عبدالرحمن قناوي يكتب: لماذا نحن هنا؟
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
بينما يصرخ أحد المطربين الموجوعين من غدر الصحاب، حدّثت صبي القهوة، مستنكرا: «مش عارف إيه اللي بتسمعوه ده يا عبده وبتستحملوه إزاي»، فرد بسرعة: «دول عندنا زي أم كلثوم بالنسبالكم يا أستاذ».. كلماته التي قالها بتلقائيته المعتادة معي صدمتني مرتين، الأولى لأنه ذكرني أن قطار العمر جرى دون عودة وأنه «فات الميعاد» منذ زمن، والثانية للمقارنة بين الست وذلك الموجوع صاحب الاسم الغريب، تلك المقارنة السريعة البسيطة التي وضع بها ذلك الفتى صاحب الـ15 عاما حدا فاصلا بين جيله ومن سبقوه، كشف بها عن انسلاخ جزء من المجتمع من هويته، وتخليه عن تراثه وثقافته.
الصدمة التي سببها لي صديقي الصغير دفعتني لإطلاق تساؤلات عديدة عن النقطة التي وصلنا إليها من تدني الذوق العام، والخروج من عمق عباءة الأصالة والتمسك بالجذور، إلى تلك المنطقة الضحلة التي تعلقنا فيها بالقشور والغث الذي لا يبقى، وأصبح جيل كامل لا يستطيع التفريق بينه وبين السمين، ويفضله عليه كذلك!
تساؤلات كثيرة دارت في خُلدي عن تراجع الهوية وانسحاقها بين محبي ذلك «الترزيع» الصوتي، وآخرين لا يكادون يتحدثون اللغة العربية من الأساس، وانتقلوا من خلط بعض الكلمات من لغاتٍ أجنبية بحديثهم للظهور بشكل «مودرن»، إلى التحدث الكامل بتلك اللغات بشكل كامل، مع نسيان اللغة الأم، وجدتني أسأل نفسي: «لماذا نحن هنا؟».
لم أجد إجابة على أسئلتي إلا في ذاكرتي، التي يتزين كل مكان فيها بمكتبةٍ ضخمة، كنت أقضي فيها ساعات طويلة، من مركز شباب القرية إلى مدارسي من الثانوية إلى الإعدادية، قطعًا لم يقرأ صبي القهوجي كتاب «عن صحبة العشاق.. رواد الكلمة والنغم» للمبدع الراحل خيري شلبي، لم يمر أمام عينيه استشهاده بكلمات موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب عن كوكب الشرق، الذي قال فيه إن صوت أم كلثوم كان صوتا زعيما.. لو توفرت له الفرصة لقراءته لما جرؤ على ذلك الوصف.
هؤلاء الشباب والصبية الذين لا يتحدثون العربية، لم يقضوا ساعاتٍ طويلةٍ وسط آلاف الكتب، لم يقرأوا روائع الأدب العالمي بترجمة الهيئة العامة للكتاب، لم يعيشوا بين «عبقريات» العقاد و«أيام» طه حسين و«يوميات» توفيق الحكيم و«عبرات» المنفلوطي»، لم ينهلوا من نهر عمرو بن كلثوم ولا شربوا من كأس أبو نواس، ليعتاد لسانهم لغتهم، وتتمسك أرواحهم بجذورهم.
أصبحنا هنا لأننا لا نقرأ، إذ يثبت تقرير صادر عن منظمة اليونيسكو العام الماضي، أن الطفل العربي يقرأ 7 دقائق سنويًا، بينما الطفل الأمريكي يقرأ 6 دقائق يوميًا، ومعدل ما يقرأه الفرد في العالم العربي سنويًا هو ربع صفحة فقط، بينما أكدت مؤسسة الفكر العربي أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويًا، بينما لا يتعدى متوسط قراءة المواطن العربي 6 دقائق سنويًا، وكذلك إصدارات الكتب في الدول الأوروبية هي الأخرى أكثر بكثير من العالم العربي، بمعدل 100 كتاب في أوروبا مقابل كتابين فقط في منطقتنا، وينشر العالم العربي 1650 كتابا سنويًا، في وقت تنشر فيه الولايات المتحدة 85 ألف كتاب سنويًا.
أرقام تثبت التراجع المرعب للقراءة وقيمتها، ما نتج عنه فقداننا لهويتنا الثقافية وجذورنا، تراجع بدأ باختفاء مشروع «مكتبة الأسرة» وما كانت توفره من كنز ثقافي هائل في كل منزل بالمجان تقريبا، واكتمل باختفاء المكتبات من المدارس ومراكز الشباب، فالجيل الجديد لم يترعرع على إعلانات «مهرجان القراءة للجميع»، ولم ينشأ على القراءة داخل مدرسته، ولا يعرف شيئا عن مهنة «أمين المكتبة»، تراجعٌ استمر وكبُر وتوحش حتى أصبحنا هنا، في ضوضاء المقهى الذي يختلط بها صوت الموجوع بغدر الصحاب مع حديث بلغة أجنبية لمجموعة من الشباب على المنضدة المجاورة، وصوت صبي القهوة يصيح لأحد السائلين عن الطريق: «إنت إيه اللي جابك هنا.. لف وارجع من الأول هتلاقي الطريق».
