مَن يسابق مَن في نسف جسور الحوار؟
تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT
لم تكن قوى "المعارضة" تنتظر هدية كتلك، التي أهدتها إياها قوى "الممانعة"، وبالتحديد "الثنائي الشيعي" عندما رفضا عقد لقاء من وفد يمثّل هذه "المعارضة"، فازدادت هذه القوى قناعة بعدم جدوى أي حوار تُفرض فيه شروط من يعتبر نفسه أن من حقّه أن يقرّش "انتصارات الميدان" في "الميدان الرئاسي" عبر إقناع الآخرين بأن ترشيح رئيس تيار "المردة" الوزير السابق سليمان فرنجية هو آخر فرصة قبل الانتقال إلى مرحلة قد تكون خياراتها غير مناسبة مع ما يتوافق مع الشعارات غير الواقعية، التي تُطلق بين الحين والآخر، أو بمعنى آخر قد تكون تمهيدًا لخيارات متبادلة لن تلقى اجماعًا لبنانيًا لا يزال يرفض أي طرح غير وحدوي من خلال "وحدة الساحات"، أو من خلال ما يتمّ الترويج له في المقابل عن "طلاق بالحلال".
هذا الجو غير المطمئن عمّا ينتظر لبنان من تطورات قد تكون مفاجئة في الميدان الجنوبي بعد التهديدات، التي أطلقها رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو من واشنطن، أو في الميدان السياسي بعدما نسف "الثنائي الشيعي" إمكانية التفاهم مع الفريق الآخر، والذي يتهمه بأنه لا يزال يراهن على تغييرات إقليمية عبر البوابة الجنوبية قد تعيد التوازن إلى الساحة الداخلية بعدما أصبح "حزب الله"، الذي يحارب اليوم إسرائيل، والذي حقّق انتصارات في سوريا، يوازي بقوته الميدانية قوة أقوى الدول الإقليمية من خلال ما لديه من "فائض قوة" قد لا تصبّ في خانة الخيارات الداخلية، خصوصًا إذا أسيئ استخدامها لفرض شروط معينة مرفوضة من قِبل الآخرين سلفًا حتى ولو كان ثمن هذا الرفض الوصول إلى نقطة اللاعودة في الخيارات الوطنية.
ويُلَاحظ في هذا المجال أن في أفواه بعض القوى، التي تضطر لاتخاذ مواقف مغايرة لقناعاتها ومبادئها، الكثير من المياه، وهي تجد نفسها مسيّرة وغير مخيّرة في السير بركب لا يشبه كثيرًا البيئة السياسية، التي كان يُعبّر بها بطريقة مغايرة. وهذا ما يدفع إلى التساؤل عمّا سيؤول إليه الوضع الرمادي، الذي يميل مع مرور الوقت إلى السواد القاتم أكثر فأكثر من أي وقت مضى، حتى أن بعض الذين كانوا يُعتبرون من المتفائلين الأكثر إشراقًا من غيرهم قد أصبحوا أقرب إلى المتشائمين.
فلا شيء في رأي هؤلاء على أرض الواقع يدعو إلى التفاؤل، إذ أن المشاكل والأزمات التي تتكدّس فوق رؤوس المواطنين تخطّت معدّل قدرتهم على الاحتمال، خصوصًا في المجالين الطبي والاستشفائي والتربوي. فأي مريض لا يملك ثمن الدواء أو لا تسمح له إمكاناته المادية بالدخول إلى المستشفى محكوم عليه بمصير معلوم ومجهول في آن، ناهيك عن أقساط المدارس، التي تضاعفت عمّا كانت عليه في السنوات الماضية، مع غياب شبه كلي للجدوى الاقتصادية لأي خطة اقتصادية وانمائية.
