عبدالعزيز سلامة يكتب: من هنا تبدأ الثقافة
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
بسبب حبي الشديد للغة العربية والهوية الثقافية الخاصة بنا كعالم عربي إسلامي، نشأ لدي حُلم صغير عندما بلغتُ مبلغ الشباب، تمثل في أن أتحدث باللغة العربية في تعاملاتي ومعيشتي، لكني لم أستطع تنفيذه، ففكرت في حيلة أخرى تكون في مستقبل الأيام وهي أن أربي أطفالي على التحدث باللغة العربية بالسليقة والفطرة، عن طريق التحدث أمامهم بها.
ربما لا أستطيع تنفيذ هذه الفكرة أيضًا، لكني أقول إنّ هذه هي الحقيقة التي يجب علينا أن نضعها في حسباننا إذا أردنا أن نحافظ على ثقافتنا وهويتنا، وهي تنشئة الأطفال على ذلك الأساس المنيع وهو اللغة؛ فهي وعاء الثقافة، والحفاظ عليها هو عين الحفاظ على الثقافة، أما مقاطعتها وهجرانها، وتركها في بطون الكتب، فهو هدم للثقافة بأيدينا.
كانوا قديما عندما يبدأ الطفل في النطق، يأخذه أبواه إلى الكُتّاب ليحفظ القرآن الكريم، وعندما يُتم حفظه ربما في سن العاشرة أو قبل ذلك بقليل أو بعده، يبدأ في حفظ المتون العلمية والشعرية، ومختارات من قصائد شعراء العرب الفصحاء، ثم يأخذ في تعلم القراءة والكتابة وأساسيات الحساب، وبذلك يبدأ الطفل حياته واعيًا في ذاكرته آلاف الكلمات العربية الفصيحة التي حصَّلها من القرآن الكريم ومن الشعر العربي، والأحاديث النبوية المطهرة، فيُصقل بها عقله وتقوى قريحته.
ثم بعد هذه التنشئة المميزة التي كانت تقع على عاتق الآباء، يسلك الطفل طريق العلم والثقافة بنفسه، فيقرأ الكتب، ثم يجالس العلماء، ويكون الكَتاب له خير رفيق وجليس كما قال المتنبي: أعز مكانٍ في الدُنا سرج سابح.. وخير جليس في الزمان كتابُ.
هذا الطفل في الزمان الغابر ربما كان مثقفا أكثر من حامل البكالوريوس وربما الماجستير والدكتوراة في عصرنا الحاضر، على الرغم من انتشار المدارس، وإتاحة العلم بالمجان للجميع.
ولذا أقول في معرض احتفالنا باليوم العربي للثقافة العربية: إنّ السبيل إلى الثقافة أن نعود إلى ما كان يقوم به هؤلاء الآباء، نبني الأطفال البناء الوطيد في سن مبكرة، ثم عندما يكبرون يجدون سبل القراءة متاحة لهم، وأمرها ميسر عليهم، فمن المهم أن تنتشر المكتبات العامة، وتمتلئ أرفف المساجد بالكتب في شتى المجالات، وتُقام المعارض والمنتديات التي توفر مختلف أنواع الكتب بأسعار متاحة للجميع.. فمن هنا تبدأ الثقافة.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: التشجيع على القراءة القراءة اليوم العربي للثقافة
إقرأ أيضاً:
جلسة ملتقى النص الرابعة: تطواف في “وحي الصحراء” و”أهازيج الحصاد” وأدب الطفل الشفاهي
جدة – صالح الخزمري
واصلت جلسات ملتقى النص ٢١ لليوم الثاني حيث كانت الجلسة الرابعة والتي أدارها الدكتور عبدالله ثقفان.
استهلها الدكتور حمد بن ناصر الدُّخِّيل والذي رصد “الأصول الثقافية للأدب السعودي بين الشفاهية والكتابية”، ممهدًا لذلك بالقول: أمضت البشرية دهرًا طويلًا، وهي تتناقل أخبارَها ومعلوماتها وقصصها مشافهةً قبل معرفة الكتابة والتدوين، وثقافة ذلك العصر البعيد تلاشت دون أن تأخذ حظها من التدوين والحفظ، وكان العرب في ثقافتهم وأدبهم وشعرهم وسائر معلوماتهم أمة شفهية، واستمروا على ذلك ــ فيما نعرف ــ نحو ثلاثة قرون، حين انتشرت الكتابة والتدوين التحريري في بداية القرن الثاني الهجري، واستمرت الثقافة الشفهية عند العرب جنبًا إلى جنب حتى منتصف القرن الثالث الهجري، فقد ذكر الجاحظ أنه كان يلم بسوق المربد في البصرة، ويأخذ اللغة والشعر عن الأعراب الذين يلمون بالسوق للتجارة أو الرواية. والجاحظ عاش ما بين 150 ــ 250هـ. وما نقرؤه اليوم مما أثر عن العرب القدامى من فنون الثقافة والأدب كان مصدره الأول المشافهة، ولذلك لا نستغرب ما يقع في هذه الروايات من اختلاف كثير في نصوصها. ليخلص إلى القول: على الرغم من أن التدوين أصبح الوسيلة المثلى لحفظ العلم والثقافة، فإن الرواية الشَّفهية لم تنقطع بل حافظت على شيءٍ من بريقها وامتيازها.
أما الدكتور عبدالله إبراهيم الزهراني فشارك بورقة قدمها عنه الدكتور عبدالرحمن العتل فجعل من كتاب “وحي الصحراء” مرتكزًا رصد من خلاله الحركة الثقافية والأدبية، بالإشارة إلى أن هذه الحركة منذ تأسيسها تطوّرت تطوّرًا لافتًا، وكانت في بدايتها في الحجاز خاصة على يد أناس لهم باع جيد في الثقافة والحركة الأدبية. معللًا بها اختياره لهذا الكتاب تحديدًا، ومضيفًا عليها بالقول: من هنا وقع اختياري على كتاب “وحي الصحراء صفحة من الأدب العصري في الحجاز” الذي جمعه: محمد سعيد عبدالمقصود خوجة، وعبدالله عمر بلخير”، وهما من أعمدة الأدب في الحجاز وقتئذ. مقدمًا وصفًا لمحتوى الكتاب بالإشارة إلى أنه يمثل “مجموعة من المقالات كتبها نخبة من أدباء الحجاز وتنوعت تلك المقالات والنصوص الشعرية بين: الوطنية، والأدبية والاجتماعية، والابتداعية “الرومانسية” ملك أصحابها ناصية اللغة والبيان، وظاهر أنهم كانوا يحملون هم النهضة للوطن، ويرومون أن يكون في مصاف الدول، ويعدون الأدب ركيزة أساسية في النهضة الوطنية، ولهم اطلاع ظاهر واحتكاك بأدباء العالم العربي خاصة مصر والشام، وما يمثلانه في تلك الحقبة من رموز نهضوية.. مستدركًا بالقول: على أن الكتاب حوى نصوصًا نثرية وشعرية عالية الجودة في مجملها لا تقل عن مثيلاتها في العالم العربي، إذ كان كتابها يمثلون الركيزة المهمة للنهضة، ولأهمية الكتاب كان مصدرًا لعدد من الدارسين، نهلوا منه أثناء كتابة بحوثهم عن الحركة الأدبية في المملكة، وأقلية الحجاز.
ويستجلي الباحث الدكتور محمد بن راضي الشريف، في ورقته ميْزة رواية أبي علي الهجري للشعر الشفهي في كتابه “التعليقات والنوادر”، حيث يشير بداية إلى أن كتاب التعليقات والنوادر انفرد بذكر قصائد لشعراء عاشوا ما بين القرن الأول والرابع الهجريين، ومجموع من فيه 425 شاعرًا، و76 راجزًا، بناه الهجري ورتبه على ذكر نوادر كل راو من الرواة. لم يصل من الكتاب سوى قطعتين تقعان في 1000 صفحة، نشره الشيخ حمد الجاسر محققا عام 1992م في أربعة مجلدات ضخمة، في 1926صفحة.
ويعطي الباحث لمحات عن المؤلف أبوعليّ هارون بن زكريّا الهجري، بالإشارة إلى أنه عالمٌ لغويّ وأديب له عناية بالشعر وتذوّق وفهم وإدراك، وراوية للشعر واللغة والأدب وغيرها من علوم العرب، وأنه باحث جغرافي حاول أن يحدد كثيرًا من المواضع التي يتوقّف على تحديدها فهم الشعر العربيّ، ومنها ما لا يوجد عند غيره. وقد سكن مكة، واجتمع فيها بالهمداني صاحب (الإكليل) وببعض علماء الأندلس سنة 288ه، واستقر في المدينة المنوّرة. كما عرف عنه تمحيصه لما يتلقّاه مشافهة عن أبناء البادية ويصحح ما ينقل عنهم. كما يميّز لغات القبائل فيعرف الفصيح من غيره. وقد دون في الكتاب نحو 193 راويا من أبناء البادية، لا تمثّل كل قبائل الجزيرة العربية، بل عددا قليلا منها، وهذا يرجع إلى اقتصاره على القبائل ذات الصلة بالمدينة والقريبة.
