ونحن نحتفى ونحتفل بذكرى ثورة 23 يوليو 1952، لا يمكن إغفال الدور العظيم الذى لعبته قوانا الناعمة المصرية العظيمة فى الاحتفاء بدور الثورة، وفى الصدارة الأغنية المصرية، ويأتى فى المقدمة إبداعات الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودى المعروف بلقب «الخال»، وكان قد كشف الروائى المصرى الراحل جمال الغيطانى عن سر لقب « الخال »الذى أُطلق على الشاعر عبدالرحمن الأبنودى، وذلك خلال الاحتفالية التى أقيمت بمناسبة عيد ميلاد الأبنودى فى 2014 بمؤسسة الأهرام، وكذلك احتفالاً بصدور ديوان «مربعات الأبنودى» وقال الغيطانى إن «الشعب المصرى عندما كان يحب أحدا ويثق فيه، كان يسميه الخال، لأن الخال لا يرث وليس لديه أية مطامع شخصية، ولذا فقد أطلقوا على الشاعر عبدالرحمن الأبنودى لقب الخال».
ويكرر «الأبنودى» وصف شعره «الشعر عندى نِكدى، وهو ابن الفترات النكد» وقد ألهمنى «الإخوان المسلمون» بأغلبيته، وهل تتخيل مثلًا أن شاعرًا ينشر كل يوم لمدة 365 يوم فى جريدة التحرير وكان رئيس تحريرها قد طلب منى أن أكتب، وكان يعتقد أننى سوف أكتب نثرًا لأستمر ولم يتوقع أننى سأكتب شعرًا بشكل يومى لكن الإخوان كانوا مصدر إلهام يومى لى لأنهم فى كل يوم كانوا يحاولون صياغة مصر على هواهم وهم يدبرون الفخاخ للشعب المصرى فأنت يوميًا كشاعر تريد أن تبلغ الناس بما يحدث من حولك وحولهم، ما حدث من الإخوان كان على درجة من الغرور والضحالة، وهم أول ناس يتركون غبارًا فى مطارحهم رغم أنهم لم يمكثوا سوى عام واحد، هؤلاء أفسدوا الدنيا حتى من قبل مجيئهم للسلطة من الميدان إلى تزوير الانتخابات إلى أن اقتلعهم السيسى وهناك مربع من هذه المربعات أقول قبل 30 يونيو: «حضن عليها بجناحك.. واحلم لها بأعز صباح ونام إيديك حاضنة سلاحك.. للفتح ياعبدالفتاح»..
وقد حصل الشاعر عبدالرحمن الأبنودى على جائزة الدولة التقديرية عام 2001 وهو بذلك أول شاعر عامية مصرى يفوز بها، وفى عام 2008 م نشرت مجلة الكواكب قصيدة للشاعر الكبير عبدالرحمن الأبنودى خاطب فيها روح صديقه العندليب عبدالحليم حافظ وذكرياته معه حيث قال فيها:
فينك يا عبدالحليم؟
فين صوتك اللى كان فرح وهموم
اللى طلع من قلبك الشايف
فينك يا عبدالحليم؟
نعم، نفتقد الخال والعندليب ونحن نحتفل بعيد تحرير سيناء من جحافل الإرهاب وشياطينه، أليسا هما من تشاركا فى إلقاء أول تحية لصباح جديد تعيشه سيناء ومصر « صباح الخير يا سينا »..
وأتذكر، أن قبل رحيل «الخال» بأيام قليلة وعبر اتصال ببرنامج تليفزيونى تقدمه «لميس الحديدى» كشف عن آخر أشعاره:
توبك لاخضر
من قبل ما اشمه باتعطر
ياللى جمالك فى كل دقيقة بيتغير
ويخلينى اشتاق اكتر
والف دراعى امل حواليكى..... واتخدَّر
وادفن يومى المرعوب...... واغيب
ما اصحاش الا الصبح ان بشّر
ما اصحاش الا الديك ان يدّن
والفجر على طاقه ينّور
يا حبيبة الكل
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رؤية ثورة 23 يوليو 1952 المصرية العظيمة الأغنية المصرية الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودي
إقرأ أيضاً:
السيّاب..ستّون عاما من الغياب
ككلّ عام، لم تمرّ ذكرى وفاة الشاعر الرائد بدر شاكر السيّاب التي توافق الرابع والعشرين من ديسمبر، مرورا عابرا، فقد أشعلت الأوساط الثقافـية فـي مناطق عديدة من عالمنا العربي، الشموع على روحه، مستذكرة دوره الريادي البارز فـي الشعرية العربية، وهو دور كرّسه منجزه الشعري الضخم الذي تركه الشاعر المولود فـي البصرة عام 1926م والمتوفّى فـي الكويت 1964م، رغم عمره القصير، فلم يكن يومها قد «لامس حدود الأربعين»، على حدّ وصف زميلته الشاعرة لميعة عباس عمارة بقولها فـي قصيدة أهدتها لروحه:
«يوم أحببتكَ أغمضتُ عيوني
لم تكن تعرفُ ديني
فعرفنا وافترقنا دمعتين
عاشقاً مُتَّ ولم تلمسْ حدود الأربعين
وأنا واصلتُ أعواميَ
أو ... واصلتُ تسديد ديوني»
فإذا ما شطبنا سنوات الطفولة، والمراحل الدراسية الأولى، سوف يتبقّى حوالي عشرين سنة أنجز خلالها جلّ عطائه الشعري الذي غيّر به خريطة الشعر العربي الحديث، وقد ظلّ متدفّقا حتى فـي سنوات مرضه الذي هاجم جسده النحيل فـي عام 1961م حين بدأ يشعر بآلام شديدة فـي الظهر، تبعه ضمور فـي القدمين، لإصابته بمرض فـي جهازه العصبي حدّ من حركته، وبدأ يشلّها، شيئا فشيئا، وقد بذل الأطباء جهودا فـي بغداد، وبيروت، ولندن، دون جدوى، وكانت خاتمة الرحلة فـي المستشفى الأميري بالكويت الذي تلقّى به العلاج بمساعدة صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي.
