غزة- "الزراعة بتجري بدمي" يقولها المهندس الزراعي الشاب يوسف أبو ربيع ليفسر عودته لاستصلاح أرض زراعية تملكها عائلته في بلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، متعاليًا على مخاطر إسرائيلية جمة ومتحديا أزمات مركبة.

يدرك أبو ربيع (24 عاما) هذه المخاطر والأزمات، ويقول للجزيرة نت إن "فاتورة عشقي للزراعة قد تكون باهظة وثمنها دم"، لكنه في الوقت نفسه يشعر بكثير من الفخر والرضى عن نفسه وأسرته التي تتوارث مهنة الزراعة جيلا بعد جيل، لنجاحهم في استصلاح مساحة من الأراضي الزراعية رغم الدمار الهائل والعزلة التي يفرضها الاحتلال على مناطق شمال القطاع.

بعد محطات كثيرة في رحلة النزوح التي أجبرت أسرة أبو ربيع عليها مع الساعات الأولى لاندلاع الحرب الإسرائيلية على القطاع عقب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، اتخذت قرارها الممزوج بكثير من الجرأة والمغامرة بالعودة إلى منزلها وأراضيها في بلدة بيت لاهيا، التي كانت واحدة من محاور التقدم الأولى للاحتلال في اجتياحه البري.

وزارة الزراعة تشيد بمبادرات استصلاح الأراضي رغم أنها غير كافية من أجل إنهاء المجاعة في شمال قطاع غزة (الجزيرة)  عودة للجذور

لا تزال هذه الأسرة (8 أفراد) ترفض مجرد التفكير في مغادرة شمال القطاع والنزوح نحو جنوبه، وقد نجا يوسف بأعجوبة من عدة استهدافات إسرائيلية، ويحسم موقفه بكلمات معدودة "لو أراد الله لي الشهادة فلتكن هنا .. أريد أن أدفن في أرضي".

في فبراير/شباط الماضي تلمس يوسف وأسرته خطواتهم الأولى نحو العودة للزراعة، ورغم ما لهذه الأسرة من خبرة كبيرة في هذا المجال فإن الزراعة من العدم وبلا أي مقومات ومع الخطر الشديد جراء التوغل البري الإسرائيلي والتحليق المكثف للطيران "كانت مهمة مستحيلة بل وقاتلة" كما يصفها يوسف، ويقول "عندما عدنا هنا كان الدمار في كل مكان ولا أثر لمقومات الحياة".

بإعادة تدوير محصول أصابه الجفاف، وفي حديقة منزلية مدمرة، نجح يوسف في تأسيس "مشتل صغير" وإنتاج أشتال من الفلفل والباذنجان، ومن هنا بدأت حكاية "الصمود بالزراعة"، وبحسب يوسف فإن التفكير بالعودة للزراعة جاء بعد أسابيع من المعاناة للبقاء على قيد الحياة وكمن "ينحت في الصخر" عبر البحث عن مصدر للمياه، والاعتماد على النباتات البرية كطعام رئيسي.

وينظر هذا المهندس الزراعي الشاب للزراعة في زمن الحرب كرسالة حياة، ويقول "النباتات بلونها الأخضر تمنحنا طاقة إيجابية، وأننا سنمر من هذه المحنة، وتؤكد قدرتنا على إعمار البلد من جديد".

الملوخية تنمو وسط الدمار الهائل في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (الجزيرة) نجاح رغم الدمار

ومع شعوره بالفخر بما حققه من إنجاز خلال الشهور القليلة الماضية تنتاب يوسف مخاوف من الاستهداف الإسرائيلي، أو إجباره وأسرته على الرحيل، وتجريف أراضيهم الزراعية، وبرأيه فإن الشعور بالخوف وعدم الاستقرار يتعارض مع الزراعة، "ولكن لا بديل أمامنا سوى الزراعة للنجاة من المجاعة ومحرقة الحرب".

وتتجاوز مساحة الأراضي الزراعية التي ساهم يوسف وأسرته في استصلاحها وإعادة زراعتها من جديد زهاء 200 دونم (الدونم ألف متر مربع)، وبكثير من الحماسة يتحدث يوسف عن "استجابة كبيرة" من المزارعين للعودة إلى أراضيهم الزراعية رغم ما لحق بها من دمار، ويضرب المثل بمزارع وأبنائه دفنوا بأيديهم 3 حفر عميقة أحدثتها صواريخ مقاتلة إسرائيلية داخل أرضهم وأعادوا زراعتها.

 

ولا يبالغ يوسف في تأثير هذه المساحات ومساهمتها في مواجهة ما يصفها بـ"المجاعة الحقيقية" التي تعصف بمئات آلاف الفلسطينيين في شمال القطاع، غير أنه في الوقت نفسه يأمل لو استمرت واتسعت لتغطي 50% من الاحتياجات.

ويقدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان أن الاحتلال أخرج 75% من المساحة الإجمالية للأراضي الزراعية في القطاع عن الخدمة خلال الشهور الماضية منذ اندلاع الحرب.

