سودانايل:
2024-09-07@19:37:46 GMT

أسباب وعوامل فشل وتفكك ما يسمى بدولة 56

تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT

فى البدء لابد ان اوضح اننى لست ممن يعتقدون انه قامت فى السودان دولة يمكن تسميتها بدولة 56
نحن فقط ورثنا دولة اقامها الاستعمار البريطانى بداية من يوم الثانى من سبتمبر 1898تاريخ الهزيمة فى كررى حيث بدأ كتشنر فى اقامة دولة من الصفر واستمرت تلك الدولة فى النمو والتطور حتى الاول من يناير 1956 تاريخ اعلان الاستقلال وخروج المستعمر.

صحيح اننا ادخلنا عليها بعض التحسينات الشكلية كاجراء الانتخابات وقيام البرلمان ولكن جوهر الدولة بقى كما هو. هذا موضوع قد اعود للتفصيل فيه لاحقا.
ورثنا تلك الدولة ثم بدأنا فى تخريبها شيئا فشيئا حتى وصلت الى الحالة التى نعيشها الان من اللا دولة.
سوف احاول فى هذا المقال تحديد الاسباب والعوامل التى اعتبرها الرئسيةالتى ادت الى تخريب تلك الدولة العظيمة التى ورثناها وتتمثل تلك العوامل والاسباب فى الاتى:
اولا ضعف الحركة السياسية التى قاومت الاستعمار وتحولها السريع من مجرد مجموعات من المثقفين انشأت مؤتمر الخريجين الى احزاب سياسية مما أضعف ارتباطها المؤسسى مع حواضنها الاجتماعية وعدم امتلاكها لبرامج اقتصادية وتنمويةوانغماسها حال وصولها الى المناصب فى المماحكات والالاعيب السياسية.
كما ان النخبة التى تولت الحكم هى تربية واعداد دولة الاستعمار التى اعدتهم لتنفيذ اجندتها وليس الاجندة الوطنية بما فى ذلك قوة دفاع السودان واجهزة الامن التى اعدها الاستعمار لتنفيذ سياساته.لم تكن تلك النخبة تنقصها الوطنية او الاخلاص او الذكاء ولكنهاكانت تمارس العمل الدستورى والتنفيذى دون خبرات سابقة فى تلك المجالات فوقعت فى كثير من الاخطاء
لذلك فشلت الطليعة المثقفة فى تنوير الجماهير وقيادتها واصبحت هى مطية للطوائف الدينية وزعماء القبائل الذين يستغلون نفوذهم ليوصلوا من يريدون الى البرلمان او الوزارة فيفوز عبدالله خليل فى دائرة ام كدادة التى ربما لم يرها فى حياته.

ثانيا العجلة التى خرجت بها دولتى الحكم الثنائى وتركها للدولة الوليده تواجه مصيرها مع ضعف الخبرات لدى الطواقم الحزبية التى تولت المناصب الدستورية والتنفيذية.مصر خرجت وهى غاضبة بعد ان خذلها الاتحاديون باعلانهم الاستقلال بدلا عن الاتحاد مع مصر فانسحبت تماما من المشهد السياسى ولم تعد اليه الا بعد انقلاب عبود وحتى هذه العودة كانت ضرورية لمصالح مصر فى مياه النيل وقيام السد العالى.بريطانيا ايضا كانت تتوقع فوز حزب الامة فى الانتخابات وتنتظر انضمام السودان الى رابطة دول الكومونولث الشيء الذى لم يحدث ولم تعد لبريطانيا مصالح فى السودان ما عدا القطن الذى كانت سوف تشتريه على اي حال.

ثالثا الحرب فى الجنوب والتى اشتعلت قبل اعلان الاستقلال والتعامل الخاطئ من قبل الحكام الشماليين مع رغبات ابناء الجنوب وطموحاتهم وتحويل التمرد الذى حدث الى حرب اهلية ومن ثم التعامل معه بوصفه تمردا عسكريا وليس مظهرا من مظاهر التعبير عن الظلم.والنزاعات الاهلية خاصة فى الغرب والتى تحولت فينا بعد الى حرب ضروس غذتها غياب مشروعات التنمية عن تلك المناطق مع اتهام طال اهل الشمال النيلى بالانفراد بحكم المركز والذى وفر للحرب بعدا فكريا.

