خطاب نتنياهو ومنظومات الاستكبار والتفاهة
تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT
لم يكن أكثر إثارة للقرف من خطاب نتنياهو إلا سلوك الكونجرس الأمريكي الذي كان مزيجاً من الاستكبار والجهل والتفاهة. هذا المجلس الذي صفق لنتنياهو 80 مرة منها 58 مرة وقوفاً خلال 53 دقيقة ألقى فيها كلمته، بمعدل تصفيق واحد كل 40 ثانية، أعطى نموذجاً في الابتذال عندما تعلق بالموقف من "إسرائيل" ومن قضية فلسطين.
صفقوا له كثيراً عندما ادعى أن الصراع "ليس صراع حضارات بل بين البربرية والتحضُّر"، و"بين من يُعظّمون الموت وبين أولئك الذين يقدسون الحياة"؛ وصفقوا لأكاذيبه وافتراءاته حول التعامل "الإنساني" مع المدنيين، بينما حقائق الواقع والأدلة الحاسمة التي تدعمها تقارير مؤسسات عالمية موثوقة، أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن الجانب الممثل للتوحش والدموية بأسوأ مظاهرها هو الجانب الإسرائيلي، وهو نفسه الجانب الذي تنعدم فيه القيم الإنسانية والسلوك الحضاري، ويحتقر حياة الآخرين وإنسانيتهم. لم يكن هؤلاء الذين احمرت أيديهم من التصفيق بحاجة لجهد كبير لمعرفة أن الجانب الإسرائيلي معززاً بالأسلحة ووسائل الدمار الأمريكية قتل أكثر من 39 ألف مدني بينهم نحو 16,500 طفل، ونحو 11 ألف امرأة، وجرح أكثر من 90 ألفاً، ودمّر أكثر من 360 ألف وحدة سكنية، ودمر الجامعات، ومعظم المدارس والمستشفيات والبنى التحتية؛ واستخدم التجويع والتهجير كأداة لتحقيق أهدافه ضد شعب تحت الاحتلال.
لم يسألوا أنفسهم لماذا يفشل "أقوى جيش في الشرق الأوسط" بالتحالف مع أقوى قوة عسكرية في العالم، في هزيمة حماس والمقاومة بالإمكانات البسيطة التي لديها بعد أكثر من 290 يوماً على الحرب على غزة؛ ولم يبالوا باعترافات قادة عسكريين وأمنيين وسياسيين واستراتيجيين إسرائيليين باستحالة هزيمة حماس، وبضرورة إنهاء الحرب.لم يكلف أولئك المصفقون أنفسهم أن ينتبهوا إلى أن حليفتهم "المتحضرة" تضع شعباً تحت الاحتلال وتغتصب أرضه ومقدساته، وتحرمه أبسط حقوقه الإنسانية في الحرية والعدالة والكرامة وتقرير المصير. لقد صفقوا بعنجهية للاحتلال، وللإبادة الجماعية، ولانتهاك أبسط الحقوق الإنسانية.
صفقوا له كثيراً، وهو يحاول أن يغطي الصورة العنصرية القبيحة للكيان، وعملية "التهويد" المنهجي التي يقوم بها، من خلال تقديم نموذج المجند العميل "المسلم" أشرف بحيري، ليدّعي أن جيشه ذا طبيعة يهودية درزية إسلامية مسيحية...، متجاهلاً الدور الشكلي والديكوري والوظيفي لأولئك المنتمين لجيشه من الطوائف والأديان الأخرى.
كما صفقوا له كثيراً، وهو يبتزهم عاطفياً بحكاية الأسرى أو الرهائن اليهود، دون أن يسمح بأي شكل من أشكال المقارنة المنطقية مع آلاف الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال وتحت أقسى الظروف.
تحدث نتنياهو عن "الانتصار الكامل" على حماس والمقاومة، واستمتع بتصفيق كبير، لا يحلم به في الكيان الإسرائيلي نفسه؛ وشاركوه حالة الهروب من الواقع وحالة "الإنكار" التي يعيشها. ولم يسألوا أنفسهم لماذا يفشل "أقوى جيش في الشرق الأوسط" بالتحالف مع أقوى قوة عسكرية في العالم، في هزيمة حماس والمقاومة بالإمكانات البسيطة التي لديها بعد أكثر من 290 يوماً على الحرب على غزة؛ ولم يبالوا باعترافات قادة عسكريين وأمنيين وسياسيين واستراتيجيين إسرائيليين باستحالة هزيمة حماس، وبضرورة إنهاء الحرب. ولم يلحظوا أنّ هذا الكذاب ساقط في استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، وأن مستقبله السياسي سينتهي مع انتهاء الحرب.