وتُضاف إلى كل هذه الأزمات المتراكمة، التي أصبحت جزءًا من حياة اللبنانيين، المشاكل والتعقيدات السياسية والاختلافات الجذرية بين فريقي الطبقة السياسية، التي أدّت في السابق إلى شغور رئاسي استمرّ سنتين ونصف السنة، وإلى فراغ حالي على كل المستويات من أعلى الهرم حتى أسفله، مع استمرار تعطيل الجلسات الانتخابية وتعطيل الحياة السياسية، ودفع الناس إلى المزيد من اليأس وطلب الهجرة، وبالأخصّ الفئة الشبابية منهم، التي لا تجد أي فرصة لأي نوع من العمل في ظل انسداد الأفق في نفق مظلم طويل يبدو أن لا نهاية له، إذ لا تلوح أي بوادر انفراج على كل المستويات وفي كل الاتجاهات، بل أن الأخبار المتداولة عن التصعيد المتدرج في الجنوب ينذر بأن الانفجار الكبير يسابق أي انفراج أمني أو سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي. وهذا ما يتخوف منه الذين يهمّهم أن يبقى لبنان في منأى عن الصراعات الخارجية، وأن يعمّ الاستقرار السياسي والأمني فيه. ويأتي على رأس هؤلاء المتخوفين الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي يعتبر أن انفلات الوضع في جنوب لبنان إلى ما لا تُحمد عقباه سيؤدّي حتمًا إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة ككل، وبالتالي فإن السلام العالمي يدخل منطقة الخطر الشديد مما ينذر بأوخم العواقب. المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: التی ت
إقرأ أيضاً:
السيد علي الأمين: نتطلّع إلى اليوم الذي تصبح فيه الدّولة هي وحدها المسؤولة
وجه العلامة السيد علي الأمين رسالة إلى اللبنانيين "في هذه الظروف التي يمر بها لبنان" وقال: "منذ عهود مضت ولبنان كان واحة للحرية في العالم العربي وقد شكل نموذجاً حضارياً في العيش المشترك القائم على الانفتاح والتّسامح بين مختلف الطوائف اللبنانية وأعطى بذلك مثالاً على تجربة إنسانية ناجحة في احترام الآخر والقبول به ونبذ التّعصب الذي يشكل سمة من سمات الجهل والتخلف، وقد بقي رباط العيش المشترك يجمع اللبنانيين المتمسّكين بوطنهم لبنان على الرّغم من كل ما حصل على أرضه من حروب ونزاعات لا يتحمل الشّعب اللبناني المسؤوليّة عنها، إنّما كانت حروب الآخرين على أرضه الّذين استفادوا من ضعف الدّولة اللبنانية في تلك المرحلة ليقيموا دويلات الشّوارع و الزواريب و المناطق"
اضاف:"اللبنانيون اليوم كما في الأمس كانوا وما زالوا متمسّكين بلبنان الواحد ومشروع الدّولة الواحدة التّي تشكّل مرجعيّة لجميع اللبنانيين في مختلف الحقول والميادين من خلال نظام سياسي يجعل منها دولة الإنسان التي تحترم مختلف العقائد والمذاهب والأديان من دون أن يكون هناك امتيازات في الحقوق بين المواطنين بسبب الانتماء الديني والحزبي، بل يجب أن يكون الجميع متساوين أمام القانون في الحقوق و الواجبات. إن صيغة العيش المشترك التي قام عليها وطننا لبنان منذ الإعلان عنه في دولة لبنان الكبير الذي جمع اللبنانيين بكل طوائفهم تعتبر نموذجاً راقياً وحضارياً في عالم العلاقات الوطنية والانسانية لأنها تقوم على مبادئ التسالم والمحبّة والتعارف والعدل والمساواة بين البشر ونبذ الفوارق في الأعراق والمذاهب والأديان، وهي من المبادئ التي تسالم العقلاء في العالم على رفعة شأنها وسموّ قدرها، وهي من القيم التي لا تزال الميزان والمعيار في صحة الأفكار والمنظومات الأخلاقية في العلاقات الاجتماعية بين الناس. وقد حمل لبنان هذه الصيغة على أرضه وفي المنطقة، لذلك كان لبنان بهذه الصيغة التي بني عليها أكبر من وطن، إنه رسالة للعالم كما وصفه قداسة الراحل البابا يوحنا عندما زار لبنان في أواخر القرن الماضي· نعم، هذه رسالة لبنان وصورته التي عشناها صغاراً وعاشها الآباء والأجداد، وعنها قلت : معاً عشنا بأرضِ الشرقِ دهراً نصارى إخوةً للمسلمينا ونحنُ على خُطى الأجدادِ نمضي بإيمانٍ وعزمٍ لن يلينا ونبقى الأوفياءَ لِمَا وَرِثْنَا بِسِلْمٍ وَاعْتِدالٍ مؤمنينا نصونُ بذاك عهدَ العيشِ أهلاً- ولن نرضى بغيرِ الحبّ دينا" .
