عربي21:
2025-04-30@10:39:20 GMT

بعد عنتيبي والملء الخامس.. هل ضاع النيل؟

تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT

لم تشهدْ السياسةُ على مدى التاريخ تصرفًا يُورِدُ المهالك كذاك الذي وقع يوم أن طلب الرئيس المصريّ من نظيره الأثيوبيّ أن يقسم بالله أمام الكاميرا أنّه لن يتسبب للمصريين بأيّ ضرر! فها هي مصر اليوم تتعرض لأكبر تهديد وجوديٍّ لها منذ أن دَحَى اللهُ الأرضَ ونَصَبَ الكنانة على مفرق رأسها كشراع الطاووس، ففي الوقت الذي شرعَتْ فيه أثيوبيا في الملء الخامس لسد النهضة دون أدنى اكتراث بالشأن المصريّ فوجئ الشعبان المنكوبان في وادي النيل بدولة جنوب السودان - صاحبة الحظوة لدى النظام المصريّ - تنضم إلى الدول الموقعة على اتفاقية "عنتيبي"؛ ليكتمل بذلك النصاب القانوني ولينطلق قطار المفاوضات على ماء النيل بعيدًا عن مصر والسودان وعن حقوقهما التاريخية في النهر السعيد! فأمّا النظام المصريّ فمشغولٌ بملاحقة "هاكر" كان يلهو بالصور في شارع فيصل! وبمداهمة امرأة عجوز طمعت في أرغفة من خبز تزهد فيه الكلاب الضالة، وأمّا الشعب المصريّ فمذبوح من الوريد إلى الوريد غير أنّه ـ بالتعبير الدارج عنده ـ سرقته السكين؛ فهل لهذه القاصمة من عاصم؟

تآمر دول حوض النيل

ليس لدى دول حوض النيل أزمةٌ تتمثل في نقص المياه، ولا يمنعها من إيفاء مصر والسودان حقّهما مجرَّدُ الرغبة في إنشاء محطات لتوليد الكهرباء؛ فلذلك حلول فنيّة عند أهل الاختصاص، ولو أنّ الدبلوماسية المصرية حاضرة في المشهد لما وقعت الأزمة على هذا النحو المزلزل، ولكنّ غياب مصر من الساحة الإفريقية عمومًا ومن حوض النيل خصوصًا، مع التواجد النشط لإسرائيل ولدولةٍ عربيةٍ تُعَدُّ الحليف الاستراتيجيّ للصهاينة؛ أدّى إلى خضوع هذه الدول للإغراءات، مع قدر غير قليل من الطمع، الذي جعلها تتطلع إلى غاية منحرفة: ادفعْ لتشرب! ولم تكتف إثيوبيا ببنائها لسد النهضة وتجاوزها لكل الخطوط الحمراء ودهسها لجميع الاتفاقيات المبرمة بينها وبين مصر؛ حتى شرعت في حماية تصرفاتها تلك بسياج من الشرعية، فانطلقت تدعو دول المنبع لتأسيس (مفوضية حوض النيل).



ليس لدى دول حوض النيل أزمةٌ تتمثل في نقص المياه، ولا يمنعها من إيفاء مصر والسودان حقّهما مجرَّدُ الرغبة في إنشاء محطات لتوليد الكهرباء؛ فلذلك حلول فنيّة عند أهل الاختصاص، ولو أنّ الدبلوماسية المصرية حاضرة في المشهد لما وقعت الأزمة على هذا النحو المزلزلولكي تظفر بهذه الغاية سعت بين هذه الدول لتكوين ما سمي (اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل) التي أبرمت في مدينة "عنتيبي"، إلا أنّ النصاب القانوني لم يكتمل بتوقيع الدول الخمس (إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبورندي)، وظلت معلقة أربعة عشر عامًا حتى جاءت جنوب أفريقيا بضغط من الدولة العربية المشار إليها آنفًا، وتحت إغراء قرض ضخم؛ لتفاجئ الجميع وتوقع على الاتفاقية، وبذلك اكتمل النصاب القانوني لتولد المفوضية بشكل رسميّ، وبقيام المفوضية تكون الحقوق التاريخية لمصر والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويّا في مهبّ الريح، ومثلها حقوق السودان والبالغة 18.5 مليار متر مكعب سنويّا، وبذلك يحقّ لآبي أحمد الذي أقسم لرئيس مصر أنّه لن يضرّ بالمصريين أن يستأصل خضراءهم بالقانون، وقد رحب بالخطوة الأخيرة وعدّها إنجازً دبلوماسيًّا هائلا لبلاده.

