هل تعكس أرقام النمو الاقتصادي للدول حقيقة اقتصادها؟
تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT
تكشف الحكومات عن أرقام النمو الاقتصادي في بلدانها تقريبا كل نهاية عام أو عقد، بعضها يكون هناك ارتفاع في نسبته والبعض الأخر يكون هناك انخفاض في نسبة هذا النمو.
وأحيانا قد تجد دول لديها ارتفاع في نسبة النمو الاقتصادي، ويقوم إعلام هذه الدول بالترويج لهذا الأمر وكأنه انجاز اقتصادي عظيم، ولكن في ذات الوقت قد تجد مواطني بعض هذه الدول يشكون من مشاكل اقتصادية عديدة كالفقر والبطالة وغيرها من المشاكل.
وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في الدول العربية، فمثلا في الأردن هناك توقعات بأن تكون نسبة النمو الاقتصادي 2.5 بالمئة لعام 2024، وقد تصل إلى 2.6 بالمئةعامي 2025 و2025، وذلك وفقا للبنك الدولي، ولكن في ذات الوقت وصلت ديون الأردن إلى 32 مليار و431 مليون.
وتوقعت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية بأن تصل نسبة ارتفاع النمو الاقتصاد المصري من 2.9 بالمئة إلى 3 بالمئة في السنة المالية الحالية والتي تنتهي في حزيران/يونيو 2024، قبل أن يتسارع إلى 4.2 بالمئة السنة المالية المقبلة 2024-2025.
بالمقابل وفقا لبيانات البنك المركزي المصري ارتفع إجمالي الديون الخارجية في نهاية 2023 ليصل إلى نحو 168 مليار دولار، من بينها 29.5 مليار دولار ديون قصيرة الأجل ونحو 138.5 مليار دولار ديون طويلة الأجل، بينما كان إجمالي الدين في 2019 96.6 مليار دولار.
نمو اقتصادي ولكن!
ويدفع التفاوت بين نسب النمو الاقتصادي في بعض الدول والواقع الاقتصادي الصعب لمواطنيها للتساؤل عن واقعية ومصداقية التفاؤل بزيادة النمو الاقتصادي فيها.
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، مصطفى شاهين: "بداية النمو الاقتصادي هو عبارة عن الفرق بين رقمي الناتج المحلي الإجمالي لأي دولة، حيث يتم قياس إنتاجها في سنة ومقارنته بإنتاجها في السنة التي قبلها، وعندها يمكننا القول إن النمو قد زاد".
وتابع شاهين خلال حديثه لـ"عربي21"، "من الممكن جدا أن يحدث نموا اقتصاديا، ولكن يكون الوضع الاقتصادي سيء في البلاد، وهذا يكون نتيجة لعدم رؤية وتلمس المواطنين ثمار هذا النمو، لأنه نتاج لقطاعات لم يدركها الجمهور".
وضرب مثال على ذلك قائلا: "مصر أنتجت أو انشئت العاصمة الإدارية الجديدة، وهذا العمل وفقا للقراءات الاقتصادية يُعتبر انتاج وزيادة في النمو الاقتصادي، ولكن من سيستفيد من هذا المكان؟ فقط المواطنين الذين سيعيشون فيه".
وأوضح شاهين، "بمعنى آخر لو تم إنشاء جسر في اسطنبول، سيستفيد منه كل المواطنين في قسمي المدينة الأسيوي والأوروبي، بالتالي هنا شعرت الناس في تحسن ملموس في ثمار النمو الاقتصادي".
وأكد أن "تحسن الاقتصاد بصفة عامة يعود عندما يكون الاقتصاد يتحرك في قطاعات متعددة، عندها يمكن القول بأنه حدث تحسن اقتصادي في كل القطاعات المختلفة".
وأضاف: "لكن إذا ظل هذا التحسن في قطاع معين يستفيد منه الأغنياء فقط، هنا يشعر المواطنين بأنهم لم يجنوا ثمار التنمية في كل القطاعات الأخرى".
