هكذا أبطلت العدل الدولية ادّعاءات إسرائيل بشأن احتلال الأراضي الفلسطينية
تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT
قال المحامي الأمريكي والمدير التنفيذي السابق لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، كينيث روث، إن حكم محكمة العدل الدولية، الجمعة، أتى لإبطال التبريرات القانونية التي تتّخذها دولة الاحتلال الإسرائيلي على مدى سبعة وخمسين عاماً ذريعة لاحتلال الأراضي الفلسطينية.
وأوضح روث، في مقال له، نشر على موقع "ذي غارديان" بأن: "قرار المحكمة أكثر من مجرد انتكاسة قانونية لإسرائيل"، مردفا: "بل يكاد يكون بمثابة دعوة لكريم خان، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، لمحاكمة المسؤولين عن الاستيطان".
وفي ما يأتي النص الكامل للمقال:
جاء حكم محكمة العدل الدولية، يوم الجمعة، ليشكل إبطالاً تاماً للتبريرات القانونية التي ما لبثت تتخذها إسرائيل على مدى سبعة وخمسين عاماً ذريعة لاحتلال الأراضي الفلسطينية. ولكنها ليست رصاصة سحرية. فثمة حاجة إلى ضغط سياسي يسندها. سوف تأتي الفرصة الأولى عندما يلتقي جو بايدن، مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في واشنطن، الثلاثاء.
فكما أشير إلى ذلك على نطاق واسع، يعتبر حكم المحكمة "إرشادياً" غير ملزم، ولقد جاء بطلب من الجمعية العامة للأمم المتحدة بدلاً من كونه ناجماً عن دعوى قضائية بين دولتين. ناهيك عن أن حكومة الاحتلال الإسرائيلية تتجاهل القرارات السابقة الصادرة عن محكمة العدل الدولية.
لم تنقل إسرائيل جدار الفصل الذي اعتبره قرار إرشادي صدر عن المحكمة في عام 2004 غير قانوني، وذلك لأن إسرائيل، بذريعة الأمن، ضمّت إلى الجانب الإسرائيلي من الجدار مساحات واسعة من الأرض. ولم تقم بشكل واضح بتخفيف حدة هجومها على قطاع غزة على الرغم من قرارات صدرت عن المحكمة في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا، تطالب باتخاذ خطوات لحماية الحقوق الفلسطينية بموجب معاهدة الإبادة الجماعية.
إلا أن محكمة العدل الدولية دمرت كذلك زعم إسرائيل بأن الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة ليست محتلة، وإنما مجرد مناطق "متنازع عليها". ولطالما أكدت الحكومة الإسرائيلية أنه لا يوجد "فلسطين" حتى تكون هي محتلة لها، لأنه، وحتى السادس من يونيو (حزيران) 1967، كانت الضفة الغربية والقدس الشرقية تابعة للأردن، والذي تخلى بعد ذلك عن مطالبته بهما، بينما كان قطاع غزة يدار من قبل مصر، والتي من المؤكد أنها لا ترغب في استرجاعها.
ولكن المحكمة أكدت، ولغايات قانونية، إن الاحتلال ينجم عن الاستيلاء على الأرض بالقوة المسلحة، وذلك بغض النظر عن الوضع الذي تكون عليه الأرض. وخلصت المحكمة إلى أن غزة أيضاً لم تزل محتلة منذ وقت طويل، وذلك على الرغم من فك الارتباط الذي قامت به إسرائيل في عام 2005، لأن إسرائيل احتفظت بالنفوذ على مختلف جوانب الحياة في غزة، تمارسه متى رغبت في ذلك.
يستجلب الاحتلال إنفاذ معاهدة جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن الاحتلال العسكري، والتي صادقت عليها إسرائيل. تعتبر المادة 49 من المعاهدة أن من غير القانوني – بل هو جريمة حرب – أن تقوم سلطة الاحتلال بنقل سكانها إلى المنطقة المحتلة، وهو ما خلصت المحكمة إلى أن إسرائيل قامت بفعله من خلال مستوطناتها.
هل تخلى القادة الفلسطينيون عن هذه الحقوق عندما وقعوا على اتفاقيات أوسلو، والتي اعترفت لإسرائيل بصلاحيات وسلطات داخل الأراضي المحتلة بينما كان من المفترض أن تمضي المفاوضات باتجاه إقامة دولة فلسطينية؟ قالت المحكمة لا، مستشهدة بالمادة رقم 47 من معاهدة جنيف الرابعة، والتي تنص على أن المفاوضات بين قوة الاحتلال ومن هم تحت الاحتلال لا تحرم الناس من الحقوق المنصوص عليها في المعاهدة – وهو إجراء احترازي حكيم إذا ما أخذنا بالاعتبار الاختلال الضمني في موازين القوة.
ولهذا فإن قرار المحكمة أكثر من مجرد انتكاسة قانونية لإسرائيل. بل يكاد يكون بمثابة دعوة لكريم خان، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية، لمحاكمة المسؤولين عن الاستيطان، وحري به أن يبدأ بأعضاء الحكومة الحالية الذين أصدروا التعليمات بالمضي قدماً في التوسعة السريعة للمستوطنات.
