تقرير أممي صادم.. من المسؤول عن تفشي المجاعة في السودان؟
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
أكدت الأمم المتحدة أن السودان على وشك الدخول في مجاعة، حيث قال المتحدث باسمها، ستيفان دوجاريك، إن 26 مليون سوداني لا يحصلون على الغذاء الكافي وإن 750 ألف شخص على وشك المجاعة.
وأشار دوجاريك في مؤتمر صحفي إلى أن الشعب السوداني يواجه "أسوأ السيناريوهات"، مضيفا: "لم يتم تمويل سوى 30 بالمئة من مبلغ 2.7 مليار دولار المطلوب سنويا لخطة المساعدات الإنسانية للسودان".
وأوضح المتحدث الأممي أن 26 مليون شخص في السودان لا يحصلون على الغذاء الكافي، وحذر من أن الوضع خلال موسم الأمطار –يبدأ في يونيو/ حزيران من كل عام- سيتفاقم بشدة.
من جهته قال برنامج الأغذية العالمي إن "السودان يعاني من أكبر أزمة جوع في العالم، حيث يكافح أكثر من 50 في المئة من السكان من أجل إطعام عائلاتهم".
وأكد البرنامج أن "هناك 14 منطقة سودانية معرضة لخطر المجاعة وأن 755,000 شخص يواجهون جوعًا كارثيًا".
????#السودان يعاني من أكبر #أزمة_جوع في العالم.
⬅️أكثر من 50% من السكان يكافحون من أجل إطعام عائلاتهم.
⬅️755,000 شخص يواجهون جوعًا كارثيًا.
⬅️14 منطقة معرضة لخطر المجاعة. — برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (@wfp_Arabic) July 18, 2024
المسؤولية تقع على طرفي الصراع
وكان طرفي الصراع قد توجها إلى جنيف بدعوة من دول غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، وقالت الحكومة السودانية إن وفدها وافق على بدء نقاشات غير مباشرة مع قوات الدعم السريع تحت رعاية الأمم المتحدة لبحث القضايا الإنسانية.
وعلى الرغم من انطلاق مساعي دولية واقليمية لإيقاف الحرب، إلا أنه ليس من المعروف ما إذا كانت ستنجح أم لا، ما يعني تفاقم الأزمات الإنسانية في السودان ومنها المجاعة.
الخبير البريطاني في الشؤون الأفريقية، مارتن بلوت يرى أن "مسؤولية المجاعة تقع بشكل مباشر على عاتق الجنرالات المتحاربين، حيث دفع الفريق محمد حمدان دقلو والفريق عبد الفتاح البرهان معًا البلاد وشعبها إلى حافة المجاعة على نطاق هائل".
وأكد بلوت خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "هذا الأمر مأساوي، ومرة أخرى، يتعين على المجتمع الدولي - في هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها - أن يتدخل لمحاولة حل الأزمة، وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا بعد انتهاء القتال".
هجمات الدعم السريع
مدير المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام، أمية يوسف أبو فداية، قال إنه "لا يمكن القول أن هناك مجاعة في السودان بحسب التعريف العالمي لها، وإنما هناك سوء تغذية وعدم وجود تنوع وخيارات متعددة نتيجة الحرب الجارية الان".
وأكد أبو فداية خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "المسؤول عن تفاقم أزمة الغذاء هو من يهاجم المواطنين مباشرة حتى في المناطق التي لا يوجد فيها نزاع، وهي ميليشيا الدعم السريع، وأما المسؤول الثاني هي الحرب ذاتها، لأنها تمنع الإنتاج أي تؤثر على حجم الزراعات المنتجة".
وتابع، "أيضا ميليشيا الدعم السريع هاجمت المواطنين في ولاية الجزيرة، والتي تُمثل القلب النابض للسودان، وبها أكبر مشروع زراعي مروي في أفريقيا، والذي خرج عن الخدمة تماما، نتيجة لعدم الاستقرار وعدم وجود خدمات، أيضا عدم تزويد الحكومة للمواطنين بالحبوب والأسمدة اللازمين للزراعة على شكل قروض، وذلك نتيجة الحرب ومهاجمة الدعم السريع للمواطنين".
