عربي21:
2025-04-07@14:24:38 GMT

بعد عنتيبي والملء الخامس.. هل ضاع النيل؟

تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT

لم تشهدْ السياسةُ على مدى التاريخ تصرفًا يُورِدُ المهالك كذاك الذي وقع يوم أن طلب الرئيس المصريّ من نظيره الأثيوبيّ أن يقسم بالله أمام الكاميرا أنّه لن يتسبب للمصريين بأيّ ضرر! فها هي مصر اليوم تتعرض لأكبر تهديد وجوديٍّ لها منذ أن دَحَى اللهُ الأرضَ ونَصَبَ الكنانة على مفرق رأسها كشراع الطاووس، ففي الوقت الذي شرعَتْ فيه أثيوبيا في الملء الخامس لسد النهضة دون أدنى اكتراث بالشأن المصريّ فوجئ الشعبان المنكوبان في وادي النيل بدولة جنوب السودان - صاحبة الحظوة لدى النظام المصريّ - تنضم إلى الدول الموقعة على اتفاقية "عنتيبي"؛ ليكتمل بذلك النصاب القانوني ولينطلق قطار المفاوضات على ماء النيل بعيدًا عن مصر والسودان وعن حقوقهما التاريخية في النهر السعيد! فأمّا النظام المصريّ فمشغولٌ بملاحقة "هاكر" كان يلهو بالصور في شارع فيصل! وبمداهمة امرأة عجوز طمعت في أرغفة من خبز تزهد فيه الكلاب الضالة، وأمّا الشعب المصريّ فمذبوح من الوريد إلى الوريد غير أنّه ـ بالتعبير الدارج عنده ـ سرقته السكين؛ فهل لهذه القاصمة من عاصم؟

تآمر دول حوض النيل

ليس لدى دول حوض النيل أزمةٌ تتمثل في نقص المياه، ولا يمنعها من إيفاء مصر والسودان حقّهما مجرَّدُ الرغبة في إنشاء محطات لتوليد الكهرباء؛ فلذلك حلول فنيّة عند أهل الاختصاص، ولو أنّ الدبلوماسية المصرية حاضرة في المشهد لما وقعت الأزمة على هذا النحو المزلزل، ولكنّ غياب مصر من الساحة الإفريقية عمومًا ومن حوض النيل خصوصًا، مع التواجد النشط لإسرائيل ولدولةٍ عربيةٍ تُعَدُّ الحليف الاستراتيجيّ للصهاينة؛ أدّى إلى خضوع هذه الدول للإغراءات، مع قدر غير قليل من الطمع، الذي جعلها تتطلع إلى غاية منحرفة: ادفعْ لتشرب! ولم تكتف إثيوبيا ببنائها لسد النهضة وتجاوزها لكل الخطوط الحمراء ودهسها لجميع الاتفاقيات المبرمة بينها وبين مصر؛ حتى شرعت في حماية تصرفاتها تلك بسياج من الشرعية، فانطلقت تدعو دول المنبع لتأسيس (مفوضية حوض النيل).



ليس لدى دول حوض النيل أزمةٌ تتمثل في نقص المياه، ولا يمنعها من إيفاء مصر والسودان حقّهما مجرَّدُ الرغبة في إنشاء محطات لتوليد الكهرباء؛ فلذلك حلول فنيّة عند أهل الاختصاص، ولو أنّ الدبلوماسية المصرية حاضرة في المشهد لما وقعت الأزمة على هذا النحو المزلزلولكي تظفر بهذه الغاية سعت بين هذه الدول لتكوين ما سمي (اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل) التي أبرمت في مدينة "عنتيبي"، إلا أنّ النصاب القانوني لم يكتمل بتوقيع الدول الخمس (إثيوبيا ورواندا وتنزانيا وأوغندا وبورندي)، وظلت معلقة أربعة عشر عامًا حتى جاءت جنوب أفريقيا بضغط من الدولة العربية المشار إليها آنفًا، وتحت إغراء قرض ضخم؛ لتفاجئ الجميع وتوقع على الاتفاقية، وبذلك اكتمل النصاب القانوني لتولد المفوضية بشكل رسميّ، وبقيام المفوضية تكون الحقوق التاريخية لمصر والبالغة 55.5 مليار متر مكعب سنويّا في مهبّ الريح، ومثلها حقوق السودان والبالغة 18.5 مليار متر مكعب سنويّا، وبذلك يحقّ لآبي أحمد الذي أقسم لرئيس مصر أنّه لن يضرّ بالمصريين أن يستأصل خضراءهم بالقانون، وقد رحب بالخطوة الأخيرة وعدّها إنجازً دبلوماسيًّا هائلا لبلاده.

