عندما حصل الأديب التركي أورهان باموق على جائزة نوبل للآدب في عام 2006 عن رواية "جودت بيك وأولاده"، لم يكن عمره قد تجاوز الـ54، لكنه كان ثاني أصغر فائز على الإطلاق بعد الكاتب والشاعر البريطاني رديارد كيبلينغ، وهو في عمر الـ41.

في حيثيات تلك الجائزة، ذكرت لجنة نوبل أن باموق اكتشف رموزا جديدة للصراع والتداخل بين الثقافات، "أثناء بحثه عن الروح الكئيبة لمدينته الأصلية، وما تحتويه من توترات عميقة الجذور بين الشرق والغرب، وبين التراث والعلمانية"، وهي الفكرة الرئيسية التي تتقاطع في العديد من أعمال باموق.

وتضيف لجنة الجائزة أنه "في بحثه هذا اكتشف باموق رموزا جديدة لتصادم الحضارات وتضافرها".

وكان باموق قد اختزل بروايته "جودت بيك وأولاده" 3 أجيال بأحداثها ومتغيراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليتنقل بالقارئ من عصر إلى عصر، ومن حقبة إلى 3 حقب متعاقبة.

فقد بدأت الرواية التي تقع في 700 صفحة، في مطلع القرن الـ20، حيث شهدت عائلة جودت بيك، الدولة العثمانية وسقوطها، وقيام الجمهورية التركية وحياة مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك، لتشهد تلك العائلة، وفاته، ثم تنطلق الرواية إلى حقبة السبعينيات، والانقلابات العسكرية التي شهدتها، وما حدث بعدها، من تغيرات سياسية واقتصادية واجتماعية.

ويتميز باموق بالسلاسة في حياكة خيوط الحياة السياسة التركية الحديثة، وعلى الرغم من أن بعض أشهر رواياته، تبدأ في تاريخ تركيا البعيد والأكثر حداثة، فإن كتاباته باتت معروفة، بقدرتها على إثارة الذكريات والعواطف، والسعي لاستكشاف الماضي والحاضر.

بيد أن باموق كثيرا ما تحدث عن فكرته الأساسية، تلك التي يرى من خلالها، أن تركيا أضحت ملحقة بالعالم المتمدن، وأن الأدب التركي لن يصبح أدبا مهما كالأدب الغربي، لأنه لا يوجد اهتمام بالثقافة والأدب والفنون في تركيا، بحسب رأيه.

ترجمة عربية لرواية أورهان باموق "جودت بيك وأبناؤه" (الجزيرة)

 

 من العثمانية إلى الغرب

تزخر روايات باموق بعناصر من حياة المؤلف وتطور تركيا على حد سواء. روايته الأولى "جودت بيك وأبناؤه" تروي قصة الأجيال الثلاثة التي تنتمي إلى إحدى العائلات الثرية التي تعيش في حي نيشان تاشي، وهو الحي الذي يقطنه باموق. والذي كانت عائلته قد تحمّلت كثيرا من التغييرات التي اجتاحت تركيا في السنوات الأولى من القرن الـ20. وبعد أن كانت هذه العائلة ثرية، باتت تسعى مع ظهور الجمهورية التركية إلى مظاهر الحياة الغربية.

وضمن أحداث رواية جودت بيك، هناك عديد من العناصر، التي تتصارع من بينها الشعور القومي، والتأثر بالغرب، وهناك أيضا الأفكار الصوفية، التي ظلت تتلاعب بأبطال الرواية، وتدفع الأبطال الرئيسيين إلى المعاناة من ضغط الواقع. فهناك على سبيل المثال "عمر" الذي كان يعتبر نفسه أحد الفاتحين، بعد أن تحول إلى ثري بائس، ونسي ثورته التي كان يحدوها طموح عارم للتغير. وهناك "وفيق" التاجر الذي انحاز إلى عزلته، تاركا عمله، ثم انفصل عن زوجته. وهناك أيضا "محي الدين" -الشخصية الثالثة- الذي كان نموذجا للشخص الباحث عن حقيقته الضائعة، وهذا الشخص الشاعر عندما يصدر ديوانا لا يترك أي صدى، سرعان ما يمضي في اتجاه آخر، وينضم إلى حركة القوميين الأتراك.