أستاذ العلوم السياسية أحمد علي عثمان، أكد أن "المجاعة في السودان هي قضية قديمة متجددة حيث لم يشهد استقرار منذ تأسيسه، ودائما ما كان يعيش صراعات متكررة يغيب فيها الالتزام بالقانون الدولي".
وأوضح عثمان خلال حديثه لـ"عربي21"، أن "هذه الصراعات ومنها الصراع الحالي لا تحترم الفئات الضعيفة ولا المؤسسات المدنية، وهذا ينعكس بأن يصل الأمر إلى أنها لا تهتم حتى بحماية العاملين في المجال المدني، ما ساهم بتقليص حرية المنظمات العاملة على الأرض وأفقدتها الامان، وهذا انعكس على عملها الاغاثي، ما فاقم أزمة الجوع".
ويرى أن "الفساد والذي ينتشر في السودان بصورة كبيرة جدا خاصة بالمؤسسات والمنظمات المعنية بتقديم الخدمات له دور بتفاقم أزمة الغذاء، حيث يؤدي لعدم وصول الاحتياجات للمواطنين بالقدر الكافي، كما أننا نرى نتيجة للفساد كثير من المواد الغذائية والاغاثية تُباع في الأسواق".
وأكد أن "التدخلات الخارجية في الصراع ساهمت أيضا في تفاقمه وزيادة أثاره الجانبية ومنها أزمة الجوع، ومن أهم الذين يتدخلون هي دولة الإمارات التي تدعم المتمردين، وتشاد وغيرها".
وتابع، "أيضا من الأسباب استخدام بعض دول الجوار السودانيين وخاصة اللاجئين كنوع من الاسترزاق من المنظمات الدولية، وبالتالي كان تعاونها مع هذه المنظمات ليس لسد رمق اللاجئين بل محاولة للتكسب، وهذا ساهم في زيادة الفجوة في الأمن الغذائي وبالتالي تفاقم أزمة الجوع".
ويرى أن "هناك تقصير من قبل وسائل الإعلام سواء المحلية أو الاقليمية أو الدولية، حيث لم يتم تسليط الضوء ولا الاهتمام بقضية تفاقم الجوع في السودان".
المجتمع الدولي
وكان المجتمع الدولي وفق ما يصدر من تصريحات من مسؤولي عدة دول غربية وإقليمية يسعى لوقف الحرب ومساعدة المواطنين السودانيين ومنهم النازحين واللاجئين.
وعادة ما تقوم المنظمات الدولية بتوزيع مواد اغاثية على المواطنين الهاربين من مناطق الصراع، ما يدفعنا للتساؤل هل قام المجتمع الدولي والمنظمات الدولية بما يلزم لمنع أزمة الجوع من التفاقم؟ وما دور الدول الداعمة لطرفي الصراع؟
الخبير البريطاني مارتن بلوت يرى أن "المنظمات الدولية قد فعلت ما في وسعها، لكنها لم تعد فعالة إلا بشكل هامشي خاصة في ظل استمرار الحرب".
وأكد بلوت أن "المجتمع الدولي انخرط في الصراع منذ اندلاعه، حيث يحظى حميدتي بدعم الروس والإمارات العربية المتحدة، وكلاهما يزود قواته بالأسلحة والتمويل".
وأضاف: "كذلك تلقى البرهان بعض الدعم من المصريين والسعوديين، وحاولت إدارة بايدن استخدام الوسائل الدبلوماسية لإنهاء الصراع، حيث قامت بزيارة المنطقة عدة مرات، ولكن دون جدوى، في النهاية المشكلة سودانية والحل في أيدي أمراء الحرب وداعميهم الإقليميين".
من ناحيته يرى أحمد علي عثمان، أن هناك عدم استقرار في العالم أجمع، خاصة مع وجود صرعات تعتبر أكثر زخما من الصراع في السودان، كالحرب في غزة وأوكرانيا، وهذا يجعل العالم يهتم بها أكثر من الاهتمام بالصراع في السودان وأثاره ومنها أزمة الجوع".
وأضاف: "أيضا المنظمات الدولية تتحرك وفق التركيز العالمي على الصراعات، وبالتالي هي نعم تعمل على الأرض في السودان ولكن بصورة ضعيفة جدا وبدون مساهمة دولية كبيرة حيث لم يتم عقد مؤتمرات للمانحين".
