صديق الزيلعي

أصدرت منظمة أمنستي انترناشونال، تقريرا هاما، أمس الخميس 25 يوليو 2024. وهو خلاصة لتحقيق، دقيق وشامل، أجرته المنظمة الحقوقية، صاحبة المصداقية العالية. كشف التقرير، بعد دراسة وتمحيص، ان ستة دول تصدر، كافة أنواع الأسلحة، الي طرفي الحرب. وسيكون توفر السلاح لطرفي الحرب، دافعا لهما، للاستمرار في الحرب، تحت توهم تحقيق انتصار عسكري، وهزيمة الطرف الآخر.

وهو ما أثبت الوقائع، على الأرض، وبعد عام ونصف، عن استحالته، مهما استطالت الحرب.
يوثق التقرير المكون من 60 صفحة، بعنوان "الأسلحة الجديدة تغذي الصراع في السودان"، كيف تم نقل أسلحة أجنبية مصنعة حديثاً إلى السودان وما حوله، وهو ما يمثل في كثير من الأحيان انتهاكاً صارخاً لحظر الأسلحة المفروض على دارفور.
ووجدت منظمة العفو الدولية أن الأسلحة والذخائر المصنعة أو المنقولة مؤخراً من دول مثل الصين وروسيا وصربيا وتركيا والإمارات العربية المتحدة واليمن يتم استيرادها بكميات كبيرة إلى السودان، ثم يتم تحويلها في بعض الحالات إلى دارفور.

قال ديبروس موشينا، المدير الأول لبرنامج التأثير الإقليمي لحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية:
"إن التدفق المستمر للأسلحة إلى السودان لا يزال يتسبب في وفاة المدنيين ومعاناتهم على نطاق هائل.
"يظهر بحثنا أن الأسلحة التي تدخل البلاد قد وُضعت في أيدي المقاتلين المتهمين بارتكاب انتهاكات للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان". وأردف بقوله “لقد قمنا بشكل منهجي بتتبع مجموعة من الأسلحة الفتاكة - بما في ذلك المسدسات والبنادق - التي تستخدمها القوات المتحاربة في السودان."
أضاف المدير الأول لبرنامج التأثير الإقليمي لحقوق الأنسان بالمنظمة العالمية: "من الواضح أن حظر الأسلحة الحالي الذي ينطبق حالياً على دارفور فقط غير كاف على الإطلاق. يجب تحديثه وتوسيع نطاقه ليشمل السودان بأكمله".
ووصف ما يجري في بلادنا، وبوضوح تام، بأنه : " أزمة إنسانية لا يمكن تجاهلها. وبينما يلوح خطر المجاعة في الأفق، لا يمكن للعالم أن يستمر في خذلان المدنيين في السودان".

هذا التقرير، يكشف بجلاء، عن تخطيط طرفا الحرب لاستمرارها، في تجاهل تام لمعاناة الملايين، داخل السودان وخارجه. وأغفال مطلق لانعدام الغذاء والدواء وأبسط احتياجات البشر. بل يصرح قادة الجيش، علانية، عن اصرارهم على المواصلة. وتصريح الفريق ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة بأن الحرب ستستمر لمائة عام، خير مثال على هذا التوجه.

أنتجت الحرب تدميرا، شبه كامل، لكافة البنيات الأساسية، وتدهورت الزراعة والصناعة والتجارة بوتيرة غير مسبوقة. ويسير الاقتصاد القومي بخطى متسارعة نحو الانهيار التام، الأمر الذي يهدد بتحول السودان الى دولة فاشلة، أو عدة دويلات فاشلة. ورغم كل تلك المخاطر تنتعش تجارة السلاح، وتتحول الموارد الشحيحة لشراء السلاح. أو الحصول على السلاح عن طريق تقديم وعود لتلك الدول بتقديم امتيازات من موارد هذا البلد، أو منحهم التسهيلات التي يطمعون فيها لتحقيق استراتيجياتهم في البحر الأحمر أو افريقيا.