وتتهاوى أحلام شخصية مثل جودت الذي يعمل بالتجارة، ولكنه يشعر بالغربة بسبب سيطرة اليهود والأرمن على التجارة في تركيا. ومن هنا تتداعى أحلام جودت التي تمثلت في توسيع أعماله في بيع الخردوات. بعد أن كان قد فقد عائلته منذ صغره، حيث توفى والده ولحقته أمه، في حين قرر شقيقه "نصرت" الهروب من تركيا إلى فرنسا، ليعيش في مجتمع أكثر انفتاحا، ولكنه بعد مرضه يعود مرة أخرى إلى تركيا.

أورهان باموق في متحف البراءة الذي يجسد إحدى رواياته (الأناضول)

هنا يعقد باموق مقارنة من خلال الحوار، بين جودت ونصرت تجسد الاختلافات داخل المجتمع، فجودت لا يهتم بأي شيء يحدث في المجتمع على صعيد السياسة الذي وجد نفسه واحدا منها بعد أن طلب الزواج من ابنة شكرو باشا "نيجان"، وهو أحد الوزراء السابقين، على عكس شقيقه "نصرت" الطبيب الذي درس الطب في إحدى الكليات العسكرية، ثم ترك الطب، واتجه إلى السياسة.

وفي أتون الصراع السياسي، تبدأ وقائع وأحداث الرواية، وعبر السرد التقليدي الذي يعتمد على الوصف والتفصيلات الجزئية، نتعرف على "جودت بك" الذي أصبح عميدا لأسرة التجار في إسطنبول، والذي سوف تتابع الرواية حياته وطموحاته، حتى الجيل الثالث من أحفاده، في نسق بنائي تتداخل فيه أحداث وتطورات الواقع التركي السياسي والاجتماعي، في مصائر الشخصيات الرئيسية والثانوية. فيقدم باموق نماذج نمطية لجيل هذه الفترة من حياة تركيا الحديثة، مجسدا في 3 زملاء هم المهندس "عمر" العائد من دراسة وعمل في أوربا، والمهندس الحالم "رفيق" ابن جودت بك، والمهندس الشاعر "محيي الدين".

لكن باموق في بنائه لهذه الأنماط، لم يعطنا سوى هياكل مجردة تزينها عبارات من البلاغة اللفظية، دون أن يفعل ما سبق أن فعله كبار الروائيين الواقعيين الذين ابتكروا مصائر لنماذج رجال ونساء من لحم ودم.

 صعود وهبوط

في رواياته، حاول "باموق" أن يقدم صورة بانورامية للحياة في تركيا منذ أوائل القرن الـ20 وحتى حقبة السبعينيات.. وقد تأثر في هذا النوع من الروايات الملحمية بالروائي جون جالزورذي الذي كتب "ملحمة أسرة ال فورست"، وتوماس مان في روايته "ال بادنبرك"، غير أن هناك تشابها بين رواية "جودت بيك" وتصويرها للأجيال والتاريخ التركي، مع ثلاثية نجيب محفوظ، فثمة قرابة بين فهم وطموح الكاتب لتصوير ملحمة الصعود والسقوط لحياة طبقة وأسرة من التجار، ورصد الأخلاق والعادات لطبقة البورجوازية، في حركة الصعود والتحول الثوري.

وهنا تظهر العديد من أوجه التشابه بين تناول باموق للمدينة، وما كتبه نجيب محفوظ من خلال أعماله عن المدينة أيضا، التي تبدو غالبية رواياته، بمثابة تأريخ حقيقي للقاهرة.

