غالبا ما يتم اعتبار صفات مثل الإيجابية والتفاؤل من المكونات الأساسية للنجاح في الحياة الشخصية أو العملية. ولكن يجهل كثيرون أن التشاؤم والسوداوية (ببعض المعايير المعينة بالطبع) يمكن لها أيضا أن تحقق كثيرا من الفوائد إذا ما تم ممارستها بالصورة الصحيحة.

تعريف التشاؤم

يتم تعريف التشاؤم بأنه توقع نتائج سلبية، لذلك يُنظر إلى الأشخاص الذين يميلون إلى رؤية نصف الكوب الفارغ بدلا من نصفه الممتلئ على أنهم مصابون بالسوداوية والكآبة.

ومن علامات التشاؤم ما يلي:

الدهشة عندما تسير الأمور على ما يرام. عدم السعي والاجتهاد بسبب توقع الفشل الدائم. الميل للتركيز على ما يمكن أن يحدث بشكل خاطئ دوما. الاعتقاد أن المخاطر تفوق دائما الفوائد والإيجابيات. الميل إلى التركيز على العيوب الذاتية ونقاط الضعف. الانزعاج من الأشخاص المتفائلين. تكرار الحديث السلبي عن النفس. انتظار انتهاء الظروف الإيجابية دوما. الميل إلى السلبية بدلا من السعي لتغيير الأمور نحو الأفضل.

وفي حين أنك قد لا تختبر جميع علامات التشاؤم السابقة، أو تفكر بهذه الطريقة طوال الوقت، فإن المتشائمين يميلون إلى الانخراط في العديد من هذه الأنواع من التفكير بصورة متكررة.

لكن وبالرغم من كل هذا، هل يمكن أن نكون مخطئين في وصم التشاؤم بالسلبية المطلقة؟

فوائد التشاؤم الدفاعي لحماية الذات

تقول الباحثة الأميركية في علم النفس جولي نوريم إن درجة معينة من التشاؤم لها فوائدها وضرورياتها في حياتنا، وفي كتابها بعنوان "القوة الإيجابية للتفكير السلبي"، توضح أن التشاؤم في كثير من الحالات هو أداة مفيدة للتأقلم ووضع الإستراتيجيات، وهي تسمى بـ"التشاؤم الدفاعي".

وتؤكد نوريم أن "التشاؤم الدفاعي" يعد إستراتيجية فعالة للتعامل مع القلق والمساعدة في إدارة التوتر بحيث لا يؤثر سلبا على الشخص في حياته اليومية.

ويمكن تطبيق هذه التقنية الصحية من التشاؤم الحميد من خلال تخيل النتائج السلبية المحتملة لبعض الأمور المهمة، من أجل تطوير إستراتيجيات بديلة وسيناريوهات أخرى محتملة إذا لزم الأمر.

وضع توقعات منخفضة قبل الإقدام على قرارات كبيرة في الحياة تسبب للمتشائمين التوتر والارتباك (غيتي)

ومن خلال وضع توقعات منخفضة قبل الإقدام على قرارات كبيرة في الحياة، أو عندما يواجه الأشخاص ظروفا تسبب لهم التوتر والارتباك، يمكن التخطيط للمستقبل والشعور بالاستعداد بشكل أفضل لأي عقبات قد يتم مواجهتها لاحقا.

في الواقع، يمكن للتشاؤم أيضا أن يقدم مجموعة فريدة من الفوائد التي غالبا ما يتم التغاضي عنها في سعينا لتحقيق السعادة والإيجابية. ومن بينها مثلا:

1- الواقعية

الإيجابية شيء عظيم، لكنها قد تعمينا في بعض الأحيان عن حقائق الحياة القاسية. وبالتالي قد نتجاهل المخاطر المحتملة في خططنا، أو حتى ننكر وجود المشاكل.

ومن ناحية أخرى، فإن المتشائمين لديهم موهبة رؤية الأشياء كما هي، بكل جوانبها. فهم لا يخشون الاعتراف بالجوانب السلبية المحتملة والاستعداد لها كما يجب.

2- استعداد أفضل

على سبيل المثال، إذا كنت متوجها لرحلة تخييم، قد يدفعك التشاؤم الحميد إلى توقع هطول أمطار مفاجئة أو التعرض لموجة برد غير متوقعة، وبالتالي قد تمتلك الضروريات اللازمة التي تحميك إذا ما تغيرت الظروف المناخية فجأة.

والتشاؤم، في هذه الحالة، يعني ببساطة الاستعداد بشكل أفضل لمواجهة المشاكل المحتملة.

3- تعزيز التفكير النقدي

تم ربط التشاؤم بتحسين التفكير النقدي. واتضح أن توقع الأسوأ يمكن أن يحفز أدمغتنا على التساؤل والتحليل وحل المشكلات بشكل أكثر فعالية.

