سواليف:
2025-01-18@05:11:12 GMT

تأملات قرآنية

تاريخ النشر: 26th, July 2024 GMT

#تأملات_قرآنية

د. #هاشم_غرايبه

يقول تعالى في الآية 15 من سورة الحجرات: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ”.
جاءت هذه الآية تالية للآية التي تبين أن ليس كل من دخل الإسلام هو مؤمن، فالإيمان ليس بمجرد الانتساب الى الإسلام قولا بل تصديق بالأفعال، ولا تقية أو تكسبا، ولا هو بحكم الأمر الواقع كون المرء ولد لأب مسلم ويعيش في مجتمع مسلم.


وهذه الآية هي واحدة من أكثر من سبعين آية تحث على الجهاد وتعلي من قيمته، بل وتعتبره أحد أهم الفياصل التي تحدد صدق الإيمان.
من المهم التنبه الى ابتداء الآية بـ (إنما)، لأنه متى ما جاء النفي (ما) متصلا بالتوكيد (إن)، فيعني ذلك الحصر فيما تلاه فقط دون غيره.
وعليه فقد حصر الله المؤمن بالشخص الذي أدى المتطلبات الثلاث التالية مجتمعة:
1 – الإيمان بالله إلها واحدا لا شريك له، وقرن ذلك مع الإيمان برسوله محمد عليه الصلاة والسلام، مستخدما واو العطف التي تفيد المصاحبة على الدوام، مما يعني أن إيمان المرء بالله من غير الإيمان بما جاء به رسوله ناقض لإيمانه، ومبطل لاتّصاف المرء بالمؤمن أصلا.
من هنا جاء مسمى الدين بالإسلام، سواء ما جاء بالرسالة المحمدية أوما نزل منه بالرسالات السابقة، فلا يوجد مسمى الأديان في كتاب الله، بل جاءت لفظة الدين دائما بصيغة المفرد لتفيد أنه واحد، وبناء على ذلك فمن يقول (الأديان السماوية) فعقيدته زائغة يجب أن يصححها، فهنالك دين واحد دعا اليه جميع الأنبياء منذ نوح الى محمد عليهم الصلاة والسلام: “شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ” [الشورى:13] ، رغم أنهم جاءوا بشرائع سماوية متباينة قليلا لأنها خصصت لأقوام محددين وزمن محدد، لكنها جميعها نسخت بالشريعة التي أنزلها الله بالقرآن: “وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ” [المائدة:48].
2 – الشرط الثاني هو الثبات على العقيدة الإيمانية، ومقاومة كل ما يصرف عنها، اتباعا للشهوات والمغريات، أو التشكيك بها سواء جراء محاولات معادي منهج الله رد المؤمنين عن دينهم: “وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا” [البقرة:217]، أو بالاستماع لتشكيكهم واستطابته بسبب الهوى أو الجهل ونقص الثقافة، وخير وسيلة لتجنب الريبة والشك والتصدي لحربهم الفكرية، هي طلب العلم وسؤال أهله، فكلما ارتقى المرء علما وفهما تعمق إيمانه.
3 – الشرط الثالث هو الجهاد، وهو الفيصل العملي الذي يثبت مصداقية الإيمان، فالشرطان الأوليان نظريان متعلقان بالقناعة الشخصية الخفية على الآخرين، لكن الجهاد ممارسة منظورة لا تظاهر فيها.
السؤال المهم: لماذا قدم الله تعالى الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في جميع الآيات، مع أن من يضحي بنفسه يكون قد ضحى بكل شيء؟.
لعل الإجابة – والله أعلم – أنه تعالى يعلم ما سيكون حال المسلمين في قادم الأيام، صحيح أنه في زمن الدعوة تكون أهمية القتال عظيمة لأن الدعوة مستهدفة بالاجتثاث، والمؤمنون قلة، لكن الله العالم بالمستقبل قريبه وبعيده، يعلم أن الأمر سيستتب للدين، وسيبلغ مشارق الأرض ومغاربها، ولن يكون هنالك خشية على الدعوة، فستظل الى أبد الدهر تنمو وتتوسع، الخشية فقط على هيبة المسلمين وأمنهم في ديارهم.
وهذا مما أنبأ الله به رسوله الكريم، وبناء على ذلك جاء حديث تداعي الأمم عليهم رغم كثرتهم لكنهم غثاء، لأن ولاة أمورهم غلب عليهم الران وهو حب الدنيا والبقاء على الكراسي، لذلك لن يقيموا فريضة الجهاد بالنفس، وسيمنعون الجهاد بالمال موالاة للأعداء.
بالمقابل ستبقى طائفة متمسكة بالجهاد لا تنتظر دعما من هؤلاء ولا يضيرها من خالفوها.
هؤلاء تكفل الله بنصرهم على قلتهم وضعف حيلتهم، كما نصر الأوائل، لكنه من رحمته بالمؤمنين الصادقين المحرومين من القتال الى جانبهم أبقى لهم الجهاد بالمال.
وتكفل بإمداد مجاهدي القطاع المحاصرين، فهو يعمي العيون عن موصلي الأموال والعُدد الى المقاتلين رغم الحظر والرقابة، وهنالك كثيرون يخاطرون لإيصالها، وكثيرون في جميع أقطار الأمة لا يمكنهم الجهاد إلا بالمال، فيبحثون عن الموثوقين ليوصلوها.

