طوباس – على وقع ما كانت تحذر منه بسبب مرضه الشديد وتدهور وضعه الصحي مؤخرا، استيقظت عائلة الشيخ مصطفى أبو عرة (أبو عبادة) على خبر استشهاده في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد منتصف الليلة الماضية، وأحدث الخبر حالة من الغليان في الشارع الفلسطيني وخاصة في بلدته عقابا قرب مدينة طوباس شمالي الضفة الغربية والتي تظاهرت منددة بجريمة الاحتلال باغتياله.

وكانت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني قد أكدا نبأ استشهاد الشيخ مصطفى أبو عرة (63 عاما) المعتقل الإداري منذ حوالي 9 شهور إثر نقله من سجن "ريمون" إلى مستشفى "سوروكا" في بئر السبع جراء تدهور خطير طرأ على وضعه الصحي.

وقالت المؤسستان، في بيان لهما وصلت الجزيرة نت نسخة منه، إن الشيخ "تعرض لعملية قتل بطيء تندرج في إطار جرائم حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني، وضمن عمليات القتل الممنهجة التي ينفذها الاحتلال بقرار سياسي وتحريض من قادته المتطرفين بحقّ الأسرى".

وحمّلت المؤسستان الاحتلال كامل المسؤولية عن استشهاده وعن معاناة أكثر 9700 أسير (ما عدا أسرى قطاع غزة) من جرائم تعذيب وتجويع كانت السبب الرئيسي وراء استشهاد 19 أسيرا منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 فقط.

وبُعيد منتصف الليل، انتقل الخبر إلى ذوي الشهيد أبو عرة عبر اتصال من داخل مشفى سوروكا الإسرائيلي حيث يقبع الشيخ منذ 10 أيام، ليعقد بعدها مؤتمر صحفي أمام منزله وتخرج مسيرة حاشدة تندد بجريمة الاحتلال.

بلدة عقابا قرب طوباس شمالي الضفة الغربية حيث ولد الشيخ الشهيد مصطفى أبو عرة (الجزيرة) اعتقال رغم المرض

ومنذ نحو أسبوعين، تعيش عائلة الشيخ أبو عرة قلقا كبيرا على حياته بعد تلقيها معلومات من أسرى محررين ومحامين عن تدهور وضعه الصحي، إذ يعاني أمراضا صعبة في القلب والدم وتضخم في الطحال وغير ذلك.

ويقول زيد أبو عرة نجل الشهيد للجزيرة نت إن والده كان يعاني وضعا صحيا صعبا منذ اعتقاله قبل حوالي 9 شهور، وكان عليه أن يستكمل علاجا ضروريا لأسبوعين، "لكن ضابط المخابرات الإسرائيلي أصر على استدعائه للاعتقال".

ولفت زيد إلى أن مخابرات الاحتلال وإدارة السجون بدأتا بتسريب خبر استشهاد الشيخ، وذكر أنه لا تفاصيل واضحة عن سبب استشهاده سوى ما وصل لهم وهو "التهابات حادة بالدماغ".

وعن الفقد، يقول نجل الشهيد إنهم فقدوا أبا ومعلما وأسيرا وشهيدا وشخصا أفنى حياته في الدعوة إلى الله وتعزيز الانتماء لوطنه فلسطين وحمل همومه وعدالة قضيته.

وأضاف "وفقه الله ليكون خادما لشعبه سواء فيما تقلده من مناصب وظيفية أو أعمال تطوعية أو تربيته للأجيال في عمله معلما للشريعة الإسلامية، وكل تلك مهام اصطفاه الله فيها وأتم الاصطفاء اليوم شهيدا بخاتمة مشرفة على منارة التحرير".

وبصبر وثبات، استقبلت زوجة الشيخ أبو عرة خبر استشهاده، ورغم ألم المشهد وحالة الحزن، فإنها "صبرت وحمدت الله، واستذكرت نجلها الأسير زين الدين وكيف سيكون وقع الخبر عليه؟"، يضيف نجلها زيد.

رجل إصلاح حقق أمنيته

وليست بلدة عقابا وحدها من فقدت الشيخ أبو عرة، بل فلسطين كلها والضفة الغربية تحديدا، يقول عدنان أبو عرة (أبو طارق) شقيق الشيخ الشهيد، حيث عرف بشخصيته الدعوية والإصلاحية في المجتمع، "واستشهاده كقامة وطنية وقامة دينية وسام شرف لنا جميعا".

ويقول شقيقه أبو طارق للجزيرة نت "عرفناه أخا حنونا ومعلما وهاديا لنا إلى الصواب ورجل إصلاح له تأثيره بين الناس، واليوم يرتقي محققا أمنيته وطلبه للشهادة بعد كل خطاب له".

