كان أبو الفتح عثمان ابن جنّى، صاحب «الخصائص»، يعتقد أنّ اللغة، بأصولها وأصواتها التى تمثلها الأبجدية، إنما تقدّم احتمالات لا نهاية لها من الألفاظ التى ترمز إلى معانى، وأن تقلبات اللفظ الواحد تؤدى إلى معان مُتقاربة اعتماداَ على ما كان قرَّره من وجود علاقة بين اللفظ ومدلوله؛ الأمر الذى يتأكد معه أن الألفاظ تقدّم صوراً ضئيلة جداً من المعانى، وأن المعانى على كثرتها تقدِّم صوراً ضئيلة جداً للحقائق، والحقائق كما تقدَّم فى عظمتها وجبرتها لا تدرك كل الإدراك، ولا يحاط بها كل الإحاطة وليس يشمُّ منها أحد رائحة سوى بمقدار ما تتجلى به عليه.
وأبلغ منه وأوضح وأقدر دلالة ما يقوله «عبدالقاهر» فى «دلائل الإعجاز» من أن الألفاظ لا تُعطى ما ورائها من الحقائق ولا تتجاوز مستواها، فكأنما هى محدودة بحدودها: (إنّما الألفاظ أدلة على المعانى، وليس للدليل إلا أن يُعلمك الشيء على ما يكون عليه. أمّا أن يصير الشيء بالدليل على صفة لم يكن عليها؛ فما لا يقوم فى عقل ولا يتصوَّر فى وهم).
ويُلاحظ فى البيان النبوى خاصّة استواء الألفاظ مع المعانى مع الحقائق استواءً يتحوّل معه التعبير اللفظى إلى حقيقة ماثلة كأنك تراها وتسمعها بالحس المباشر والتجربة المشهودة.
هنالك تتحوّل الكلمات إلى حياة، وتُعاش الحياة فى ظلال من المعانى المتصلة بالحقائق، فلا يتصور فى الخطاب النبوى خاصّة وجود هوة وسيعة بين الحقيقة والمعنى ولا بين اللفظ والمباشرة العمليّة. تأمل وصيته عليه السلام من حيث قال: أكنز هذه الكلمات (اللهم إنى أسألك الثبات فى الأمر والعزيمة على الرشد. وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك. وأسألك شكر نعمتك، وحُسن عبادتك. وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً. وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، واستغفرك لما تعلم؛ إنك أنت علام الغيوب).
ألفاظ فى كلمات غير أنها متصلة من طريق التجربة العمليّة بالحقائق من فورها، تباشرها التجربة؛ لتتحول خلاها الكلمة إلى حياة قائمة بالفعل، بل هى ألفاظ حقيقة لا تغايرها الحقيقة بل تباشرها وتمسُّها من قريب. وممّا جاء من خطبه صلوات الله وسلامه عليه فيما رواه ابن جرير وابن كثير من خطب المدينة تركيزها على التقوى والتحذير من ضدها: (اتقوا الله فى عاجل أمركم وآجله فى السر والعلانية، فإنّه من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجراً، ومن يتق الله فقد فاز فوزاً عظيماً، وإن تقوى الله توقى مقته وتوقى سخطه، وإن تقوى الله تبيض الوجه، وترضى الرب، وترفع الدرجة، خذوا بحظكم ولا تفرطوا فى جنب الله. قد علمكم الله كتابه، ونهج لكم سبيله، ليعلم الذين صدقوا، وليعلم الكاذبين، فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا فى الله حق جهاده، هو اجتباكم وسمّاكم المسلمين، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حى عن بينة، ولا قوة إلا بالله، فأكثروا من ذكر الله، واعملوا لما بعد الموت، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله يكفيه ما بينه وبين الناس، ذلك بأن الله يقضى على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر، ولا قوة إلا بالله العلى العظيم).
وكانت أول خطبة خطبها النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة المنورة، جاء فيها التحذير من غضب الله والتشديد على تجنب عقابه، (فمن استطاع أن يقى وجهه من النار، ولو بشق تمرة، فليفعل، ومن لم يجد فكلمة طيبة، فإن بها تجزى الحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف).
