مصادر (التغيير)، أكدت أن الخارجية السودانية تلكأت في التعامل مع إعلان إريتريا سفيرها بأسمرا شخصاً غير مرغوب فيه قبل فترة.

خاص/ التغيير

كشفت مصادر لـ(التغيير)، أن القائم بأعمال سفارة السودان في أسمرا السفير خالد عباس النعيم سيغادر دولة اريتريا غداً الجمعة، بعد أن سمّته السلطات هناك “شخصاً غير مرغوب فيه” وأمهلته 72 ساعة لمغادرة البلاد.

فيما أقر وكيل وزارة الخارجية السودانية السفير حسين الأمين في مؤتمر صحفي في بورتسودان اليوم الخميس، بإعلان إريتريا القائم بالأعمال السوداني لديها شخصاً غير مرغوب فيه، وأشار إلى انتظارهم لتوضيحات منها.

وقالت مصادر إريترية فضلت حجب اسمها لـ(التغيير)، إن أسباب الطرد تعود لقيام السفير بعملية تجنيد لاثنين من الشباب من أجل جمع معلومات حول معسكر ساوا “وهو معسكر خاص بالتدريب العسكري غربي البلاد ويقضي فيه طلاب المرحلة الثانوية السنة الثانية عشر حسب النظام الإريتري”.

وأكدت أن السفر إلى المعسكر الذي يقع في منطقة إقليم القاش بركة يتطلب إذن سفر خاص.

وأشارت المصادر إلى أن سلطات إريتريا أعلنت للخارجية السودانية قبل فترة أن سفيرها بأسمرا شخص غير مرغوب فيه لكنها تلكأت في التعامل مع الموقف وسحبه ما اضطر الحكومة الإريترية إلى إمهاله 72 ساعة لمغادرة البلاد.

حظر الطيران

بالتزامن مع خبر طرد السفير السوداني بأسمرا راجت أنباء عن حظر الطيران السوداني من دخول الأراضي الإريترية وهو الأمر الذي نفاه بصورة قاطعة صحفي إريتري- فضل حجب اسمه- مؤكداً عن حظر بلاده للطيران الإثيوبي.

وقال في مقابلة مع (التغيير)، إن معظم المسافرين السودانيين يحضرون إلى إريتريا عبر الحدود البرية، ونوه إلى إعلان بلاده الأربعاء وقف جميع رحلات الخطوط الجوية الإثيوبية من وإلى إريتريا اعتبارًا من 30 سبتمبر المقبل.

واتهمت السلطات الإريترية في بيان، الخطوط الاثيوبية بالتورط فيما وصفته بالممارسات التجارية “الخبيثة” بما في ذلك سرقة أمتعة الركاب وارتفاع الأسعار.

وجاء إعلان إريتريا بعد أقل من أسبوع من اتهام الخطوط الجوية الإثيوبية “بإنزال” راكبين من طائرة الخطوط الجوية الإثيوبية المتجهة إلى نيروبي في أديس أبابا.

تقارب سوداني اثيوبي

من جانبه، توقع صحفي إريتري توتر العلاقات السودانية مع بلاده بعد زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى بورتسودان واتصال القائد العام للجيش السوداني عبد الفتاح البرهان برئيس دولة الإمارات محمد بن زايد.

وكانت اسمرا تعد الحليف الأول للجيش السوداني في حربه ضد الدعم السريع خاصة بعد تحول مواقف القاهرة من دعم الجيش إلى دعم وقف الحرب عبر الاشتراك في محادثات المنامة ومشاركتها المتوقعة كمراقب في محادثات جنيف المزمع انعقادها منتصف اغسطس المقبل.

وفتحت السلطات الإريترية أراضيها لتدريب قوات عسكرية لتشارك في حرب السودان بإقليم القاش بركة تشمل 5 جماعات مسلحة من شرق السودان إلى جانب مجموعات تتبع لحاكم دارفور مني اركو مناوي.

