عندما ذهب الإمام محمد عبده فى بعثته لإتمام دراساته العليا عندما ذهب إلى فرنسا ونظر إلى حال الشعب الفرنسى وتمسكهم بالمبادئ والقيم والأخلاق الحميدة التى يحض عليها الإسلام، من مودة ومحبة وسلام وشجاعة وفضائل ومثل عليا، قال قولته المشهورة، وجدنا إسلاما ولم نجد مسلمين، أى وجدنا كل ما دعى إليه الإسلام واقع حى يمشى على قدمين، خلاف ما عاشه وعايشه فى بلاده المسلمة بشهادات الميلاد وبخانة الديانة فى البطاقة، عايش مسلمين مفرطين فى دينهم أصبحت عباداتهم عادة، يذهبون للصلاة لأنهم وجدوا آبائهم وأمهاتهم هكذا، يزكون ولا يعلمون لماذا يفعلون ذلك وهكذا باقى العبادات.

معاملاتها مع بعضهم البعض يغلب عليها الأنانية المفرطة طارحين الإيثار خلف ظهورهم، لا يقبلون نصحا ولا إرشادا من أحد.

الجهل والفقر هو العنوان الرئيس لحياتهم. إلا ما رحم ربى.

وهذه خطيئة التعميم التى وقع فيها الإمام الشيخ محمد عبده على النحو الذى سنوضحه فيما بعد.

أما المفكر والفيلسوف الفرنسى روجيه جارودى، فوجدناه يقول الحمد لله أننى عرفت الإسلام قبل أن أعرف المسلمين.

وأنا لا ألوم عليه فى ذلك وأحسبه حسن الظن فى ما ذهب إليه، لكن كثير ممن اعتنقوا الإسلام من الغرب دخل فيه طواعية بعد قراءات مستفيضة ومجادلات ومناقشات واستقراءات واستنباطات، أى اعتناق عن اقتناع عن طريق السماع تارة ومجالسة العلماء، وعن طريق الغوص فى بطون الكتب سواء القرآن الكريم أو كتب الفقه وكتب السير والتراجم وكتب التفاسير، فأصبح مسلما لا بشهادة ميلاد وديانة أبويه، وإنما بشهادة ميلاد وخانة ديانة هو من سطرها بنفسه وخطها باجتهاده فبات إيمانه مكتمل الأركان،لماذا؟!

لأن الإيمان هو إقرار باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان.

أما إنه زار بلاد للمسلمين وشاهد ما شاهده من تدن قيمى وأخلاقى وعدم الاهتمام بالطاعات ولا بالعبادات ولا بصلات الأرحام، فهذا ما جعله يقول قولته المشهورة.

لكن أجابهه بسؤال أيهما أفضل لك أن تبقى أنت كما أنت أم تعود إلى التيه والضلال، وهل بعد الحق إلا الضلال؟!

نعم مساؤنا كثيرة وسوءاتنا كثيرة وعللنا واضحة وضوح الشمس وتشتتنا وتشرذمنا وتحزبنا وانقساماتنا واضحة لا تخفى على أحد.

لكن هل سيظل الحال هكذا، يبقى الحال كما هو عليه؟!

لا يمكن أن يظل هكذا مصداقا لقوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)، إذا التغيير يبدأ من النفس من كل إنسان يفتش فى ذاته إذا أراد حقا أن يتغير إلى الأفضل والأحسن فليقدم ولا يحجم ويستنصر الله ويبدأ الخطوة الأولى، والله من وراء القصد.

لكن أواجه جارودى بسؤال ممن أخذت العلم الإسلامى، من الذين وضعوا المؤلفات التى قرأتها وساعدتك فى اعتناق الإسلام، من الذى عرفك بالإسلام، أليس من عرفك الإسلام وطريقه داعية مسلم يدعو إلى الله على بصيرة، من الذى يجعل الآلاف من الأوروبيين يدخلون فى الإسلام، الإجابة المنطقية الدعاة المسلمين فمن غير المنطقى أن يدعو إلى الإسلام غير مسلم فهل يعقل أن يكون ملحدا داعيا للإسلام أو صابئى أو مجوسى أو هندوسى؟!.

أما الإمام محمد عبده فعندما عاد إلى مصر أراد أن يعيد للإسلام مجده ويجدد له شبابه بفكر تنويرى أسس ركائزه وقواعده على العقل، بمعنى أراد أن يعيد قراءة الموروث الدينى قراءة عقلية بمعنى الفهم والإدراك المبنى على العقل لا على التلقين ومن هنا راح يعقد الندوات ويكتب فى المنار ويصعد المنابر ويؤلف المؤلفات فوجدناه فسر القرآن بما يعرف بتفسير المنار ووجدناه ألف رسالة التوحيد التى وضح فيها المفهوم الحقيقى للتوحيد توحيد يجمع بين العلم والعمل، العقل والنقل، ووجدناه ألف الأعمال الكاملة.

وهذا دأب كل مصلح دينى ومجدد.

وإذا ما أسقطنا هاتين المقولتين على واقعنا المعاصر، على عالمنا الإسلامى المعاصر، فإنه لا ينبغى بحال من الأحوال أن ندفن رؤوسنا فى الرمال، ولا ينبغى أن نقوم بمصمصة الشفاة وإنما لابد إذا أردنا افاقة حقيقة أن نشخص الداء، هل حال عالمنا الإسلامى المعاصر مدعاة للفخر الآن، إن قلنا نعم، سأواجه الجمع بسؤال ما دليلكم على ذلك؟!