مقالات ذات صلة لا أسى على الرئيس الأمريكي الراحل ولا خوف من القادم 2024/07/24

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: تأملات قرآنية

إقرأ أيضاً:

شقاوة العقل !

ذو العقل يشقى فـي النعيم بعقله، وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم. يأخذ بعض الناس هذا البيت أخذا فـي غير موضعه وفـي غير مكانه الصحيح؛ فمعناه الحقيقي هو أن العاقل العارف يشقى لا بمعرفته وعلمه، بل بما يعرف ويعلم من الأمور. فالمعرفة والعلم فـي أصلهما وأُسِّهما سعادة وبهجة ونور، ولكن المعرفة التي تجعل المرء يرى ما خلف الأبواب المغلقة، وما خلف الجدران والأغلفة تصيبه بالشقاء والتعب الذهني والبدني. أما الشطر الثاني فإن الجاهل يظن بأنه فـي خير عميم؛ لأنه يرى ما تحت قدميه -كما يقول الناس- فحسب، ولا يرى أبعد من ذلك. وأصل هذا الكلام حوار طويل مع صديق أخذنا النقاش فـي هذه الفكرة.

وذلك لأن مما يتردد على الأسماع قول البعض إن البؤس والشقاء رهينا الوعي، وأن المرء أجدر به أن يكون جاهلا مغيبا عن الواقع لا يعرف منه شيئًا أو يتألم بسبب معرفته تلك. ولكن هل لهذا القول وجه من الصواب؟ نعم، ولا. إن المعرفة الصحيحة هي أخت السعادة وربيبتها؛ فهي من تجعل المرء يقبل على الحياة إقبال المتفائل الواثق، ولا يعني التفاؤل بحال أن يكون المرء ناسيًا الواقع أو غافلًا عن إمكانية وجود المنغصات والكروب، إنما هو متفائل لعلمه بأسباب تلك المنغصات وبقدرة المعرفة على تخفـيف آلامه وتحسين حياته ونظرته إلى الأمور. أما قولنا بنعم؛ فهي للمعرفة التي يستعملها المرء كما يستعمل الطالب معلوماته للاختبارات وينساها فور انتهاء تلك الاختبارات وحصوله على النتائج، فهي معرفة آنية مؤقتة ذات مهمة منتهية. أو قد تكون تلك المعرفة منقوصة بها خلل فـي التأسيس أو غياب للمنطق.