ندعو بوضوح ونظراً للمخاطر الجسيمة على شعبنا، ان ننظم حملات قوية لكي توقف جميع الدول والشركات توريد جميع الأسلحة والذخائر إلى السودان، بما في ذلك التوريد المباشر، أو غير المباشر، أو بيع، أو نقل الأسلحة والمواد العسكرية والتقنيات ذات الصلة وقطع الغيار والمكونات. المساعدة التقنية أو التدريب أو المساعدة المالية. وهذا واجب عاجل أمامنا جميعا. يجب ان يسمع المجتمع الدولي صوتنا الموحد والقوي الداعي للإيقاف الفوري للحرب. وان تصاحب إجراءات التفاوض وآلية مراقبة تنفيذ أي اتفاق يتم التوصل اليه، آلية دولية أخري تحاصر من يصدر السلاح للسودان لإيقاف ذلك بشكل نهائي.

همالك مسألة مهمة، يجي الانتباه لها، وهي قدرة الاعلام الاسلاموي، بإمكانياته الهائلة، وقنواته المتعددة، على تقديم صورة خادعة للرأي العام. فقد امتلأت الاسافير والسوسيال ميديا والقنوات الفضائية بدور الامارات في تسليح الدعم السريع. لا نريد تبرئة الامارات أو الدفاع عنها. لكن الامارات واحدة من عدة اقطار تسلح طرفي الحرب. ونفس هذا الخداع الإعلامي ينطبق على ما يلوكه، الاعلام الاسلاموي، بأن تقدم هي التي بادرت بالحرب، وان تقدم هي الجناح السياسي للدعم السريع. والمؤسف حقا، ان قوى لا تنتمي، للاسلامويين، ابتلعت ذلك الطعم، وصارت تكرره ليل نهار.

علينا دعم مفاوضات 14 أغسطس في سويسرا لإيقاف الحرب، وفتح الممرات لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للضحايا. ومن ثم ابعاد طرفي الحرب عن السياسية والاقتصاد، ومحاكمة كل من أرتكب جرائم في حق هذا الشعب.

 

siddigelzailaee@gmail.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: إلى السودان فی الحرب

إقرأ أيضاً:

حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان

حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان

د. وجدي كامل

عندما اندلعت هذه الحرب في بداياتها، بدا الأمر وكأنه صراع بين الجيش وقوات الدعم السريع، ثم سرعان ما تكشفت حقيقتها لتصبح حربًا بين جنرالين لا يمتلكان أي حس بالمسؤولية الوطنية، يسعيان بكل ما أوتيا من قوة للاستئثار بالسلطة. ومع مرور الوقت، أدرك الناس أن هذه الحرب ليست سوى محاولة من المؤتمر الوطني وأجهزته العسكرية والأمنية لاستعادة الحكم الذي أسقطته ثورة الشعب.

كل ذلك صحيح بلا شك، لكنه ليس سوى جزء من المشهد. فمع توالي الأحداث، اتضح أن هذه الحرب لم تكن سوى غطاء لعمليات نهب منظم لموارد وثروات البلاد من ذهب، ومعادن اخرى، حيث شاركت جميع الأطراف المسلحة- الجيش والدعم السريع على حد سواء- في عمليات السلب والنهب، مستهدفين البنوك والمنازل والأسواق، وباطن الارض، دون أدنى اعتبار لحقوق المواطنين أو ممتلكاتهم. ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل كشفت التقارير الأخيرة عن تورط عناصر من الجيش في مواصلة عمليات النهب التي بدأتها قوات الدعم السريع، في ما أصبح يُعرف بـ”الشفشفة”، وهو مصطلح محلي يعبّر عن نهب ممتلكات النازحين بعد مغادرتهم قسرًا.

ولم تتوقف هذه الجرائم عند نهب الممتلكات الفردية، بل امتدت لتشمل عمليات تهريب للثروات الوطنية، مثل تصدير النحاس المستخرج بطريقة غير قانونية، في وقت يعاني فيه المواطنون من الجوع والفقر والتشريد. أصبح من الواضح أن هذه الحرب ليست سوى حرب لصوص، حيث تتنافس القوى المسلحة المختلفة على استغلال البلاد لصالحها، دون اعتبار لمصير الشعب أو مستقبل السودان.

