صلاح شعيب                       

الارتباك الصامت والجاهر الذي صاحب موقفي الجيش ووزارة الخارجية حيال الدعوة الأميركية للتفاوض مفهوم. ولكنه بحاجة إلى حسم عاجل. فالوقت ضيق أمام الطرفين، وكذلك بايدن. ذلك ما دامت الانتخابات الأميركية على وشك الانعقاد، ويريد الرئيس دعم نائبته كمالا حالاً.

الطرف الأول، وهو الجيش، ينبغي أن يستفيد من هذه الفرصة قبل أن يخرج من الخدمة العسكرية ذاتها سواء بالناتو، أو الجنجا.

أما الخارجية فعليها أن تنسق مع الجيش، والطريق حتماً سالكة بينهما، حتى تتوائم خطاهما في ما يتعلق بموقفهما الرسمي من قبول دعوة الولايات المتحدة، أو رفضها إذا كانت لدى البرهان الشجاعة.

فعوضاً عن نفي الناطق الرسمي لبيان مزعوم باسم الجيش قبل بالدعوة الأميركية – وبينما تقول الخارجية بدراستها – فالمطلوب هو إظهار الجدية، والتنسيق، والعمل الدؤوب، والصادق، لقبول التفاوض لإنهاء الحرب، وإنقاذ ملايين السودانيين من المجاعة الوشيكة، والتشتت في قارات الدنيا.

السودان الآن يعيش بلا حكومة معترف بها محلياً، وإقليمياً، ودولياً. فانقلاب البرهان على مسار الانتقال نحو الديمقراطي أفقده الشرعية كرئيس لمجلس السيادة، وبقيت له فقط الصفة القيادية العسكرية. ولكن لا يتنازع شخصان معارضان له بأنه من أسوأ القادة الذين مروا على الجيش.

وهذا الوضع الذي فيه، وخصوصا بعد الحرب، جعل من تحركات القائد العام بلا معنى، إلا إذا استجاب إلى حلم شعبه بإنهاء حرب الكيزان سواء عن طريق جدة، أو المنامة، أو سويسرا. بخلاف ذلك تظل مساعي البرهان لإحراز نصر دبلوماسي، أو عسكري، محل شك في ظل تآكل قدرات الجيش الذي لم ينتصر – أو يسترد موقعاً – في معركة واحدة خلاف تحريره للإذاعة بعد انسحاب الدعم السريع منها. والإذاعة نفسها لم تستطع استرداد خدمتها رغم ديكورات الفرح، وفرحة أصدقائنا شكر الله خلف الله، والتيجاني حاج موسى، وعبد القادر سالم، بخروج أولاد الدعم السريع من ردهاتها. ولكل هذا نعتقد أن المبادرة الأميركية الجديدة أكبر طوق نجاة لمحنة الجيش والخارجية معا إزاء المواضيع الدولية. نأمل أن يكون الناطق الرسمي نبيل قد وقف الآن على تصريحات المسؤول عن الخارجية، بدلاً عن أحاديث المناورة المملة عن بيان قبول للمبادرة ونفيه، وأن ينضم من ثم لدراسة الدعوة الكريمة، برغم أن الموضوع لا يحتاج إلى دراسة أصلاً، وإنما رضوخ لسياسة الأميركان أم لا.

بالنسبة للإخوة المسلمين فالحقيقة أنهم سبق لهم التعاون مع الأميركان لأقصى مدى، حين صرح بوش الصغير: إما معنا، أو ضد. وقد تمكن الفريق صلاح قوش من تسليم ملفات المجاهدين العرب والأفغان لـ(لسي آي أي)، وجاء محمد عطا ليكمل التعاون البديع في الوشاية بالإخوان المسلمين الدوليين، وتقديم معلومات استخباراتية عنهم، ولذلك الصنيع لم يتم رفضه كسفير للسودان في واشنطن.

ولو كان ذلك التعاون غدا مثمراً للحركة الإسلامية وواشنطن، فليس هناك ما يمنع الاستجابة أيضاً للمبادرة الأميركية إذا قام فقهاء الإسلاميين بتأصيل التوادد مع الأمريكان لعونهم استخباراتياً، وأمنياً، والتنسيق مع أجهزتهم الاستخبارية في ما يرتبط بملفات الإرهاب في المنطقة. وكذلك في الأماكن التي يستطيع “الأمنية” الإسلاميين الوصول إليها، سواء بالقرب من حزام بوكو حرام، أو في بعض الجمهوريات المسلمة التي خرجت من رحم الاتحاد السوفيتي، كما خرج الدعم السريع من رحم الحركة الإسلامية كذلك.