وتوقع الصحفي الإريتري في مقابلة مع (التغيير) اقتراب تغير المواقف الرسمية في بلاده من دعم الجيش السوداني بعد تغير تحالفاته الإقليمية، لكنه لا يعتقد أن ذلك سيؤثر على معسكرات التدريب العسكرية.

زيارة ترك

عشية انتشار خبر طرد السفير السوداني من الأراضي الإريترية راجت صورة جمعت الرئيس أسياس أفورقي مع ناظر الهدندوة محمد الأمين ترك وعمدة الجميلاب حامد طاهر اوكير.

ووصف الصحفي الإريتري الزيارة بأنها “علاقات عامة”، وكشف أن ترتيبها تم عبر السفير الإريتري لدى السودان عيسى أحمد عيسى، ونوه إلى أنه غير مقيم بالسودان حالياً.

وأكد الصحفي أن أفورقي يسعى باستمرار لتكون لديه روابط مع قبائل الشرق من أجل ضمان تأمين الحدود، وتوقع أن تكون الزيارة بهدف طمأنتهم على أن  معسكرات التدريب العسكري في أراضيه والتي بها متدربين ومقاتلين من قبائل أخرى لن تكون خصماً على العلاقات معهم.

الوسومأسياس أفورقي إثيوبيا إريتريا السفير حسين الأمين السفير خالد عباس النعيم السودان محمد الأمين ترك وزارة الخارجية

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: أسياس أفورقي إثيوبيا إريتريا السفير حسين الأمين السودان محمد الأمين ترك وزارة الخارجية غیر مرغوب فیه

إقرأ أيضاً:

الموت بالوكالة: كيف صار الشعب السوداني رهينةً لسلطتين قاتلتين؟

في البدء، كان الحلم هشًّا، يتنازعه الواقع والممكن، بين دولة لا يحكمها العقل وجيوش يحكمها الرعب. لم يكن السودان يومًا استثناءً في سياق التراجيديا التاريخية التي صنعتها الجيوشُ العربية منذ أن تحولت من مؤسساتٍ وظيفية إلى كياناتٍ فوق الدولة، تمارس السلطة دون مساءلة، وتحكم دون أن تُحاكم.

لكن في هذا البلد، كان للعسكر وجوهٌ كثيرة، كلٌّ منها أكثر فتكًا من الآخر، حتى أصبح المواطن السوداني، ذاك الكائن المعذَّب، رهينَ طاحونةٍ تدور برؤوسٍ متشابكة، إحداها الجيش الذي خنق الدولة منذ 1956، والأخرى مليشيا خرجت من رحم التوحش وصارت قوة تنازع الطاغية ذاته على سلطانه، في مشهد عبثي تتداخل فيه الأدوار بين الجلاد والضحية، حتى بات الوطن كله رهينةً بين المطرقة والسندان.

بدأت السردية القاتلة منذ أن استيقظ السودان المستقل على حقيقة أنه لم يُخلق ليحكم نفسه، بل ليكون حقلَ تجاربٍ لأوهام الضباطِ الذين قرأوا نصفَ كتبِ القوميةِ العربية، وظنوا أن الشعب صفحةٌ بيضاءُ قابلةٌ لإعادة التشكيل وفق أوامرِ القيادةِ العامة.
الفريق عبود، أول الطغاة، جاء كظلالٍ ممتدة لجيوشِ ما بعد الاستعمار، حيث لم يكن الاستقلالُ سوى قناعٍ رثٍ لاستعمارٍ داخلي أكثر فجاجة. ثم تلاهُ نُميري، العائد من شطحاتِ البعثِ الماركسي إلى خرافاتِ الهوسِ الديني، في مسيرةٍ عكست هشاشةَ السرديات التي حاول العسكرُ تسويقها، والتي انتهت إلى أن الشعب ليس سوى متغيرٍ ثانوي في معادلة الحكم.