رابعا الانقلابات العسكرية التى عطلت مسار الديمقراطية وحرمت الشعب السودانى من ممارستها ومن ثم التعلم منها.وخلق مؤسسات تشريعية وتنفيذية تابعة للنظام تأتمر بامره فغاب النقد والتوجيه والمحاسبة.ولما كانت القوى السياسية تعود بعد كل فترة اثر ثورة شعبية تطيح بالنظام الدكتاتورى،فانها كانت تعود وهى اضعف بسبب غياب القيادات الكاريزمية ونشوء اجيال جديدة قليلة الارتباط بالاحزاب وبالعمل السياسى عموما.وكذلك كانت تواجه بعداء من الذين اكتسبوا نفوذا واهمية من خلال موالاتهم للنظم العسكرية فى القوات المسلحة او القوات النظامية الاخرى او فى الخدمة المدنية،الامر الذى يعجل بذهاب الحكومات الديمقراطية سريعا ليحل محلها نظام شمولى جديد.

خامسا سطوة الطائفية الدينيةالمتمثلة فى الطريقتين الكبيرتين الختمية والانصار وانغماسها المباشر فى العمل السياسى والغيرة والتنافس بينهما مما اضعف الحكومات الائتلافية التى قامت ببنهما واعجزها عن اتخاذ القرارات الهامة والمصيرية ولعل ابرز مثال لذلك اختلاف الصادق المهدى مع اتفاقية الميرغنى قرنق التى ادى تلكؤه فى اجازتها لاعطاء الفرصة للاسلاميين للانقضاض على الديمقراطية فى الثلاثين من يونيو عام 1989 الذين عطلوا الحياة السياسية واشعلوا اوار الحرب فى الجنوب مما ادى الى انفصال الجنوب فى عام 2010
وكذلك بقدر اقل تأثيرزعماء الادارة الاهلية وتفشى القبلية وتأثيرها على نتائج الانتخابات النيابية.

سادسا التطبيق الشائع لنظام الحكم الفدرالى دون ان تكون لوحدات الحكم والولايات الامكانيات المناسبة من موارد وقيادات ادارية ومؤسسات حكم قادرة الامر الذى عمق من فجوة التنمية وشجع على هجرة السكان الى المدن والحواضر بحثا عن فرص العمل الامر الذى ارهق المرافق الخدمية فى تلك المدن.

سابعا الفشل فى المجال الاقتصادى فطيلة عمر الدولة المزعومة لم تقم الا بضعة مشروعات من التى يمكن تصنيفها مشاريع استراتيجية مثل خزان مروى الذى بالرغم منه مازال النقص كبيرا فى الكهرباء ومثل استخراج البترول الذى ذهبت عائداته الى جيوب بعض المحظوظين من الاسلاميين وفى المقابل دمر ما كان قائما من مشروعات مثل مشروع الجزيرة والسكة الحديد وسودانير والخطوط البحرية. وفى مجال الصناعة فلم تقم اى صناعة استراتيجية والمصانع الصغيرة التى اقيمت اعتمدت على استيراد المواد الخام من الخارج بالعملات الصعبة لتبيع منتجاتها فى السوق المحلى بالعملة المحلية ثم تعود لتشترى الدولار من السوق الموازى لتستورد المواد الخام الامر الذى شكل ضغطا كبيرا على العملة الوطنية التى ظلت تتهاوى امام الدولار.كما استمرت عملية تصدير المواد الخام الاولية بارخص الاسعار لنعود ونستوردها منتجات مصنعة باضعاف ثمنها.اضف الى ذلك القروض الدولارية التى صرفت فى انشاء مشروعات وهمية باضعاف تكلفتها الحقيقية مما ارهق الاقتصاد وحمله ما لا بحتمل .اضف الى ذلك اجراءات التأميم التى اصدرها النميرى أدت الى هروب المستثمرين الاجانب والسودانيبن على السواء.
شره الراسمالية الوطنية وتهريب الثروات الوطنية من الصمغ العربى والثروة الحيوانية والزراعية واخيرا الذهب والمعادن الاخرى وعدم اعادة العائدات منها الى الوطن.