وأوضح الخبير الاقتصادي أن "اقتصاد أي دولة لا يقاس فقط بالنمو الاقتصادي، حيث هناك مؤشرات أخرى غيره، مثل العدالة الاجتماعية والتنمية، مثلا نقيس كم طبيب أو مدرسة أو مكتب بريد لكل مواطن، كم عدد الطرق المُعبدة، من خلال هذه الطريقة نستطيع معرفة أين وصلت التنمية".
وضرب مثالا على ذلك بالقول، "هل الصين دولة متقدمة أم دولة نامية؟ الأصل أنها دولة متقدمة، ولكن لا زال في الصين مقاطعات كبيرة جدا تحت خط الفقر، فتقوم الدولة بتنفيذ مشروعات فيها حتى تنشل الناس من الفقر".
نمو اقتصادي إسمي
وقال الخبير الاقتصادي والمالي، وليد أبو هلال: إن "النمو الاقتصادي مقياس مُعتبر لدى المؤسسات الدولية وهو عبارة عن نمو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) خلال سنة، ولكن لفهم الفرق بين أرقام النمو الاقتصادي وواقع الاقتصاد، هناك أمور يجب أخذها بعين الاعتبار".
وأردف "أولا النمو الاقتصادي عادة يكون لدى الدول النامية والاقتصادات الناشئة أعلى من الدول المتقدمة، لأن الأخيرة استنفذت النمو وباتت اقتصاداتها متقدمة جداً، لذلك مهما ازدادت تلك الدول تطوراً فإنّ نموها الاقتصادي ضئيل في حين أن الدول النامية ما زالت تحبو لتصل لمصاف الدول المتقدمة".
وأوضح أبو هلال خلال حديثه لـ"عربي21"، أنه "لهذا السبب لا بدّ أن يكون النمو الاقتصادي للدول النامية مرتفع مقارنة بالدول الصناعية المتقدمة، ولذلك سميت اقتصاداتها (ناشئة)".
وأضاف، "أيضا الدول النامية لا زالت تحتاج لمشاريع البنية التحتية الهائلة، وتنفيذ هذه المشاريع يُساهم في رفع الناتج المحلي الإجمالي وبالتالي يرتفع النمو الاقتصادي لديها".
وأما ثاني الأمور التي يجب الأخذ بها حينما نريد قياس واقع الاقتصاد الحقيقي للدول، وفقا للخبير المالي، هي أن "هناك نمو اقتصادي (إسمي) وآخر (حقيقي)، والفرق بينهما أن الأخير يأخذ بالاعتبار نسبة التضخم في الأسعار في البلاد، بمعنى إذا كان لدينا نمو في الناتج المحلي بمقدار 2 في المئة في حين أنّ التضخم 5 في المئة فهذا يعني أننا في تراجع وليس نمو".
وأكد أن "هناك مقياس آخر وهو نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي والذي يقاس عبر قسمة الناتج المحلي الإجمالي على عدد السكان في البلاد، وهذا المؤشر أكثر شفافية وأكثر عدالة لأنه يأخذ في الاعتبار الزيادة الطبيعية في عدد السكان خصوصاً في جنوب الكرة الأرضية بسبب ارتفاع نسبة الزيادة السكانية - مصر والعالم العربي مثالاً-".
وأضاف: "لذلك الأولى أن يتم قياس النمو في نصيب الفرد من الناتج الإجمالي GDP لمعرفة مقدار الزيادة في رفاهية المجتمع ( بمعنى آخر ممكن يكون لدينا نمو في الناتج المحلي الإجمالي وبنفس الوقت تراجع أو ثبات في نصيب الفرد من هذا الناتج".