رفض بنيامين نتنياهو قرار المحكمة واعتبره "سخيفاً"، وقال إن اليهود لديهم الحق في الإقامة في وطنهم. ولكن نفس تلك الأرض هي وطن الفلسطينيين. أشارت المحكمة كذلك إلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. بينما السؤال المهم في مثل هذه الأمور هو ما هو المصير الذي هو موضع التقرير، ولقد استشهدت المحكمة في هذا الصدد بمجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم المتحدة لتأكيد وحدة جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة. من الناحية الجوهرية إذن، بينما الوطن اليهودي المعترف به الآن هو إسرائيل، والتي تقع ضمن الحدود التي كانت قائمة حتى يونيو (حزيران) 1967، فإن الوطن الفلسطيني هو الأراضي المحتلة.
جاء حكم المحكمة بينما يتهيأ رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي للقاء بايدن. وعلى الرغم من أن بايدن تخلى عن ترشّحه للانتخابات القادمة، إلا أنه لم يصدر عنه ما يشير إلى أنه سوف يغير من موقفه المذعن والعجيب إزاء ما ترتكبه حكومة نتنياهو من جرائم حرب في غزة. إلا أن قرار محكمة العدل الدولية من المفروض أن يحمله على التريث قبل أن يشرع في الرد على الاحتلال ككل.
في الجزء الأكثر سحقاً من الحكم، خلصت محكمة العدل العليا إلى أن الاحتلال الإسرائيلي بأسره غير قانوني وأنه ينبغي التراجع عنه. رداً على ذلك، قالت إدارة بايدن إن الحكومة الأمريكية لطالما أقرت بأن الاستيطان غير قانوني، إلا أن "سعة" القرار الصادر عن المحكمة يمكن أن تعقد الجهود المبذولة لحل الصراع، لأنه لا يأخذ بالاعتبار متطلبات إسرائيل الأمنية.
إلا أن جل ما وصفته المحكمة – المستوطنات، هدم منازل الفلسطينيين، سرقة الموارد الفلسطينية – لا علاقة له بالأمن. بل إن نقل المستوطنين الإسرائيليين إلى قلب الأراضي الفلسطينية يعرض إسرائيل للمزيد من المخاطر الأمنية. ولا أدل على ذلك من أن إحدى النظريات التي تفسر لماذا لم تكن القوات الإسرائيلية في حالة جهوزية جيدة يوم أن شنت حماس عمليتها في السابع من أكتوبر، هو أنه تم تحويل هذه القوات من أجل التعامل مع التوترات المتنامية في عهد حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة بين المستوطنين الإسرائيليين من جهة، بما يمارسونه من عنف متزايد واستيلاء على الأراضي، والسكان الفلسطينيين من جهة أخرى.
لعل أكثر ما ينذر بسوء الطالع لإسرائيل هو أن المحكمة أمرت جميع الحكومات بعدم "تقديم العون أو المساعدة في الحفاظ على" الوجود الإسرائيلي داخل الأراضي المحتلة، باعتبار أن ذلك الوجود غير قانوني. ينبغي أن ينطبق ذلك أكثر من أي أحد على الحكومة الأمريكية، أكبر مزود على الإطلاق لإسرائيل بالأسلحة والمساعدات العسكرية.
من الجدير بالذكر أن رئيس ليبيريا السابق، تشارلز تيلر، يقضي في سجن بريطاني عقوبة بالسجن لخمسين عاماً بسبب المساعدة والتواطؤ في ارتكاب جرائم حرب من خلال شحن الأسلحة إلى مجموعة متمردة مسيئة في سيراليون المجاورة. لم يصب أحد بالهلع خشية أن توجه المحكمة الجنائية الدولية تهماً لمسؤولين في الإدارة الأمريكية، ولكن يجدر ببايدن أن يفكر ملياً ويعد النظر في الاستمرار بتمويل وتسليح بقاء الاحتلال، وذلك لأن التهم في هذه الحالية سوف تكون مبررة قانونياً.
والأكثر من ذلك أنه، وعلى الرغم من أن ما خلصت إليه المحكمة قد يبدو مستتراً في اللغة القانونية المستخدمة، إلا أن المحكمة حكمت بأن إسرائيل فرضت نظام فصل عنصري (أبارتيد) داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك من خلال تمييزها المنتظم ضد السكان الفلسطينيين. مازالت كلمة أبارتيد أمراً مبغوضاً داخل الدوائر الرسمية في واشنطن، وذلك على الرغم من التقارير المفصلة التي صدرت عن منظمة هيومان رايتس ووتش وعن غيرها من منظمات حقوق الإنسان المحترمة بما يؤكد وجود هذه الممارسة.