وكان الاحتلال أشدّ حرصًا!

وإن تعجب فعجب شأن السياسة في بلادنا! أيبلغ الأمر بنا أن يكون الاحتلال الإنجليزيّ لمصر والسودان أشدّ يقظة وأكثر حرصًا؟ لقد أبرمت بريطانيا في عام 1981 ـ باسم مصر والسودان ـ اتفاقًا مع "إيطاليا" التي وقعت باسم إريتريا؛ يقضي بالمنع من إقامة أعمال أو سدود على نهر عطبرة يكون من شأنها التأثير على مياه نهر النيل، ثم أبرمت بالنيابة عن مصر والسودان أيضًا اتفاقا مع إثيوبيا عام 1902 تتعهد الأخيرة بمقتضاه بعدم القيام بمشاريع على النيل الأزرق أو بحيرة تانا تؤدي إلى التأثير في مياه النيل إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية، ثم جاءت أهم الاتفاقيات عام 1929 عندما أبرمت الحكومة البريطانية - نيابة عن عدد من دول حوض النيل - اتفاقية تتضمن إقرار هذه الدول بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، بما يعني منع إنشاء هذه الدول لمشاريع تهدد أمن مصر المائي، أمّا اتفاقية 1959 فجاءت مكملة بتحديد حصة مصر والسودان فيما يسمى اليوم بالحقوق التاريخية.

بين الحقُّ والواجب

ليس للناس حق ـ بعد الأرض التي يحيون عليها ـ أولى بالصيانة من حقهم في الماء الذي ساقه الله إليهم؛ لذلك كثرت المعاهدات الدولية التي أُبرمت لحسم الصراعات المائية؛ خشيةَ أن تشتعل الحروب التي لا تطفئها كل أنهار العالم، وقد جاءت ملبيةً لنظرية "الوحدة الإقليمية المطلقة للأنهار الدولية"، ونظرية "الملكية المشتركة"، وهي نظريات مستمدة من روح القانون الطبيعيّ، الذي أودعه الله تعالى في كونه وفي فطرة خلقه، ولا أحسب أنّه - فيما يتعلق بالأنهار والمياة - يبعد عن قوانين الشريعة ولو بمقدار رشفة ماء، فإنّ الله عزّ وجلّ هو الذي خلق الأرض وأجرى فيها الأنهار، وسخرها وأنهارها لعيش الإنسان، قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) فلا يملك أحد صَرْفَ ما خلقه الله وسخره للإنسان عن طبيعته التي أوجده الله عليها لمجرد قيام الحدود السياسية في حياة البشرية؛ فليس للأثيوبيين ولا لغيرهم حقّ فيما يفعلون، وحقّ الشعب المصريّ في حماية أمنه المائيّ حق تحرسه الشريعة والفطرة والقوانين الدولية والمعاهدات المتوالية المتواترة.

أين السبيل؟

يكاد إجماع فقهاء القانون الدوليّ ينعقد على أنّ المعاهدات الدولية المتعلقة بالأنهار ـ والتي بلغ تعدادها حوالي 250 معاهدة ـ أنشأت عرفا دوليا مطّردًا ومستقراً يصح الاستناد عليه في حسم النزاع بين الدول المحتضنة للأنهار العابرة للحدود السياسية، ومن المعلوم أنّ الاتفاقيات الدولية تُعَدُّ المصدر الأول للقانون الدوليّ، وعلى التوازي يكاد إجماع السياسيين والمراقبين ورجال الفكر السياسيّ وأرباب الممارسة السياسية ينعقد على أنّ القانون الدوليّ ومعه المعاهدات التي أرفدته بالقواعد القانونية ليس كافيًا في حسم النزاع على المياه ولا في مواجهة تحدي الأمن المائي؛ إذْ لا بدّ من توافر عامل القوة الذي يفيد في إلزام الخصم بهذه القواعد وتلك الأعراف، والسبب في ذلك هو "هشاشة القوة الإلزامية لقواعد القانون الدولي"؛ النابعة من تهافت وصف "الوضعية" الذي يجعل القانون صادراً عن إرادة مُجْبِرة، فكل أمّة تُعْمِل قوتها على أرض الواقع لتصنع لنفسها وضعًا مريحا في العلاقات الدولية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر النيل المياه الأزمة مصر أزمة مياه النيل رأي مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دول حوض النیل مصر والسودان هذه الدول