وحول موقع الدول العربية فيما يخص النمو الاقتصادي، قال أبو هلال، "بالنسبة للعالم العربي تحديداً فإنّ نسبة النمو الاقتصادي ضعيفة جداً مقارنة بغيرها من الكتل النامية، فبالرجوع لبيانات البنك الدولي فقد نما الاقتصاد العربي في العام 2023 بنسبة 0.9 في المئة، في حين أنّ اقتصادات مجموعة دول جنوب أسيا نمت بنسبة 6.1 في المئة وكذلك نمت اقتصادات مجموعة دول أميركا اللاتينية بنسبة 2.2 في المئة، كذلك الصين كدولة نامية نموها السنوي أعلى بكثير من العالم العربي".
الطغاة يخدعون شعوبهم اقتصاديا!
وفقا لدراسة أجراها الباحث لويس مارتينيز من جامعة شيكاغو، باستخدام صور الأقمار الصناعية للبلدان ليلاً كمقياس بديل للنشاط الاقتصادي فإن "الأنظمة الاستبدادية تبالغ بشكل كبير في تقدير نمو الناتج المحلي الإجمالي لبلدانها".
ويقدر البحث الذي ترجمته "عربي21"، أن "الأنظمة الاستبدادية تبالغ في نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي بنحو 35 في المئة مقارنة بالأنظمة الديمقراطية، ويبدأ البحث من فرضية مركزية: أن جميع القادة، سواء في الديمقراطيات أو الديكتاتوريات، يريدون التفاخر باقتصاد مزدهر".
أضواء الليل
ويقول البحث إنه "عندما لا يمكنك الوثوق بالأرقام الحكومية؟ تشير الأبحاث إلى أن صور الأقمار الصناعية التي تظهر شدة الأضواء الكهربائية في الليل هي مؤشر وثيق للنشاط الاقتصادي".
ووفقا لمؤلف البحث فإن "من الأمثلة الشائعة على ذلك مشهد القمر الصناعي الليلي لشبه الجزيرة الكورية، حيث نرى أن قسماً كبيراً من كوريا الجنوبية، الدولة الديمقراطية، مضاء بشكل ساطع".
"بالمقابل نرى أن كوريا الشمالية ــ التي أصبح اقتصادها في عهد الديكتاتور كيم جونغ أون أصغر بنحو 60 مرة من اقتصاد جارتها الجنوبية ــ معظمها معتم ومُظلم، والحدود واضحة للعيان من خلال التغير في اللمعان".
وقال مارتينيز: "مع تطور الاقتصاد، يتم بناء عدة أمور، مثل البنية التحتية، وإنارة الشوارع، والمنازل، والصناعات".
واستخدم مارتينيز خلال بحثه مؤشر "الحرية في العالم" الذي أصدرته منظمة فريدوم هاوس غير الحكومية كمقياس للديمقراطية في أي دولة، ثم قارن أرقام الناتج المحلي الإجمالي الرسمية بالنمو الاقتصادي الذي تشير إليه صور الأقمار الصناعية للإضاءة الليلية".
وقال إن " "ما وجدته هو أنه، على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى بلدين، وفي هذين البلدين تنمو الأضواء الليلية بنفس المقدار، وكان أحدهما أكثر ديمقراطية من الآخر، اتضح أن نفس القدر من النمو في الأضواء يُترجم إلى انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي المبلغ عنه في الدولة الأكثر ديمقراطية".
المبالغة الاقتصادية
وراقبت دراسة مارتينيز أرقام الناتج المحلي الإجمالي وبيانات الأقمار الصناعية لـ 184 دولة على مدار 20 عامًا، حتى عام 2013، كما تناولت ما إذا كان نوع النشاط الاقتصادي الذي يحدث، مثل الزراعة أو استخراج المواد الهيدروكربونية، سيؤثر على شدة الأضواء الليلية.
كما قام مارتينيز بالتحقيق فيما إذا كان ضعف جمع البيانات وإعداد التقارير في الأنظمة الاستبدادية يمكن أن يؤدي إلى تحريف النتائج، وحتى مع التحكم في مثل هذه العوامل، قال مارتينيز إن النمط كان واضحًا: الدكتاتوريات تبالغ في تقدير نمو ناتجها المحلي الإجمالي.
