ماذا سيحدث بعد انحسار الأزمة المالية في اليمن؟
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
شمسان بوست/ متابعات:
نجحت التحركات الدبلوماسية المكثفة التي قادها المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في احتواء العاصفة المصرفية التي عصفت باليمن خلال الأشهر الماضية بعد قرارات البنك المركزي الحكومي في عدن التي وصلت إلى سحب تراخيص البنوك التي كانت على بعد ثلاثة أيام من سريان قرار إيقافها من التعامل مع نظام التحويلات العالمية “سويفت”.
وأعلن المبعوث الأممي التوصل إلى اتفاق يتضمن عدة تدابير لخفض التصعيد في ما يتعلق بالقطاع المصرفي والخطوط الجوية اليمنية أهمها الغاء القرارات والإجراءات الأخيرة ضد البنوك من الجانبين والتوقف مستقبلا عن أي قرارات أو إجراءات مماثله، واستئناف طيران اليمنية للرحلات بين صنعاء والأردن وزيادة عدد رحلاتها إلى ثلاث يومياً، وتسيير رحلات إلى القاهرة والهند يومياً أو بحسب الحاجة.
يأتي ذلك بعد أيام عصيبة عاشها اليمن وحالة الترقب لنتائج التحركات الدبلوماسية المكثفة التي انتهت بالاتفاق الأخير ورغم ذلك، تبرز مخاوف واسعة في اليمن من تركز الصراع بشكل رئيسي في الجانب المالي والمصرفي حيث تعيش البنوك العاملة في اليمن أسوأ وأخطر مرحلة تهدد وضعيتها المضطربة والمتأرجحة.
وفي الوقت الذي وصل الصراع في هذا الجانب إلى ذروته، عادت الوساطة العمانية والأممية التي تتركز في مسارين متوازيين؛ بالظهور مجدداً منذ توقف كل هذه التحركات عقب إعلان المبعوث الأممي إلى اليمن في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي 2023، عن توافق جميع الأطراف على خريطة الطريق لحل الملفات المعقدة والتمهيد لمفاوضات إحلال السلام في اليمن.
الخبير الاقتصادي مطهر العباسي، أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء، يشدد في حديثه لـ”العربي الجديد”، على أن المرحلة الراهنة تطلب أكثر من أي وقت مضى التوافق بين جميع الأطراف في صنعاء وعدن بعد أن وصلت الأمور إلى مرحلة تهدد وضعية القطاع المصرفي والذي قد لا يسلم من تبعاته أحد حيث لا يكترث الطرفان بماذا يعني انهيار البنوك على مختلف نواحي الحياة والبلاد بشكل عام.
ويعتمد البنك المركزي الحكومي في التحويلات المالية الدولية إلى جانب “سويفت”، شبكة “أيبان”، إضافة إلى إطلاقه مطلع العام الحالي 2024، شبكة التحويلات المالية المحلية الموحدة “ون موني”، إذ يحذر خبراء اقتصاد ومصرفيون من استمرار الصراع حول البنوك وتبعات ذلك في التأثير على وضعيتها في شبكات التحويلات الدولية المعتمدة وما ينتج عنه من خسائر مكلفة تفوق قدرات البنوك والقطاع المالي والمصرفي.
وكانت الأمم المتحدة قد حذرت في 13 يونيو/ حزيران من تحركات سلطتي “الحوثيين” والحكومة المعترف بها دولياً، اللتين أصدرتا في وقت سابق، توجيهات منافسة وصارمة بشكل متزايد تحظر على الأفراد والشركات والمؤسسات المالية المحلية والدولية التعامل مع البنوك الموجودة في المناطق الخاضعة لسيطرة الطرف الآخر.
الباحث الاقتصادي عصام مقبل، يشير في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن ما شهده اليمن خلال الفترة الماضية من قرارات صادرة هنا وهناك في كل من عدن وصنعاء مثل قرار بنك عدن بشأن مزاولة نشاط التحويلات المالية الداخلية وغيرها من القرارات، واحتجاز الحوثيين لطائرات الخطوط الجوية اليمنية؛ بمثابة أوراق ضغط يجهزها كل طرف لتقوية موقفة في المفاوضات التي بدأت بطابع إنساني حول الأسرى والمحتجزين. ويحذر من العودة إلى استخدام هذه الأواق مرة أخرى من كلا الطرفين.
ويرى مقبل، أن التجارب السابقة للأطراف المتصارعة لا تشجع على التفاؤل في التوصل لحل يضع حدا لمعاناة اليمنيين بفعل الصراع المحتدم بينهما والذي فاقم مؤخراً الأزمة الإنسانية ومعاناة المواطنين بشكل كبير وبصورة لم يعد أحد قادرا على تحملها، إذ يرفض كل طرف التنازل من أجل البلاد.
بدوره، يؤكد الباحث الاقتصادي والمالي وحيد الفودعي، لـ”العربي الجديد”، أن للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها اليمن أبعادا أخرى لا تتوقف عند حدود قرار البنك المركزي في عدن سواء بنقل إدارة عمليات البنوك أو استبعاد شبكات من نظام التحويلات، مشيراً إلى مشكلة مهمة أخرى لها تبعات إنسانية عديدة نتيجة توقف صادرات النفط وانهيار سعر الصرف، كما يلفت إلى ضرورة التفاوض مباشرة مع البنوك والبحث عن بدائل أقل حساسية من المصارف لدفع الحوثيين إلى المفاوضات وإجبارهم على السلام.
المصدر: شمسان بوست
كلمات دلالية: فی الیمن
إقرأ أيضاً:
انحسار النفوذ الإيراني في المنطقة وتداعياته
منذ اغتيال الشهيد إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، توالت إشارات الاستفهام والتساؤلات حول مدى جديّة المواقف الإيرانية، سواء بالرد على انتهاك سيادتها، أو بمواصلة دعمها لأذرعها في لبنان وسوريا والعراق. كما ضَعُفت وتيرة الحديث عن الوضع في قطاع غزة الذي ما زال يشهد أبشع مجازر إبادة جماعية عرفتها البشرية منذ عقود طويلة. وقد برز ذلك التراجع في تصريحات المسؤولين الإيرانيين في مناسبات عديدة.
بالمقابل تزايد الحديث عن البرنامج النووي الإيراني، وإمكانية التوصل إلى اتفاق جديد مع الأطراف الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
واليوم ما شهدته الساحة السورية من تطورات دراماتيكية، لاحظنا هذا التراجع الكبير لإيران عن مواقفها السابقة في دعمها للرئيس المخلوع الأسد، وفي تراجعها أيضاً عن وصف القيادة السورية الجديدة من عصابات إرهابية مسلحة، إلى إمكانية التعامل معها مستقبلاً، وكان خطابها أشبه بمواقف الدول الغربية؛ بتأكيد حرصها على سيادة سوريا ووحدة أراضيها، والاستعداد لإعادة فتح سفارتها بدمشق، ولم يكن تصريح وزير خارجيتها عراقجي، إلا محط تنازل كبير ومثير للدهشة عندما قال مؤخراً، في خضم هذه الأحداث «لا يمكن التنبؤ بمصير الرئيس السوري بشار الأسد»، وكأن هذا يحمل في طياته عبارة صريحة ورسالة إلى الولايات المتحدة تحمل في مضامينها تخلي إيران التام عن مؤازرتها، بل تبنيها لرمز النظام المخلوع.
وما سحب المستشارين الإيرانيين وكبار قادة الحرس الثوري والعسكريين مع عائلاتهم من سوريا – قبل بدء هذه الأحداث وفي تلك الظروف التي يعاني منها النظام في مواجهة معضلة انهياره الوشيك – إلا دليل أقوى على مدى هذا التراجع الإيراني في دعم الحليف السوري.
ولعل هذا يقود إلى العودة بالذاكرة إلى الوراء قليلاً، في معرض مراجعة المواقف الإيرانية من حزب الله والمقاومة في غزة، التي كانت عرضة – كما بدا واتضح لاحقاً – للمساومة عليها مقابل ضمان مصالح إيران مع الولايات المتحدة؛ حينما صرح رئيسها الجديد آنذاك من على منصة الأمم المتحدة بأنهم والأميركيين إخوة ولا خلاف بينهم، وبأن كل شيء قابل للنقاش.
ومن ناحية أخرى، لم يكن الرد الإيراني على الرد الإسرائيلي في تلك الآونة، إلا ردا خجولا لا يرتقي إلى سلة المواقف السابقة النارية، التي اعتبرت آنذاك تهديدا باتساع الحرب، لتشمل دول المنطقة برمتها.
إن هذا التراجع الايراني الذي شهدته الأيام السابقة في عدم دعم ومؤازرة الأسد الحليف الأول لهم؛ كان أحد عوامل السقوط المدوي لنظامه، وبسط قوات المعارضة السورية المسلحة سيطرتها على البلاد في غضون أحد عشر يوماً. وقبل ذلك، تَركْ حزب الله فريسةً لقوات الاحتلال الإسرائيلي الغازية، تحت مسمى الإبقاء على قواعد الاشتباك التقليدية – مع تعديلات طفيفة – من دون اللجوء لاستخدام ترسانة الأسلحة، خاصة الصواريخ الدقيقة التي طالما تحدث عنها حزب الله؛ ما مكّن دولة الكيان من تصفية قياداته، وإخضاعه لاتفاق أقل ما يُقال عنه أنه لم يكن في صالح لبنان، أو حزب الله أو ما كان يسمى «محور المقاومة».
هذا التراجع لا تفسير له ، سوى إعادة تموضع للسياسة الإيرانية في مواجهة استحقاقات جديدة مع قدوم الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، واستِعار الحملة الغربية لإنهاء النفوذ الإيراني وأذرعه من المنطقة، أكثر من كونه مجرد «تقليم أظافر إيران».
وهذا بدوره يمثل انحسارا، بل هزيمة لسياسة إيران في المنطقة، وانكفاء مشروعها بكل مقدراتها العسكرية التي كانت تمتلكها، وإسقاطاً لهيمنتها على المنطقة، وإدخال «محور الممانعة» في غياهب المجهول، مع تعاظم الدور الإسرائيلي في لبنان، واحتلال آخر لأراضٍ سورية جديدة، وتدمير القدرات العسكرية للجيش السوري بعد هروب أزلام وقيادات النظام، وتفكيك وحدة الساحات، وتزايد مجازر الإبادة في قطاع غزة، وظهور بوادر استيطان حقيقية إسرائيلية في الضفة الغربية وشمال غزة، تمهيداً لمشروع الضم المنتظر، وتعاظم اعتداءات المستوطنين على السكان الفلسطينيين ومصادرة أملاكهم هناك، واستمرار نتنياهو بفرض شروط جديدة على المقاومة بشأن صفقة تبادل الأسرى، والعمل على تعطيلها بهدف مواصلة حربه الإجرامية على قطاع غزة.
التردد في دعم المقاومة بكل أطيافها، دعما حقيقيا قد أفضى إلى إضعاف المقاومة،
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل ما حدث هو تراجع إيراني حقا؟ أم أن هناك قراءة لا موضوعية، بل خاطئة لموقف إيران وسياستها؟
إن تذبذب المواقف الإيرانية منذ السابع من أكتوبر 2023 وبدء معركة طوفان الأقصى، التي شكلت انعطافة استراتيجية أظهر إمكانية هزيمة المشروع الصهيوني بكل أشكاله وصوره، هذا التذبذب، بل التردد في دعم المقاومة بكل أطيافها، دعما حقيقيا قد أفضى إلى إضعاف المقاومة، وأدى إلى هذه النتائج التي كانت ستشكل تفاصيل المشهد الجيوسياسي الجديد للشرق الأوسط لصالح المقاومة، وليس لصالح مشروع نتنياهو- ترامب القادم من خلال خريطة «الازدهار» التي سبق أن عرضها نتنياهو. والسؤال أيضا، هل هُزمتْ إيران أخيراً في هذا الصراع في المنطقة؟
أم أن هناك خلطا للأوراق والمطلوب إعادة ترتيبها من جديد؟ وهل كانت القراءة الإيرانية للأحداث قراءةً خاطئة؟ وهل كان تقديرها للأطراف كافة، سواءً في «محور المقاومة»، أو من جهة فصائل المعارضة السورية المسلحة ضعيفاً وغير دقيق؟ إن الإجابة على هذا السؤال ستأتي ربما من دمشق أو من غزة، ولربما الأيام المقبلة سيكشف عن حقائق مهولة حيال المواقف الإيرانية الأخيرة، والتي أدت إلى هذه النهايات الصادمة وغير المتوقعة.
ختاما، إذا كان نتنياهو وقادة الكيان قد حققوا إنجازات، أو ما سموها انتصارات في ساحة لبنان وسوريا، من خلال انحسار النفوذ الإيراني وإضعاف أذرعه في المنطقة، فإن هزيمتهم ما زالت معلّقة على أنقاض غزة، وفي رمالها وأمام شعبها الشهيد الحي الصامد.
القدس العربي