ثامنا وفى محال الخدمات فنأخذ مثالا التعليم الذى شوهت الانظمة الشمولية المتعاقبه سلمه والمناهج التى صممتها قلعة بخت الرضا لتناسب احتياجات الطلاب وتوسع مداركهم وتفى بحاجة الوطن من المتعلمين والتى تخرج عليها الاف العلماء, ثم جاءت الانقاء لتزيل كل ذلك الارث وتستبدله بما اسمته المشروع الحضارى لينحدر مستوى التعليم الى الحضيض فيتخرج من الجامعات طلابا لا يعرفون كيف يكتبون اسماءهم باللغة الانجليزية.
اما حال بقية الخدمات التى شيد أساسها المستعمر فلا اظننى فى حاجة للتطرق اليها.

تاسعا وما فعلته الانقاذ خلال الثلاثين عاما التى جثمت فيها على صدر الشعب يفوق كل هذا فما وجدت من اثر لتلك الدولة الا وازالته وحولت السودان وقدراته ومقدراته لمصلحة حزبها فالغت الدستور وحظرت الحياة السياسية فاشعلت الحرب فى الجنوب وحولتها الى حرب دينية كلفت البلاد والعباد خسائر فى الارواح وتكلفة اقتصادية اقعدت بالتنمية والخدمات وانتهت بفصل جنوب السودان لتفقد البلاد اغلبية مواردها من النفط وربع سكانها وثلث اراضيها. ودمرت الانقاذ كل مؤسسات الدولة واقامت لنفسها مؤسسات موازية يستوى فى ذلك القوات المسلحة والاجهزة الامنية وجهاز الخدمة المدنية فارسلت الالاف من الضباط الى الاستيداع مما افقد القوات المسلحة الهيبة والانضباط والحيدة وكذلك فعلت بموظفى الدولة واستبدلتهم بمن يوالونها فتحولت الخدمة المدنية الى مجموعة من الموظفين المؤدلجين عديمى الخبرة والنزاهة فنهبت اموال الدولة ومواردها التى تحولت الى جيوب منسوبى حزب المؤتمر الوطنى وعم الفساد والرشوة والمحسوبية واصبح المال العام مباحا للمسئولين وقيادات المؤتمر الوطنى واسرهم. أدت هذه الاجراءات الى افقار مؤسسات الدولة من الخبرات التى هاحرت فتهاوت المؤسسات الخدمية من تعليم وصحة وبنية تحتية وتدهورت قيمة العملة الوطنية الى مستويات جعلت الكثيرين عاجزين عن تدبير امور حياتهم ومعيشتهم اليومية.باختصار فقد حولت الانقاذ الدولة الى ضيعة خاصة بالحركة الاسلامية وحزبها المؤتمر الوطنى وما زاد الطين بلة نشوب الحرب فى دارفور وارتكاب خطأ التعامل معها باعتبارها. تمرد وخروج على الدولة تماما كما كان التعامل مع الحرب فى الجنوب.
هكذا كان حال الدولة الى ما قبل ثورة ديسمبر 2018.اما ما جرى بعد ذلك فقد شهدت الساحة جدالا سياسيا عقيما اطاح بكل المكاسب التى ضحى المئات من الشباب بارواحهم ليحققوها انتهى الى الحرب التى تدمر الان ما بقي من تلك الدولة المزعومة فتعقد المشهد الوطنى بحيث لم يعد فى الامكان الامساك باطرافه ومحاولة منعه من التفكك. فتلك رواية لم تكتمل فصولها بعد.
لقد نجحنا فى خلال 68 عاما فى تحطيم ما شيده المستعمر فى 58 عاما وسوف يكشف المستقبل ما اذا كنا قادرين على ان تقيم دولة جديدة بديلة.

محمد فائق يوسف
٢٥ يوليو ٢٠٢٤  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الامر الذى تلک الدولة

إقرأ أيضاً:

د.حماد عبدالله يكتب: عقل الدولة المصرية مع الموظف المصرى !!