ينبغي أن يوفر ذلك لبايدن ذخيرة تمكنه من التغلب على معارضة نتنياهو للدولة الفلسطينية. إذا لم تكن دولة فلسطينية، فماذا عساها تكون؟ يتحدث البعض الآن عن حقوق متساوية لجميع من يعيشون فيما بات واقعاً دولة واحدة ما بين نهر الأردن والبحر المتوسط. ولكن لا ريب في أن هذا آخر شيء يرغب فيه نتنياهو. يحلم بعض أعضاء هذه الحكومة من اليمينيين المتطرفين بتهجير الفلسطينيين قسراً، ولكن من المؤكد أن ذلك سيكون طريقاً حتمياً نحو تهم تصدر عن المحكمة الجنائية الدولية ونحو سخط عالمي سوف تجد حتى المؤسسة الرسمية في الولايات المتحدة صعوبة جمة في التصدي له.
والآن تقول محكمة العدل الدولية إن الخيار الثالث – وهو الخيار الذي يفضله نتنياهو – والمتمثل في الاستمرار في ركل العلبة على الطريق مع الحديث من حين لآخر عن عملية سلام محتضرة للتمويه على الوضع القائم البشع إنما هو في حقيقة الأمر أبارتيد.
لست ممن يرون بأن بايدن يملك الشجاعة لأن يفعل ذلك، ولكن ينتابني إحساس جميل عندما أتخيل بايدن وهو يقول إن الولايات المتحدة، بكل ما لديها من تاريخ طويل في ممارسة الظلم العنصري، لن تستمر بعد اليوم في دعم إسرائيل في مساعيها للإبقاء على نظام الأبارتيد داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. يجب أن ينتهي الاحتلال.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية سياسة دولية العدل الدولية الفلسطينية قطاع غزة الحقوق الفلسطينية فلسطين قطاع غزة العدل الدولية الحقوق الفلسطينية المزيد في سياسة سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة دولية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المحکمة الجنائیة الدولیة الاحتلال الإسرائیلی محکمة العدل الدولیة الأراضی الفلسطینیة داخل الأراضی على الرغم من أن إسرائیل عن المحکمة غیر قانونی أکثر من إلا أن إلى أن
إقرأ أيضاً:
الأهلية الفلسطينية: إسرائيل ستحاول تعميق الأزمة الإنسانية في غزة حتى تدفع السكان للتهجير
أكد أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية، اليوم الخميس، أن إسرائيل وأمريكا لازالوا يحاولون تحقيق مخطط تهجير الفلسطينيين الذي قوبل بالرفض المصري القوي وتبعه الرفض العربي وأيضًا الرفض الأوروبي.
وقال «الشوا» في مداخلة لقناة (النيل) للإخبار، إن إسرائيل ستحاول عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف اطلاق النار بهدف التهرب من الاستحقاق السياسي المتعلق بإعمار قطاع غزة والذهاب باتجاه حل سياسي للقضية الفلسطينية، حيث يضغط الجميع باتجاه مسار سياسي يتعلق بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للضفة وغزة والقدس، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة واستحقاقات عملية السلام.
وأضاف، أن إسرائيل ستحاول أيضًا جاهدة تعميق الأزمة الإنسانية في قطاع غزة حتى تدفع السكان بالتفكير في الهجرة الطوعية أو القسرية، ولكن تشبث الشعب الفلسطيني بأرضه بالرغم من كل الممارسات الهمجية التي تعرض لها من قتل ودمار وتجويع، بالإضافة إلى الموقف والدعم المصري الثابت والرافض للتهجير وكذلك الموقف الأردني والعربي والدول الأوروبية هو بالتأكيد ما يفشل تحقيق هذا المخطط الإسرائيلي الأمريكي لتهجير الشعب الفلسطيني.
وأكد «الشوا»، أنه لا يمكن القبول بتهجير الشعب الفلسطيني بادعاء عملية الإعمار، مشددًا على أن إعمار قطاع غزة سيتم كما ذكر الرئيس عبد الفتاح السيسي والشعب الفلسطيني موجود على أرضه دون تهجير، منوهًا بأن هناك جهدًا كبيرًا يبذل على كل المستويات لمواجهة عدم العودة إلى الحرب في قطاع غزة مجددا في ظل ما يعيشه الشعب الفلسطيني من أزمة وكارثة إنسانية عميقة سببها الاحتلال الإسرائيلي.
وأعرب عن أمله في أن تقدم مصر خطتها بشأن إعادة إعمار قطاع غزة، كما نأمل أن يكون هناك توافق فلسطيني ومصالحة وطنية فلسطينية حيث نعول على الدور المصري في إنجاز هذه المصالحة من أجل تمكين الشعب الفلسطيني والصمود على أرضه والتخفيف من تداعيات وطأة المعاناة الإنسانية التي يعاني منها الشعب الفلسطيني ونأمل أن لا تستمر لفترة طويلة.
اقرأ أيضاًالمنظمات الأهلية الفلسطينية تنتقد قرارات الاحتلال بإخلاء مناطق في المغازي وسط غزة
المنظمات الأهلية الفلسطينية تعرب عن تقديرها لجهود مصر لوقف العدوان على غزة
شبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية تدين الصمت الدولي عن جرائم الاحتلال في غزة