جرهام يشيد باليونسكو فى معالجة قضايا آثار ما بعد الحرب “لجنة حماية الآثار مع الإنتربول والأجهزة الدولية”
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
قدمت المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) أجهزة ومعدات لحماية المتاحف السودانية، وذلك ضمن مشروع حماية التراث الثقافي السوداني المادي وغير المادي. يأتي هذا التعاون بين اليونسكو ووزارة الثقافة والإعلام والهيئة العامة للآثار والمتاحف.
وكشف وزير الثقافة والإعلام، الدكتور جرهام عبد القادر، عن خطة طموحة لمعالجة قضايا الآثار وصيانتها وحمايتها وإعادة عرضها بعد الحرب.
وأكد استمرار تواصل لجنة حماية الآثار مع الإنتربول والأجهزة الدولية. وأشاد بالتعاون المثمر والإيجابي مع اليونسكو، الذي أثمر عن توافق لحماية الآثار وتوفير المعلومات الكافية عن المقتنيات الأثرية ودعم الفنانين العاملين في إطار الثقافة المادية وغير المادية. وأشار إلى أن التعاون مع المجتمع الدولي في مجال الآثار، ممثلاً في اليونسكو، سيكون له أثر إيجابي كبير يخدم قضايا الآثار والسياحة.
وأكد أن المعدات والأجهزة التي قدمتها اليونسكو ستساعد في توفير المعلومات والتوثيق ودعم العاملين. وقال د. عبد الرحمن علي، مسؤول ملف الثقافة في مكتب اليونسكو بالسودان، إن اليونسكو قدمت هذه الأجهزة والمعدات لحماية التراث والآثار السودانية.
كما خصصت دعما ماليا لهيئة الآثار لدعم عدد خمسة متاحف بالولايات الآمنة وعملت على تقييم المخاطر لعدد 9 مواقع بالشمالية ونهر النيل منها 8 مسجلة في قائمة التراث العالمي بمواقع جبل البركل ونبته ومروي واهرامات البجراوية.سوناإنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
اليونسكو والفكر التنويري: تراث البشرية في دائرة الخطر
وافقت اليونسكو في اجتماعها الاستثنائي الذي عقدته في باريس يوم الإثنين في 18 نوفمبر، على حماية 34 موقعًا أثريًا لبنانيًا، استجابة لجهود مكثفة بذلتها وزارة الثقافة اللبنانية لإقناع المجتمع الدولي بأهمية حماية التراث الثقافي اللبناني بعد تعرضه للقصف الإسرائيلي المتعمد.حيث تعرضت مدينة بعلبك، التي تعد من أبرز مواقع التراث العالمي، لأضرار كبيرة نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية. فتضرر السور الخارجي للقلعة الأثرية، وسقطت أجزاء من بنيته، بينما تعرضت "قبة دورس"، المعلم الأيوبي الشهير، لأضرار جسيمة أدت إلى تساقط بعض أحجارها التاريخية. كما لحقت أضرار كبيرة بـ"المنشية" العثمانية، التي كانت تمثل مركزًا سياحيًا وثقافيًا هامًا، حيث دُمرت بشكل شبه كامل، مما يعكس خسائر مادية وثقافية فادحة.
أما مدينة صور، المعروفة بتاريخها الفينيقي العريق، فقد كانت هدفًا لسلسلة غارات جوية إسرائيلية دمرت أحياء كاملة تقع قرب مواقع أثرية بارزة مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو. كما طال الدمار شارع صور البحري وبعض البيوت الأثرية بالقرب من مينائها العريق، مما أدى إلى تشويه جزء كبير من هويتها الثقافية والتاريخية. ناهيك عن خطر الانهيار الكامل لمواقعها الأثرية على المدى الطويل بحسب تقرير المجلس الدولي للآثار والمواقع (ICOMOS)، نتيجة الاهتزازات المتكررة العنيفة التي تتعرض لها المدينة جراء القصف الإسرائيلي العنيف.
الاعتداءات الإسرائيلية لم تقتصر على بعلبك وصور، بل امتدت لتشمل مواقع أثرية وتاريخية أخرى، مثل سوق النبطية، الذي دُمر بشكل شبه كامل، وهو سوق تاريخي يمتد عمره لأكثر من أربعة قرون، ويُعتبر رمزًا للحركة الاقتصادية والاجتماعية في الجنوب اللبناني. كما استُهدفت منازل تراثية وقُرى تاريخية، منها قرية "رسم الحدث" في سهل البقاع، التي شهدت تدمير بيوتها الحجرية القديمة وأشجارها المعمرة بفعل القصف.
