عربي21:
2024-12-27@11:12:02 GMT

بعد عنتيبي والملء الخامس.. هل ضاع النيل؟

تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT

لم تشهدْ السياسةُ على مدى التاريخ تصرفًا يُورِدُ المهالك كذاك الذي وقع يوم أن طلب الرئيس المصريّ من نظيره الأثيوبيّ أن يقسم بالله أمام الكاميرا أنّه لن يتسبب للمصريين بأيّ ضرر! فها هي مصر اليوم تتعرض لأكبر تهديد وجوديٍّ لها منذ أن دَحَى اللهُ الأرضَ ونَصَبَ الكنانة على مفرق رأسها كشراع الطاووس، ففي الوقت الذي شرعَتْ فيه أثيوبيا في الملء الخامس لسد النهضة دون أدنى اكتراث بالشأن المصريّ فوجئ الشعبان المنكوبان في وادي النيل بدولة جنوب السودان - صاحبة الحظوة لدى النظام المصريّ - تنضم إلى الدول الموقعة على اتفاقية "عنتيبي"؛ ليكتمل بذلك النصاب القانوني ولينطلق قطار المفاوضات على ماء النيل بعيدًا عن مصر والسودان وعن حقوقهما التاريخية في النهر السعيد! فأمّا النظام المصريّ فمشغولٌ بملاحقة "هاكر" كان يلهو بالصور في شارع فيصل! وبمداهمة امرأة عجوز طمعت في أرغفة من خبز تزهد فيه الكلاب الضالة، وأمّا الشعب المصريّ فمذبوح من الوريد إلى الوريد غير أنّه ـ بالتعبير الدارج عنده ـ سرقته السكين؛ فهل لهذه القاصمة من عاصم؟

تآمر دول حوض النيل

ليس لدى دول حوض النيل أزمةٌ تتمثل في نقص المياه، ولا يمنعها من إيفاء مصر والسودان حقّهما مجرَّدُ الرغبة في إنشاء محطات لتوليد الكهرباء؛ فلذلك حلول فنيّة عند أهل الاختصاص، ولو أنّ الدبلوماسية المصرية حاضرة في المشهد لما وقعت الأزمة على هذا النحو المزلزل، ولكنّ غياب مصر من الساحة الإفريقية عمومًا ومن حوض النيل خصوصًا، مع التواجد النشط لإسرائيل ولدولةٍ عربيةٍ تُعَدُّ الحليف الاستراتيجيّ للصهاينة؛ أدّى إلى خضوع هذه الدول للإغراءات، مع قدر غير قليل من الطمع، الذي جعلها تتطلع إلى غاية منحرفة: ادفعْ لتشرب! ولم تكتف إثيوبيا ببنائها لسد النهضة وتجاوزها لكل الخطوط الحمراء ودهسها لجميع الاتفاقيات المبرمة بينها وبين مصر؛ حتى شرعت في حماية تصرفاتها تلك بسياج من الشرعية، فانطلقت تدعو دول المنبع لتأسيس (مفوضية حوض النيل).



ليس لدى دول حوض النيل أزمةٌ تتمثل في نقص المياه، ولا يمنعها من إيفاء مصر والسودان حقّهما مجرَّدُ الرغبة في إنشاء محطات لتوليد الكهرباء؛ فلذلك حلول فنيّة عند أهل الاختصاص، ولو أنّ الدبلوماسية المصرية حاضرة في المشهد لما وقعت الأزمة على هذا النحو المزلزلولكي تظفر بهذه الغاية سعت بين هذه الدول لتكوين ما سمي (اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل) التي أبرمت في مدينة "عنتيبي"، إلا أنّ النصاب القانوني لم يكتمل بتوقيع الدول الخمس (إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبورندي)، وظلت معلقة أربعة عشر عامًا حتى جاءت جنوب أفريقيا بضغط من الدولة العربية المشار إليها آنفًا، وتحت إغراء قرض ضخم؛ لتفاجئ الجميع وتوقع على الاتفاقية، وبذلك اكتمل النصاب القانوني لتولد المفوضية بشكل رسميّ، وبقيام المفوضية تكون الحقوق التاريخية لمصر والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويّا في مهبّ الريح، ومثلها حقوق السودان والبالغة 18.5 مليار متر مكعب سنويّا، وبذلك يحقّ لآبي أحمد الذي أقسم لرئيس مصر أنّه لن يضرّ بالمصريين أن يستأصل خضراءهم بالقانون، وقد رحب بالخطوة الأخيرة وعدّها إنجازً دبلوماسيًّا هائلا لبلاده.