وخلص بالقول، "نعم هذه المنظمات الدولية لم تقم بدورها بالشكل المطلوب، ولكن كان ذلك بسبب ما ذكرناه سابقا من عدم وجود مساحة عمل آمنة وعدم الاهتمام الدولي بالصراع الموجود في السودان".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة مقابلات سياسة دولية الأمم المتحدة السودان المجاعة الأمم المتحدة السودان المجاعة الغذاء العالمي المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المنظمات الدولیة المجتمع الدولی الدعم السریع فی السودان أزمة الجوع فی الصراع
إقرأ أيضاً:
المجتمع الدولي و«الحلقة الشريرة» في السودان
في مقالنا السابق، انتقدنا ما اعتبرناه قصورا من المجتمع الدولي في التعامل مع الكارثة الإنسانية في السودان، وذلك بالاستناد إلى ما دار في جلسة مجلس الأمن الدولي بتاريخ 13 مارس/آذار الجاري التي استمعت إلى تقارير صادمة من منظمة «اليونسيف» ومنظمة «أطباء بلا حدود» عن المعاناة غير المسبوقة في البلاد. واعتبرنا هذا الانتقاد مدخلا لمناقشة الجانب السالب من إسهامات الخارج الدولي والإقليمي، واختصارا سنكتب المجتمع الدولي، في المشهد السياسي في السودان.
تدخلات المجتمع الدولي في هذا البلد أو ذاك، يمكن تبريرها بثلاثة عوامل رئيسية، أولها، هو تدخل موضوعي وحتمي مادمنا اليوم نعيش عصر العولمة الذي لا يقبل العزلة والانعزال وتحكمه قوانينه التي لا فكاك منها وتفرض التفاعلات والتداخلات بين مكوناته. وفي البلدان النامية، «العالم الثالث» مستوطن الأزمات والكوارث السياسية والاجتماعية، دائما ما تأتي هذه التدخلات تحت عنوان فض النزاعات وتحقيق السلام ومنع انتقال وتوسع التوترات والصراعات خارج البلد. والعامل الثاني هو سعي المجتمع الدولي الدؤوب لضمان مصالحه الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية، وتجفيف منابع الإرهاب وضمان الاستقرار العالمي. وبالطبع، نحن نتفهم ونقبل هذا السعي الدؤوب، ولكن في نفس الوقت نقول، وبكل حزم وصرامة، لا يمكن أبدا قبول أن تكون مصالح المجتمع الدولي على حساب مصالح شعوبنا. أما العامل الثالث، فيتوفر عند اشتداد التأزم في البلد، وفشل النخب السياسية الوطنية في معالجة الأزمات التي تعصف بالبلاد حد تفاقم النزاعات والصراعات السياسية والاجتماعية والإثنية، السودان نموذجا، مما يدفع المجتمع الدولي لاستدعاء التدابير الأممية وقوانين الشرعية الدولية للتدخل وتقديم الحلول ومحاولة فرض الاستقرار، كما هو الحال في قضايا الحرب والسلام والكوارث الإنسانية…إلخ.
ومع إقرارنا بموضوعية مساهمة المجتمع الدولي في حل أزمات بلداننا وقبولنا لها، إلا أننا في نفس الوقت نفرق، وبوعي تام، بين هذه المساهمة كظاهرة موضوعية حتمية، بل ومطلوبة، وبين محتوى الحلول المضمنة فيها، والتي قد تتعارض مع تطلعاتنا، وأحيانا ربما تزيد الواقع تأزما وتعقيدا، مهما كانت عظمة وقوة حجة علماء السياسة وبنوك التفكير المرتبطة بمراكز اتخاذ القرار في المجتمع الدولي. نعم، قدم لنا المجتمع الدولي خدمات جليلة وحقق إنجازات إيجابية لا يمكن إنكارها، وأخمد بؤر التوتر في العديد من البلدان، سيراليون وساحل العاج ومالي وأفريقيا الوسطى والعراق وليبيا وإثيوبيا…الخ. لكن تشظيات وارتدادات الأزمة في هذه البلدان ظلت كما هي، محدثة انفجارات داوية من حين لآخر. بل وبعضها اقترب إلى ما يشبه إندثار الدولة، كالصومال مثلا. والسودان لم يكن استثناء، حيث ظلت أزماته، ولعشرات السنين، مطروحة على بساط البحث والعلاج في دهاليز المجتمع الدولي، وواقعه يزداد تأزما مع كل صباح جديد. إبان حكم البشير وحربه في جنوب السودان، استقبل الشعب السوداني، بفرح يشوبه القلق، فكرة التدخل الدولي لحل الأزمة في البلاد، خاصة وأن «الروح بلغت الحلقوم» وكان يظن خيرا في الحلول المطروحة/المفروضة من علماء ومفكري المجتمع الدولي وخبرائه في السياسة وفض النزاعات، بأنها ستوقف الحرب وتحقق التحول الديمقراطي وتحفظ وحدة السودان.