لكن اللعبةَ الأكثر فجاجةً كانت في 1989، حين اختُزلت الدولةُ في معادلةٍ وحيدة: الإسلاميون والجيشُ كيانٌ واحد، والحربُ على المواطنِ أصبحت معركةَ استئصالٍ مفتوحة.
هنا، بدأ الجيش في التحول إلى عصبةٍ متآمرة، حيث لم يعد مجردَ قوةٍ تحكم باسم الدولة، بل صار جهازًا أيديولوجيًا يعمل لتصفية أي مشروعٍ خارج ثنائية “الطاغية المخلص” و”العدو الوجودي”. كانت الإنقاذُ لحظةَ التحامِ القمعِ المقدسِ مع السلاحِ الدنيوي، حيث أصبح الوطنُ مجردَ ساحةٍ تُعادُ هندستها وفق أوهامِ البقاءِ الأبدي.

في تلك اللحظة، وُلدت المليشيات.

وجيف الخطى الأولى ظهرت في دارفور، حيث اختُزلت الدولةُ في معسكراتِ الموت، وتحولت الجيوشُ النظاميةُ إلى أشباحٍ تراقبُ المذابح من بعيد. ومن رماد الجنجويد، خرجت قوات الدعم السريع، كظلٍّ كثيفٍ لنظامٍ أفرط في صناعة الوحوش، حتى كادَ يُبتلع بها.
حميدتي، بائع الإبل الذي صعد من ثقافة الغزو البدائي، أصبح رجل الدولة بامتياز، في استعارةٍ فظةٍ لصعود العوامِ المسلحين في الإمبراطورياتِ الآفلة. هنا، لم يكن الصراعُ مجردَ لعبةِ سلطة، بل كان إعادةَ توزيعٍ للقوةِ خارج أطرها التقليدية، حيث أصبح الموتُ رأسمالًا قابلًا للمساومة، وصارت الحربُ استثمارًا مفتوحًا، بمدخلاتِ الذهبِ ومخرجاتِ الخراب.

حين انفجرت الحرب في 15 أبريل 2023، لم تكن سوى لحظةٍ حتمية في سياقٍ بدأ منذ أن تخلّى الجيشُ عن كونهِ مؤسسةً وطنية، وأصبح مجردَ أداةٍ لصناعةِ الطغاة. لكنها كانت أيضًا إعلانًا لانهيارِ النموذجِ نفسه، حيث لم يعد بالإمكان إخفاءُ هشاشةِ الدولةِ خلفَ أستارِ البيروقراطيةِ العسكرية. الجيشُ الذي كان يُراد له أن يكون درعَ الدولة، أصبح شبحًا يتآكل من داخله، والدعمُ السريع، الذي أُنشئ كأداةِ قمع، أصبح دولةً صغيرة داخل الدولة، حتى خرجت الأمور عن نطاق السيطرة.

لا شيء يعبر عن هذه اللحظة أكثر من أصواتِ الخرطومِ المنكوبة، حيث تحوّلت المدينة إلى أطلالٍ تتردد فيها أصداءُ الأسئلة التي لم تجد إجابة: من يحكمُ السودان؟ هل هو الجيشُ الذي صار ظلًّا لنفسه؟ أم المليشياتُ التي خرجت من رحمِ الفوضى وأصبحت القوةَ الوحيدةَ القادرةَ على فرضِ معادلاتها؟ أم أن البلادَ محكومةٌ بمنطقِ الحربِ الدائمة، حيث الدولةُ مجردُ مرحلةٍ عابرة بين معركتين؟

إذا كان ماركس قد تحدث عن “الدولة كأداةٍ للقمع الطبقي”، فإن السودان يقدم نموذجًا أكثر تعقيدًا، حيث الدولةُ لم تعد موجودةً أصلًا، والقمعُ أصبح مُوزّعًا بين عدةِ أقطابٍ، كلٌّ منها يحاولُ أن يؤسسَ روايتهُ الخاصة.
الأمر ليس صراعًا بين سلطةٍ وشعب، بل بين عدةِ سلطاتٍ، كلٌّ منها ترى في الشعب مادةً خامًا لإعادةِ التشكيل.

