحدود في مذكراته عام 1929 أن عدد الواحات خمس واحات فقط إذ خرج وادي النطرون من عداد الواحات ثم لم يستدل بعد على ما كان يسمونه واحة (اوت).
وفي عصور الفراعنة ازدهرت الزراعة وانتشر العمران وعم الرخاء في واحات مصر وسجلت على جدران المقابر والمعابد مكاييل القمح وجرار النبيذ، وكما يقول رمسيس الثاني للاله آمون لقد عملت لك حدائق كروم في الواحات الجنوبية والواحات الشمالية، كما كانت الواحات سلة الغذاء للإمبراطورية الرومانية.
ولأن الأيام دول ودوام الحال من المحال، فإن الواحات قد عانت من العزلة و الإهمال لمئات السنين، ففضل أهلها الترحال لأسباب عديدة، وتحكم فيها تحكما مطلقا الثلاثي الذي يتكفل بإقامة صرح التأخر في أي مجتمع إنساني.. المرض والجهل والفقر.
وكان السواد الأكبر من أهل الواحات في معظم فترات القرن الماضي من الفقراء، لا يكاد الواحد منهم يملك قوت يومه، وكان الأغنياء قلة يمتلكون الماء والأرض والنخيل، وزاد الطين بلة جفاف الآبار والعيون في معظم مناطق الواحات مما أدى إلى تقلص المساحة الزراعية ونقص الغذاء، لذا كان الرحيل إلى أرض الله الواسعة، فكانت هجرة الكثيرين من أهل الواحات الداخلة والواحات الخارجة إلى القاهرة و الاسكندرية والسويس والإسماعيلية وبورسعيد وهجرة الكثيرين من أهل واحتي البحرية والفرافرة إلى القاهرة ومحافظتي المنيا والفيوم.
ودعا هذا الأمر الدولة للتدخل والقيام بدور هام في وقف التدهور ووضع خطط للتنمية بدءا من أول ستينيات القرن الماضي عندما أنشات محافظة الوادي الجديد وحفرت الآبار العميقة عن طريق هيئة تعمير الصحاري في كل واحات مصر بعد جفاف الكثير من الآبار والعيون السطحية واستصلاح وزراعة آلاف الأفدنة وخلق فرص عمل لأهل الواحات والقادمين إليها من وادي النيل وبذلك أمكن إيقاف هجرة أهل الواحات إلى وادي النيل بحثا عن لقمة العيش بعد أن وجدوا صعوبة الحصول عليها بالواحات.
وجاءت الخطوة الثانية بقيام الدولة بربط الواحات بوادي النيل في ستينيات وأول سبعينيات القرن الماضى برصف الطرق وتوفير المواصلات سواء حافلات نقل الركاب وحافلات نقل البضائع والسلع وبعد بضع سنوات تم إمدادهم بالتيار الكهربائي والإرسال التلفزيوني وجميعها خطوات هامة للخروج من العزلة التي فرضها الموقع الجغرافي في صحراء مصر الغربية لمئات السنين وبداية للتنمية الحقيقية وهو ما أدى إلى الهجرات العكسية المتتالية من محافظات الجمهورية إلى جميع الواحات.
يقول موسى محمد عمار، موجه سابق بإدارة الواحات البحرية التعليمية: في نهاية سبعينيات القرن الماضي بدأت هجرات جديدة من محافظات كثيرة إلى الواحات البحرية بعد أن تملكوا أراضي زراعية في مناطق كثيرة من الواحة وأصبحت لهم أحياء سكنية مثل حي براني فى مدينة الباويطي وفي منطقة عين توني ببلدة الزبو وغالبية سكانهما جاءوا من محافظة الفيوم، أما منطقة القصعة 2 فغالبية سكانها جاءوا من محافظات المنوفية والشرقية والدقهلية والمنيا، وعائلات أخرى جاءت من كل محافظات مصر وانتشرت واستقرت في مناطق متفرقة بالواحات البحرية، وتجاوز عددهم 6000 نسمة حينها، وأصبحوا جزءا من نسيج الواحة وحدثت حالات مصاهرة كثيرة بينهم وبين أهل الواحة، أما الآن فإن عددهم تجاوز 10000نسمة بخلاف من يأتي إليها للعمل في موسم جمع وتصنيع البلح.
ويضيف عمار: مع بدء تشغيل مناجم حديد الواحات البحرية أول سبعينيات القرن الماضي شيدت الدولة للعمال والمهندسين مدينة سكنية كاملة المرافق وأقاموا فيها مع عائلاتهم التي جاءت من كل أنحاء مصر وبلغ عدد سكان هذه المدينة 3700 نسمة كما أقام فيها الخبراء الروس قبل طردهم من مصر.
ومن واحة الفرافرة يقول عبد الله أحمد علي مدرس بمدرسة الفرافرة الإعدادية إن التركيبة السكانية تغيرت في الواحة بعد الهجرات المتتالية من الوجه البحري بداية من أول ثمانينيات القرن الماضي، وأصبحت الغالبية العظمى لسكان الواحة من الوافدين الذين شكلوا ما يقرب من ثلثي عدد السكان البالغ عددهم 28 ألف نسمة لعام 2017.
ويتركز السكان الوافدون - بحسب علي - في ست قرى رئيسية لها 28 تابعا وهي قرى الخريجين التي أنشاتها الدولة بعد زيارة الرئيس أنور السادات عام 1978 حيث قامت الدولةباستصلاح وزراعة آلاف الافدنة وتوزيعها على هؤلاء الخريجين في هذه القرى وبناء مساكن لإقامتهم فيها.
ويشير كمال سيد سنوسي مدرس بالمعاش إلى أن عدد السكان في واحة سيوة عام 1966 بلغ 5169 نسمة بما فيها قرية جارة أم الصغير التي تبعد عن مدينة سيوة 130 كيلو مترا، وكان لتدخل الدولة دور هام بإقامة مشروعات للتنمية بدءا من سبعينيات القرن الماضي كان آخرها استثمارات ومشروعات كبيرة للصرف الصحي والصرف الزراعي والبنية التحتية من حفر آبار للري وعمل برامج لتشجيع السياحة الداخلية والخارجية للواحة بلغت قيمة هذه المشروعات حوالي 5 مليار جنيه حتى عام 2020.
وبفعل الزيادة الطبيعية للسكان الأصليين لأهل سيوة مع الهجرات المتتالية من خارجها بلغ عدد سكانها عام 2023 حوالي 40 ألف نسمة.