وفي العام 1961 ولد الشيخ مصطفى محمد أبو عرة في بلدة عقابا شمالي الضفة لأسرة متدينة بين 8 من الأبناء هو أوسطهم، ومن ابنة عمه نزهة محمود أبو عرة تزوج وأنجب 8 أبناء (6 ذكور وبنتان) وكلهم تلقوا تعليما مدرسيا وجامعيا، وآخرهم أنهى الثانوية العامة قبل أيام.

وفي مدارس بلدته وبمدينة طوباس القريبة، تلقى الشهيد أبو عرة تعليمه الأساسي والثانوي، ليلتحق مطلع ثمانينيات القرن الماضي بالجامعة الأردنية، ويدرس بها الشريعة الإسلامية ويتخصص في الفقه والتشريع.

وهناك تعرف الشيخ أبو عرة على جماعة الإخوان المسلمين، والتحق بها ليكون من قادتها بانضمامه لحركة المقاومة الإسلامية (حماس).

ورغم تخرجه وتفوقه في دراسته الجامعية، فإن الاحتلال رفض تعيينه في أي منصب وظيفي، فعمل في الزراعة رفقة والده، ثم إماما لعدد من المساجد، وانتهاء بتعيينه مديرا للجنة زكاة مدينة جنين قبل أن يحصل على وظيفة معلم في مدرسة عقابا الثانوية للبنين عام 1996 بعد مجيء السلطة الفلسطينية.

مسلسل اعتقالات

وعام 1990 بدأ مسلسل اعتقاله لدى الاحتلال الإسرائيلي، وأبعد ضمن أكثر من 400 أسير فلسطيني من حركتي حماس والجهاد الإسلامي إلى مرج الزهور جنوبي لبنان.

وقضى الشيخ ضمن 10 مرات من الأسر أكثر من 12 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وتوفي والده قبل 10 سنوات وهو في الأسر، وكان الاعتقال الأخير له يوم 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث استدعته المخابرات الإسرائيلية للاعتقال وسلم نفسه في معسكر سالم شمالي الضفة الغربية لينقل إلى سجن مجدو ثم إلى سجن ريمون.

اعتقل الشيخ أبو عرة على يد الأجهزة الأمنية الفلسطينية كما أبناؤه أيضا، واستدعي مرات عديدة، مكث بإحداها نحو 40 يوما، وكان حسب نجله زيد "يرفض الاستجابة لاستدعاءات الأمن الفلسطيني ويعتبرها غير قانونية وغير وطنية ولا تخدم القضية الفلسطينية، ولذا كانت اعتقالاته من داخل المنزل أو أمام مدرسته وطلابه".

وبينما يواصل الاحتلال اعتقال نجله زين الدين إداريا منذ نحو 10 أشهر، اغتال الاحتلال شقيقه علام أبو عرة واثنين من رفاقه، هما طارق منصور وعبد الرحيم جرادات، عندما كانوا في طريقهم لتنفيذ عمل مقاوم عام 1996 بعد استهدافهم بمنطقة الجلمة قرب مدينة جنين شمالي الضفة.

وتأثر الشيخ أبو عرة كثيرا باستشهاد رفيقه الشيخ عمر دراغمة (أبو النمر) من مدينة طوباس داخل سجون الاحتلال بعد اعتقاله بأيام في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

وفي موقفه من عملية "طوفان الأقصى"، أعلن الشيخ مناصرته ومباركته لها، ودعا في كل لقاءاته وخطاباته إلى أن يكون الفلسطينيون على قلب رجل واحد لمواجهة الاحتلال، وطالب بالخروج للانتصار لغزة، موضحا أن الضفة الغربية وقطاع غزة وحدة واحدة، وبالانتصار لها ينتصر الفلسطيني لنفسه قبل كل شيء.

وفي بيان لها، نعت حركة حماس الشيخ أبو عرة، كما نعته القوى الوطنية والإسلامية في بلدته عقابا، ودعت للخروج في مسيرات في القرية بعد صلاة الجمعة اليوم، وسيقام له "بيت تهنئة" باستشهاده هناك.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات سجون الاحتلال الضفة الغربیة مصطفى أبو عرة الشیخ مصطفى شمالی الضفة

إقرأ أيضاً:

شهيد بقلقيلية والاحتلال يهجّر 200 عائلة من مخيم طولكرم

تواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي عدوانها على الضفة الغربية، تزامنا مع استئناف حربها على قطاع غزة بعد توقف استمر شهرين، مما أدى إلى استشهاد فلسطيني في مدينة قلقيلية وإصابة آخرين.

واقتحمت دبابات إسرائيلية برفقة قوة من المشاة مدينة جنين ومخيمها شمالي الضفة.

وأفادت مصادر للجزيرة بأن هذه القوات جابت شوارع المدينة وتمركزت في محاور رئيسية تفصل المخيم عن المدينة. كما اقتحمت قوات الاحتلال أحياء عند مدخل مخيم جنين، ودهمت منازل فيها رغم نزوح سكانها.