كما طالت الاعتداءات دور العبادة التاريخية، مثل كنائس بعلبك القديمة، ومساجد عدة، منها مسجد "كفر تبنيت" ومسجد النبي شعيب في بليدا، التي تعود للعصر العثماني، وتعرضت مآذنها ومبانيها للتدمير الجزئي أو الكلي.
الهجمات الإسرائيلية على المواقع التراثية اللبنانية ليست مجرد أعمال عسكرية، بل هي انتهاك واضح لاتفاقية لاهاي لعام 1954 التي تنص على أن "أي ضرر يلحق بالممتلكات الثقافية هو ضرر للتراث الإنساني ككل". وهي استراتيجية إسرائيلية ممنهجة تهدف إلى طمس الهوية الثقافية والتاريخية للشعب اللبناني، تحت حجج مفتعلة مثل "الاستخدام العسكري" أو "الدروع البشرية" لتبرير استهداف هذه المواقع.
بعلبك وصور من قوائم الحماية إلى قوائم الاستهداف الأسرائيلي
بعلبك، مدينة الشمس، أقدم مدن العالم، ليست مجرد مدينة لبنانية، إنها شهادة حية على تعاقب الحضارات التي أسهمت في بناء الهوية الثقافية للبنان. تحولت بعلبك في العصور الرومانية، إلى مركز ديني ضخم، حيث شُيدت معابد مثل معبد جوبيتر وباخوس وفينوس، وهي رموز للهندسة المعمارية المتقدمة في ذلك العصر. لكنها قبل ذلك كانت مدينة فينيقية تجسد التفاعل الحضاري بين الشرق والغرب. احتضنت بعلبك التراث الإسلامي أيضًا، حيث أُضيفت اللمسات الإسلامية إلى معالمها الأثرية، مما جعلها رمزًا للتنوع والتعايش الثقافي. هذا المزج بين الحضارات يجعلها إرثًا إنسانيًا يتجاوز حدود لبنان ليصبح جزءًا من التراث العالمي.
صور: مهد الملاحة وعاصمة الأرجوان
أما صور، سيدة البحار وعروسة المتوسط، فتمتد جذورها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد.شكلت نقطة التقاء للحضارات المختلفة، من خلال شبكة التجارة الواسعة التي أسسها الفينيقيون، التقت الثقافة الفينيقية بالثقافات المصرية والإغريقية والبابلية والرومانية. هذا التفاعل الثقافي لم يكن مقتصرًا على التجارة فقط، بل امتد إلى الفكر والفن والعلم. استطاع الفينيقيون تحويل مدينة صور، بمهاراتهم الملاحية وابتكاراتهم التجارية، إلى مركز تجاري عالمي. من هذه المدينة انطلقت السفن الأولى التي حملت البضائع والأفكار إلى شمال إفريقيا وجنوب أوروبا. اشتهرت عالميًا بإنتاج صبغة الأرجوان الفريدة، التي استقطبت الملوك والأباطرة من مختلف أنحاء العالم. من صور، أسست أليسار، الأميرة عليسة مدينة قرطاج (تونس اليوم)، التي أصبحت فيما بعد منافسًا تجاريًا وسياسياً للإمبراطورية الرومانية. هذا الامتداد لا يعكس القوة الاقتصادية لصور فحسب، بل قدرتها على التأثير الثقافي عالميًا. استثمرت الحضارة الرومانية في تراث صور وشيدت المعابد والمسارح ومعالم معمارية تاريخية ضخمة، مثل الأعمدة الرومانية والمدرجات التي لا تزال شاهدة على براعة الهندسة الرومانية.
العودة إلى عصور الفوضى
تاريخيًا، كانت هناك حالات عديدة لتدمير التراث الثقافي كوسيلة للسيطرة، حيث دُمرت حضارات كاملة، وتلاشت آثارها بسبب الحروب. في الحربين العالميتين، على سبيل المثال، تعرضت عدة مواقع ثقافية للدمار. والآن، ورغم أن الغرب كان رائدًا في تبني مفاهيم حماية التراث، فإن هذه المبادئ تتعرض للتهديد نتيجة تواطؤ بعض دوله الكبرى والتغاضي على هذه الانتهاكات. إن العودة إلى الأساليب التي تمحو الهوية الثقافية تعني نقضًا كاملًا للمبادئ التي دعمتها المجتمعات الحديثة لسنوات، وتراجعًا إلى عصور الفوضى حيث كانت القوة العسكرية هي المعيار الأساسي، مما يكشف عن بدايات عصر جديد من انعدام القانون تكرسه "الدول المارقة".
قصف التراث: هجوم على الهوية الجماعية
أشار إدوارد سعيد في كتاباته إلى أن تدمير التراث ليس مجرد تخريب مادي، بل جزء من استراتيجية استعمارية تهدف إلى فرض هيمنة ثقافية مفصولة تمامًا عن جذور الشعب الأصيلة. بيير بورديو من جانبه، يرى أن تدمير التراث ليس مجرد هدم للأبنية، بل هو عملية مدروسة تهدف إلى فصل الشعوب عن ماضيها، وإعادة تشكيل وعيها بما يخدم مصالح المستعمر. في الجزائر، استخدمت فرنسا تدمير التراث كوسيلة لكسر الروح الوطنية للشعب الجزائري. إلا أن هذه الممارسات لم تحقق غاياتها، بل شكلت أداة لتوحيد الجزائريين حول هويتهم الثقافية، مما ساهم في إشعال روح المقاومة.
في العصر الحديث، لجأت داعش إلى تدمير مواقع أثرية كجزء من مشروعها لتفكيك الهويات الثقافية. ومع ذلك، أعاد هذا التدمير تسليط الضوء على أهمية حماية التراث كجزء من الهوية الإنسانية. وفي فلسطين، يمثل تدمير المواقع التراثية جزءًا من سياسة أوسع تهدف إلى محو الذاكرة الفلسطينية.
تعرية الفكر التنويري أمام الحروب الحديثة
الفكر التنويري، الذي اشتغل لقرون على تطوير قيم العدالة والحماية الإنسانية والثقافية، يبدوعاريًا أمام إعتداءات إسرائيل التي تعرض نتاجه للدمار. هذا الفكر الذي أنتج منظمات عالمية كاليونسكو وسَنَّ قوانين لحماية التراث، يظهر عاجزًا عن التصدي للقوى العالمية الكبرى التي تعمد إلى تحويل المنظمات الدولية إلى منابر بروتوكولية معطلة الفعالية.
فاجتماعات اليونسكو والجهود المبذولة لتصنيف المواقع الأثرية وحمايتها تُعتبر إنجازات كبيرة في مجال الحفاظ على التراث. لكن في زمن الحروب، يستخدم العدو الإسرائيلي هذه القوائم كأدلة للقصف والتدمير. وأصبحت المواقع الأثرية التي تحمل تصنيفات الحماية أهدافًا مباشرة لإسرائيل. هذه الديناميكية لا تعكس فقط استضعاف الدول التي تُنتهك آثارها، بل تكشف عن أزمة حقيقيقة لدى الفكر الحضاري العالمي. تلك الحضارة الغربية التي عولت على مفاهيم مثل التراث والحداثة، تُظهر تناقضًا حين تُستخدم أدواتها لتدمير ما أنشأته من قيم ومعانٍ. فهذه الجهود التي استثمرت في حماية التراث تُنسف في لحظة، مما يطرح سؤالًا وجوديًا: كيف يمكن لنظام عالمي يروج للحداثة أن يكون عاجزًا عن حماية ما يدّعي الحفاظ عليه؟
المفكر ميشيل فوكو يرى أن سلطة الحداثة تُعيد تشكيل القوانين لتبريرانتهاكاتها، وهو ما يتجسد في حروب "الإبادة الانسانية والثقافية" الإسرائيلية على غزة ولبنان، ما يحرج فكرالتنوير الذي اعتُبر تقدمًا للبشرية، فيما هو يتحول إلى ذراع أخرى تُستخدم لتقويض القيم التي أُنشئ من أجل حمايتها.
بين التراث والإنسان: الحاجة إلى رؤية شاملة
الحفاظ على التراث الثقافي لا يمكن فصله عن حماية الأرواح التي تُنتجه. البشر هم صانعو الحضارة، وغياب الحماية لهم يجعل أي جهود للحفاظ على التراث مجرد قشرة خاوية. استهداف مواقع مثل بعلبك وصور لا يهدف فقط إلى تدمير الحجر، بل إلى ضرب الروح الإنسانية التي تشكلت عبر قرون من التاريخ. المناشدات الدولية، رغم أهميتها، يجب أن تتحول إلى أدوات فعالة تحمي البشر قبل الحجر. هذه اللحظة الحرجة تتطلب رؤية جديدة تُعيد التفكير في أولويات الفكر الحضاري وتؤكد أن التراث الحقيقي يبدأ بحماية الإنسان.