وهنا يعلق أورهان باموق على ما يقال من أنه تشابه مع ثلاثية محفوظ، قائلا:

"أحببت الثلاثية وتأثرت بها، وأظن أن التشابه قد يتمثل في الشخصيات وعلاقاتها بالمكان والأحياء والشوارع وحكايات النساء، لكن رواياتي تحمل أوجه التناقض بين التراث الديني والثقافي والرغبة في التجديد. ولكن الأمر أكثر عمومية من هذا، يشغلني تحول حياة العائلات الكبيرة حيث يتعايشون سويا كما لو كانوا جماعة موحدة، ثم تتفتت الأسرة وتنتقل من البيت الخشبي التقليدي إلى مساكن متفرقة في بناء موحد.. كل هذا يشكل عالمي الروائي الذي ربما يشبه محفوظ، لكنه يختلف عنه".

وعندما يكتب باموق عن إسطنبول، يواصل طرح سؤاله الأهم: هل يستطيع الشرق والغرب أن يتعايشا سويا، ولا يكف عندئذ عن رواية حكايات متشابكة، لأبطال من كل الطبقات والأزمنة، وهو ما يدفع بعض النقاد إلى القول إن رواية جودت بيك التي كتبت في سبعينيات القرن الماضي، كانت تحاكي روايات دستوفسكي، لأن الأبطال يفكرون كثيرا، وكل واحد منهم يريد أن يتطور كي يرضى عن نفسه. وقد يبدو الحنين إلى الماضي هاجسا يشغل باموق، في حين لا يحبذ كتاب آخرون ذلك، وهو ما كان قد عناه باموق، حين قال إن "فكرة الحنين للماضي ليست منبوذة، لكنها تعطي أحيانا انطباعا بالتشاؤم، لأنها توحي بفقدان الأمل في المستقبل، ولكنها إن وُظفت بطريقة صحيحة في الكتابة، فإنها ستكون جيدة، لأنها أيضا تحمل جانبا يثور على الحاضر متمسكا بالماضي، فهي ليست مرفوضة بالنسبة لي، وكلنا متفقون أن الحياة السياسية والدينية والكرامة الإنسانية كانت أفضل في الماضي".

حقيبة الأب

في كلمته، التي ألقاها في حفل الأكاديمية، لحظة تسلمه جائزة نوبل، يفتتح باموق خطابه بالحديث عن حقيبة والده التي ظلت تحتشد بدفاتر كتبها خلال حياته الطويلة، وعزلته في فنادق باريس، هذه الحقيبة المكتظة بما خطه الأب من أفكار وتأملات وأشعار، لم تكن سوى الرمز إلى التاريخ العثماني، أو التاريخ التركي الجديد الذي يشكل ردا على التاريخ العثماني، وذلك لأن باموق يتخوف من فتح هذه الحقيبة، لأنه إن قام بفتحها، سوف تأخذه إلى عوالم جديدة، قد تغير نظرته إلى أبيه.

وهو هنا يشير إلى ذلك، حين يقول واصفا حقيبة الأب "هي من جلد جيد، وأقفالها بادية وقوية، وحين أفتحها تخرج منها رائحة الكولونيا، والأشياء الغريبة التي كان يعود بها الأب من أوربا! ملمحا للتاريخ العثماني، حين يتحدث عن ما تحت الروائح الجميلة، لعله مظالم".

عادات الكتابة

"ما زلت أكتب بخطّ اليد. إنها عادتي الخاصّة، والمحبَّبة إلى قلبي، فأنا عاشق للورقة، والقلم، ورائحة الحبر، يعطيني ذلك دفعة قويّة للكتابة، ويلهمني كثيرا". هكذا قال باموق ردا على سؤال كان يعني بعاداته أثناء الكتابة.

ويضيف باموق "ظللت أكتب على ورق الرسم البياني. في بعض الأحيان أتصور أن السبب في ذلك، هو أن هذا الورق يناسب طريقتي في الكتابة، وفي أحايين أخرى أتصور أن السبب هو أنني عرفت في تلك الأيام، أن اثنين من كتابي المفضلين، هما توماس مان وجان بول سارتر، يستعملان هذا النوع من الورق".