ومنذ أسابيع، يشن الجيش الإسرائيلي عدوانا واسعا على مخيمات جنين وطولكرم وطوباس، مما أسفر عن عشرات الشهداء، وتهجير نحو 40 ألفا من الأهالي من المخيمات، وتدمير بنيتها التحتية إلى حد كبير.

يأتي ذلك في وقت أصيب فيه فلسطيني بجراح بعدما اعتدى مستوطنون على منازل الفلسطينيين في قرية سوسيا بمسافر يطا جنوب الخليل جنوبي الضفة.

وقد هاجم المستوطنون منازل الفلسطينيين وألقوا الحجارة عليها واعتدوا بالضرب على رعاة أغنام كانوا في المنطقة.

دبابة إسرائيلية تقتحم مدينة جنين (أسوشيتد برس) انتهاكات وشهداء

يشار إلى أنه خلال العام 2024 نفذ مستوطنون 2971 انتهاكا بالضفة الغربية أدت إلى استشهاد 10 فلسطينيين وإتلاف أكثر من 14 ألف شجرة، بحسب معطيات هيئة مقاومة الجدار والاستيطان (حكومية).

إعلان

في الأثناء، اقتحمت قوات الاحتلال مخيمات الفوار جنوب الخليل، والجلزون والنبي صالح برام الله، وشعفاط في القدس.

كما اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي بلدة سعير شمال الخليل ومدينة بيت لحم جنوبي الضفة الغربية، بينما استأنفت هدم منازل في مخيم نور شمس في الضفة.

وأجبرت قوات الاحتلال نحو 200 عائلة فلسطينية على النزوح من مخيم طولكرم والأحياء المجاورة له خلال اليومين الماضيين.

وأبلغت قوات الاحتلال العائلات المتبقية في حارة "قَاقون" بضرورة مغادرة منازلها في المخيم، في حيثن اعتدت على مواطنين آخرين في حارة "أبو الفول" أثناء محاولتهم العودة إلى منازلهم لأخذ بعض المستلزمات الضرورية.

وأفادت مصادر فلسطينية بأن الاحتلال أجبر أمس الاثنين من تبقى من سكان حارة "مربعة حنون" في المخيم على إخلاء منازلهم بالقوة.

كما أطلق جنود الاحتلال الرصاص الحي وقنابل الصوت على فلسطينيين، بينهم نساء وأطفال، بعد أن حاولوا دخول المخيم الليلة الماضية، حيث واصل تهديداته للسكان بالعقاب في حال العودة إلى منازلهم أو الاقتراب منها.

قوات الاحتلال صعدت هجماتها بالضفة الغربية (رويترز)

 

تحذير أممي

ويوم أمس حذّرت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز من أن الفلسطينيين يواجهون خطرا حقيقيا يتمثل في التطهير العرقي الجماعي، في ظل تنفيذ الاحتلال الإسرائيلي خطته الطويلة الأمد للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وإخلائها من الفلسطينيين.

وأشارت المقررة الأممية إلى أن الضفة الغربية تواجه أسوأ هجوم لها منذ الانتفاضة الثانية، شهد استعمال الغارات الجوية والجرافات المدرعة وعمليات هدم المنازل وتدمير القرى والبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك الأراضي الزراعية.

ومنذ بدئه حرب الإبادة على قطاع غزة، صعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 935 فلسطينيا وإصابة نحو 7 آلاف شخص، واعتقال 15 ألفا و640، وفق معطيات فلسطينية رسمية.

إعلان

وبدعم أميركي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إبادة جماعية بقطاع غزة، خلفت أكثر من 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

ومنذ عقود تحتل إسرائيل أراضي في فلسطين وسوريا ولبنان، وترفض الانسحاب منها وقيام دولة فلسطينية مستقلة، وعاصمتها القدس الشرقية، على حدود ما قبل حرب 1967.

مقالات مشابهة

  • شهيد بقلقيلية والاحتلال يهجّر 200 عائلة من مخيم طولكرم
  • محافظ كفر الشيخ يشهد احتفالية يوم الشهيد | صور
  • تفاصيل اجتماع مركزية فتح في رام الله
  • مصطفى يؤكد أهمية دعم وحدة منظومة القضاء بين الضفة وغزة
  • الاحتلال الإسرائيلي يصدر أوامر اعتقال إداري بحق 25 أسيراً
  • أين يذهب المهجرون من مخيمات شمال الضفة الغربية؟
  • كيف رمضان بدون الأقصى؟ سؤال ينكأ جراح فلسطينيي الضفة
  • أيمن بهجت قمر يكشف موقفًا مؤثرًا لعمرو مصطفى أثناء تلحينه تتر «عايشة الدور» بعد تدهور حالته الصحية
  • «الخارجية» الفلسطينية: 40 ألف مشرد شمال الضفة
  • “أوتشا” يحذر من تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية