Eric.. خليط متجانس من التعاطف والانزعاج!
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
متابعة بتجــرد: خليط عجيب من الأنواع الفنية والحكايات يجده المشاهد في مسلسل Eric، الذي بدأ بثه مؤخراً على منصة “نتفليكس”، خليط قد يبدو غير متجانساً أو مزعجاً أحياناً، لكن ذلك لن يمنعه، غالباً، من الاستمرار في المشاهدة بترقب واستمتاع.
يتكون Eric من 6 حلقات، يصل زمن كل منها إلى ما يقرب من الساعة، بمجمل 5 ساعات ونصف الساعة تقريباً، وهو زمن يبدو طويلاً أيضاً بالنظر إلى أحداث المسلسل، التي تدور حول شخصيات محدودة خلال أيام معدودة تتمحور حول خط رئيسي، وبضعة خطوط فرعية تبدو، أحياناً، مقحمة وفائضة.
على أي حال، ليس هذا من الأعمال التي تثير انطباعاً واحداً لديك، بالإعجاب أو النفور أو اللامبالاة، وحتى العناصر الفنية المفردة يمكن أن تثير لديك انطباعات متناقضة.
خذ عندك، مثلاً، أداء بطل العمل الممثل الإنجليزي اللامع بيندكت كامبرباتش، الذي يلعب الشخصية المحورية بالمسلسل، وهي شخصية “فينسنت” صانع ولاعب العرائس، الذي يعاني من مشاكل نفسية ناتجة عن علاقته المعقدة بأبيه المليونير سارق الفقراء، وأمه عديمة الحس بأي شئ خارج نطاق اهتمامها بطلاء أظافرها وحياتها اليومية المرفهة، هذه العلاقة أدت بـ”فنسنت” إلى هجر منزل العائلة، والعيش صعلوكاً مع زوجته ابنة الطبقة المتوسطة، والتي أنجب منها صبياً يحمل موهبة أبيه في الرسم.
بطل لا يتمتع بالبطولة
التمرد الذي تتسم به شخصية “فنسنت” يطال كل شئ وشخص حوله، وينعكس سلباً على علاقته بزوجته، ثم ابنه، وبرؤساء وزملاء العمل في برنامج الأطفال التليفزيوني الذي يقدمونه.
تذكرنا شخصية “فنسنت” بشخصية “كريج” بطل فيلم Being John Malkovich، التي أداها جون كوزاك، لكن “فنسنت” هنا أكثر عصابية وعنفاً، يضاف إلى ذلك إدمانه للكحول والمخدرات، ومع أداء كامبرباتش الذي يتسم كعادته بالحيوية الزائدة ودفع الأمور إلى الحافة، فإن شخصية “فنسنت” لا تثير التعاطف بقدر ما تثير الغضب والانزعاج الشديد أحياناً.
في أحد المشاهد، وقد فقد ابنه ذات صباح وزوجته اتهمته بقتل الولد، وتم اعتقاله قبل أن يثبت براءته فيتم إخلاء سبيله، يذهب “فنسنت” ليسهر ويشرب ويتعاطى ويرقص حتى الصباح، ويتحدث إلى شخصية نسجها خياله، الوحش اللطيف “إريك” (الذي يذكرنا بالوحش سوليفان، أو شلبي، من سلسلة أفلام Monsters, inc).
في مشهد آخر يقترب “فنسنت” جداً من العثور على ابنه المفقود، ولكنه يضيعه بسبب انجذابه إلى سيجارة مخدر قوي، يشحذها من أحد المتسولين.
بشكل عام كامبرباتش ممثل قوي للغاية، وليس هناك مشكلة في أن يلعب دور شخصية شريرة أو سلبية تثير لدى المشاهد الخوف أو الرفض أو الكراهية، فكم من ممثل كبير تفنن في أدوار الشر، ولكن المشكلة هنا أن المسلسل يدعونا إلى التعاطف معه، بحكم كونه الشخصية الرئيسية، كما يضع الحل على يديه في النهاية، كعادة الأفلام، والتحول الذي يمر به هو أساس فكرة المسلسل: أن على المرء أن يتخلص من عقد طفولته حتى لا ينقلها إلى أبناءه، ولكن هذا التحول يتم “سلقه” في النهاية بشكل مفاجئ.
لا شك أن بيندكت كامبرباتش يتمتع بكاريزما وقدرة على بث الحياة في أي شخصية يلعبها، وهو هنا يبذل مجهوداً هائلاً، ولا يبخل على الدور باي مظهر سلبي أو قبيح أو مهين، وبالطبع يصبح محور الضوء والجاذبية في أي مشهد يلعبه، ولكن ذلك لا يمنع المشاهد من عدم الارتياح أحياناً، أو كثيراً، بسبب رفضه للشخصية التي يفترض أن تكون بطلة وحاملة قيم العمل الأخلاقية والإنسانية.
بطل مواز مثير للخلاف
بجانب شخصية فنسنت هناك بطل آخر للعمل، هو المحقق الأسود مايكل بأداء ماكينلي بيلشر، وقصة مايكل والأحداث التي يمر بها في المسلسل خط مواز، ولا يكاد يكون له علاقة بخط الطفل المفقود وبحث أبيه عنه، ويمكنها أن تصنع فيلماً أو مسلسلاً مستقلاً: المحقق الشريف “المختلف” عرقياً أو جنسياً أو طبقياً عن الوسط المحيط به، الذي يتصدى للفساد الجمعي المنظم داخل قسم الشرطة أو الحي أو المدينة كلها.
“مايكل” هو الشخصية الأكثر إيجابية ونزاهة وتأثيراً في دراما المسلسل، لكن “اختلافه” يمكن أن يثير حفيظة أو عدم رضاء قطاع من المشاهدين أيضاً، الشئ نفسه ينطبق على شخصية الزوجة التي تؤديها جابي هوفمان، فهي رغم رقتها وحبها لزوجها وابنها حادة الطباع بشكل زائد، ويتبين لاحقاً أنها خائنة وحبلى من رجل آخر، ما يجعل المشاهد متحفظاً وغير قادراً على التعاطف معها أيضاً.
ربما يكون الصبي الصغير الذي يؤدي دوره إيفان موريس، وشخصية الرسام المتشرد الأسود الذي يحميه من الضياع هما الشخصيتين الأكثر إثارة للتعاطف، وإن كانت مساحة دورهما وتأثيرهما محدودين للغاية.
اختيارات غامضة الأسباب
لسبب غامض، المسلسل إنجليزي ولكن الأحداث تدور في مدينة نيويورك، ولسبب غامض تدور الأحداث في الثمانينيات وليس العصر الحالي، مع أن الفترة التاريخية ليست مرتبطة بالفكرة والقصة التي يمكن أن تدور الآن بسهولة، ولكن ربما تكون الأسباب “فنية” متعلقة بنوعية التصوير والألوان والملابس والمزاج العام الذي يثيره العمل.
ويمكن أن نلاحظ هذه المسألة على العديد من انتاجات “نتفليكس” (وغيرها) خلال السنوات الأخيرة، إذ هناك اتجاه لأن تكون الأعمال في حقبات زمنية وأماكن غير مألوفة، وخاصة أن مؤلفة العمل آبي مورجان لديها ولع بفترة الثمانينيات (من أشهر أعمالها فيلم The Iron Lady الذي يتناول شخصية رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت ثاتشر والذي لعبت بطولته ميريل ستريب).
مخرجة العمل امرأة أيضاً هي لوسي فوربس، ولكن كون العمل من تاليف وإخراج امرأتين لا يعني أنه محمل بهم أو فكر نسوي أو أنثوي، بل تكاد تكون فيه النسوية والإناث أكثر سلبية وضعفا بشكل ملفت للنظر.
من الصعب أيضا تحديد النوع الفني للمسلسل، جزئياً ينتمي لنوعية “الأطفال المفقودين” ورحلة البحث عنهم التي تكشف أسراراً، وجزئياً ينتمي لنوع الصعلوك المتمرد على أسرته الذي يتحتم عليه التصالح مع اشباح الماضي، وجزئياً ينتمي لنوع البطل المختلف الذي يواجه الفساد، وشعار الفيلم الذي يتكرر هو “كن مختلفاً”، وهذه الخطوط تسير بالتوازي، وقلما تتلاقى.
هذا عمل يحمل مزيجاً عجيباً غريب الطعم، جذاب ولاذع ومُر في الوقت نفسه، عمل لن يصيب مشاهده بالملل أو الرفض، ولكنه لن يشعره بالارتياح أيضاً.
main 2024-07-25 Bitajarodالمصدر: بتجرد
إقرأ أيضاً:
بالدم.. قصة مشوّقة أم اقتباس غير معلن؟ جدل حول العمل اللبناني الأبرز في رمضان
فرض المسلسل اللبناني "بالدم" نفسه بقوة في السباق الرمضاني الحالي، محققا نسب مشاهدة عالية على منصة "شاهد"، وسط إنتاج شحيح للدراما اللبنانية المشتركة هذا العام.
العمل، الذي يجمع الممثلة ماغي بو غصن بالكاتبة نادين جابر والمخرج فيليب أسمر، يأتي استكمالا لشراكات فنية ناجحة جمعتهم سابقا في أعمال مثل "ع أمل" وسلسلة "للموت".
وعلى الرغم من الإشادات النقدية والجماهيرية التي حصدها المسلسل، فإنه لم يسلم من الجدل، إذ وجد نفسه في قلب عاصفة من التساؤلات حول مدى أصالة قصته بعدما طُرحت اتهامات بأنه مقتبس عن قصة حقيقية دون موافقة صاحبتها.
اقتباس أم توارد أفكار؟تدور أحداث المسلسل حول المحامية "غالية"، التي تكتشف أن ابنتها مصابة بمرض وراثي خطير، لكنها تفاجأ عند إجراء الفحوص الطبية أن سجلها العائلي يخلو تماما من هذا المرض.
تكتشف لاحقا أن عائلتها ليست عائلتها البيولوجية، وأنها تم استبدالها عند الولادة دون علم والديها الحقيقيين، مما يدفعها إلى رحلة بحث مؤلمة لكشف الحقيقة.
هذه القصة أثارت موجة جدل واسعة فور عرض الحلقات الأولى، حيث لاحظ كثيرون تشابهها الكبير مع قصة السيدة اللبنانية "غريتا الزغبي"، التي سبق أن ظهرت على إحدى القنوات اللبنانية قبل أعوام، بحثا عن عائلتها البيولوجية بعد تعرضها لتجربة مشابهة تماما.
إعلانوبعد تصاعد الجدل، خرجت الزغبي بتصريحات تؤكد أن صُنّاع المسلسل لم يحصلوا على موافقتها لاستلهام قصتها، رغم أن العمل يُروّج لنفسه على أنه "مستوحى من أحداث حقيقية". في حين التزم فريق العمل الصمت تجاه هذه الاتهامات، مكتفيا بالترويج للمسلسل والاحتفاء بنجاحه.
تناول جريء لقضايا مجتمعيةبعيدا عن الجدل حول القصة، يحسب لمسلسل "بالدم" تسليطه الضوء على قضايا مجتمعية وإنسانية هامة، حيث يناقش موضوع تجارة الأطفال في لبنان، وهي إحدى الظواهر المسكوت عنها في الأعمال الدرامية.
ويعكس هذا النهج حرص بو غصن على تقديم محتوى اجتماعي مؤثر، كما فعلت العام الماضي في مسلسل "ع أمل"، الذي ناقش قضايا العنف ضد المرأة، كما نجحت نادين جابر في كتابة نص درامي عميق استطاعت من خلاله دمج الإثارة والتشويق مع البعد العاطفي والإنساني، مما زاد من جماهيرية العمل بين فئات مختلفة من المشاهدين.
بين التشويق والملل.. تذبذب إيقاع الحلقاتانطلق "بالدم" بحلقات شديدة التشويق، حيث اعتمد على إيقاع سريع ومفاجآت درامية غير متوقعة أبقت الجمهور في حالة ترقّب دائم. لكن مع مرور خمس حلقات تقريبا، بدأ المسلسل يشهد تباطؤا دراميا، حيث تكررت بعض المشاهد، وظهرت أحداث مستهلكة سبق استخدامها في العديد من المسلسلات العربية، مما خلق حالة من الملل لدى بعض المشاهدين.
غير أن العمل استعاد زخمه الدرامي بعد عدة حلقات، ليعيد التشويق والإثارة إلى الأحداث مجددا، وهو ما انعكس على تفاعل الجمهور، الذي عاد ليتابع المسلسل بحماس أكبر مع تصاعد الأحداث.
نجاح مضمون أم تكرار للوجوه؟ورغم النجاح الكبير الذي يحققه "بالدم"، فإن هناك تساؤلات عن إصرار بو غصن على التعاون مع الفريق الفني نفسه منذ سنوات دون المغامرة بتجربة جديدة. فمنذ بداية مسيرتها في البطولات المطلقة، ارتبطت فنيا بزوجها المنتج جمال سنان، وشكّلت شراكة طويلة مع الكاتبة نادين جابر والمخرج فيليب أسمر، الذي أخرج لها خمسة أعمال درامية حتى الآن، وهو أيضا أحد أبرز المخرجين اللبنانيين الذين تعاونوا مع منافستها نادين نسيب نجيم في أنجح مسلسلاتها.
إعلانالأمر نفسه ينطبق على فريق الممثلين، إذ يضم العمل وجوها سبق أن تعاونت معها بو غصن في أعمالها السابقة، مثل رفيق علي أحمد، وبديع أبو شقرا، وباسم مغنية، الذين شاركوا في "للموت"، إلى جانب رولا بقسماتي وكارول بو عبود ونوال كامل، اللواتي ظهرن معها في "ع أمل"، بالإضافة إلى جيسي عبدو التي تعيد التعاون معها بعد سبع سنوات من مشاركتهما في مسلسل "جوليا".
في المقابل، شهد المسلسل مشاركة الفنانة الشابة مارلين نعمان، التي لم تكتفِ بالتمثيل، بل أدّت أيضا شارة المسلسل "أنا مين"، بعد أن لفتت الأنظار العام الماضي في مسلسل "ع أمل".
ويبقى "بالدم" أحد أكثر المسلسلات مشاهدة في رمضان 2025، حيث استطاع أن يجمع بين الدراما الاجتماعية والتشويق مع أداء تمثيلي متميز.