وكان من الصور الأكثر بؤساً، التي صفقوا لها كثيراً، حديثه عن مستقبل قطاع غزة واليوم التالي للحرب، والتي دعا فيها لنزع سلاح المقاومة، وإقامة إدارة مدنية يرضى عنها الكيان، وجعلوا للمستعمر المحتل حق التحكم في حياة ومصير شعب تحت الاحتلال. ولم يقف هؤلاء المصفقون ولو للحظات أمام السمة الأكبر التي يتبجحون بها في أمريكا وهي "الحرية"، ليحاولوا تطبيقها على الحالة الفلسطينية.
لقد حاول نتنياهو أن يقدم الكيان الإسرائيلي كحليف موثوق لأمريكا، وكعنصر استقرار في المنطقة، ولكن معركة طوفان الأقصى أسقطت قيمته الاستراتيجية، ومبرر دوره الوظيفي، وفكر شرطي المنطقة، وجعلته يحاول استعادة الصورة أو بعض الصورة التي فقدها من خلال المذابح والمجازر والدمار، فأسهم ذلك في تدمير صورته العالمية وفي عزلته الدولية.كما صفقوا لاحتقار المؤسسات الدولية كمحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية، وقرارات الأمم المتحدة...
لا عجب فهذا المجلس تماهى مع نتنياهو ومع العنجهية الإسرائيلية، حيث تعرض عليه قرارات وقوانين، بإدانة طلب محكمة الجنايات الدولية باعتقال نتنياهو، ومعارضة أي ضغوط تمارس ضدّ "إسرائيل" فيما يتعلق بغزة، وبدعم "إسرائيل" في مفاوضاتها مع حماس، وبإدانة الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية بعمل تدابير مؤقتة ضدّ "إسرائيل"، وباعتبار استخدام شعار "من النهر إلى البحر فلسطين ستكون حرة" معادياً للسامية... وغيرها.
لم يكن غريباً أن تغيب مرشحة الرئاسة الأمريكية عن الحزب الديموقراطي كمالا هاريس وأكثر من 80 من الأعضاء الديموقراطيين عن كلمة نتنياهو. ولم يكن غريباً أن تصف نانسي بيلوسي الرئيسة السابقة للكونجرس نفسه كلمة نتنياهو بأنها أسوأ عرض قدمته شخصية أجنبية أمام الكونجرس؛ وكذلك وصف بيرني ساندرز نتنياهو بأنه ليس فقط مجرم حرب وإنما كاذب أيضاً.
لقد حاول نتنياهو أن يقدم الكيان الإسرائيلي كحليف موثوق لأمريكا، وكعنصر استقرار في المنطقة، ولكن معركة طوفان الأقصى أسقطت قيمته الاستراتيجية، ومبرر دوره الوظيفي، وفكر شرطي المنطقة، وجعلته يحاول استعادة الصورة أو بعض الصورة التي فقدها من خلال المذابح والمجازر والدمار، فأسهم ذلك في تدمير صورته العالمية وفي عزلته الدولية.
وأخيراً، لن تنفع نتنياهو تصفيقات الكونجرس، وسيعود ليلقى استحقاقه المنتظر في مزبلة التاريخ.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه خطاب نتنياهو الرأي امريكا نتنياهو رأي كونغرس خطاب مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هزیمة حماس أکثر من لم یکن
إقرأ أيضاً:
نتنياهو: وافقنا على وقف إطلاق النار في لبنان بهدف "فصل الساحات"
الرؤية- غرفة الأخبار
أعلن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن إسرائيل وافقت على وقف إطلاق النار في لبنان "لفصل الساحات وعزل حركة حماس"، حسب تعبيره.
وأضاف في كلمة له، مساء الثلاثاء، أنه بعد وقف إطلاق النار "ستصبح حركة حماس لوحدها"، مهددًا: "سنضرب حزب الله إذا انتهك اتفاق وقف إطلاق النار".
وتابع قائلا: "سنواصل العمل على منع إيران من امتلاك سلاح نووي، ولن ننهي الحرب قبل تحقيق النصر وتدمير قدرات حماس وإعادة المختطفين في غزة إلى بيوتهم"، على حد قوله.