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: القراءة للجميع مكتبة الأسرة سنوی ا
إقرأ أيضاً:
مجلس الوزراء يوافق على تفعيل قانون المالية العامة الموحد لتحديد سقف سنوي لدين الحكومة العامة
وافق مجلس الوزراء في اجتماعه اليوم، الخميس، برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي على تفعيل قانون المالية العامة الموحد لتحديد سقف سنوي لدين الحكومة العامة، بما في ذلك الهيئات الاقتصادية الـ 59، وذلك من خلال إنشاء وحدات مخصصة بوزارة المالية، ووحدات مخصصة للمحاسبة في جميع الهيئات الاقتصادية.
كما وافق مجلس الوزراء على آلية العمل التي من شأنها أن تضمن قيام كافة الجهات القائمة على منظومة الإفراج الجمركي وفروع كافة البنوك بالموانئ بالعمل طوال أيام الأسبوع شاملة العطلات الأسبوعية.
ويأتي هذا القرار في إطار الجهود التي من شأنها أن تسهم في خفض زمن الإفراج الجمركي، وتيسير حركة التجارة الخارجية للدولة، وضمان وصول السلع والمنتجات للمواطنين في أسرع وقت وبأسعار مناسبة، وتوفير الأعباء الإضافية الدولارية عن فترة تكدس الحاويات بالموانئ خلال العطلات الأسبوعية، علماً بأنه سيتم وضع نظام إثابة لتعويض العاملين بتلك الجهات عن العطلات الأسبوعية بما يراعي دعم كفاءة العمل وسرعة الإفراج الجمركي.
ووافق المجلس أيضا على مشروع قرار رئيس الجمهورية بشأن تخصيص مساحة نحو 50 فداناً، من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة، ناحية مركز ومدينة أسيوط، لصالح المحافظة، لاستخدامها في إقامة مصنع تدوير المخلفات الصلبة.
ويأتي ذلك في ضوء التوجيهات الخاصة بسرعة تخصيص الأراضي التي تمت الموافقة عليها لإقامة مدافن صحية ومحطات وسيطة ثابتة في مختلف المحافظات.
كما وافق مجلس الوزراء على مشروع قرار رئيس الجمهورية بتخصيص مساحة نحو 97.12 فدانا، من الأراضي المملوكة للدولة ملكية خاصة، ناحية شرق المنتزه بمحافظة الإسكندرية، لاستخدامها في إنشاء محطات لتحلية مياه البحر، ضمن خطة الدولة للتوسع في إنشاء تلك المحطات حتى عام 2050 بالشراكة مع القطاع الخاص.
ووافق المجلس أيضا على مشروع قرار رئيس الجمهورية بإزالة صفة النفع العام عن عدد 5 قطع أراضٍ بمحافظات الدقهلية، والقليوبية، والبحيرة، والغربية، لتعود إلى أصلها كأملاك دولة خاصة، وإعادة تخصيصها لصالح جهاز مستقبل مصر للتنمية المُستدامة، لاستخدامها في تنفيذ مشروعاته، وتشمل مساحة 2، 14 فدان ناحية المنصورة بمحافظة الدقهلية، ومساحتي 4، 48 فدان و1، 35 فدان ناحية بهتيم بمحافظة القليوبية، ومساحة 5، 54 فدان ناحية دمنهور بمحافظة البحيرة، ومساحة 3، 11 فدان ناحية طنطا بمحافظة الغربية.
كما وافق مجلس الوزراء على التصريح لجهاز حماية وتنمية البحيرات والثروة السمكية، بإجراء مُزايدة محدودة، للطرح بالإيجار، للمساحة الواقعة بمنطقة المُثلث المعدوم في نطاق محافظة الدقهلية، بين الجمعيات التعاونية للثروة المائية العاملة بنطاق المحافظة، وفقاً للشروط المطلوبة.
ويأتي ذلك بالنظر لأهمية مُعاونة هذه الجمعيات على أداء دورها التعاوني في خدمة الصيادين والعمل على تنمية مصادر دخلهم والمساعدة في إقامة مجتمع تعاوني، فضلاً عما تساهم به تلك الجمعيات من دورٍ اقتصادي وتنموي لمجتمع الصيادين.
ووافق مجلس الوزراء على الإذن لصندوق التنمية الحضرية بالتعاقد مع إحدى الشركات العالمية لتقديم الخدمات الاستشارية الخاصة بمشروع إدارة وتشغيل فندق الشوربجي بمحافظة القاهرة، وذلك في ضوء خطة الدولة لتطوير القاهرة التاريخية لاستعادة دورها الحيوي في التعبير عن الطابع العمراني لمصر وجعلها منطقة جذب سياحي.
كما أحال مجلس الوزراء مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون البناء الصادر بالقانون رقم 119 لسنة 2008 إلى وزارة العدل للدراسة.
وينص التعديل على أن تكون الهيئة العامة للأبنية التعليمية هي الجهة الإدارية المختصة بالتخطيط والتنظيم في مفهوم قانون البناء المشار إليه، بالنسبة للمنشآت التعليمية، وذلك تفعيلاً لدور الهيئة في هذا الصدد.