تابع:"من صور هذا العيش أهلاً والحب بين اللبنانيين ما نراه من احتضان لأهلنا النازحين من ديارهم إلى المناطق اللبنانية الأخرى في هذه الأيام العصيبة التي تمر على وطننا لبنان بسبب الحرب المفروضة عليه. ونعود لنقول بأن هذه الرسالة التي يمثلها لبنان تحتاج إلى الرسل والمبشرين كما كانت عليه حال الرسالات السماوية فإنها وصلت إلينا من خلال الرسل والمبشرين الذين جسدوا في سلوكياتهم تعاليم رسالاتهم. وأنتم أيها الناشطون والإخوة والأبناء والطلاب رسل هذه الرسالة اللبنانية الذين تعقد عليكم الآمال والذين نتطلع إليهم في الحفاظ على لبنان الوطن بالاستمرار بالتمسك بهذه القيم الإنسانية التي قام عليها البنيان. إنها المهمة التي تقع مسؤوليتها بالدرجة الأولى علينا نحن اللبنانيين مسيحيين ومسلمين، مسؤولين ومواطنين، علينا أن نعيد الألق لتلك الصورة المثالية،إلى تلك الصّيغة الإنسانية والوطنية للعيش والتعايش وأن نكون نحن لها النموذج الأمثل في منطقتنا والعالم بكل ما تعنيه تلك الصورة الرسالة من شراكة حقيقية في الآمال والآلام والمودة والاحترام وفي المشاريع السياسية الجامعة لكل مكونات الوطن ومن قبول كل منا بالآخر كما هو ،ومن تعاون وطيد على صيانة الوطن وبناء الدّولة المدنيّة التي تحقق العدالة للجميع في إطار حفظ وصون الحريات السياسية والدينية".
أضاف: " لذلك نقول اليوم ما قلناه في الماضي للأحزاب والقيادات المتصارعة على السلطة والنفوذ يجب علينا مسلمين ومسيحيين ألا نفكر مسيحياً أو إسلامياً وإنما يجب أن نفكر وطنياً وإنسانياً في عملية بناء الدولة الحاضنة للجميع والممثلة لهم بحيث تكون هي المسؤولة وحدها عن الجميع ومسؤولة أمام الجميع من خلال مؤسساتها القانونية والدستورية ويجب أن تكون علاقات الطوائف في الداخل والخارج من خلال الدولة ومؤسساتها".
ختم:" نتطلّع إلى اليوم الذي تصبح فيه الدّولة اللبنانية هي المسؤولة وحدها عن الأمن والدّفاع عن الأرض والشعب وعن السياسة الخارجية والمحلية،وعن الإقتصاد والتعليم وعن سائر المهام الّتي تقوم بها الدّول ذات السيادة في شعوبها وأوطانها،وأن تكون الدّولة هي الّتي ينخرط فيها الجميع وينضوي تحت لوائها الجميع وأن تكون وحدها من خلال مؤسساتها صاحبة القرار ومرجعية الحلول عند حصول الاختلاف بحيث يقبل الجميع بأحكامها وتنفيذ قراراتها بدون استثناء على قاعدة أن يكون الولاء للوطن والحكم لدولة المؤسسات والقانون، وبذلك نعزز حالة الانصهار الوطني والتنافس الديمقراطي في عملية إعادة بناء لبنان الذي نريد، لبنان الاستقرار والازدهار ليعود لبنان لؤلؤة الشرق ونموذجاً حضارياً في أرقى وأسمى العلاقات الإنسانية في المنطقة والعالم.عشتم وعاش لبنان".