ولم يعرف العرب خطاباً أقدر على البلاغة وجمال العبارة فى إيجاز لا يخل كما جاء فى الخطاب النبوى: ويظهر ذلك فى الكتب والرسائل التى كانت تصدر عن النبى، عليه السلام، كما يظهر فيما جدّ من تعبيرات وأساليب جديدة كقوله عليه السلام:» الآن حمى الوطيس»، «مات حتف أنفه»، «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»، «إياكم وخضراء الدّمن»؛ إلى غير ذلك ممّا رواه الثقات أنه لم يسمع من أحد قبله عليه السلام؛ الأمر الذى لا يشك أحد فى أنه صلوات الله عليه بلغ الغاية فى الفصاحة؛ لأنه نبت من قريش وهم أفصح العرب، واسترضع فى بنى سعد وهم من الفصاحة بمكان؛ إلا أن ذلك لا يمنع من أن يُظاهر القرآن الوراثة والبيئة.
وليس من شك فى أن للقرآن الأثر الأكبر فى فصاحته عليه السلام؛ فلولاه لكانت فصاحته فى حدود بيئته، فلا نسمع منه مثل هذه المعانى الإسلامية فى تلك الأساليب القرآنية ممّا لم يكن يعرفه العرب، ولم يكن يختبروه.
وعليه؛ فالخطاب النبوى خطاب حقائق، دائم الصحة وصادقها، وهو حق فى حق من حق، وليس هو بخطاب لغة يتقرّر فيها الخطأ والصواب، والحق والباطل سواء، لأن اتصاله بالحقيقة يعجز اللغة ويمنعها عن الانحراف.
(وللحديث بقية)
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د مجدى إبراهيم الخطاب النبوي علیه السلام
إقرأ أيضاً:
ضع هذا الخضار في سلطة رمضان ولن تعانى من التهابات المسالك
تعد السلطة الخضراء من الأكلات الرئيسية المقدمة في شهر رمضان سواء على مائدة الافطار أو السحور ويعد البقدونس من أهم الإضافات التي يمكن إضافتها بسبب فوائدها الصحية الكبيرة إلى جانب مذاقها الشهي.
ووفقا لما ذكره موقع tuasaude تشمل الفوائد الصحية الموجودة بشكل طبيعي في البقدونس ما يلي:
علاج التهابات المسالك البولية
وذلك يرجع إلى تمتع عشبة البقدونس بخواص مضادة للميكروبات ومدرة للبول، مما قد يساعد في علاج التهابات المسالك البولية المتكررة.
تقوية جهاز المناعة
يمكن أن يساعد البقدونس على تعزيز المناعة وتقوية جهاز المناعة لأنه غني بفيتامين سي والزنك وفيتامين أ بالإضافة إلى ذلك يحتوي على خصائص مضادة للميكروبات.
تشير بعض الدراسات العلمية إلى أن البقدونس فعال بشكل خاص ضد البكتيريا مثل المكورات العنقودية الذهبية، والعصيات الرقيقة، والإشريكية القولونية. كما أنه فعال في علاج فيروسات البرد والإنفلونزا الشائعة في فصل الشتاء.
المساعدة في إدارة مرض السكري
يمكن أن يكون تناول البقدونس مفيدًا لمرضى السكر لتنظيم سكر الدم وحماية الكبد بسبب تأثيره المضاد للأكسدة بالإضافة إلى ذلك، تساعد الفلافونويدات الموجودة في البقدونس في منع ظهور مرض السكري، مما يجعله خيارًا رائعًا للمرضى الذين تم تشخيصهم بمرحلة ما قبل السكري أو مقاومة الأنسولين.
تحسين ضغط الدم وعلاج احتباس السوائل
البقدونس غني بالبوتاسيوم، وهو ضروري لإخراج الصوديوم عبر البول كما أنه يمتلك خصائص مدرة للبول قوية ويساعد هذان العاملان على خفض ضغط الدم المرتفع ومكافحة احتباس السوائل في الجسم وطردها منه.
تحذير هام :
ممنوع تناول البقدونس للنساء الحوامل باي شكل من الاشكال لانه يهدد صحته وحياه الجنين فمن المعروف انه يزيد انقباضات الرحم مما يتسبب في حدوث الاجهاض.