أكلوا أوراق الشجر.. شبح الجوع يحاصر مواطني جنوب كردفان
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
كردفان- تفاقمت معاناة مواطني ولاية جنوب كردفان بسبب توقف تدفق الإمدادات الغذائية والدوائية إلى الولاية، وذلك بعد إغلاق الطرق الرئيسية نتيجة تمدد الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من جهة، واندلاع اشتباكات بين الجيش والحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال بقيادة عبد العزيز الحلو من جهة أخرى.
وقال مواطنون في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان، إن الأوضاع باتت حرجة جدًا في ظل الحصار المفروض عليهم من قبل الدعم السريع والحركة الشعبية، ووفقًا لمواطن بالمدينة فضل عدم ذكر اسمه لدواعٍ أمنية، صارت أوراق نبتة تسمى (عرق النبي) وجبة رئيسية لمعظم سكان المدينة، حيث يتم طبخها على النار دون ماء، وتترك لتنضج على البخار، وتخلط مع زبدة الفول السوداني.
وفي حديثه للجزيرة نت، قال إن أكثر من 20 طفلًا ماتوا جوعًا في أحياء الدلنج في الفترة ما بين شهر مارس/آذار وحتى يونيو/حزيران، إلى جانب وفاة 11 من كبار السن بينهم رجال ونساء، بينما يعاني الأطفال والنساء في مراكز الإيواء في المدينة من سوء التغذية، ولا توجد إحصاءات دقيقة حول وفيات الأطفال في مستشفى المدينة الناتج عن سوء التغذية.
الموت جوعافي منتصف يوليو/تموز الجاري قالت الحملة القومية للتضامن مع المحاصرين في جبال النوبة بولاية جنوب كردفان إن المنطقة أصبحت "شبة معزولة تمامًا"، ويعاني الناس فيها الحرمان من جميع مقومات الحياة، أو ارتفاع أسعارها بشكل يصعب على السكان الحصول عليها.
ومنذ يناير/كانون الثاني الماضي يعتمد مواطنو الدلنج على الطاقة الشمسية بشكلٍ كُلي، بسبب انقطاع التيار الكهربائي وارتفاع أسعار الوقود الذي يحول دون قدرة المواطنين على تشغيل المولدات، كما تشهد أحياء في ولاية جنوب كردفان أزمة في المياه.
وقالت سارة أحمد (اسم مستعار) إن الطرق التي تمر عبرها البضائع للولاية مغلقة، واتهمت الحركة الشعبية بقيادة الحلو بوضع نقاط تفتيش ومنع دخول الذرة والبضائع لمدينة الدلنج، ونهب التجّار ومصادرة بضائعهم.
كما أدى حصار الدعم السريع إلى عرقلة وصول المساعدات الإنسانية، وقالت سارة إن آخر قافلة للإغاثة توقفت في منطقة "حجر جواد" بولاية جنوب كردفان، وأضافت "نفدت المؤن الغذائية والأدوية، الناسُ جياع في جنوب كردفان، يموت الأطفال والنساء قبل أن نتمكن من توفير الطعام لهم".
دشنت اللجنة العُليا للتضامن مع المحاصرين في جبال النوبة مشروع مطابخ النفير لإطعام المحاصرين، ابتداءً من مدينتي الدلنج وكادوقلي، واستهدفت اللجنة في بداية حملتها 1500 طفل في القطاع الشمالي بمدينة كادوقلي.
وقال رئيس لجنة مطبخ نفير فخر الدين أحمد، للجزيرة نت، إن مواطني جنوب كردفان يعانون من ظروف قاسية في ظل الحصار المضروب على شمال الولاية من قِبل الدعم السريع، ومن الاتجاه الجنوبي والشرقي من قِبل قوات الحركة الشعبية بقيادة الحلو التي منعت دخول أي مساعدات إنسانية أو بضائع تجارية، مما فاقم من أوضاع توفر الغذاء.
وأضاف أن أسعار السلع الغذائية التي تأتي من جنوب السودان ارتفعت، ويصعب على مواطني الدلنج وكادوقلي شراؤها في ظل انعدام مصادر الدخل، أما عن الوضع الصحي فقال "يعاني مرضى الكلى بالمستشفيات في ظل نفاد الأدوية المنقذة للحياة، ونخشى من وقوع كارثة صحية مع إصابة الأطفال وكبار السن بسوء التغذية الحاد".
وفي مايو/أيار الماضي فشلت مفاوضات جرت بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية بقيادة الحلو في جوبا حول إيصال المساعدات الإنسانية، حيث قدم وفد الجيش السوداني مقترحا لإيصالها إلى 3 ولايات، هي جنوب كردفان وغرب كردفان والنيل الأزرق، ووقف الأعمال العدائية، بينما تحفظت الحركة الشعبية وقالت إنها ترفض مبدأ التجزئة في مناقشة القضايا الإنسانية في السودان.
وفي يونيو/حزيران حذَّر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، من خطر المجاعة في 14 منطقة بأنحاء السودان، تشمل أجزاء من العاصمة الخرطوم، دارفور، كردفان، وولاية الجزيرة، وقال التقرير إن نحو 755 ألف شخص في السودان يواجهون "وضعًا كارثيًّا" يصنف كأحد أسوأ مستويات الجوع الشديد.