أسباب الكتابة

أمام الذين شاركوا في احتفالية أكاديمية نوبل بمنح جائزة نوبل لأورهان باموق، واصل خطابه وراح يقول "كنت أكتب روايتي الأولى "جودت بيك وأبناؤه"، التي استغرقت 4 سنوات لإكمالها، ومع كل وقفة كنت أنهض من أمام الطاولة، وألقي نفسي بيأس على الديوان، في الغرفة المعبأة بالدخان، وأعود إلى قراءة تلك الحوارات، مع فوكنر وهيمنغواي ونابوكوف، محاولا أن أسترد إيماني بالكتابة، وأن أعثر مجددا على دربي.

بعد ذلك، يقول باموق إنه تخلص من إرث أبيه وحقيبته، ثم يصارحهم بما يجول في نفسه من أسئلة منها لماذا يكتب؟ ولماذا الأدب؟

ويرد باموق قائلا "أكتب لأنني لا أستطيع مزاولة أي عمل غير الكتابة! ولكي تصير كتابتي كتبا أعود إليها من أجل قراءتها، ولأني معجب بفكرة أنني مقروء، ولإيماني بخلود الكتب، ولكي أترجم جمال الحياة، وحتى أكون سعيدا، وأكتب أيضا لكي يقول لي أبي (ستصبح باشا)، لكن أبي رحل منذ 4 سنوات، ولكَم تمنيت لو أنه كان معي الآن.. في هذا الاحتفال ليقول لي أمامكم: لقد (أصبحت باشا) يا ولد!".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات بعد أن

إقرأ أيضاً:

السفينة «سلطانة».. رحلات دبلوماسية تربط الشرق بالغرب

بين عامي 1838 و1842م مرت عُمان بفترة مهمة برزت فيها قوتها البحرية والدبلوماسية. كان الملاحون العمانيون يتمتعون بمهارات فائقة، ليس فقط في التجارة الدولية بل أيضًا في إقامة العلاقات الدبلوماسية مع القوى العالمية. وفي هذه الفترة القصيرة، استطاع السيد سعيد بن سلطان أن يؤسس روابط دبلوماسية مع بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وأرسل سفراء إلى كل من لندن ونيويورك، مما جعل هذه الأعوام نقطة بارزة في تاريخ عُمان البحري والدبلوماسي.

كانت السفينة «سلطانة»، التي لعبت دورًا مهمًا في هذه العلاقات، قد بنيت عام 1833م في حوض مازاجون لبناء السفن بمدينة بومباي. وبلغت حمولتها 312 طنًا، وكانت مصممة على الطراز الأوروبي، مزودة بـ14 مدفعًا وثلاثة صواري تحمل أشرعة مربعة. جرى تعديل السفينة لاحقًا في بومباي ومطرح لإضفاء الطابع العماني عليها. صُورت «سلطانة» في مناسبتين: الأولى خلال تفريغ الهدايا المرسلة للملكة فيكتوريا، والثانية في لوحة للرسام الأمريكي موني، التي تصور السفير أحمد بن نعمان الكعبي.

بدأ اهتمام الولايات المتحدة بعمان في التنامي مع تزايد النشاط التجاري في زنجبار، التي كانت تحت سيطرة السيد سعيد. منذ عام 1830م، اتخذ السيد سعيد زنجبار مقرًا له، وكان يعلم أن ازدهار عمان يعتمد على استقرار ممتلكاته في شرق إفريقيا. وبالتالي، خصص الكثير من جهوده لتعزيز الأمن والاستقرار هناك منذ عام 1828م. كانت الولايات المتحدة واحدة من الدول الغربية التي سعت إلى علاقات متينة مع عُمان، وعُقدت معاهدة صداقة وتجارية بين السيد سعيد والولايات المتحدة في عام 1834م. ونتيجة لهذه المعاهدة، عُين ريتشارد ووترز كأول قنصل أمريكي في زنجبار عام 1837م، أي قبل وصول القنصل البريطاني الأول بأربع سنوات.