إقرأ أيضاً:

خبراء: قرار محكمة العدل الدولية المرتقب بشأن فلسطين سيختبر النظام العالمي

في حين يترقب العالم قرار محكمة العدل الدولية بشأن الحرب على قطاع غزة، يقول خبراء إن إسرائيل لم تعد تبالي بالقانون الدولي ولا بالقرارات الصادرة عن هذه المؤسسات، في حين يقول آخرون إن هذه القرارات ستؤثر على السردية الإسرائيلية، مؤكدين أنها ستكون أكثر تأثيرا لو تحرك العالم لتطبيقها.

واستجابة لطلب قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة أواخر العام الماضي، بدأت محكمة العدل في لاهاي اليوم الاثنين جلسات علنية للنظر في التزامات تل أبيب القانونية تجاه الفلسطينيين بعد أكثر من 50 يوما على فرضها حصارا شاملا على دخول المساعدات إلى غزة.

ومن المقرر أن تستعرض المحكمة على مدى أسبوع مرافعات خطية وشفوية، تقدمت بها عدة دول ومنظمات دولية، بشأن مدى احترام إسرائيل للمعاهدات الدولية.

تطبيق القرارات

ورغم أهمية القرار المرتقب من أهم محكمة في العالم، فإن الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية الدكتور مصطفى البرغوثي يرى أن تطبيق الدول لقرار المحكمة هو المهم وليس مجرد صدوره.

وخلال مشاركته في برنامج "مسار الأحداث"، لفت البرغوثي إلى أن محكمة العدل أدلت برأي استشاري سابق قالت فيه إن الاحتلال القائم لفلسطين لا بد أن ينتهي، ودعت لإنهاء ما يتعرض له الفلسطينيون على يد إسرائيل، غير أن الدول لم تطبق هذا الرأي.

إعلان

كما أن الموقف الدولي الحالي لا يعكس استعدادا من الدول الغربية تحديدا لتطبيق أي قرارات جديدة تصدر عن المؤسسات الدولية، برأي البرغوثي، الذي أكد أن كل القرارات "لن تحدث أثرا دون تطبيق الدول لها".

واتفق المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية جيفري نايس، مع رأي البرغوثي، بقوله إن قرار المحكمة سيكون مهما من الناحية الأخلاقية لكن الدول هي المخولة بتنفيذه وليست المحكمة.

محكمة العدل الدولية ستنظر في مرافعات خطية وشفوية تقدمت بها عدة دول ومنظمات دولية (الجزيرة) اختبار للمنظومة الدولية

ويعتقد نايس أن القانون الدولي "يخضع لاختبار حقيقي لأنه مطالب بإصدار قرار يدين إسرائيل بقوة لإجبار الدول على تطبيقه، وإلا فلن يكون هناك قانون وستفعل الدول ما تريده بطريقة إجرامية".

لذلك، يقول نايس إن العدالة البطيئة محبطة وإن العالم ينتظر قرارات ستنقسم الدول بشأنها لأن الولايات المتحدة والمجر مثلا تريدان عالما بلا قانون.

ومع ذلك، فإن سلوك الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال الـ100 يوم الأولى من حكمه، "كان منفرا بشكل كبير بحيث أدرك العالم أن عليه التحرك بعيدا عنه"، كما يقول نايس.

ومن هذا المنطلق، فإن الأمل حاليا -برأي نايس- يكمن في قدرة الدول على مواجهة الولايات المتحدة بحقيقة أنها مخطئة في موقفها من قرارات المؤسسات الدولية المتعلقة بحقوق الفلسطينيين، لكن السؤال المهم حاليا، كما يقول المتحدث، هو: "هل بلد مثل بريطانيا التي عرفت تاريخيا بتبعيتها السياسية لأميركا تمتلك شجاعة القيام بهذا الأمر؟".

وخلص المدعي العام السابق بالمحكمة الجنائية الدولية، إلى أن هناك بارقة أمل في أن القوة المنحدرة لأميركا "ستدفع الدول الأخرى لاتخاذ مواقف أفضل لعزل الموقف الأميركي المجري".