وكان الاحتلال أشدّ حرصًا!

وإن تعجب فعجب شأن السياسة في بلادنا! أيبلغ الأمر بنا أن يكون الاحتلال الإنجليزيّ لمصر والسودان أشدّ يقظة وأكثر حرصًا؟ لقد أبرمت بريطانيا في عام 1981 ـ باسم مصر والسودان ـ اتفاقًا مع "إيطاليا" التي وقعت باسم إريتريا؛ يقضي بالمنع من إقامة أعمال أو سدود على نهر عطبرة يكون من شأنها التأثير على مياه نهر النيل، ثم أبرمت بالنيابة عن مصر والسودان أيضًا اتفاقا مع إثيوبيا عام 1902 تتعهد الأخيرة بمقتضاه بعدم القيام بمشاريع على النيل الأزرق أو بحيرة تانا تؤدي إلى التأثير في مياه النيل إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية، ثم جاءت أهم الاتفاقيات عام 1929 عندما أبرمت الحكومة البريطانية - نيابة عن عدد من دول حوض النيل - اتفاقية تتضمن إقرار هذه الدول بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، بما يعني منع إنشاء هذه الدول لمشاريع تهدد أمن مصر المائي، أمّا اتفاقية 1959 فجاءت مكملة بتحديد حصة مصر والسودان فيما يسمى اليوم بالحقوق التاريخية.

بين الحقُّ والواجب

ليس للناس حق ـ بعد الأرض التي يحيون عليها ـ أولى بالصيانة من حقهم في الماء الذي ساقه الله إليهم؛ لذلك كثرت المعاهدات الدولية التي أُبرمت لحسم الصراعات المائية؛ خشيةَ أن تشتعل الحروب التي لا تطفئها كل أنهار العالم، وقد جاءت ملبيةً لنظرية "الوحدة الإقليمية المطلقة للأنهار الدولية"، ونظرية "الملكية المشتركة"، وهي نظريات مستمدة من روح القانون الطبيعيّ، الذي أودعه الله تعالى في كونه وفي فطرة خلقه، ولا أحسب أنّه - فيما يتعلق بالأنهار والمياة - يبعد عن قوانين الشريعة ولو بمقدار رشفة ماء، فإنّ الله عزّ وجلّ هو الذي خلق الأرض وأجرى فيها الأنهار، وسخرها وأنهارها لعيش الإنسان، قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) فلا يملك أحد صَرْفَ ما خلقه الله وسخره للإنسان عن طبيعته التي أوجده الله عليها لمجرد قيام الحدود السياسية في حياة البشرية؛ فليس للأثيوبيين ولا لغيرهم حقّ فيما يفعلون، وحقّ الشعب المصريّ في حماية أمنه المائيّ حق تحرسه الشريعة والفطرة والقوانين الدولية والمعاهدات المتوالية المتواترة.

أين السبيل؟

يكاد إجماع فقهاء القانون الدوليّ ينعقد على أنّ المعاهدات الدولية المتعلقة بالأنهار ـ والتي بلغ تعدادها حوالي 250 معاهدة ـ أنشأت عرفا دوليا مطّردًا ومستقراً يصح الاستناد عليه في حسم النزاع بين الدول المحتضنة للأنهار العابرة للحدود السياسية، ومن المعلوم أنّ الاتفاقيات الدولية تُعَدُّ المصدر الأول للقانون الدوليّ، وعلى التوازي يكاد إجماع السياسيين والمراقبين ورجال الفكر السياسيّ وأرباب الممارسة السياسية ينعقد على أنّ القانون الدوليّ ومعه المعاهدات التي أرفدته بالقواعد القانونية ليس كافيًا في حسم النزاع على المياه ولا في مواجهة تحدي الأمن المائي؛ إذْ لا بدّ من توافر عامل القوة الذي يفيد في إلزام الخصم بهذه القواعد وتلك الأعراف، والسبب في ذلك هو "هشاشة القوة الإلزامية لقواعد القانون الدولي"؛ النابعة من تهافت وصف "الوضعية" الذي يجعل القانون صادراً عن إرادة مُجْبِرة، فكل أمّة تُعْمِل قوتها على أرض الواقع لتصنع لنفسها وضعًا مريحا في العلاقات الدولية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر النيل المياه الأزمة مصر أزمة مياه النيل رأي مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دول حوض النیل مصر والسودان هذه الدول

إقرأ أيضاً:

«الكوليرا» تفتك بسكان اليمن والسودان وتتسبب بمقتل المئات

ارتفعت وفيات “الكوليرا” في محافظة تعز جنوب غربي اليمن، إلى 54 حالة منذ مطلع العام الجاري.