لا دليل ودليلى أنا على عدم ذلك بلاد الحرمين وحفلات الترفيه، باحات المسجد الأقصى المبارك تداس بأحذية حفدة القردة والخنازير ولا أحد يجيب، الاعتداء على المرابطات ولا أحد يتحرك له ساكنا، مساجد خاوية على عروشها ومقاهى ممتلأة بزوارها ولا أحد يجيب.

عقوق وشذوذ وموبقات ومخدرات وكاسيات عاريات وحفلات ماجنة راقصة.

أى حال وصلت إليه أمة محمد، الصادق فى ما قاله (بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا، فطوبى للغرباء)، وإذا ما هم أحد وانتصبت قامته داعيا إلى الله يضطهد ويستهزأ به وتلاحقه لعنات الرب الذى هناك (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون).

ومن ثم بات الأمر ضروريا وملحا أن نشمر سواعد الجد منافحين مدافعين عن ديننا بكل ما أوتينا من قوة فكرية لماذا؟!، لأن ديننا أمانة فى أعناقنا ومسؤولية فى رقابنا سنسئل عنها أمام الله تعالى.

 

أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الإمام محمد عبده فرنسا الشعب الفرنسي الإسلام محمد عبده

إقرأ أيضاً:

علي جمعة: ملك السيئات لا يسجل الذنب إلا بعد مرور 6 ساعات

أكد الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف ومفتي الديار المصرية الأسبق، أن العبادة هي الغاية التي خلق الله الإنسان من أجلها، مشيرًا إلى أن المتأمل في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يدرك أن هناك ثلاث علاقات أساسية تحكم حياة الإنسان، وهي: علاقته بربه، وعلاقته بنفسه، وعلاقته بالكون.  

وأوضح الدكتور علي جمعة، في تصريحات تليفزيونية، أن العلاقة بين العبد وربه تقوم على الحب والرجاء والخوف، قائلًا: "العلاقة بيني وبين الله هي علاقة الحب، علاقة الرجاء، علاقة الخوف أن يغضب بعد كل هذه النعم التي أنعم الله بها علينا، الرحمة قدمها الله على كل شيء، ولذلك بدأ القرآن (بسم الله الرحمن الرحيم)، فهناك صفات جلال وجمال وكمال، لكنه بدأ بصفات الجمال فقط، فالعلاقة التي بيني وبين الله منبثقة من الرحمة، والرحمة ينبثق منها الحب، والحب ينبثق منه الكرم والعطاء".  

فتاة: بحب الرسم و في ناس بتقول إنه حرام هل عليا ذنب؟.. علي جمعة يجيبلو عملت فيديو يحرك ميت بالذكاء الاصطناعي فهل هذا حرام؟.. علي جمعة يجيبفتاة تسأل: أنا في مكان عام هل ينفع أصلي أمام الأولاد؟.. علي جمعة يرد

وتابع: "أما العلاقة بين الإنسان ونفسه، فأساسها المبادرة إلى الخير وتصحيح الأخطاء، وهذا ما جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقِ الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن»، موضحًا أن المبادرة تعني تصحيح الأخطاء بشكل مستمر، والاستغفار، وعمارة الأرض، قائلًا: "ملك السيئات يبقى ست ساعات كما ثبت في الحديث الصحيح، لا يُكتب بالمعصية ولا بالمخالفة حتى يتوب الإنسان ويستغفر".  

وعن العلاقة بين الإنسان والكون، أكد الدكتور علي جمعة أنها تقوم على الإحسان والعمارة، مشيرًا إلى أن العبادة لا تقتصر فقط على أداء الشعائر، وإنما تشمل التزكية والعمارة أيضًا، حيث قال: "هناك ثلاث أهداف لهذا الكون، وهي: العبادة، والعمارة، والتزكية. فالعبادة الحقيقية تشمل التقوى في العلاقة مع الله، والمبادرة في العلاقة مع النفس، والإحسان في العلاقة مع الكون، وهذا الإحسان لا يتم إلا بالعمارة".

مقالات مشابهة

  • كيف تحولت العلاقة بين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده من تحالف فكري إلى خلاف سياسي؟
  • المفتي: لا تعارض بين العقل والنقل في القضايا الغيبية
  • علي جمعة: ملك السيئات لا يسجل الذنب إلا بعد مرور 6 ساعات
  • بالفيديو.. المفتي: لا تعارض بين العقل والنقل في القضايا الغيبية
  • مفتي الجمهورية: العقل لا يُنشئ الغيب لكنه يتفاعل مع النص ويستدل به على دلائل التوحيد
  • المفتي: لا تعارض بين العقل والنقل في القضايا الغيبية.. فيديو
  • حكم تقديم الطعام والشراب لفاقد العقل في نهار رمضان
  • أحلام تكشف عن الطبق المفضل لمحمد عبده.. فيديو
  • مفتي الجمهورية: لا تعارض بين العقل والنقل .. ولله في خلقه رسولين
  • إفطارهم فى الجنة.. محمد جبر شهيد الواجب الذى لم يرحل