الوطن:
2025-01-18@23:56:29 GMT

عبدالرحمن قناوي يكتب: لماذا نحن هنا؟

تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT

عبدالرحمن قناوي يكتب: لماذا نحن هنا؟

بينما يصرخ أحد المطربين الموجوعين من غدر الصحاب، حدّثت صبي القهوة، مستنكرا: «مش عارف إيه اللي بتسمعوه ده يا عبده وبتستحملوه إزاي»، فرد بسرعة: «دول عندنا زي أم كلثوم بالنسبالكم يا أستاذ».. كلماته التي قالها بتلقائيته المعتادة معي صدمتني مرتين، الأولى لأنه ذكرني أن قطار العمر جرى دون عودة وأنه «فات الميعاد» منذ زمن، والثانية للمقارنة بين الست وذلك الموجوع صاحب الاسم الغريب، تلك المقارنة السريعة البسيطة التي وضع بها ذلك الفتى صاحب الـ15 عاما حدا فاصلا بين جيله ومن سبقوه، كشف بها عن انسلاخ جزء من المجتمع من هويته، وتخليه عن تراثه وثقافته.

الصدمة التي سببها لي صديقي الصغير دفعتني لإطلاق تساؤلات عديدة عن النقطة التي وصلنا إليها من تدني الذوق العام، والخروج من عمق عباءة الأصالة والتمسك بالجذور، إلى تلك المنطقة الضحلة التي تعلقنا فيها بالقشور والغث الذي لا يبقى، وأصبح جيل كامل لا يستطيع التفريق بينه وبين السمين، ويفضله عليه كذلك!

تساؤلات كثيرة دارت في خُلدي عن تراجع الهوية وانسحاقها بين محبي ذلك «الترزيع» الصوتي، وآخرين لا يكادون يتحدثون اللغة العربية من الأساس، وانتقلوا من خلط بعض الكلمات من لغاتٍ أجنبية بحديثهم للظهور بشكل «مودرن»، إلى التحدث الكامل بتلك اللغات بشكل كامل، مع نسيان اللغة الأم، وجدتني أسأل نفسي: «لماذا نحن هنا؟».

لم أجد إجابة على أسئلتي إلا في ذاكرتي، التي يتزين كل مكان فيها بمكتبةٍ ضخمة، كنت أقضي فيها ساعات طويلة، من مركز شباب القرية إلى مدارسي من الثانوية إلى الإعدادية، قطعًا لم يقرأ صبي القهوجي كتاب «عن صحبة العشاق.. رواد الكلمة والنغم» للمبدع الراحل خيري شلبي، لم يمر أمام عينيه استشهاده بكلمات موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عن كوكب الشرق، الذي قال فيه إن صوت أم كلثوم كان صوتا زعيما.. لو توفرت له الفرصة لقراءته لما جرؤ على ذلك الوصف.

هؤلاء الشباب والصبية الذين لا يتحدثون العربية، لم يقضوا ساعاتٍ طويلةٍ وسط آلاف الكتب، لم يقرأوا روائع الأدب العالمي بترجمة الهيئة العامة للكتاب، لم يعيشوا بين «عبقريات» العقاد و«أيام» طه حسين و«يوميات» توفيق الحكيم و«عبرات» المنفلوطي»، لم ينهلوا من نهر عمرو بن كلثوم ولا شربوا من كأس أبو نواس، ليعتاد لسانهم لغتهم، وتتمسك أرواحهم بجذورهم.

أصبحنا هنا لأننا لا نقرأ، إذ يثبت تقرير صادر عن منظمة اليونيسكو العام الماضي، أن الطفل العربي يقرأ 7 دقائق سنويًا، بينما الطفل الأمريكي يقرأ 6 دقائق يوميًا، ومعدل ما يقرأه الفرد في العالم العربي سنويًا هو ربع صفحة فقط، بينما أكدت مؤسسة الفكر العربي أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويًا، بينما لا يتعدى متوسط قراءة المواطن العربي 6 دقائق سنويًا، وكذلك إصدارات الكتب في الدول الأوروبية هي الأخرى أكثر بكثير من العالم العربي، بمعدل 100 كتاب في أوروبا مقابل كتابين فقط في منطقتنا، وينشر العالم العربي 1650 كتابا سنويًا، في وقت تنشر فيه الولايات المتحدة 85 ألف كتاب سنويًا.

أرقام تثبت التراجع المرعب للقراءة وقيمتها، ما نتج عنه فقداننا لهويتنا الثقافية وجذورنا، تراجع بدأ باختفاء مشروع «مكتبة الأسرة» وما كانت توفره من كنز ثقافي هائل في كل منزل بالمجان تقريبا، واكتمل باختفاء المكتبات من المدارس ومراكز الشباب، فالجيل الجديد لم يترعرع على إعلانات «مهرجان القراءة للجميع»، ولم ينشأ على القراءة داخل مدرسته، ولا يعرف شيئا عن مهنة «أمين المكتبة»، تراجعٌ استمر وكبُر وتوحش حتى أصبحنا هنا، في ضوضاء المقهى الذي يختلط بها صوت الموجوع بغدر الصحاب مع حديث بلغة أجنبية لمجموعة من الشباب على المنضدة المجاورة، وصوت صبي القهوة يصيح لأحد السائلين عن الطريق: «إنت إيه اللي جابك هنا.. لف وارجع من الأول هتلاقي الطريق».

 

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: القراءة للجميع مكتبة الأسرة سنوی ا

إقرأ أيضاً:

تفاصيل الحالة الصحية للفدائي عبد المنعم قناوي.. فيديو

كشف محمد عبد المنعم قناوي، نجل الفدائي عبد المنعم قناوي، حالة والده الصحية، بعد نقله لمستشفى المعادي العسكري.

وخلال مداخلة هاتفية مع الإعلامي مصطفى بكري ببرنامج «حقائق وأسرار» المذاع على قناة «صدى البلد»، علق محمد قناوي قائلا: "تم نقل الوالد لمستشفى المعادي العسكري، لتقديم الدعم المادي والمعنوي اللازم".

وشدد على أن الرئيس عبد الفتاح السيسي ووزير الدفاع وبعض أجهزة القوات المسلحة اطمأنوا على الفدائي علي عبد المنعم، فور علمهم بحالته الصحية.

ودعا مصطفى بكري بالشفاء العاجل للفدائي عبد المنعم قناوي، ودوام الصحة والعافية له خلال محنته المرضية.

مقالات مشابهة

  • التموين: نستهلك 20 مليون طن قمح سنويًا ولدينا 22 منشأ لاستيراده
  • أكثر من 102 ألف حالة وفاة سنويًا بسبب تلوث الهواء في بنجلاديش
  • هكذا ردّ أنس الشريف على تغريدة لمذيعة قناة العربية نادين خماش تسأل فيها: ما معنى كلمة انتصار؟
  • أحمد حاتم: أوقات فراغ بدايتي بينما الهرم الرابع كان انطلاقتي الجماهيرية
  • تفاصيل الحالة الصحية للفدائي عبد المنعم قناوي.. فيديو
  • عازف الكمان «عبده داغر» صوت «أم كلثوم» «دوزان»
  • د. عصام محمد عبد القادر يكتب: لماذا نظامُ البكالوريا المِصْريّة؟
  • “التجارة” توضح الحالات التي يحق للمستهلك فيها الحصول على سيارة بديلة
  • نجلاء قناوي: تمكين المرأة في صدارة أولويات ڤودافون 
  • حرائق لوس أنجلوس.. متطوعون يسطرون قصص الإنسانية بينما تبحث السلطات عن الحلول عبر الإنترنت (صور)