هذا ما يُفسرُ لماذا تحولت المليشياتُ إلى كياناتٍ اقتصاديةٍ ضخمة، ولماذا أصبح الجيشُ نفسه طرفًا في تجارةِ الحرب، حيث لا أحد يرغبُ في إنهاءِ النزاع، لأن النزاع ذاتهُ أصبح مصدرَ الشرعيةِ الوحيد.

لكن المأساةَ الحقيقية ليست في القتلةِ فحسب، بل في الذين ما زالوا يبحثون عن تبريرٍ أخلاقي لهذه الفوضى. هنا، تأتي السردياتُ التي تحاولُ اختزالَ الأمرِ في “حربٍ بين معسكرين”، وكأن هناك حقًا معسكرًا يمثلُ الشعب. الحقيقةُ أن الشعبَ السوداني، الذي ظلَّ لعقودٍ محاصرًا بين الطغاةِ والجلادين، لم يعد طرفًا في المعادلة. لقد صار مادةً للفرجةِ في مسرحيةٍ دمويةٍ تُعيد إنتاج نفسها بوجوهٍ مختلفة، لكنها تحتفظُ بالحبكةِ ذاتها: الوهمُ، القمع، ثم السقوط.

عبد الخالق محجوب، الذي قُتل لأنه رفض أن يرى في الجيشِ حليفًا، كان يُدركُ أن العسكرَ لا يصنعون الثورات، بل يُجهضونها. غرامشي، الذي تحدث عن “الهيمنة” كأداةٍ لصياغةِ الوعي، كان ليجدَ في السودانِ نموذجًا فريدًا لهيمنةٍ لم تُصنع عبر الأفكار، بل عبر الرصاص. وبين هذا وذاك، يظل المواطنُ السوداني، الذي اعتاد أن يكون مشروعَ شهيد، في انتظارِ أن يسألهُ أحدهم: متى تُريدُ أن تكونَ مواطنًا كاملَ الحقوق؟

لكن لا أحد يسألُ هذا السؤال، لأن في السودان، كما في كل الدول التي سقطت في قبضةِ العسكر، السؤالُ الوحيدُ الذي يُسمعُ دائمًا هو: لمن السلطة؟ وما دامت الإجابةُ تأتي بالسلاح، فإن المواطنَ لن يكونَ سوى صدىً للأقدامِ التي تجوبُ الخرطوم، بحثًا عن غنيمةٍ جديدة.

zoolsaay@yahoo.com  

مقالات مشابهة

  • ???? طرد المليشيا من الخرطوم يعنى طردها من كل السودان
  • مصادر تكشف عرض ترامب لـ”السودان” لتوطين اافلسطينيين
  • السفير الحارث: الحرب لن تتوقف إلا حين توقِف الإمارات دعمها لمليشيا الدعم السريع
  • ناشط سياسي يكشف أسباب إشعال الإمارات للحرب في جنوب السودان
  • مصادر سودانية تؤكد رفض الخرطوم تهجير فلسطينيي غزة إلى السودان
  • الموت بالوكالة: كيف صار الشعب السوداني رهينةً لسلطتين قاتلتين؟
  • رابطة مصنعي السيارات تكشف أسباب انخفاض الأسعار حتى 240 ألف جنيه
  • دعاة الحرب والقتلة- سخرية الأقدار في زمن الخراب السوداني
  • مصادر تكشف بنودا من الإعلان الدستوري المرتقب في سوريا.. هذا مصدر التشريع
  • الجيش السوداني يتقدم في محور وسط الخرطوم