العقوبات الأميركية.. سلاح عكسي في حروب المال
تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT
منذ عقود تستخدم الولايات المتحدة العقوبات الاقتصادية كأداة رئيسية للسياسة الخارجية الأميركية، إذ أنها تفرض حاليا عقوبات تعادل ثلاثة أضعاف ما تفرضه أي هيئات دولية، ولكن الإفراط في استخدامها قد لا يأتي بالنتيجة المتوقعة منها.
ووفق تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، أصبحت هذه العقوبات "سلاحا عكسيا" في "حروب اقتصادية" دائمة، خاصة وأنها أضحت "أداة" للسياسة الخارجية ولا تستطيع الإدارة الأميركية "مقاومة" جاذبيتها في فرض العقوبات على دول وأفراد وشخصيات اعتبارية.
العقوبات الاقتصادية، أو ما وصفتها الصحيفة الأميركية بـ "حرب المال"، عادة ما تهدف إلى عزل دولة أو أفراد عن النظام المالي الغربي، ويمكنها أن تتسبب في "سحق صناعات وطنية، وتمحو الثروات الشخصية، وتخل بتوازن القوى السياسية"، وكل ذلك "من دون تعريض جندي أميركي واحد للخطر".
ولكن الإفراط في فرض العقوبات، يزيد المخاوف بشأن تأثيراتها، فقد ظهرت صناعات خاصة باقتصاد العقوبات، إذ تنفق حكومات أجنبية وشركات مبالغ باهظة لتحقيق نوع من التأثير، فيما قامت شركات قانونية وجماعات ضغط بإنشاء مسارات خاصة للاستفادة من خبراتهم.
وفي أماكن أخرى، دفعت العقوبات الأنظمة الاستبدادية إلى تجارة "السوق السوداء" للتحايل على العقوبات المالية، ومثل أي أعمال عسكرية، يمكن لهذه العقوبات أن تسفر عن أضرار جانبية.
ويعرض التقرير أمثلة لمواقف نجحت فيها العقوبات في تحقيق أهدافها، إذ ساعدت في وضع حد لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والإطاحة بالديكتاتور الصربي، سلوبودان ميلوشيفيتش.
ولكن في أمثلة أخرى قد لا تكون العقوبات قادرة على تحقيق أهدافها، إذ أن العقوبات المفروضة على كوريا الشمالية منذ نحو نصف قرن لم تثنها عن حصولها على أسلحة وصواريخ عابرة للقارات، كما لم تستطع ردع النظام الاستبدادي في نيكاراغوا، لدانييل أورتيغا.
وحتى العقوبات التي فرضت على إيران لم توقف برامجها للتسلح النووي، ناهيك عن فرض عقوبات على روسيا منذ عامين، لكنها لم تردعها في حربها ضد أوكرانيا، وشهدنا ظهور ما يعرف بـ "الأسطول الشبح" أو "الأسطول المظلم" وهي ناقلات نفط تعمل بعيدا عن أعين الرصد الدولي وتتداول النفط من الدول المفروض عليها عقوبات وتنقله للمشترين.
وأخبر مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية، الرئيس جو بايدن أن "الإفراط في استخدام العقوبات يخاطر بجعل قيمة الأداة أقل قيمة"، بحسب الصحيفة.
ووفقا لتحليل نشرته واشنطن بوست، تفرض الولايات المتحدة عقوبات بوتيرة قياسية، إذ تخضع الآن أكثر من 60 في المئة من الدول منخفضة الدخل لشكل من أشكال العقوبات المالية.
وتشير الصحيفة إلى أن العقوبات كأداة قوية للحرب الاقتصادية، يمكن أن يكون لها عواقب تلحق الضرر بالسكان المدنيين، وتقوض مصالح السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
ويهيمن الدولار "على النظام المالي العالمي والتجارة العالمية"، فيما يرجح استمرار احتفاظه بـ "الهيمنة كعملة للاحتياطي" الأجنبي في الدول المختلفة حول العالم، بحسب بيانات نشرتها دراسة لصندوق النقد الدولي.
وأشارت دراسة سابقة أعدها مركز الأبحاث التابع للكونغرس الأميركي إلى وجود تحديات لاستمرار هيمنة الدولار.
ومن أبرز هذه التحديات "العقوبات المالية الأميركية" والتي تستفيد الولايات المتحدة منها على الصعيد السياسي، ولكن الخزانة الأميركية حذرت في أوقات مختلفة من أن الاستخدام المكثف للعقوبات المالية قد يهدد الدور المركزي للدولار والنظام المالي الأميركي، إذ أنه يدفع بعض الدول للبحث عن أنظمة أخرى لتقليل اعتمادها على الدولار.
مايكل هارتنت، محلل اقتصادي في "بنك أوف أميركا" قال في تحليل، في مارس من عام 2022، إن "استخدام الدولار كسلاح في حقبة جديدة من العقوبات ستؤدي إلى انخفاض الدولار الأميركي".
وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، قالت، في أبريل من عام 2023، إن العقوبات الاقتصادية على روسيا خصوصا، تشكل "خطرا" على هيمنة الدولار، لكنها اعتبرت أنه من الصعب على الدول المعنية إيجاد بديل للعملة الأميركية.