وقد وجدت دراسة نشرت في مجلة "العلوم النفسية" أن المزاج السلبي مثل الحزن يمكن أن يحسن دقة أحكامنا ويقلل الأخطاء الواردة عند اتخاذ القرار.

وهذا يعني أن المتشائمين قد يكونون أفضل في تقييم المواقف، واكتشاف المشكلات المحتملة، وإيجاد الحلول والتفكير التحليلي والنقدي أكثر من غيرهم.

4- تعزيز المرونة

غالبا ما لا يتفاجأ المتشائمون عند حدوث الكوارث مثل المتفائلين، بل عادة ما يكونون مستعدين لذلك، وبالتالي عندما تحدث المشكلات، فعادة ما يكونون مستعدين.

هذا الاستعداد المتكرر للجانب المظلم من الحياة يعزز المرونة. فهو يزود المتشائمين بالصلابة العقلية التي تمكنهم من تحمل الصعوبات والخروج منها بشكل أقوى.

الإيجابية شيء عظيم، لكنها قد تعمينا في بعض الأحيان عن حقائق الحياة القاسية (غيتي) 5- تقدير المكاسب الصغيرة

المتشائمون، بسبب ميلهم إلى توقع الأسوأ، غالبا ما يجدون أنفسهم متفاجئين بشكل سار بالنتائج الإيجابية، مهما كانت صغيرة. وبدلا من اعتبار الأشياء الجيدة أمرا مفروغا منه، فإنهم يقدرونها لندرتها. وبالتالي يكون كل فوز صغير هو مفاجأة سارة، تجلب الفرح والرضا.

هذه القدرة على الاحتفال بالانتصارات الصغيرة وتقديرها يمكن أن تؤدي إلى حياة أكثر إشباعا وإيجابية.

6- القدرة على تحمُّل المخاطر

تظهر الأبحاث أنه عندما يكون الرؤساء التنفيذيون مفرطين في التفاؤل، فإنهم يعانون المزيد من الديون، مما قد يعرض شركاتهم للخطر. لذلك قد يدفع التشاؤم الدفاعي الشخص إلى التفكير بعقلانية وحيطة أكبر.

على سبيل المثال، عند التفكير في خيار فتح متجر جديد، قد يقوم المتشائم الدفاعي بتحليل النتائج السلبية المحتملة قبل اتخاذ القرار، في حين قد يقرر المتفائل المراهنة بمدخرات حياته على المشروع دون وضع خطة احتياطية.

التشاؤم قد يكون حميدا لكن بشروط

بطبيعة الحال، يختلف هذا النهج عن التشاؤم المزاجي، الذي يتميز بالتفكير الكئيب وغير الصحي. لأن الفكرة وراء التشاؤم الدفاعي هي السيطرة على التفكير السلبي، واستخدام التخيُّل الواقعي للنتائج غير المرغوبة من أجل الاستعداد لكل النتائج المحتملة، والحصول على دافع إضافي للاجتهاد والشعور بالتحفيز.

أما إذا عانيت من القلق الحاد والتوتر المستمر بسبب التشاؤم المفرط، فاعلم حينها أن الأمر قد تجاوز الحد الصحي، وأنك عرضة للمعاناة من الاكتئاب في نهاية المطاف.

إذ قد يرتبط التشاؤم أحيانا بالمخاطر الصحية. على سبيل المثال، خلصت إحدى الدراسات التي نشرتها مجلة "ميديكال نيوز توداي" إلى أن المتشائمين كانوا أكثر عرضة للوفاة بسبب أمراض القلب.

وهو ما قد يكون منطقيا، نظرا لأن المتشائمين هم بطبيعتهم أشخاص يعانون من القلق الزائد وينتظرون حدوث الأسوأ دائما. لذلك في تلك الحالة، من الضروري الحصول على الرعاية النفسية اللازمة قبل تفاقم المشكلة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات غالبا ما یمکن أن

إقرأ أيضاً:

لماذا يفضل الأمريكيون الأطعمة المعالجة؟ دراسة علمية تكشف الآثار الصحية المحتملة

تعتبر الأطعمة المعالجة والمصنعة صناعيًا جزءًا أساسيًا من النظام الغذائي للأمريكيين، حيث تشكل ما يقرب من 70% من إجمالي الطعام المتاح في الأسواق. هذه الأطعمة، التي تحتوي عادة على نسب عالية من السكر والملح والدهون المضافة، قد تحمل آثارًا سلبية على الصحة العامة، ولكن السبب وراء جاذبيتها ما يزال يشكل لغزًا للعلماء.

في دراسة فريدة من نوعها، يقضي سام سريساتا، شاب في العشرينات من عمره، شهرًا في وحدة الأبحاث السريرية في المركز الطبي الوطني في بيثيسدا بولاية ماريلاند، حيث يخضع لاختبارات علمية دقيقة لدراسة تأثير الأطعمة المعالجة على الجسم. يشارك في الدراسة 35 متطوعًا آخرين، يتناولون أنواعًا مختلفة من الأطعمة المكررة خلال فترة زمنية محددة، وذلك في إطار تجارب تهدف إلى فهم كيفية تأثير هذه الأطعمة على صحة الإنسان.