أما البلابسة، ودعاة الحرب من زملائنا الإعلاميين – وغير الزملاء – فعليهم أن يعيدوا الاعتبار للعقل. فالحرب أضرت ببلادنا، ومواطنينا عامة، وضيعت أكثر مكتسبات الأغنياء، والطبقة الوسطى، خصوصاً. ولو اكتشف البلابسة بوعيهم حقاً من الذي أشعل الحرب فإن أول من يلعنون سنسفيلهم إلى يوم الدين هم كيزان المؤتمر الوطني، وليس نحن الذين نريد السلام للبلد، والعودة إلى منصة ثورة ديسمبر المجيدة.

لقد ذاق شعبنا مرارة الكيزان في السلم والحرب، وما بينهما، وحق له أن يتخلص بواسطة المبادرة الأميركية “الطيبة والمباركة” من كابوس الحرب، وويلاتها التي سببها علي كرتي، وكباشي، وطاقمهما من المدنيين، والعسكرين الكيزان.

الوسومصلاح شعيب

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: صلاح شعيب

إقرأ أيضاً:

سؤال للذين يرددون نغمة تشكيل حكومة مدنية في مناطق سيطرة الدعم السريع:

سؤال للذين يرددون نغمة تشكيل حكومة مدنية في مناطق سيطرة الدعم السريع:
من اين ستأتي القوى المدنية بشرطة وجيش ليكونوا ادواتها لاحتكار العنف وفرض النظام والقانون والقبض على المجرمين والاشتباك عسكريا مع القوات العسكرية التابعة للدعم السريع التي تهاجم المدن والقرى وتمارس الانتهاكات؟
اي حكومة تتشكل في مناطق سيطرة الدعم السريع هي حكومة عسكرية تحت بوت الدعم السريع ! لانها ببساطة ستعتمد عليه كليا في اهم وظيفة للحكومة اي احتكار العنف واستخدامه لفرض النظام وفض النزاعات! ومؤكد الدعم السريع لن يأتمر بامرها بل هي التي ستأتمر بامره لانها ستعيش في ظل قوته العسكرية وفي ظل سيطرته على الموارد!
مثل هذه الحكومة لا يمكن وصفها مطلقا بالمدنية
وهذا الاتجاه معناه الشروع عمليا في تقسيم السودان !
الاتجاه الصحيح للقوى المدنية الديمقراطية هو نزع الشرعية السياسية من طرفي الحرب، والتعامل مع سلطة بورتكيزان كامر واقع فاقد للشرعية والتعامل مع اي حكومة موازية يشكلها الدعم السريع كسلطة امر واقع لا علاقة لها بالحكم المدني، الحرص على وحدة السودان يقتضي السعي لايقاف الحرب ثم وضع اساس ديمقراطي للشرعية السياسية ، هذا هو الاتجاه الذي يجب ضبط بوصلة الديمقراطيين نحوه ، ربما تتوقف الحرب وتسيطر على البلاد حكومة عسكرية بطلاء مدني ، بمعنى افندية يستوزرون والسلطة الحقيقية في ايدي العسكر، في هذه الحالة مكان اصحاب الالتزام الديمقراطي هو المعارضة مهما كلفت.
السلطة ليست ضرورة حياة سياسية!
ضرورة الحياة السياسية هي الاتساق مع المبادئ.
هذه الحرب سواء استمرت طويلا او توقفت على تسوية بين طرفيها او انتهت بانتصار احدهما او بتقسيم البلاد ، يجب ان تكون العروة الوثقى في الصف المدني الديمقراطي هي الرفض المغلظ لهيمنة اي بوت عسكري!
جميعهم يتحكمون في مصائرنا بسلاحنا المدفوع ثمنه من ثروتنا القومية خصما على غذائنا ودوائنا!
السلاح الذي كان يجب ان يحمينا يقتلنا في معركة صراع السلطة وغنائمها !!
حتما سنسترد سلاحنا من ايديهم جميعا( لا استثني احدا)
ولا بد من صنعاء وان طال السفر!  

مقالات مشابهة

  • تجدد المواجهات بين الجيش والدعم السريع في الأُبيض غربي السودان
  • نزوح كثيف من الخرطوم بسبب تبادل القصف بين الجيش والدعم السريع
  • اشتباكات عنيفة بالخرطوم بين الجيش والدعم السريع
  • البرهان: دول غير رشيدة تساعد الدعم السريع وتحيك مؤامرة ضد البلاد
  • البرهان يطالب بتصنيف ميليشيا الدعم السريع “مجموعة إرهابية”
  • أمام حشد دولي في الصين .. البرهان يطالب بتصنيف قوات الدعم السريع مجموعة إرهابية
  • البرهان: نطالب بتصنيف الدعم السريع "مجموعة إرهابية"  
  • سؤال للذين يرددون نغمة تشكيل حكومة مدنية في مناطق سيطرة الدعم السريع:
  • وزير الخارجية ..التزامات “ميليشيا” الدعم السريع ورعاتها بحماية المدنيين في سويسرا، هي “مجرد دعاية كاذبة لا تنطلي على أحد”
  • اشتعال الحرب في السودان من جديد وتصاعد القصف الجوي والمدفعي بين الجيش السوداني والدعم السريع