إن العبارات التي نأخذها كمسلمات؛ لأنها نوع من الثقافة الشعبية المرتبطة بالأمثال والحكم، هي عبارات خطيرة بصدق. فـيمكن لعبارة صادقة حسنة أن تؤثر تأثيرًا طيبًا على متلقيها، فـيبذل فوق ما يستطيع بحماسة وإقبال منقطع النظير. ويمكن لعبارة هادمة هدَّامة أن تجعل ذلك المتلقي محطمًا لا يلوي على شيء، ولا يرغب بشيء، بل ربما ينعزل ويعتزل قائل العبارة والمحيط الذي قيلت فـيه.

العقل أداة فـي الإنسان ولأجل الإنسان، فإما أن تقوده إلى الهناء والسعادة أو الشقاء والتعب والنصب. ولأنه أداة، فهو قابل للتغيير والتغير، وقابل للفساد والإفساد على السواء، ففساده بمرضه أو بالمدخلات الخاطئة التي يقيس ويعتمد عليها فـي تعامله مع الحياة والناس. ولنتذكر قول الشاعر اللبناني الكبير إيليا أبو ماضي:

فَامْشِ بِعَقْلِكَ فَوْقَهَا مُتَفَهِّمًا

إِنَّ الْمَلَاحَةَ مِلْكُ مَنْ يَتَفَهَّمُ

فالعقل يقود المرء الواعي به، المدرك له إلى السعادة والنعيم، ويقوده إلى الجحيم إن أُهمل وطُرِح. وهذا يذكرني بتلك العبارة المتداولة أيضًا «العقل السليم فـي الجسم السليم» وهي منسوبة إلى غير واحد من اللاتينيين القدماء، أحدهم شاعر والآخر فـيلسوف، وبغض النظر عن القائل، فإن عبارته الدقيقة خلاصة حياة من التأمل والتجربة. فالعقل الذي يتغذى الغذاء السليم الطيب، لا ينتج إلا طيبًا جميلًا، والعكس بالعكس. لذلك لا يتعجب المرء حين يقابل اِمرَأً يحمل شهادة الدكتوراة أو بلغ الأستاذية ولكنه ضيّق الفكر والنفس، لا يعرف إلا تخصصه ولا ينتفع بعلمه فـي الخير. وهو ما تجلى على سبيل المثال فـي التاريخ الغربي القديم والمعاصر فـي أمثلة لا يجد المرء تفسيرًا منطقيًا لها. فكيف بفـيلسوف يتحدث عن الجمال والأخلاق والروح كهيجل ثم يرى أقواله وأفكاره عن العبودية؟ ومن يتخيل بأن يبرّر فلاسفة وأطباء وعلماء دين إبادة شعب كما يحدث فـي غزة اليوم رغم الصور والبيانات والمعلومات المتاحة التي لا تدع مجالا للبس أو الشك! ليست المعرفة ولا العلم من يجعلان المرء شقيا إذن، بل الكيفـية التي يرى بها الأمور والعقل الذي يعالج به معترك الحياة وما يطرأ فـيها وعليها.

مقالات مشابهة

  • المفتي: الرحمة الإلهية مشروطة بالتقوى والصدق في الإيمان.. فيديو
  • مفتي الجمهورية: الإيمان بالله أساس مشترك بين الأديان السماوية.. فيديو
  • إمام المسجد النبوي: هذه الآية تختصر مسار الحياة في كلمات بليغة ومعانٍ عميقة
  • روايات مصرية للجيب تطرح «تأملات في أسماء الله الحسنى» لوجيه يعقوب بمعرض الكتاب
  • "تأملات في أسماء الله الحسنى" لوجيه يعقوب بمعرض القاهرة للكتاب
  • حفظ العهد من الإيمان
  • سنة التدافع وحكمة القصص القرآني.. تفسير الآية 252 من سورة البقرة
  • شقاوة العقل !
  • ‏"أ ف ب": وفد من حركة "الجهاد" في الدوحة للمشاركة في التفاصيل النهائية لاتفاق وقف النار وتبادل الأسرى