رغم المخاطر والصعاب نجح يوسف أبو ربيع في زراعة 50 دونما من الباذنجان باستخدام أشتال منزلية (الجزيرة)

وتتركز المساحة الكبرى من المساحات الزراعية في المناطق المحاذية للسياج الأمني الإسرائيلي في شرق القطاع وشماله، حيث يتعذر على المزارعين الوصول لأراضيهم في تلك المناطق منذ اندلاع الحرب لخطورتها، إضافة إلى الاستهداف المباشر لمساحات أخرى بالقصف والتجريف.

وتعاني أسرة أبو ربيع وغيرها من المزارعين في شمال القطاع من التكاليف الباهظة للزراعة، نتيجة الصعوبة البالغة في الوصول للمياه، وعدم توفر البذور والأشتال والأسمدة، "ما فعلناه حتى اللحظة هو المستحيل نفسه، أن نزرع من العدم وفي ظروف خطرة وغير ملائمة"، يقول يوسف.

زراعة لمقاومة المجاعة

"تحدينا الظروف الصعبة والخطرة"، يضيف يوسف وهو يتحدث عن تجربة الزراعة المنزلية، التي باتت بنظر أهالي الشمال سبيلهم الوحيد لمقاومة المجاعة وتعزيز صمودهم وبقائهم على قيد الحياة.

يوسف أبو ربيع أنتج وأسرته آلاف الأشتال الزراعية التي ساهمت في زيادة رقعة الأراضي الزراعية المستصلحة شمال قطاع غزة (الجزيرة)

نحو 300 أسرة حتى اللحظة خاضت تجربة الزراعة المنزلية، غالبيتها ليس لديها أي خبرات أو تجارب زراعية سابقة، ويصف يوسف إقبال الأسر على الزراعة بأنه "رهيب"، ويقول "منذ يومين ساعدنا 20 أسرة في مخيم جباليا بالأشتال، ومن شدة سعادته وأمله قال لي رجل: هذه الشتلة هي أملنا في مواجهة المجاعة".

وفي مركز إيواء يؤوي 200 أسرة مكونة من زهاء 600 فرد بادر شبان لزراعة مساحة ليست كبيرة من الأرض بالباذنجان والملوخية، ونجحوا في الإنتاج وتناولوا من المحصول.

ويقدر الناطق باسم وزارة الزراعة في غزة المهندس محمد أبو عودة أن نحو 500 دونم تم استصلاحها في شمال القطاع بالفترة الأخيرة وزراعتها بالخضراوات، إضافة إلى مساحات من الأراضي المزروعة بأشجار الفواكه وحافظ المزارعون عليها.

يشعر يوسف أبو ربيع بفخر ورضى لإعادة الحياة إلى أرض عائلته المدمرة في بيت لاهيا شمال قطاع غزة (الجزيرة)

وهذه المساحات -بحسب حديث أبو عودة للجزيرة نت- هي التي توفر الكميات الشحيحة من الخضراوات والفواكه في الأسواق، وبأسعار باهظة وجودة متدنية، بسبب "الظروف غير المثالية في عمليات الإنتاج الزراعي"، فمثلًا كيلو الفلفل الأخضر يصل ثمنه 400 شيكل (حوالي 110 دولارات) وكيلو الباذنجان يباع بنحو 80 شيكلًا (حوالي 22 دولارا).

ويقول المسؤول في وزارة الزراعة إن مبادرات شبابية أو شخصية تقف غالبا وراء عمليات استصلاح الأراضي الزراعية في شمال القطاع، وبدعم مؤسسات لإعادة عجلة الإنتاج الزراعي، غير أنه يقول إن المساحات حتى اللحظة ليست كبيرة لتنهي المجاعة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الأراضی الزراعیة فی شمال القطاع شمال قطاع غزة بیت لاهیا

إقرأ أيضاً:

وزير الزراعة يترأس اجتماع مجلس إدارة الإصلاح الزراعي وصندوق الأراضي

ترأس علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، اجتماع مجلس إدارة الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، ومجلس إدارة صندوق الأراضي التابع للهيئة، لمناقشة عددا من الموضوعات الخاصة بمنتفعي الإصلاح الزراعي.

واستعرض الاجتماع، موقف عمليات التطوير بالجمعيات التابعة للهيئة على مستوى الجمهورية، حيث أكد وزير الزراعة، على ضرورة أن تشهد عمليات التطوير والتحديث، تحسين الأداء، وتعميق دورها، بحيث تقدم الخدمات للمزارعين والمنتفعين، ومن بينها توفير الميكنة الزراعية، وخدمات الإرشاد الزراعي، والمكافحة، وتوفير مستلزمات الإنتاج وخاصة المبيدات والتقاوي المنتقاه والمحسنة، فضلا عن الخدمات التسويقية للمحاصيل الزراعية.