كان التجار الأمريكيون يجلبون بضائع متنوعة إلى زنجبار، مثل الأقمشة القطنية، والأدوات المنزلية، والأسلحة، والبارود، وكانوا يشترون بالمقابل صمغ الكوبال، وجوز الهند، والقرنفل، والعاج. وقد هيمن الأمريكيون على تجارة العاج، حتى أنهم جعلوا التجار البريطانيين يشتكون من احتكارهم للسوق، مما دفع البريطانيين إلى تعيين أول قنصل لهم في زنجبار، أتكنس هامرتون، عام 1841م.

على الجانب الآخر، كانت العلاقات بين السيد سعيد والحكومة البريطانية قائمة على أسس رسمية. ورغم توتر هذه العلاقات أحيانًا، أهدى السيد سعيد الملكة فيكتوريا سفينة بـ74 مدفعًا تُدعى «ليفربول» عام 1837م، وردت الملكة باليخت الملكي «برنس ريجنت». بعد وفاة الملك وليام الرابع، أرسل السيد سعيد بعثته الدبلوماسية الأولى إلى الملكة فيكتوريا في لندن. وكان علي بن ناصر، والي ممباسا وقريب السيد سعيد، هو مبعوثه، محملًا بهدايا ثمينة، إلا أن المكاسب الدبلوماسية التي حققها كانت محدودة، رغم الاحترام الذي حظي به.

في عام 1840م أبحرت السفينة «سلطانة» في رحلة تاريخية إلى نيويورك بقيادة أحمد بن نعمان الكعبي، الذي اختاره السيد سعيد لتمثيله. كانت هذه الرحلة الأولى من نوعها لسفينة عربية إلى الولايات المتحدة. أبحرت «سلطانة» من زنجبار، محملة بسلع متنوعة وهدايا للرئيس الأمريكي مارتن فان بيورين، بما في ذلك خيول، وأحجار كريمة، وذهب، وعطور. استغرقت الرحلة 87 يومًا، مرّت خلالها برأس الرجاء الصالح وتوقفت مرة واحدة في سانت هيلانة.

عند وصولها إلى نيويورك، أثارت البعثة اهتمام الصحافة الأمريكية. استُقبل أحمد بن نعمان ومساعداه بحرارة، وزاروا معالم نيويورك، مثل محطات السكك الحديدية وحوض بناء السفن. كما أقيمت لهم مآدب رسمية، وتولت الحكومة الأمريكية إصلاح السفينة على نفقتها. بعد انتهاء الزيارة، بيعت السلع التي حملتها «سلطانة»، واشترت سلعًا للرحلة العودة، مثل البنادق المزخرفة والأدوات المنزلية.

ورغم أن أحمد بن نعمان لم يحمل معه أوراق اعتماد رسمية كسفير، فقد سلم رسالة السيد سعيد بن سلطان إلى الرئيس الأمريكي، الذي رد برسالة ودية وهدايا ثمينة عبارة عن زورق فخم مؤثث ومرآتين كبيرتين وشمعدان دقيق الصنع في غاية الإبداع مع مسدسات تدور ذاتيا ومتعددة الطلقات نقش عليها باللغة العربية «من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية إلى سلطان مسقط وعمان» وإحدى هذه القطع معروضة بالمتحف الوطني بمسقط وكذلك بنادق صيد متطورة، والأهم من ذلك رسالة معبرة تفيض بالثناء والعرفان للسيد سعيد بن سلطان آل سعيد سلطان مسقط وزنجبار من الرئيس الأمريكي..بعد ذلك، غادرت «سلطانة» نيويورك في أغسطس 1840م، وعادت إلى زنجبار في ديسمبر، بعد رحلة شاقة توقفت خلالها مرة واحدة.