خلال مقابلة مع شبكة "سي إن إن"، قالت يلين ردا على سؤال بشأن استعمال الدولار سلاحا: "هناك مخاطرة مرتبطة بدور الدولار عند استخدامنا العقوبات المالية ... بأن تقوض على المدى الطويل هيمنة الدولار"، بحسب فرانس برس.
وأضافت "بالطبع، يخلق ذلك إرادة لدى الصين وروسيا وإيران لإيجاد بديل. لكن أسباب استخدام الدولار عملة عالمية تجعل من الصعب على الدول الأخرى إيجاد بديل بنفس الخصائص".
وتابعت وزيرة الخزانة الأميركية "لدينا أسواق رأسمالية وسيادة قانون قوية للغاية، وهما أمران أساسيان لعملة تستخدم عالميا في المعاملات. ولم نر أي دولة أخرى لديها... بنية تحتية مؤسسية تسمح لعملتها لتؤدي هذا الدور العالمي".
كما شددت يلين على أن العقوبات الاقتصادية "أداة بالغة الأهمية" تستخدمها دول حليفة أيضا ضد روسيا ضمن "تحالف شركاء يعملون معا".
ورغم وجود نحو 180 عملة حول العالم، فإن عددا محدودا منها يتم استخدامه على نطاق واسع في التعاملات الدولية، التي يتربع على عرشها الدولار الأميركي، وبدرجة أقل عملات أخرى مثل اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني، وفق بيانات دولية.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: العقوبات الاقتصادیة العقوبات المالیة النظام المالی على الدول
إقرأ أيضاً:
انخفاض قياسي في سعر الريال الإيراني بعد قرار ترامب تصعيد سياسة الضغط على طهران
انخفضت قيمة الريال الإيراني الأربعاء إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق، مسجلة 850 ألف ريال للدولار الواحد، في أعقاب القرار التنفيذي الذي وقعه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساء الثلاثاء والقاضي بضرورة وقف صادرات طهران من النفط والدعوة لإعادة فرض العقوبات الأممية على الجمهورية الإسلامية.
ومع ذلك، فقد أشار الرئيس الأمريكي إلى أنه لا يرغب في فرض هذه العقوبات بالكامل، بل يفضل التوصل إلى اتفاق مع طهران. في المقابل، يبدو أن المسؤولين الإيرانيين ينتظرون رسالة من ترامب تشير إلى رغبته في التفاوض بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي يشهد تقدما متسارعا.
ويأتي هذا التدهور الحاد في قيمة الريال بعد سنوات من العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران، خاصة بعد انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
وفي شوارع طهران، عبر المواطنون عن قلقهم إزاء التدهور الاقتصادي المتسارع، إذ قال ماجد مريامي، وهو مدرس: "عندما يظهر ترامب أي عداء تجاهنا أو يتحدث عن الحرب أو أي شيء ضد إيران، يرتفع سعر صرف الدولار. أتساءل ما علاقة الشأن الداخلي بما يقوله ترامب؟ فهو عندما يخفف من لهجته، ينخفض سعر الدولار. أعتقد أنه علينا أن نكون أكثر توازنًا من أجل مصلحة الشعب ."
من جهته، قال مواطن آخر، عرّف على نفسه باسم "نوري": "مشاكلنا داخلية أكثر من كونها مرتبطة بالأجانب، علينا الاعتماد على أنفسنا. فالأعداء يعادوننا ويكرهوننا ويفعلون كل ما بوسعهم ضدنا. يجب أن نصبح أقوى وننهض ونصلح اقتصادنا."
Relatedسعر صرف الريال الإيراني عند أدنى مستوى لهموقع: الريال الإيراني يواصل التهاوي مسجلاً رقماً قياسياً أمام الدولاروزير خارجية إيران ردا على ترامب: سياسة "الضغط الأقصى" فشلت سابقا وستفشل مجدداوكان سعر صرف الدولار الواحد قبل عشر سنوات يعادل 32 ألف ريال إيراني فقط.
وقد تسارعت وتيرة انهيار العملة منذ عام 2018 تاريخ انسحاب ترامب من الاتفاق النووي الذي وقعته طهران عام 2015 مع دول ال5+1 إضافة إلى قرار فرض العقوبات التي أثقلت كاهل الجمهورية الإسلامية وحرمتها من مليارات الدولارات التي كان يمكن أن تدخل الخزينة الإيرانية لولا تلك العقوبات.
ويبقى البرنامج النووي الإيراني الذي تؤكد طهران على طابعه السلمي، محل شد وجذب بين إيران والغرب، إذ تقول بعض التقارير إن البرنامج أصبح قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى مرحلة متقدمة من تخصيب اليورانيوم لأغراض عسكرية.
المصادر الإضافية • أب
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية بعد وصول ترامب إلى سدة الحكم.. الريال الإيراني يهبط إلى أدنى مستوى لسعر صرفه مقابل الدولار الأمريكي كورونا يقضى على المضاربات على الريال الإيراني والدولار في العراق الريال الإيراني يهوي إلى مستوى قياسي جديد بعد قرار ترامب دولار أمريكيإيرانعملة