وربما يعطي إطلاق سراح بقية الأسرى الإسرائيليين -برأي نايس- مبررا لبعض الدول كي تحاسب إسرائيل على أي فعل تقوم به بعد استعادة أسراها، وقد يصل الأمر لطردها من الأمم المتحدة.

إعلان

قلق وغطرسة إسرائيلية

في المقابل، يرى الخبير في الشأن الإسرائيلي الدكتور مهند مصطفى أن إسرائيل تقلق من تداعيات ما يجري في المؤسسات القانونية الدولية لأنه ينال من سمعتها وقد ينهي سردية الضحية التي استفادت منها على مدار عقود، لكنها في الوقت نفسه تعيش حالة غير مسبوقة من الغطرسة واحتقار القوانين الدولية.

والدليل على ذلك برأي مصطفى أنها حضرت أمام الجنائية الدولية قبل عام ولم تحضر اليوم أمام محكمة العدل، مما يعني أنها لا تتعامل مع أي قرار سيصدر عنها بجدية.

والأخطر من هذا برأي المتحدث، أن المحكمة العليا الإسرائيلية التي تعتبر حامية لليبرالية أصدت قرارا في مارس/آذار الماضي، يقر عدم إدخال المساعدات لقطاع غزة، مما يعني أننا إزاء دولة تعاند القانون الدولي بكل مؤسساتها العسكرية والسياسية والقضائية.

وإلى جانب ذلك، فإن إسرائيل بشكل عام تقف صفا واحدا عندما تكون في مواجهة مؤسسة دولية وهو ما حدث عندما أصدرت الجنائية الدولية قرارات اعتقال بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت، كما يقول مصطفى.

وليس أدل على هذا من أن التحريض على إبادة سكان القطاع أصبح أكبر مما كان عليه قبل عام من الآن عندما طالبت الجنائية الدولية حكومة إسرائيل بمنع كل هذه الدعوات، حسب مصطفى.

فقد أكد المتحدث أن عضو الكنيست عن حزب الليكود موشي سعدة قال مؤخرا إن تجويع أهل غزة أمر أخلاقي، كما طالب كوبي بيرتس -وهو أحد أشهر المغنين في إسرائيل- بقتل كل سكان غزة من الطفل إلى العجوز، وتم وضع هذا التصريح في واجهة يديعوت أحرونوت كخبر عادي، كما يقول مصطفى.

ومع ذلك، يعتقد البرغوثي أن صدور قرار من العدل الدولية باعتبار ما يحدث في غزة إبادة جماعية سيؤثر بشكل ما على هذه الغطرسة الإسرائيلية، خصوصا وأن آخر الاستطلاعات "تظهر تأييد غالبية الأميركيين للفلسطينيين لأول مرة في التاريخ".

إعلان

وخلص المتحدث إلى أن الأمم المتحدة هي التي طلبت رأي "العدل الدولية"، مما يعني أنه سيكون رأيا له قوة القانون، ويجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن تنفيذه، وإلا فسيتم تدمير المنظومة الدولية التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية بشكل كامل.

وتأتي جلسات محكمة العدل الدولية في وقت يشرف فيه نظام المساعدات الإنسانية في غزة على الانهيار، بعد أن حظرت إسرائيل دخول الغذاء والوقود والدواء وسائر الإمدادات الإنسانية منذ مطلع مارس/آذار الماضي.

مقالات مشابهة

  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • العدل الدولية تعلن الخامس من مايو المقبل موعداً لصدور قرارها في دعوى السودان ضد الإمارات
  • هذه هي عصا الاقتصاد السحرية التي أخضعوا بها الشعوب
  • الهيئة العامة للاستثمار تبحث ربط مجتمع الأعمال المصري بقادة الابتكار في الصين
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • خبراء: قرار محكمة العدل الدولية المرتقب بشأن فلسطين سيختبر النظام العالمي
  • السيسي والبرهان يؤكدان بالقاهرة رفضهما الإجراءات الأحادية بحوض النيل
  • السيسي والبرهان يؤكدان رفضهما "الإجراءات الأحادية" بحوض النيل  
  • هيئة الدواء تطلق إصدارها الخامس من دستور الأدوية المصري
  • دعاء الذي يقال عند بلوغ سن الاربعين