وكان الاحتلال أشدّ حرصًا!

وإن تعجب فعجب شأن السياسة في بلادنا! أيبلغ الأمر بنا أن يكون الاحتلال الإنجليزيّ لمصر والسودان أشدّ يقظة وأكثر حرصًا؟ لقد أبرمت بريطانيا في عام 1981 ـ باسم مصر والسودان ـ اتفاقًا مع "إيطاليا" التي وقعت باسم إريتريا؛ يقضي بالمنع من إقامة أعمال أو سدود على نهر عطبرة يكون من شأنها التأثير على مياه نهر النيل، ثم أبرمت بالنيابة عن مصر والسودان أيضًا اتفاقا مع إثيوبيا عام 1902 تتعهد الأخيرة بمقتضاه بعدم القيام بمشاريع على النيل الأزرق أو بحيرة تانا تؤدي إلى التأثير في مياه النيل إلا بعد موافقة الحكومة البريطانية، ثم جاءت أهم الاتفاقيات عام 1929 عندما أبرمت الحكومة البريطانية - نيابة عن عدد من دول حوض النيل - اتفاقية تتضمن إقرار هذه الدول بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، بما يعني منع إنشاء هذه الدول لمشاريع تهدد أمن مصر المائي، أمّا اتفاقية 1959 فجاءت مكملة بتحديد حصة مصر والسودان فيما يسمى اليوم بالحقوق التاريخية.

بين الحقُّ والواجب

ليس للناس حق ـ بعد الأرض التي يحيون عليها ـ أولى بالصيانة من حقهم في الماء الذي ساقه الله إليهم؛ لذلك كثرت المعاهدات الدولية التي أُبرمت لحسم الصراعات المائية؛ خشيةَ أن تشتعل الحروب التي لا تطفئها كل أنهار العالم، وقد جاءت ملبيةً لنظرية "الوحدة الإقليمية المطلقة للأنهار الدولية"، ونظرية "الملكية المشتركة"، وهي نظريات مستمدة من روح القانون الطبيعيّ، الذي أودعه الله تعالى في كونه وفي فطرة خلقه، ولا أحسب أنّه - فيما يتعلق بالأنهار والمياة - يبعد عن قوانين الشريعة ولو بمقدار رشفة ماء، فإنّ الله عزّ وجلّ هو الذي خلق الأرض وأجرى فيها الأنهار، وسخرها وأنهارها لعيش الإنسان، قال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) فلا يملك أحد صَرْفَ ما خلقه الله وسخره للإنسان عن طبيعته التي أوجده الله عليها لمجرد قيام الحدود السياسية في حياة البشرية؛ فليس للأثيوبيين ولا لغيرهم حقّ فيما يفعلون، وحقّ الشعب المصريّ في حماية أمنه المائيّ حق تحرسه الشريعة والفطرة والقوانين الدولية والمعاهدات المتوالية المتواترة.

أين السبيل؟

يكاد إجماع فقهاء القانون الدوليّ ينعقد على أنّ المعاهدات الدولية المتعلقة بالأنهار ـ والتي بلغ تعدادها حوالي 250 معاهدة ـ أنشأت عرفا دوليا مطّردًا ومستقراً يصح الاستناد عليه في حسم النزاع بين الدول المحتضنة للأنهار العابرة للحدود السياسية، ومن المعلوم أنّ الاتفاقيات الدولية تُعَدُّ المصدر الأول للقانون الدوليّ، وعلى التوازي يكاد إجماع السياسيين والمراقبين ورجال الفكر السياسيّ وأرباب الممارسة السياسية ينعقد على أنّ القانون الدوليّ ومعه المعاهدات التي أرفدته بالقواعد القانونية ليس كافيًا في حسم النزاع على المياه ولا في مواجهة تحدي الأمن المائي؛ إذْ لا بدّ من توافر عامل القوة الذي يفيد في إلزام الخصم بهذه القواعد وتلك الأعراف، والسبب في ذلك هو "هشاشة القوة الإلزامية لقواعد القانون الدولي"؛ النابعة من تهافت وصف "الوضعية" الذي يجعل القانون صادراً عن إرادة مُجْبِرة، فكل أمّة تُعْمِل قوتها على أرض الواقع لتصنع لنفسها وضعًا مريحا في العلاقات الدولية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه مصر النيل المياه الأزمة مصر أزمة مياه النيل رأي مقالات مقالات مقالات صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دول حوض النیل مصر والسودان هذه الدول