وفي عام 1842م قامت «سلطانة» برحلة دبلوماسية أخرى إلى لندن، حاملة السفير علي بن ناصر. حمل السفير رسائل إلى اللورد أبردين والملكة فيكتوريا، إلى جانب هدايا فاخرة. ورغم أن السفير علي بن ناصر لقي استقبالًا حافلًا، إلا أن النتائج الدبلوماسية كانت مرة أخرى محدودة، ولم تتحقق التوقعات بإبرام اتفاقيات جديدة. أُجريت مباحثات صعبة بين علي بن ناصر ووزارة الخارجية البريطانية.

خلال هذه الرحلة، تعرضت «سلطانة» لبعض الأضرار، لكنها وصلت لندن في يونيو 1842م. أثارت السفينة فضول البريطانيين، وأمر اللورد أبردين بإجراء إصلاحات لها على نفقة الدولة. ورغم أن هذه الزيارة عززت العلاقات العمانية البريطانية، فإن السيد سعيد لم يكن راضيًا تمامًا عن النتائج الدبلوماسية.

كانت «سلطانة» بمثابة رمز للبراعة البحرية والدبلوماسية العمانية. عادت إلى زنجبار بعد هذه الرحلة، لكنها تحطمت بالقرب من جزيرة واسين خلال إحدى رحلاتها من الهند بعد وفاة السيد سعيد. جسدت رحلات «سلطانة» قدرة عمان على التواصل مع القوى الكبرى في العالم، وتركت أثرًا دائمًا في العلاقات الدولية لعُمان في القرن التاسع عشر.

ونقتبس هنا نصا من دراسة نشرها الدكتور عبدالله الحراصي (وزير الإعلام) منشورة في مدونته بعنوان (عُمان في الصحافة الأمريكية في القرن التاسع عشر: استعراض عام مع ترجمة لبعض النماذج) ما جاء عن زيارة السفينة «سلطانة» إلى نيويورك. يقول في الدراسة: «واهتمت الصحافة الأمريكية بوصول السفينة العمانية «سلطانة» (أو «سلطاني» بحسب الصحافة الأمريكية) إلى نيويورك. فتنقل جريدة «ساوثبورت تيليجراف» Southport Telegraph الصادرة في ساوثبورت في ويسكونسن يوم 16 يونيو 1840 عن جريدة «ذي جلوب» الخبر التالي الذي يحمل عنوان «السفينة الحربية الآسيوية في ميناء نيويورك»:

من أحدث أخبار اليوم الوصول المتأخر إلى نيويورك لسفينة وشحنة من مسقط على الخليج. وتسمى هذه السفينة «السلطاني» (أي Royal) وهي سفينة حربية يقودها القبطان أحمد بن حمد، وهي إحدى سفن بحرية إمام مسقط، السيد سعيد بن سلطان. والقبطان أحمد يحمل رسالة وهدايا مجاملات من السلطان سعيد إلى رئيس الولايات المتحدة) جريدة «ساوثبورت تيليجراف» Southport Telegraph، 16 يونيو 1840، الصفحة ١)

وبعد أن تتحدث عن اتفاقيات الولايات المتحدة مع الدول الآسيوية تتحدث ببعض التفصيل عن تجارة الولايات المتحدة مع عمان:

إن قيمة تجارتنا مع أراضي السلطان أكبر مما افترض البعض... فخلال ثمانية عشر شهرا من السفن التي زارت زنجبار نجد إحدى وأربعين سفينة، كانت من بينها اثنتان وثلاثون سفينة أمريكية، عشرون منها من مدينة سالم، وثلاث من بوسطن وثلاث من نيويورك.

وبعد الحديث عن زنجبار والأراضي الشاسعة التابعة للسيد سعيد بن سلطان تعلق على وصول السفينة «السلطاني»:

إن وجود إحدى سفن السلطان في مينائنا يضفي علينا الكثير من السرور والرضا، ونأمل أن تكون رحلة «السلطاني» إلى الولايات المتحدة سينجم عنها رحلات متكررة لسفن السيد سعيد إلى موانئنا.