وكانت النتيجة الصدمة عندما انفصلت جمهورية جنوب السودان وتفكك السودان إلى دولتين ما لبث أن اندلعت بينهما حرب دامية ضروس، أما التحول الديمقراطي فغاب عن المشهد. ثم توالت حلول ومبادرات المجتمع الدولي، المعلبة والعابرة للقارات، دون أن تمنع انفجار الحرب المدمرة في 15 أبريل/نيسان 2023، ودون أن تضع حدا لها أو تعالج تداعياتها الكارثية والمتفاقمة يوميا، حتى أن الذهن أصبح أقرب إلى قبول ما يطرحه البعض من اشتراك بعض دوائر المجتمع الدولي في مؤامرة محكمة تهدف إلى إعادة تشكيل السودان إلى دويلات على أساس إثني. وللأسف، هناك من يتبنى هذه الرؤية/المؤامرة داخل بعض المكونات السودانية.
وبعيدا عن نظرية المؤامرة، فإن هذه الجوانب السالبة وما يترتب عنها في محتوى الحلول والخدمات الجليلة التي ظل يقدمها المجتمع الدولي لعلاج مشكلات بلداننا، وتحديدا في السودان، تدفعنا إلى الاستنتاج في إمكانية ترشيح المجتمع الدولي ليكون ضمن مكونات «الحلقة الشريرة» في السودان، أو على الأقل مغذيا لفعلها. نعلل لاستنتاجنا هذا بالنقاط التالية:
أولا: الحلول التي يقدمها المجتمع الدولي لعلاج الأزمات المتفجرة في دولنا، ومنها السودان، دائما ما تكون مؤقتة وهشة وانتقائية وجزئية، ودائما ما تنطلق من أفكار مسبقة يغلب عليها الطابع الأكاديمي والإصلاحي، وهذا مفهوم وطبيعي، وقد تحقق متنفّسا، لكنها لا تمس جذور الأزمة، وتحقق فقط تغييرا شكليا، يركز مثلا على هيكل الحكم. وحتى عندما يقترب الحل المطروح من الشمول ومخاطبة كل التفاصيل، تهزمه آليات التنفيذ القاصرة، والتي أيضا يسيطر عليها المنهج الجزئي والانتقائي، فمثلا تحصر الحل في طرفين فقط، كما كان الحال في مفاوضات اتفاقية السلام الشامل.
ثانيا: بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 المشؤومة، سيطرت في أطروحات المجتمع الدولي فكرة أولوية الاستقرار على الديمقراطية، متجاهلة العلاقة الجدلية بين الاثنين، وفارضة معيار خاص بدول العالم النامية للديمقراطية يخفض من سقف طموحات شعوب هذه الدول المتطلعة للديمقراطية الحقيقية وصون حقوق الإنسان، وينطلق من فرضية أن هذه الدولة غير مهيأة لاستقبال الديمقراطية الكاملة. ولنا عبرة في تجربة المجتمع الدولي في التعامل مع انتخابات السودان البرلمانية، 2010.
ثالثا: من واقع بعض السيناريوهات التي تطرحها بعض أطراف المجتمع الدولي لعلاج أزمات السودان، تولد لدينا شعور قوي بأن هذه الأطراف غير معنية بمفاهيم وتصورات وحدة السودان في إطار التنوع، وهي تغض الطرف عن القوة الكامنة التي تفرزها هذه المفاهيم والتصورات في خلق نظم ومؤسسات تستوعب الجميع وتحد من طغيان الصراع الإثني والديني. وبالمقابل، تزداد شكوك البعض حول أن هذه الأطراف تغذي المشاريع المتطلعة إلى فكفكة الروابط التي تشدنا إلى البقاء تحت راية الوطن الواحد.
نقلا عن القدس العربي