إقرأ أيضاً:

إعادة هيكلة الهيئات والمنظمات الدولية

يشهد العالم حروبا عبثية في أوكرانيا وفلسطين ولبنان وسوريا، ذهبت بأرواح الآلاف من البشر دون أي اهتماما يذكر من قبل المنظمات والهيئات الدولية بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية وغيرها من المنظمات الدولية المهتمة بالشأن الإنساني والتي أضحت في موقف المتفرج الذي لا يملك أي موقف غير الشجب والاستنكار ومنعها من تقديم المساعدات الإنسانية التي يروح ضحيتها أبرياء لاحول لهم ولا قوة.
وحتى دول أوروبا (الاتحاد الأوروبي) لا تملك من أمرها شيئا أكثر من الدعوات الخجولة للسلم العالمي لا أكثر ولا أقل.
بالرجوع لميثاق الأمم المتحدة الذي وضع في القرن الماضي،، يتضح للباحث ان الأجهزة التابعة للأمم المتحدة (الجمعية العمومية) ومجلس الأمن لا تمتع الجمعية بأي صلاحيات أو سلطة تملي إرادتها فيما يسيطر خمسة من أعضاء مجلس الأمن على أي قرار يصدر ليصبح أي قرار معرض لحق النقض (الفيتو) من الدول الخمس. وهذا ما أدي بالتالي إلى عدم تنفيذ معظم إن لم يكن كل قرارات المجلس لتصبح مجرد حبر علي ورق!
ومع تضخم سلطة الولايات المتحدة وسيطرتها على كل الأجهزة الدولية التابعة للأمم المتحدة منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينات القرن الماضي، أصبح العالم بيد قوة عظمي وحيدة تملي شروطها علي كل العالم وتفرض عقوبات علي دول وتنسحب من المنظمات الدولية متي ما شاءت إذا لم تخضع تلك المنظمات لإملاءاتها وبكل صلف ورعونة دون أي اهتمام بحقوق الانسان. وتم بذلك تسيس القوانين الدولية لتصبح بأمرها منفردة.
كل ذلك سبب خللاً جسيماً في النظام العالمي وعدالته وأفقد محكمة العدل الدولية فعالية أحكامها بل وعطلها وتسبب بشلل قرارات مجلس الأمن ولم يسلم من ذلك حتى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من رفض تأشيرات دخولهم للمشاركة في أنشطة الجمعية العمومية للأمم المتحدة وفرض ضرورة إعادة هيكلة أجهزة الأمم المتحدة للحد من استعمال الدول الخمس فقط لحق الفيتو حتى لو كان ذلك ضد السلام والعدل العالمي!
وهذا بالتالي ما يحتِّم إعادة هيكلة جميع المنظمات الدولية كالجمعية العمومية ومجلس الأمن الدولي ومحكمة العدل الدولية والمنظمات الإنسانية الدولية التي تعطلت ليتمكن العالم من العيش في عالم يسوده السلام والعدالة ودون سيطرة أي دولة من الدول الخمس المتحكمة حاليا في تنفيذ قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية والمنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة وحتى لا يستمر الوضع كما هو عليه الآن بالخضوع لصلف أي من الدول الخمس المسيطرة على كل قرار لا يتفق مع سياسة تلك الدول وليعم السلام والأمن والعدل في هذا العالم الذي يتخبط حاليا بسبب صلف وعنجهية هذه الدول ووضع الأمم المتحدة حاليا.
• كاتب رأي ومستشار تحكيم دولي

mbsindi@

مقالات مشابهة

  • إعادة هيكلة الهيئات والمنظمات الدولية
  • اللهم نصرك الذي وعدت ورحمتك التي بها اتصفت
  • غدًا .. آخر فرصة لتسليم أوراق التقديم في المدرسة المصرية الدولية بالتجمع
  • الكشف عن الدولة العربية التي قدمت دعما لحملة القصف على اليمن
  • مجلس الدولة يشارك في المؤتمر الخامس عشر للرابطة الدولية للسلطات الإدارية في سانتياغو
  • بكري حسن صالح .. الرجل الذي أخذ معنى الإنسانية بحقها
  • خبير: انسحاب المجر من المحكمة الجنائية خرق للقانون والمواثيق الدولية
  • زيلينسكي يكشف أول الدول الأوروبية التي سترسل قوات إلى أوكرانيا
  • عيد محور المقاومة الذي لا يشبه الأعياد
  • المدرسة الأميركية الجديدة للعلاقات الدولية