 

مازال ذلك الموظف الشهير الذى يمسك بالقلم ( الكوبيا ) ويدخن السيجارة
( اللف ) ويرتدى الواقى الأسود ( النصف كم ) لحماية أكمام قميصه من الإتساخ ويضع منديلاَ على ياقة قميصه لحماية " ياقته من قفاه " حتى لا يتسخ القميص ويستطيع إستخدامه لأكثر من يومين عمل مازال هذا الموظف العابس الوجه والمتعامل بعنصرية مع المواطن الغير محظوظ الذى رماه الزمن والطلب إليه (للموظف) بإداء خدمة حكومية  كإستخراج صورة طبق الأصل من محضر أو طلب بكشف بمستحقات تأمينية والرد السريع أترك طلبك " وفوت علينا بكره " هكذا قدم الموظف المصرى نفسه على لسان فؤاد المهندس (رحمه الله ) فى برنامج صباحى شهير كانت تبثه إذاعة القاهرة  فى الخمسينيات والستينيات وإستمر حتى وفاة فناننا الكبير..ومع تعديل شكل الموظف العمومى المصرى ونقل كل ما يحتاجه المواطن إلى " شبكة النت " وإستخدامه الحاسب الآلى فى إستخراج ( مستخرجات رسمية ) لشهادات الميلاد والبطاقات الشخصية، وشهادات الوفاة، وغيرها من خدمات تعمل بنصف كفائه حتى الأن !! ورغم إعلان السيد الرئيس "عبد الفتاح السيسى" عن إنشاء (عقل جديد للدولة) فى مدينة العاصمة الإدارية الجديدة وسوف يبدأ فى نهاية العام القادم تفاعله مع الدولة ومع المواطنين 
إلا أن الموظف المصرى فى وزارة التأمينات الإجتماعية ووزارة التجارة الداخلية سابقًا التضامن حالياَ، وزارة العدل وخاصة فى وحدات الشهر العقارى التى إهتم بها مرة فى تاريخها المرحوم الدكتور على لطفى وبعده "عادت ريما لعادتها القديمة " بل عادت أسوء مما كانت عليه.. 
هذا الموظف المصرى القابع فى تلك الوزارات وتلك الهيئات تخصص فى 
( تطليع روح المواطن ) وكأنه والمواطن أعداء وبينهم قصة طويلة من التاريخ الأسود بين الطرفين.. ولعل الأماكن التى يعمل هؤلاء المواطنين التى لم تمتد إليها يد التغيير أو تعديل بيئتها هى من أهم أسباب نقمه الموظف على المواطن المتقدم إليه بطلب رسمى !! ورغم أن الأوصاف التى أطلقتها على الموظف العمومى فى بداية مقالى قد تحولت إلى – موظف يجلس أمام جهاز كومبيوتر تغير لونه من الأبيض أو البيج إلى شبة الأسود ( إتساخاَ ) هو بالقطع لا يعمل !! كما أن القميص أصبح غير محمى بنصف كم من القماش الأسود أو الياقة مغطاه بمنديل لحماية القميص من ( عرق القفا )كل هذا أصبح غير موجود ولكن سنجد القميص متسخ جداَ والموظف غير حليق الذقن وهذا الوجه العابس الجاد فى وجه الموظف أمام المواطن تغير بقدرة قادر أصبح وجه بملامح المستهتر، وغير المهتم وربما لايرد بكلمة فوت علينا بكره بل هناك كلمة جديدة "إسأل فى الدور الثانى" وفى الدور الثانى يسأل المواطن والإجابة شوف رئيس الوردية وفى نهاية المطاف يلعن المواطن الحكومة واللى يجييها مرة ثانية وتتوقف الأعمال ويظل الوضع على ما هو عليه لحين أشعار أخر !!  وهذا خوفى الشديد بعد أن أنفقنا المليارات على عقل الدولة ( تحت الإنشاء) فى العاصمة الإدارية الجديدة.
[email protected]

مقالات مشابهة

  • الديون الخارجية تتطلب استراتيجية فعالة تبنى على إعادة الهيكلة والخفض التدريجى
  • رسائل مزعجة ومشهد دراماتيكى فى إسرائيل
  • أمريكا.. الصديق الخائن
  • كتاب يستحق القراءة والتدريس
  • منصات كانت جاهزة لإطلاق الصواريخ.. إسرائيل تُعلن قصف بنى عسكرية لحزب الله في الجنوب
  • نجيب محفوظ.. ذلك المقاوم الأكبر
  • جرائمهم تفضحهم رغم حبكتها
  • أشرف غريب يكتب: انتهى المهرجان.. لكن الأحلام بلا نهاية
  • فوزي إبراهيم يكتب: زهوة النجاح وعبقرية التنسيق الجماعي في «العلمين»
  • د.حماد عبدالله يكتب: عقل الدولة المصرية مع الموظف المصرى !!