الأطعمة المعالجة: طعم لا يقاوم؟

تعد الأطعمة المعالجة، التي تُنتج عادة من مكونات مكررة وإضافات صناعية، جذابة جدًا للمستهلكين بفضل تركيباتها التي تعزز من مذاقها وملمسها، مثل الحلاوة الزائدة أو القرمشة المقرمشة. هذه الخصائص تجعل من الصعب مقاومة تناول المزيد من هذه الأطعمة. وتُظهر الدراسات أن الأشخاص يميلون إلى تناول كميات أكبر من الأطعمة المعالجة مقارنة بالأطعمة الطبيعية، مما يؤدي إلى استهلاك سعرات حرارية إضافية قد تتسبب في زيادة الوزن.

الآثار الصحية للأطعمة المعالجة

تشير الأبحاث إلى أن استهلاك الأطعمة المعالجة بشكل مفرط يمكن أن يرفع من خطر الإصابة بأمراض مزمنة مثل السمنة، والسكري من النوع الثاني، وأمراض القلب، والاكتئاب، وحتى بعض أنواع السرطان. في الواقع، تشكل هذه الأمراض نحو نصف حالات الوفاة في الولايات المتحدة، ويُعتقد أن الأطعمة المعالجة تساهم بشكل كبير في هذه الإحصائيات.

دور الأطعمة المعالجة في السمنة العالمية

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، أصبحت السمنة مشكلة صحية عالمية تهدد أكثر من نصف سكان العالم بحلول عام 2035. وفي الولايات المتحدة وحدها، يُتوقع أن يعاني نحو 260 مليون أمريكي من السمنة بحلول عام 2050، إلا إذا تم اتخاذ تدابير صارمة للحد من استهلاك الأطعمة المعالجة.

البحث مستمر لتحديد السبب الحقيقي

لكن لا يزال العلماء يناقشون السؤال الأساسي: هل جميع الأطعمة المعالجة تسبب نفس الضرر؟ في محاولة للإجابة على هذا السؤال، أجرى الباحثون دراسات سريرية مثل تلك التي يقودها كيفن هال في مركز الأبحاث السريرية، حيث قاموا بمقارنة تأثير الأطعمة المعالجة مع الأطعمة الطبيعية على الصحة. نتائج هذه الدراسات أظهرت أن الأطعمة المعالجة تؤدي إلى زيادة استهلاك السعرات الحرارية بحوالي 500 إلى 800 سعر حراري إضافي يوميًا، وهو ما يساهم في زيادة الوزن بمرور الوقت.

التحديات في البحث وتحديد السياسات المستقبلية

على الرغم من وجود العديد من الدراسات التي تربط الأطعمة المعالجة بالأمراض، فإن الدراسات المتعلقة بهذا الموضوع لا تزال تواجه صعوبة في الوصول إلى استنتاجات قاطعة، وهو ما يعقد مهمة صياغة سياسات صحية شاملة. في هذا السياق، يُتوقع أن تركز الإرشادات الغذائية الأمريكية لعام 2025-2030 على تأثير الأطعمة المعالجة على السمنة والنمو، ما قد يساهم في تحديد آليات فعالة للحد من استهلاك هذه الأطعمة.

في النهاية، يتفق العديد من الخبراء على أن الحد من استهلاك الأطعمة المعالجة يجب أن يكون جزءًا من استراتيجية مكافحة السمنة والأمراض المرتبطة بها، ولكنهم يشددون على ضرورة إجراء المزيد من الأبحاث لتحديد السبب الدقيق وراء تأثير هذه الأطعمة على صحتنا.

مقالات مشابهة

  • لماذا يفضل الأمريكيون الأطعمة المعالجة؟ دراسة علمية تكشف الآثار الصحية المحتملة
  • "نجوم في الظلام".. كيف خاض مشاهير رحلة مع التفكير في الانتحار؟ آخرهم بوسي! (تقرير)
  • الجزيرة وعجمان.. «السلسلة الإيجابية» بـ«المعنويات العالية»
  • أسرار الشكمان.. اعرف حالة عربيتك من لون دخانها
  • الاحتلال ينشر معلبات سامة بغزة
  • إصابة العديد من الأطفال بمخلفات سامة لقوات الاحتلال شرقي مدينة غزة
  • إصابات أغلبهم من الأطفال بمخلفات سامة لقوات الاحتلال شرق غزة
  • الخارجية الروسية: موسكو منفتحة على المحادثات بشأن أوكرانيا ومستعدة للنظر في أي مبادرة واقعية
  • عبدالقيوم: على الحويج التفكير في شرعية وجوده بدلاً من التصريحات الانتهازية
  • عبدالقيوم: على الحويج التفكير في شرعية وجوده قبل الحديث عن توحيد المؤسسات