ويعاني نحو 18% من السكان نقصا في الغذاء، قد يُسفر عن سوء تغذية حاد ووفاة. ووفقًا للمنظمة فقد تضاعف عدد الأطفال السودانيين الذين يواجهون نقصا حادا في الغذاء خلال 6 أشهر، حيث يعاني حوالي 75% من الأطفال الآن من الجوع يوميا.
يُذكر أن جنوب كردفان ظلت بؤرة للتوتر وشكلت أحد التهديدات الرئيسية بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان في الحرب الأهلية عام 1983، وانتهت بتوقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005.
كما تقاتل الحركة الشعبية لتحرير السودان-قطاع الشمال بقيادة عبد العزيز الحلو- الحكومة السودانية جنوب كردفان منذ يونيو/حزيران 2011، وتسيطر الحركة على أجزاء من المنطقة تطلق عليها اسم "المناطق المحررة" وتعدّ مدينة كاودا هي عاصمتها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات والحرکة الشعبیة الحرکة الشعبیة الدعم السریع جنوب کردفان سوء التغذیة
إقرأ أيضاً:
السودان الجديد وصورة دوران قري (1-2)
ملخص
(لم تكن دولة جنوب السودان التي تحكمها حركة سياسية، وُلد مبدأ السودان الجديد في رؤاها وممارستها، عند توقع جماعة نيروبي. فانقدحت فيها في الثامن من مارس (آذار) الجاري شرارة الحرب بين رئيس الجمهورية سلفا كير ونائبه رياك مشار حتى قال معلق إن "جنوب السودان عاد لصراع القوى المستهتر الذي انقض ظهر البلد في الماضي". وأنذر المعلق باندلاع الحرب الأهلية الرابعة منذ استقلال أحدث دول العالم).
قدمت المنظمات السودانية التي اجتمعت في نيروبي في منتصف فبراير الماضي لإنشاء حكومة بديلة لـ"حكومة بورتسودان"، نفسها على أنها التجسيد التاريخي للسودان الجديد الذي هو رؤية الحركة الشعبية لتحرير السودان، العقيد جون قرنق، لدى قيامها عام 1983. وما لبثوا إلا قليلاً حتى أخرجت دولة جنوب السودان، مصنع فكرة هذا السودان الأول، أثقالها وقال العالم مالها. وظلل خطاب السودان الجديد اجتماع نيروبي في مثل قولهم "وجوب مخاطبة جذور أزمة السودان" و"التزام التنوع التاريخي والمعاصر" الراجعة للعقيد جون قرنق (توفي في 30 يوليو عام 2005) قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان. وصدح الحضور بشعار مبتكر وهو "سودان قديم يتحطم وسودان جديد يتقدم".
ولم تكُن دولة جنوب السودان، التي تحكمها حركة سياسية وُلِد مبدأ السودان الجديد في رؤاها وممارستها، عند توقع جماعة نيروبي. فانقدحت فيها في الثامن من مارس الجاري شرارة الحرب بين رئيس الجمهورية سلفا كير ونائبه رياك مشار حتى قال معلق إن "جنوب السودان عاد لصراع القوى المستهتر الذي انقض ظهر البلد في الماضي"، وأنذر المعلق باندلاع الحرب الأهلية الرابعة منذ استقلال أحدث دول العالم لأنه لا سلفا كير ولا مشار، ممن بينهما ما صنع الحداد، من سيأتي بالأمر إلى بر آمن. ووجهت الأمم المتحدة موظفيها بمغادرة البلد إلا من القائمين بأحوال الحرج والطوارئ لأن "تدهوراً منذراً قد يمسح بالأرض سنوات من التقدم المحرز بعسر شديد في جنوب السودان". وكان الجيش الأبيض، المنسوب لشعب النوير، الجماعة الأغزر عدداً ومنهم مشار بعد شعب الدينكا الذين منهم سلفا كير، استولى على حامية الناصر في ولاية أعالي النيل. فحاصرت الحكومة بيت مشار في جوبا وآخرين من جماعته بمن فيهم نائب رئيس هيئة أركان الجيش جبرائيل ديوب. وخشي الناس أن تؤدي تلك المواجهات إلى دورة جديدة من الحرب الأهلية التي بدأت عام 2013 لأربع سنوات وحصدت 400 ألف ضحية.
واندلعت تلك الحرب على خطوط إثنية، دينكا ونوير، بعد اتهام سلفا كير لمشار بالتدبير للانقلاب عليه وأخذ مقاليد الحكم. وهرب مشار من جوبا وكاد أنصاره أن يستولوا على جوبا لولا تدخل قوات أوغندية خاصة كما فعلت منذ أيام دعماً لسلفا كير بحسب تصريح قيادة الجيش الأوغندي. وكانت قوى إقليمية وغربية حملت الزعيمين للصلح باتفاق سياسي عام 2018 تضمن عقد انتخابات عامة ظلت تؤجل وآخر موعد مضروب لها هو عام 2026. ولم يتقدم الطرفان في تنفيذ الاتفاق وخرق كل منهما وقف إطلاق النار مرات، وكانت أكبر عقبات تنفيذ الاتفاق دمج جيشي الرئيس ونائبه. وهذا سودان جديد يتحطم.