وأكد فاروق أيضا على استغلال كافة الأصول والموارد التابعة للهيئة واستغلالها الاستغلال الأمثل، واستثمارها بحيث تحقق العائد الاقتصادي المناسب، بما يحقق المصلحة العامة، وزيادة الإيرادات.

وشدد وزير الزراعة أيضا على التيسير على منتفعي الإصلاح الزراعي، وعلاج المشاكل التي تواجههم، وسرعة إنجاز العقود، وتسليمها للمنتفعين، كذلك انجاز ملفات تقنين الأوضاع، وتحصيل كافة المتأخرات، ومستحقات الهيئة.

وأكد فاروق ضرورة بحث السبل لتوفير التمويل اللازم، لدعم المشروعات الإنتاجية للجمعيات التابعة للإصلاح الزراعي، في المجالات التي تساهم في زيادة الإنتاجية، ودعم المزارعين، وتوفير مستلزمات الإنتاج لهم.

وأستعرض الدكتور حسن الفولي رئيس الهيئة العامة للإصلاح الزراعي، ما تم إنجازه من أعمال تطوير لجمعيات الإصلاح الزراعي، حيث تم الانتهاء من تطوير 239 جمعية على مستوى المديريات بنسبة 42% من إجمالي عدد الجمعيات، لافتا الى أنه من المقرر الانتهاء من تطوير عدد 332 جمعية بحلول منتصف أكتوبر المقبل، ليصل إجمالي الجمعيات التي سيتم تطويرها 571 جمعية.

وقال أنه فيما يتعلق بإنهاء عقود الملكية وتسليمها للمنتفعين، بلغ إجمالي عدد العقود التي تم اعتمادها مؤخرا، 193 عقد، كذلك هناك 400 عقد آخرين، جاري انهاء إجراءات اعتمادها خلال هذه الفترة.

وأضاف رئيس الهيئة، أن إجمالي عدد طلبات التقنين من بداية يوليو الماضي وحتى نهاية أغسطس، تحت المليون جنيه، بلغت 682 طلب، بقيمة إجمالية بلغت حوالي 188مليون و 869 ألف جنيه، بينما بلغ إجمالي عدد طلبات التقنين خلال نفس الفترة وفوق المليون جنيه، بلغت 72 طلب بقيمة إجمالية حوالي 148مليون جنية.

وأوضح أن إجمالي المبلغ الذي تم سداده لحساب حق الشعب لأراضي الهيئة بلغ حوالي 67 مليون و 361 ألف جنيه، فيما بلغ إجمالي الإيرادات المحصلة من بداية يوليو وحتى نهاية أغسطس الماضي، بلغت حوالي 190 مليون و 750 ألف جنيه، من بينها 174 مليون جنيه للهيئة، و 16 مليون و 750 ألف جنيه لصندوق الأراضي.

وتابع أنه بذلك بلغ إجمالي المتحصلات خلال العام المالي من يوليو 2023 وحتى نهاية يونيو 2024، حوالي 1 مليار و 218 مليون و 871 ألف جنيه، من بينها 1 مليار و 60 مليون جنيه للهيئة، و 158 مليون و781 ألف جنيه للصندوق.

فيما تم خلال الاجتماع أيضا اعتماد الحساب الختامي للمجلس والصندوق، كذلك الموافقة علي أعمال الفرز المشاع التي تتم من خلال وزاره العدل لتجنيبها لصالح الهيئة واعتماد إجراءات التقنين طبقا للقانون 182 لعام 2022.

اقرأ أيضاًوزير الزراعة: صادرات مصر الزراعية تصل لـ 3.6 مليار دولار

وزيرا التنمية المحلية والزراعة يعقدان اجتماعا مع المحافظين عبر الفيديو كونفرانس

وزير الزراعة يستقبل الممثل الإقليمي للفاو

مقالات مشابهة

  • جرائم الاحتلال مستمرة.. ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى 40939
  • هيئة فلسطينية: غزة تعاني من مستويات خطيرة للمجاعة
  • وزير الزراعة ومحافظ المنوفية يتفقدان الجمعية الزراعية بالمصيلحة وميت خلف للإصلاح الزراعي
  • القاهرة الاخبارية: ارتفاع عدد الشهداء إلى 8 جراء قصف الاحتلال مدرسة حليمة السعدية التي تؤوي نازحين في جباليا شمال #غزة
  • نقابة الفلاحين: القطاع الزراعي أول قطاع محلي يوفر فرص عمل للشباب
  • للحديث عن التنمية الزراعية.. «حقائق وأسرار» يستضيف الخبير الزراعي عادل زيدان
  • مشاهد مؤلمة.. 6 شهداء إثر قصف استهدف منزلا في حي الزيتون شرقي غزة.. (شاهد)
  • الحاج حسن عرض مع المديرين في المعهد المتوسط الزراعي المشاريع المشتركة
  • وزير الزراعة يترأس اجتماع مجلس إدارة الإصلاح الزراعي وصندوق الأراضي
  • استشهاد 8 فلسطينيين بينهم طفلة فى قصف إسرئيلى شمال وجنوب غزة