شعراء كثيرون ظهروا مع السياب وقبله وبعده، لم ينالوا ما نال السيّاب من الشهرة والدراسة، والتقدير، وظلّ علامة فارقة، فـي الشعر العربي، يرى الناقد د. محمد لطفـي اليوسفـي فـي محاضرة له ألقاها فـي مركز سلطان بن زايد عام 2012م أن «المعنى بدأ بالأفول منذ عصر السياب».
ونتيجة لتفرّده استحقّ الاحتفاء، والأمم المتقدّمة تحتفـي بشعرائها البارزين، وقد روى لي الشاعر الكبير الراحل عبدالرزّاق عبدالواحد أنه حين فاز بوسام بوشكين فـي مهرجان الشعر العالمي الذي أقيم بموسكو عام 1976م وتزامنت زيارته مع احتفالات روسيا بيوم ولادة بوشكين ( 1799 - 1837م) الذي يوافق السادس والعشرين من مايو من كل عام، ورأى المكانة التي يحتلّها هذا الشاعر ذو الأصول الحبشية فـي روسيا، فالمسارح تعرض مسرحياته، وبلدية موسكو تضع لافتات على الشوارع تشير إلى أماكن كان يجلس فـيها بوشكين، وخصصت الإذاعة الرسمية ومحطّة التلفزيون برامج خاصة عن شاعر روسيا الكبير، ويزور الروس تماثيله ويضعون عليها باقات الورود، وكم تمنّى أن ينال الشاعر العربي مثل هذا التقدير فـي أمّة كان الشعر له مكانة عليا فـي أيّامها الزاهرة فهو ديوانها وسجلّ أيّامها ! ومع ذلك يظلّ السيّاب هو الأوفر حظّا فـي التكريم بين الشعراء، فقد نال من التكريمات ما لم يحظ به شاعر عربي، وللأسف جاء ذلك بعد رحيله، فقد أزيح الستار عن تمثال له فـي مدينته البصرة عام 1972م أي بعد ثمانية أعوام عن رحيله، وأعيدت طباعة دواوينه عدّة مرات، وكُتبت عن شعره مئات الرسائل الجامعية وصدرتْ مئات الكتب عنه، وأدرجت قصائده وسيرته فـي المناهج الدراسية، ونالت مجايلته الشاعرة نازك الملائكة التي توفـيت فـي عام 2007م بعضا من هذا التقدير بدرجة أقلّ، ونظر لها البعض كونها ناقدة أهم منها شاعرة، بينما تجاهلت المؤسسات الثقافـية الشاعر عبدالوهّاب البيّاتي، ثالثهما فـي ريادة الشعر الحديث!
ورغم تبدل الأنظمة السياسية فـي العراق إلا أن تقدير السياب ظلّ من الثوابت الثقافـيّة، وهذا الاهتمام لم يأت عن فراغ، فالأثر الشعري الذي أحدثه السيّاب فـي الشعر العربي لم يكن قليلا، والمنجز الشعري الذي تركه ليس بالهيّن، وسيبقى صوته مؤثّرا فـي الأجيال القادمة، وقد أسرني شعره منذ أول نص قرأته له فـي عام 1972 فـي مقال نُشر فـي صحيفة (المزمار)، يومها، وجدت نفسي منجذبا إليه، فقد شعرتُ كأنه يتحدّث معي، وفهمتُ أنّ الشعر هو حديث الروح للروح، وقد علقتْ بعض كلماته فـي ذهني لليوم:
«وداعا يا صحابي يا أحبائي
إذا ما شئتمو أن تذكروني فاذكروني ذات قمراءِ
وإلّا فهو محض اسم تبدّد بين أسماء
وداعا يا أحبائي»
وكم سُعدتُ عندما كلّفني ولده المهندس غيلان السياب المقيم فـي أمريكا بتسلم درع تكريم والده فـي مهرجان الشعر العربي الذي أقيم فـي إسطنبول عام 2021م نيابة عنه بعد تعذّر حضوره، وكما قال: «النخل الذي أحاط بالوالد وظلّله هو الذي أحاط بك وظلّلك، والماء الذي سقاه هو ما سقاك، والتراب الذي كوّن جسمه هو ما كوّنك. وفوق هذا وذاك، فالأدب رحِمٌ بين أهله».
وحين اعتليت المنصّة، شعرتُ برهبة، فاسم السيّاب له وقع خاص فـي الوجدان، واليوم ونحن نحتفـي بمرور ستين سنة على غيابه المبكّر، سيبقى هذا الاسم الذي حفره فـي تاريخ الشعر العربي، حاضرا، بقوّة، لأجيال قادمة.