دوريان قري
بدا من فرح اجتماع نيروبي بـ"السودان الجديد"، وهو على ما رأينا منه مطبقاً (أو منسياً) في جنوب السودان كمثل علاقة دوريان قري وصورته في الرواية المشهورة للكاتب الإنجليزي أوسكار وايلد. فاختار دوريان قري لصورته أن تأخذ عنه وطء اطراد العمر ووخطه بالتجاعيد وخطاياه في حين يبقى هو شاباً نضراً عظيم الحلاوة. وبالمثل اختار الهامش ومناصروه أن يبقوا على وسامتهم السودانية الجديدة كما في مؤتمر نيروبي بينما تشيخ صورة السودان الجديد في جنوب السودان وتذبل.
فليس من بين من تصارخوا للسودان الجديد في نيروبي من لم يكن ضحية له بصورة أو أخرى. وأشهر ضحاياه هو عبدالعزيز الحلو قائد "الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال" التي كانت جزءاً عضوياً في الحركة الشعبية الجنوبية قبل انفصال جنوب السودان عام 2011. فلم يمنح اتفاق السلام الشامل الذي عقد بين حكومة السودان والحركة الشعبية (2005) مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق، مناطق نفوذ الحلو، ما انعقد لجنوب السودان وهو ألا يخضع لأحكام الشريعة الإسلامية وحق تقرير المصير. وكانت حجة الحكومة أن المنطقتين واقعتان في حدود شمال السودان منذ استقلاله عام 1956 ويجري عليهما ما يجري عليه. ولما جعلت الحكومة استفتاء المنطقتين عن مصائرهما خطاً أحمر تكون به المفاوضات أو لا تكون، تنازل قرنق متحرجاً. ووجدت الدبلوماسية النرويجية التي شاركت في مفاوضات السلام السودانية ودونت مجرياتها في كتابها "شن السلام في السودان" هيلدا جونسون أن قرنق كان في حال حرج لخذلانه رفاق السلاح. فاقترحت عليه منح المنطقتين ما عرف لاحقاً بـ"المشورة الشعبية" التي قالت إنها مستمدة من تجربة تيمور الشرقية مع إندونيسيا. وبمقتضاها لا يسقط عن المنطقتين حق الانفصال فحسب، بل تطبق الشريعة الإسلامية فيهما كذلك. وتعويضاً لهما عن الفقد ستكون لمجالس المنطقتين النيابية الشورى في مدى التزام الحكومة ما اتفقت عليه حيالهما في اتفاق السلام الشامل. ومن حق تلك المجالس أن تقرر، على ضوء جردها لما تحقق من ذلك الالتزام، إن كانت سعيدة بسجل الحكومة في الخصوص أو أن تعطل اتفاق السلام معها، وتطلب الاستفتاء المؤدي إلى الانفصال. وتركوا كل ذلك لزمانه ومكانه تحت الحكومة الانتقالية التي سيكون للحركة الشعبية فيها حظ كبير. وفسدت خطة "المشورة الشعبية" واندلعت الحرب بين الحركة الشعبية والحكومة مجدداً. وهذا قبح في السودان الجديد تنكر فيه لمقاتلي النوبة الذين لم يدخروا وسعاً في حرب الحكومة كتفاً لكتف مع الجنوبيين.
حق تقرير المصير وسياسة الإقصاء
ولم يحسن السودان الجديد، لا ل"حزب الأمة"، ولا "الاتحادي الديمقراطي" ولا "مؤتمر البجا" التي وقّع عنها في "تأسيس" (في مؤتمر نيروبي) من طعن آخرون في شرعية تمثيلهم لهذه الجماعات التي كانت اجتمعت عام 1991 مع "الحركة الشعبية" في التجمع الوطني الديمقراطي المعارض لـ"دولة الإنقاذ". وبلغ من حلفها معه أن تبنى "التجمع" حق تقرير المصير بصور مختلفة للجنوب وجبال النوبة والنيل الأزرق. ولكن ما جاء وقت التفاوض بين الحركة والحكومة عام 2002، الذي انتهى إلى اتفاق السلام الشامل عام 2005، حتى اقتصر التفاوض عليهما من دون التجمع حتى يتفقا على شيء في مسألتهما ثم يعقد مؤتمر دستوري ينظر في مسألة حلفاء الحركة. ولم يتفق ذلك التدبير للتجمع وساءه استبعاده من مفاوضات هو في صميمها. وسمى الكاتب والوزير منصور خالد تململ "التجمع" لإقصائه من المفاوضات "غيرة سياسية". فالقضية في مفاوضات الحكومة والحركة هي الحرب والسلام، والتجمع ليس جزءاً منها (الاتحاد الظبيانية 7 أغسطس 2002).
ونواصل
ibrahima@missouri.edu