وتتحدث بعض الصحف عن السفينة فتقول جريدة «ميلووكي أدفرتايزر» عن السفينة قائلة بأنها:

سفينة ممتازة تصل حمولتها 300 طن، وقد بنيت في بومباي من خشب التيك، وطاقمها مكون من خمسين بحارا عربيا، وقد بلغنا أن مسؤول الضرائب ومدعي المقاطعة يقومون بمراجعة لغتهم العربية لفهم أوراق السفينة. ونحن على يقين من أنهم لن يجدوا أي شيء سيقومون بمصادرته بل أن هذه المحاولة التي يقوم بها الإمام للقيام بتعامل تجاري مع ميناء نيويورك ستكون بحجم حفاوة الاستقبال التي هو أهل لها من طرفنا. والمكان الذي قدمت منه هذه السفينة يقع عند مدخل الخليج. (جريدة «ميلووكي أدفرتايزر» Milwaukee ، 23 مايو 1840، الصفحة ٣).

وتتحدث جريدة «وسنكونسن إنكوايرر» (نقلا عن جريدة بفلو ريبابليكان Buffalo Republican ) في مقال عنوانه «قائد السفينة العربي» عن الاستقبال الذي تلقاه أحمد بن النعمان (والذي تذكره عدد من الصحف الأمريكية على أنه «أحمد بن حمد»)، مبعوث السيد سعيد بن سلطان، في نيويورك ودهشته مما شاهده هناك من آلات:

حظي القبطان أحمد بن حمد (انطقها كيفما شئت أيها القارئ) قائد السفينة الحربية الأسيوية «سلطانة» القادمة من مسقط بحفاوة استقبال مدينة نيويورك له ممثلة في مجلس النواب. فقد أخذ إلى كل المؤسسات الخيرية في المدينة، وعبر عن دهشته الشديدة من مهارة الصمّ والبكم والعمي في الفنون والعلوم التي يتعلمونها. وحينما عرضت عليها المنتجات التي صنعت بأجمل الأشكال بدون استخدام تلك النوافذ التي دأب «الرجل الداخلي» على أن ينظر من خلالها للخارج ويعطي أوامره للموظفين الحقيقيين فقد شكّ في الأمر للغاية، وظل متسمرا في مكانه إلى أن أُخِذَ إلى الورشة وشاهد الآلات التي يعملون بها ورأى كيفية عملها. وكان سعيدا غاية السعادة بأداء التلاميذ على الآلات الموسيقية. (جريدة «وسكونسن إنكاويرر» Wisconsin Enquirer، ٣ يونيو 1840، الصفحة ٢)»

مقالات مشابهة

  • "القومي للمرأة" يوضح أبرز الجرائم الإلكترونية التي تهدد السيدات.. فيديو
  • CDT : الأزمة الاجتماعية بالبلاد نتاج نسيج اقتصادي يسوده الريع والاحتكارات والتفاهمات
  • امرأة تقود الشرطة لقضايا تزوير بالجملة لطليقها وعائلته المزيفة
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟
  • وزير الخارجية التركي: بيئة عدم الصراع في ليبيا التي بدأتها تركيا بدأت تؤتي ثمارها
  • السفينة «سلطانة».. رحلات دبلوماسية تربط الشرق بالغرب
  • لمحات من التحولات الاجتماعيـــــــة في عهد الدولة البوسعيدية
  • بالفيديو.. لندن تشهد لقاء وتكريم أطول امرأة في العالم التركية روميسا التي تناولت الشاي مع أقصر امرأة بالعالم الهندية جيوتي
  • برمة ناصر: بيان مؤسسة الرئاسة بحزب الأمة القومي غير شرعي والقرار الذي اتخذ في مواجهة إسماعيل كتر جاء بعد مخالفات واضحة، تتجاوز صلاحياته كمساعد الرئيس
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار