بوابة الوفد:
2024-11-25@17:15:39 GMT

خصائص الخطاب النبوى (2)

تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT

كان أبو الفتح عثمان ابن جنّى، صاحب «الخصائص»، يعتقد أنّ اللغة، بأصولها وأصواتها التى تمثلها الأبجدية، إنما تقدّم احتمالات لا نهاية لها من الألفاظ التى ترمز إلى معانى، وأن تقلبات اللفظ الواحد تؤدى إلى معان مُتقاربة اعتماداَ على ما كان قرَّره من وجود علاقة بين اللفظ ومدلوله؛ الأمر الذى يتأكد معه أن الألفاظ تقدّم صوراً ضئيلة جداً من المعانى، وأن المعانى على كثرتها تقدِّم صوراً ضئيلة جداً للحقائق، والحقائق كما تقدَّم فى عظمتها وجبرتها لا تدرك كل الإدراك، ولا يحاط بها كل الإحاطة وليس يشمُّ منها أحد رائحة سوى بمقدار ما تتجلى به عليه.


وأبلغ منه وأوضح وأقدر دلالة ما يقوله «عبدالقاهر» فى «دلائل الإعجاز» من أن الألفاظ لا تُعطى ما ورائها من الحقائق ولا تتجاوز مستواها، فكأنما هى محدودة بحدودها: (إنّما الألفاظ أدلة على المعانى، وليس للدليل إلا أن يُعلمك الشيء على ما يكون عليه. أمّا أن يصير الشيء بالدليل على صفة لم يكن عليها؛ فما لا يقوم فى عقل ولا يتصوَّر فى وهم).
ويُلاحظ فى البيان النبوى خاصّة استواء الألفاظ مع المعانى مع الحقائق استواءً يتحوّل معه التعبير اللفظى إلى حقيقة ماثلة كأنك تراها وتسمعها بالحس المباشر والتجربة المشهودة.
هنالك تتحوّل الكلمات إلى حياة، وتُعاش الحياة فى ظلال من المعانى المتصلة بالحقائق، فلا يتصور فى الخطاب النبوى خاصّة وجود هوة وسيعة بين الحقيقة والمعنى ولا بين اللفظ والمباشرة العمليّة. تأمل وصيته عليه السلام من حيث قال: أكنز هذه الكلمات (اللهم إنى أسألك الثبات فى الأمر والعزيمة على الرشد. وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك. وأسألك شكر نعمتك، وحُسن عبادتك. وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً. وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، واستغفرك لما تعلم؛ إنك أنت علام الغيوب).
ألفاظ فى كلمات غير أنها متصلة من طريق التجربة العمليّة بالحقائق من فورها، تباشرها التجربة؛ لتتحول خلاها الكلمة إلى حياة قائمة بالفعل، بل هى ألفاظ حقيقة لا تغايرها الحقيقة بل تباشرها وتمسُّها من قريب. وممّا جاء من خطبه صلوات الله وسلامه عليه فيما رواه ابن جرير وابن كثير من خطب المدينة تركيزها على التقوى والتحذير من ضدها: (اتقوا الله فى عاجل أمركم وآجله فى السر والعلانية، فإنّه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً، ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً، وإن تقوى الله توقى مقته وتوقى سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضى الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تفرطوا فى جنب الله. قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا، وليعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا فى الله حق جهاده، هو اجتباكم وسمّاكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حى عن بينة، ولا قوة إلا بالله، فأكثروا من ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفيه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضى على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العلى العظيم).
وكانت أول خطبة خطبها النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة، جاء فيها التحذير من غضب الله والتشديد على تجنب عقابه، (فمن استطاع أن يقى وجهه من النار، ولو بشق تمرة، فليفعل، ومن لم يجد فكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف).
ولم يعرف العرب خطاباً أقدر على البلاغة وجمال العبارة فى إيجاز لا يخل كما جاء فى الخطاب النبوى: ويظهر ذلك فى الكتب والرسائل التى كانت تصدر عن النبى، عليه السلام، كما يظهر فيما جدّ من تعبيرات وأساليب جديدة كقوله عليه السلام:» الآن حمى الوطيس»، «مات حتف أنفه»، «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، «إياكم وخضراء الدّمن»؛ إلى غير ذلك ممّا رواه الثقات أنه لم يسمع من أحد قبله عليه السلام؛ الأمر الذى لا يشك أحد فى أنه صلوات الله عليه بلغ الغاية فى الفصاحة؛ لأنه نبت من قريش وهم أفصح العرب، واسترضع فى بنى سعد وهم من الفصاحة بمكان؛ إلا أن ذلك لا يمنع من أن يُظاهر القرآن الوراثة والبيئة.
وليس من شك فى أن للقرآن الأثر الأكبر فى فصاحته عليه السلام؛ فلولاه لكانت فصاحته فى حدود بيئته، فلا نسمع منه مثل هذه المعانى الإسلامية فى تلك الأساليب القرآنية ممّا لم يكن يعرفه العرب، ولم يكن يختبروه.
وعليه؛ فالخطاب النبوى خطاب حقائق، دائم الصحة وصادقها، وهو حق فى حق من حق، وليس هو بخطاب لغة يتقرّر فيها الخطأ والصواب، والحق والباطل سواء، لأن اتصاله بالحقيقة يعجز اللغة ويمنعها عن الانحراف.
(وللحديث بقية)

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم الخطاب النبوي علیه السلام

إقرأ أيضاً:

دم الشهيد سبب في الحرية الاستقلال

 

 

الشهداء هم أهل الله وأحبابه وبفضلهم بعد الله سبحانه وتعالى استطاعت أن تعيش الأمة في أمن وسلام وطمأنينة، وهكذا هي سنة الحياة لن ينال أحد مبتغاه إلا بتضحية ولن ينال أي شعبٍ من الشعوب الحرية إلا بتضحية، لا شيء يأتي بسهولة فالشهداء قد جعلوا من أنفسهم سدا منيعا ضد الأعداء فلننظر إلى الواقع اليمني على سبيل المثال لولا تضحيات الشهداء لكنا الآن في أسوأ حال لكن بفضل الله ومن ثم دماء الشهداء لمسنا الأمن والعيش بكرامة، ولننظر إلى الجنوب المحتل كيف يعانون مرارة الاحتلال ويتجرعون أبشع الجرائم من قتلٍ وتفجيرٍ واغتصابات.
ولا ننسى أن الشهداء جعلوا من أنفسم جسرا لنعبر عليه إلى بر الأمان وبدمائهم جعلوها كسيل جارف يجرف الأعداء ومن تعاون معهم وكذلك يجب أن تخلد ذكرى الشهداء في أذهان الأجيال وأذهان عامة الناس ونرسخ ثقافة الشهادة في أبناء هذه الأمة وليعلم الجميع أن الدين والوطن لن يصانا إلا بالتضحية والفداء، قد يقول قائل نريد العيش بسلام وسكينة نعم نريد العيش بسلام ولن يأتي السلام بدون مقابل، السلام يريد قوة حتى يفرض في البلد، فالعدو لا يعرف الرحمة ولا يعرف الأخلاق وإذا لم نتحرك ضده سيغزونا وإذا لم نقاوم سيتمادى ويستبيح كل ما هو محرم ومحظور وهذا مما يفرض على الأمة القتال وهي مجبرة أن تدافع على دين الله وعلى الأرض والعرض فقد قال الله سبحانه وتعالى( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (البقرة 216:2)
صحيح أن القتال لا أحد يريده، لكنه عندما يأتي العدو لاغتصاب أرضك وانتهاك دينك وعرضك هنا يفرض عليك وسيكون خيراً لك من أجل حفظ الكليات الخمس الضرورية ولولا جهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتضحياته وصبره لما وصل إلينا الدين الحنيف وانتشر في العالم
وأيضا نحن في هذا الأسبوع نحتفل بذكرى عظيمة وغالية على قلوبنا وهي ذكرى الشهيد، وبهذه المناسبة نهدي أجمل التحايا لأسر شهداء غزة الذي بذلوا أرواحهم من أجل دين الله وتحرير أرضهم والحفاظ على عرضهم فلهم كل التحية وشهداؤهم هم شهداؤنا وشهداؤنا شهداؤهم وكلنا أمة واحدة وعدونا واحد ومصيرنا واحد والنصر موعدنا بإذن الله.

مقالات مشابهة

  • أنوار الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
  • كتاب يدرس خطاب جريدة عُمان ويوثق مسيرتها الثقافية خلال نصف قرن
  • اكتشاف أدلة جديدة على وجود مظاهر جاذبية غير معروفة حتى الآن في الكون
  • بين الخطاب والممارسة.. هل تتخلى المقاومة عن غزة؟
  • "التفكر والتدبر فريضة إسلامية".. ندوات دعوية بأوقاف الفيوم
  • إعلامية وشيخ.. القضاء المصري يحكم في قضية الألفاظ الخارجة
  • أوقاف الفيوم تعقد 17 أسبوعا ثقافيا بجميع الإدارات بعنوان: "التفكر والتدبر فريضة إسلامية"
  • الحبس شهرين للشيخ محمد أبوبكر وتغريم ميار الببلاوي بسبب تبادل الألفاظ الخارجة
  • كيف نفعل الخير ويقبله الله؟.. علي جمعة يجيب
  • دم الشهيد سبب في الحرية الاستقلال