لقد بات واضحًا أن الإطاحة بالمرحلة الانتقالية لم تكن سوى “كلمة سر” لفتح الأبواب أمام نهب منظم من قبل القادة العسكريين، وهو ما تؤكده المعلومات المتداولة حول تضخم ثرواتهم بطريقة يعجز العقل عن استيعابها. هذه الاستباحة للممتلكات العامة والخاصة، وهذا الاحتقار التام للحقوق العامة، ليسا سوى امتداد لثقافة الفساد التي عمّقها عقلية الإخوان المسلمين خلال سنوات حكمهم، حيث زرعوا فكرة أن الفساد ليس مجرد انحراف، بل ممارسة مشروعة بل ومطلوبة لتحقيق المصالح. وهكذا، أصبحت السرقة سلوكًا راسخًا، لا يقتصر على الأفراد بل يمتد إلى مؤسسات كاملة، تشمل الجيش، الدعم السريع، الحركات المسلحة المتحالفة، وحتى الكتائب الأمنية المختلفة. لقد فهم الناس ان الفضائح اخرجتها لجنة التفكيك كانت اجراءات مؤلمة وشديدة الصدمة للمدانين وان الحرب لم تعد سوى الوسيلة والاداة لرفض حكم القانون والافلات من العقاب والمحاسبة. الحرب والفساد دائرة جهنمية لا تنتهي، وان هذه الفوضى لا تقتصر على تدمير الاقتصاد ونهب الثروات، بل إنها تخلق واقعًا اجتماعيًا جديدًا تُطبع فيه اللصوصية كجزء من الحياة اليومية. كل يوم تستمر فيه الحرب، يتغلغل الفساد أكثر، ويصبح أكثر قبولًا كجزء من النسيج الاجتماعي، حتى يصل إلى مرحلة يستحيل فيها اقتلاعه دون ثمن باهظ.

من الواضح بات، ان النتائج ستكون كارثية، ليس فقط على الأوضاع الاقتصادية الحالية، ولكن على مستقبل البلاد والأجيال القادمة، التي ستجد نفسها مضطرة لدفع ثمن هذا الفساد المنهجي على “دائرة المليم”، كما يُقال. لقد أُبتلي السودان بحكام عسكريين، بتحالفات مدنية، لم يروا في الدولة سوى غنيمة، ولم يروا في الشعب سوى عقبة في طريقهم للثراء.

في ظل هذا الواقع المظلم، لا يمكن الخروج من هذه الدوامة إلا عبر وعي شعبي متزايد بحقيقة الصراع، ورفض تام لاستمرار سيطرة هذه القوى الفاسدة على مصير البلاد. لا بد من إعادة بناء السودان على أسس جديدة، يكون فيها القانون هو الحاكم وليس السلاح، وتكون فيها العدالة هي الميزان، وليس المصالح الشخصية لمن هم في السلطة.

إنها السرقة بأوامر عليا. انها السرقة التي كلف تنفيذ خطتها فض انعقاد الاجتماع المدني السوداني وتدمير الدولة والعبث بالحقائق والتاريخ. إنها حرب اللصوص، لكن الشعب، وحده قادر على إنهائها، طال الوقت، ام قصر.

[email protected]

الوسومالحرب السودان الفترة الانتقالية القوات المسلحة اللصوص الوعي الشعبي د. وجدي كامل قوات الدعم السريع

مقالات مشابهة

  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • السلاح والغذاء في حرب السودان
  • الدول التي تدرس إدارة ترامب فرض حظر سفر عليها
  • ???? درع السودان اربك الجميع وخلط الاوراق واختصر علي الدولة السودانية ثلاثين عاما قادمة من الابتزاز بالسلاح
  • «بقيمة مليونين جنيه».. القبض على عصابة تجارة السلاح في البحيرة
  • محمد أبوزيد كروم: إبتزاز السلاح .. وحديث مناوي!!
  • حرب اللصوص- الوجه الحقيقي للصراع في السودان
  • على أبرسي.. وتبقى المآثر (2/2)
  • فرنسا تمنع عرض وثائقي يفضح استخدام جيشها «أسلحة كيميائية» في الجزائر
  • قانون جديد يلاحق الإمارات داخل البرلمان الأمريكي