وخلص بالقول: "عندما نقارن الديمقراطيات الأكثر استقرارا ومصداقية بالأنظمة الأكثر استبدادية، فإننا نتحدث عن فرق يتراوح بين 30 في المئة إلى 35 في المئة، ما يعنيه ذلك على سبيل المثال، هو أنه إذا كان معدل النمو الحقيقي 1 في المئة، فإن النظام الاستبدادي سيبلغ معدل النمو في بلده 1.3 في المئة".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي اقتصاد اقتصاد دولي اقتصاد عربي اقتصاد عربي النمو الاقتصادي النمو الاقتصادي الدول العربية اقتصاد الدول العربية النمو النمو الاقتصادي المزيد في اقتصاد اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد عربي اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة نمو الناتج المحلی الإجمالی النمو الاقتصادی النمو الاقتصاد ملیار دولار اقتصادی فی فی المئة إذا کان على ذلک نمو فی
إقرأ أيضاً:
خسائر فادحة لستاربكس بسبب المقاطعة والرئيس التنفيذي يستغيث (شاهد)
بين المقاطعة الشعبية المُستمّرة على خلفية عدوان الاحتلال الإسرائيلي الأهوج على قطاع غزة، وإضرابات الموظّفين، مع ضعف الإقبال على الحملات الترويجية، لا تزال مجموعة "ستاربكس" الأميركية تتكبّد المزيد من الخسائر، وهو ما أكّده رئيس مجلس إدارة الشركة، براين نيكول.
وأوضح الرئيس التنفيذي للشركة، نيكول، أنّ: "المقاطعة أضرت بمبيعات الشركة والحقت بها خسارة فادحة"، وذلك خلال زيارته للإمارات، قبل يومين.
وعبر مقطع فيديو، انتشر كالنار في الهشيم على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي، وجّه نيكول، نداء استغاثة، إذ ناشد "الزبائن" بالتوقف عن مقاطعة فروع الشركة في العالم، مشيرا إلى أن: المقاطعة تهدّدها بالانهيار التام، بالقول: "نحن لا ندعم أي جيش".
عرض هذا المنشور على Instagram تمت مشاركة منشور بواسطة Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
ونقلا عن نيكول، قالت وكالة "بلومبرج" إن: "عملاق القهوة يخطّط لفتح حوالي 500 متجر جديد وإضافة 5000 وظيفة في السنوات الخمس المقبلة، في الشرق الأوسط".
ومنذ تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2023، وجدت شركة "ستاربكس" الأميركية للمقاهي، نفسها، في قلب حملات المقاطعة عربية ودولية مُتصاعدة، على خلفية حرب الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، التي ضربت عرض الحائط كافة القوانين والمواثيق الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان.
إلى ذلك، كان سهم الشركة قد تراجع بنسبة 1.6 في المئة في بداية كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حيث سجّل على التوالي، تراجعا في 11 جلسة تداول، في أطول تراجع منذ ظهور ستاربكس لأول مرة خلال عام 1992. وتسبب التراجع في خسارة القيمة السوقية للشركة 9.4 في المئة، أي ما يعادل 12 مليار دولار، بحسب تقرير آنذاك لشبكة "بلومبيرغ" الأميركية.
وفي الثامن من الشهر الجاري، وفي سياق حملة المقاطعة المستمرة، كانت شركة "يام براندز" الأميركية، المالكة لسلسلتي "كنتاكي" و"بيتزا هت" قد أعلنت بدورها عن إنهاء اتفاق الامتياز مع شركة "إيش غذا" المشغل المحلي للمطاعم في تركيا، ما أدى لإغلاق 537 فرعا وإعلان المشغل التركي إفلاسه بديون تجاوزت 7.7 مليارات ليرة تركية (نحو 214 مليون دولار).
وبحسب عدد من التقارير الإعلامية، التركية، قد "تراجعت مبيعات كنتاكي في تركيا بنسبة 40 في المئة خلال الأشهر الأخيرة، ما فاقم من الأزمة المالية التي كانت تعاني منها الشركة التركية".