كذلك شهدت الجلسة الرابعة مشاركة الدكتورة بسمة القثامي، بورقة تحت عنوان “تسرّيد الثقافة والتاريخ في نماذج من السير الذاتية السعودية”، وفي مستهلها تقرر “بسمة” أن السيرة الذاتية تُعد فنًا متمايزًا من حيث جمعها بين تجارب الذات وتعالقها مع التاريخ والثقافة والأدب، فهي تكشف عن سيكولوجية الذات وبنائها وتسلط الضوء على الثقافة المجتمعية والتاريخ الأدبي للأشخاص والمكان.
ماضية في بحثها بمدارسة بعض السير الذاتية السعودية من خلال: التسرّيد الأدبي، مرتئية أن العديد من الكاتب السعوديين جسدوا في سيرهم الذاتية “التسرّيد الأدبي” وذلك من خلال التصريح بآرائهم الأدبية من مثل غازي القصيبي في سيرته “سيرة شعرية” حين عبر عن رأيه الأدبي في مجموعة من الشعراء، كذلك التسرّيد الثقافي، ثم التسرّيد التاريخي، بالإشارة إلى أن السيرة الذاتية تنهض على أساس الحكي الاسترجاعي لتاريخ الذات الساردة وترتكز بعض السير على التوثيق التاريخي والتأريخ للأحداث التاريخية المهمة التي شهدها.
اقرأ أيضاًالمجتمعروتانا و”سبيكس” توقعان اتفاقية شراكة حصرية لإدارة الإعلانات التلفزيونية والرقمية
وتجعل الدكتورة شوقية بنت محمد الأنصاري، من أدب الطفل وأجناسه التفاعلية من الغنوة الشفهية للكتابة الرقمية: المعجم اللغوي أنموذجًا، مسرحًا لبحثها، حيث تأتي دراستها مواكبة لنمو اللغة وتجدّد فنون آدابها، لترسم رؤية تحولية في أدب الطفل وثقافته، بالتوازي مع التطور المعرفي والتقني في أجناس الأدب عامة. مشيرة إلى أن هذا الانتقال المتطور عبر العصور من اللغة الشفهية إلى اللغة المكتوبة بتقنيات متعددة، لم تغب صورة الطفل عنه، كونه بطل الفكرة، ومتلقيًا مستمعًا وراويًا، إلى أن تجلّى حضوره ككاتب ومصمم مبتكر. وعلى هذا تكسشف الدراسة تطور الأجناس الأدبية في أدب الطفل عبر مراحل عدة، متدفقة في معجمها اللغوي باتجاهات إثرائية ذات محتوى بديع للطفولة.
ويتخذ الباحث خالد الطويل من “أهازيج الحصاد” في منطقة المدينة المنورة وضواحيها، مختبرًا لبحثه، مشيرًا إلى أن أهازيج الحصاد تمثّل تراثًا شفويًا إنسانيًا غنيًّا يعكس فرحة المزارعين بمواسم الحصاد وثقافتهم وتقاليدهم. وتعدّ هذه الأهازيج جزءا أصيلًا من تراثنا الشعبي، وتمثّل جانبًا من تراثنا الثقافي السعودي، والذي سبق وأن سجلت المملكة جانبًا منه في قائمة اليونسكو. مبينًا كذلك أن هذا التراث يتوزّع بين نصوص شعرية وسردية، وعبارات وكلمات ذات إيقاع واحد، وتحمل هذه النصوص (سمة الغنائية)، وتتميّز بإيقاعها السريع.
ويرىى الطويل أن أهازيج الحصاد تتميز بلغتها السلسة وعفويتها، بالنظر إلى أنها في معظم الأحوال تؤدّى بشكل جماعي، وتتكرّر فيها بعض الجمل والكلمات مما يعطي إيقاعًا موسيقيًا مذهلًا يتأثّر به المؤدّون لذلك اللون التراثي كما سيعرض البحث لنماذج من تلك الأهازيج. كما أن تلك الأهازيج لا تخلُ من الرمزية والتعبير عن معان عميقة، ترتبط بالإنسان وعلاقته الممتدّة والعميقة بالأرض والزراعة والنخلة وانتظار موسم الحصاد وجني الثمار بلهفة، وأنها تتنّوع باختلاف المناطق والقبائل، وتعبّر في مواضيعها ومضامينها عن حالة من الامتنان والشكر لله ونعمه الظاهرة والباطنة، والفرح بموسم الحصاد ووفرة المحاصيل، ونجاح موسم الحصاد، ويحتوي بعضها على حكم وأمثال شعبية تكشف عن مقدرة شعرية هائلة في توظيفها شعريًا وإيقاعيًا.