وقال مسؤول الإعلام في مكتب الصحة بمحافظة تعز تيسير السامعي في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، “إن السلطات الصحية رصدت 54 حالة وفاة بمرض الكوليرا في المحافظة منذ مطلع العام الجاري”.

وأشار إلى أن “السلطات الصحية رصدت أيضا تسعة آلاف و577 إصابة بالكوليرا منها ألف و50 حالة مؤكدة بالفحص المخبري”.

وحول انتشار مرض حمى الضنك، أوضح المسؤول الصحي، “أنه تم رصد ثلاثة آلاف و 795 حالة في المحافظة مند بداية العام الجاري حتى اليوم، دون تسجيل وفيات”.

هذا “ويعاني القطاع الصحي في اليمن تدهورا حادا جراء تداعيات الحرب المستمرة في البلاد منذ نحو 10 سنوات، كما يعاني هذا القطاع من نقص حاد في التمويل ما جعل معظم سكان اليمن بحاجة إلى مساعدات طبية”، وفق تقارير أممية.

وفاة أكثر من 70 شخصا بسبب الكوليرا خلال أسبوع في شمال جنوبي السودان

“توفي ما لا يقل عن 73 شخصا الأسبوع الماضي، بسبب الكوليرا في ولاية الوحدة شمال جنوبي السودان”، حسبما ذكرت إذاعة “تمازج” المحلية.

الإذاعة، “أصيب 3.7 آلاف من السكان المحليين. ومع ذلك، قد يكون هناك عدد أكبر بكثير من الوفيات الناجمة عن الكوليرا في ولاية الوحدة، حيث تم تسجيل 73 حالة وفاة في المستشفيات”.

وأكد السكان المحليون أن “الناس يموتون بسبب الكوليرا في منازلهم ولا يتم تضمينهم في التقارير الطبية، وتتخذ السلطات إجراءات طارئة لمنع انتشار المرض”.

هذا “وكانت بؤر الوباء هي مخيمات اللاجئين من السودان”، بحسب الإذاعة، وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن “ما يصل إلى 10 آلاف شخص يعبرون حدود جنوبي السودان يوميا هربا من الحرب الأهلية في السودان التي دخلت عامها الثاني”.

والكوليرا، “مرض معد وخطير تسببه ضمة الكوليرا المعدية (Vibrio cholerae)، وتحدث الإصابة لدى دخولها مع الطعام أو الماء إلى الجسم”، بينما “تحدث “حمى الضنك الحادة” عندما تتلف الأوعية الدموية ويتسرب منها الدم وينخفض عدد الخلايا التي تكون الجلطة (الصفائح الدموية) في مجرى الدم ويمكن أن يسبب ذلك حدوث صدمة ونزيف داخلي وفشل الأعضاء وحتى الموت”.

آخر تحديث: 25 ديسمبر 2024 - 18:30

مقالات مشابهة

  • القناة 12 العبرية: القنبلة التي استهدفت هنية كانت في وسادته
  • نتنياهو: الحوثيون سيتعلمون الدرس الذي تعلمته حماس وحزب الله
  • لدعم قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.. البنك الأهلي المصري يوقع بروتوكول تعاون مع منظمة العمل الدولية (ILO)
  • «الكوليرا» تفتك بسكان اليمن والسودان وتتسبب بمقتل المئات
  • رئيس الأساقفة: نصلي أن يمنح الله سلاما وبركات لفلسطين والسودان |صور
  • حزب المصريين: أمن البحر الأحمر جزء من الأمن القومي المصري والعربي
  • تعرف على نوع الصاروخ الفرط صوتي اليمني الذي استهدف منطقة يافا اليوم ؟
  • ما الذي تخشاه دول عالمية وإقليمية من الوضع الجديد بسوريا؟
  • محمد صلاح في موسم استثنائي ..الارقام القياسية التي كسرها الملك المصري في موسم 2024 / 2025
  • 30 مليار دولار حجم التبادل التجاري لدول حوض النيل في 2023