المقاومة تبيع الآيس كريم في إسطنبول!
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
كانت ليلة صيفية هبت عليها نسائم باردة خفيفة تشجع المرء على أن يخرج من سجن البيوت والمكاتب إلى رحب الشوارع وفضاءات الميادين؛ التي حرمنا منها بحكم العمل، والانشغالات وقررت أن أتناول "الآيس كريم" وقد نصحني أحد الأصدقاء بمحل لبيع المثلجات والعصائر في أحد الأحياء القريبة من الحي الذي به أسكن، فأخذت بالنصيحة، لا سيما أن ما شجعني أن هذا المحل، ووفقا لقسم صديقي يبيع، عصير وأيس كريم المانجو الذي حرمت منه منذ عشر سنوات، هي عدد سنوات إقامتي في منفاي الجبري، فتشجعت وأخذت القرار.
دخلت المحل، فإذا بها تقف خلف طاولة بيع الآيس الكريم، فكان أولا ما رأيت في المحل عينيها اللامعتين، اللتان تشع بالذكاء والعمق، كأنها تحمل في طياتها أسرار العالم وأحلامه، عينان تعكس قوة داخلية وشغفا بالحياة، واعتزازا بالنفس، وكأنها تملك الأرض، كانت تجسد معنى القوة والثبات، ألقيت عليها تحية المساء فردت بصوت شامي، فقلت، فلسطينية أنت، قالت، ـ بكل فخر ـ وشمم، نعم، فقال، من أين، فزاد الفخر فردت وهي ترفع رأسها في حركة لا إرادية لرئيس منتصر في حرب ضروس، من غزة، فقلت متى جئت إلى إسطنبول قالت من ثماني سنوات، قلت يعني خرجت من غزة وكان عمرك خمسا أو ست سنوات، قالت نعم كان عمري وقتها سبع سنوات، قلت لها من أي دار في غزة أنت، قالت ببراءة الأطفال من دار جدي.
بعد أن طالت الحرب، ودخولها الشهر العاشر، ومع تزايد أعداد الشهداء، الذين أحصي منهم ما يقارب الـ 39 ألفا غير أولئك الذين يقبعون تحت ركام منازلهم، حيث تعجز فرق الإنقاذ وآليتهم من رفع الأنقاض عنهم، لانتشال جثامينهم، تتعالى أصوات بفعل فتح فضاءات بعض القنوات، بالتنديد بالحرب ومن أشعلها، محاولين إقناع العوام والضعاف وقليلي العلم، أن من أيقظ المارد هو من تسبب في قتل العباد وتخريب البلاد، وجلب بفعله الويلات، وتسبب في نزوح الناس عن ديارهم، ضاربون المثل بالخليفة عمر بن الخطاب الذي أجل تنفيذ حد السرقة في عام الرمادة، ولم يأخذ من الناس الزكاة، وإنه لعمري قياس عجيب، محملين القراءة الاستراتيجية لقادة المقومة واتخاذ قرار طوفان الأقصى أودى بالبلاد إلى التهلكة.
المقاومة أعدت واستعادت، ما استطاعت، وما لم نتخيل، فمن كان يحلم أن تصمد المقاومة، عشرة أشهر ولا تزال، فلو شئنا أن نحمل إحدى قراءاته الخطأ فاللوم على قادة الاحتلال وحلفائهم من الغرب والشرق، من يملكون كل أدوات القراءة الاستشرافية ودارسين لردود الفعل.فيا أصحاب الاستدلالات، بنفس منطقكم، فإن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن ذا رؤية ولم يقرأ المشهد عندما دفع ب 313 مقاتلا أمام ألف من المشركين في بدر، وجانبه الصواب في أحد حين قرر الخروج للمشركين الذين دفعوا بأشد رجالهم لرد هزيمة بدر، ومن ثم يلام على هزيمة الصحابة في الغزوة، ولعل صلاح الدين أصابه الجنون حين قرر ملاقاة كل جيوش أوروبا بأسلحتها الحديثة التي لم يعهدها المسلمون، فيقدر الله له أن يفتح بيت المقدس بعد أن غاب عن المسلمين 88 عاما، وبالمثل كان قطز الذي قرر أن يواجه التتار الذين هزموا جيوش حواضر المسلمين في بغداد ودمشق وحرقوا الأخضر واليابس، إلا أن الله قدر أن تكون عين جالوت، واحدة من أيام الله، التي أعز الله بها المسلمين وحفظ الإسلام.
روي عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إنه قال لما كان يوم بدر نظر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أصحابه، وهم، يومئذ، ثلاثمئة ونيف، ونظر إلى المشركين، فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل، ـ صلى الله عليه وسلم ـ القبلة، ثم مد يديه وعليه رداؤه وإزاره، ثم قال: (اللهم أين ما وعدتني؟ اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام، فلا تعبد في الأرض أبدا)، قال عمر: فما زال يستغيث ربه ويدعوه حتى سقط رداؤه.
هذا تاريخنا وهذا ديننا، الذي أمرنا بالاستعداد، بما نستطيع، ولعلي أشهد الله، أن المقاومة أعدت واستعادت، ما استطاعت، وما لم نتخيل، فمن كان يحلم أن تصمد المقاومة، عشرة أشهر ولا تزال، فلو شئنا أن نحمل إحدى قراءاته الخطأ فاللوم على قادة الاحتلال وحلفائهم من الغرب والشرق، من يملكون كل أدوات القراءة الاستشرافية ودارسين لردود الفعل.
لقد كانت الطفلة الصغيرة، بائعة الآيس كريم، باعتزازها بالمقاومة، وفخرها بما يقوم به المقاومون، ونشرها ذلك وحديثها عنه، في حد ذاته مقاومة، لقد كانت بائعة الآيس كريم، أشد فقهاً وعلماً ممن يدعون الثقافة والفهم، ويدعون إجادة قراءة الواقع وحتى المستقبل، هذه العزة التي ملأت روح الطفلة الصغيرة، إنما منبعها إيمان قوي، بأن هذه الحرب عن الإسلام والمسلمين، وترى في أخوالها وأعمامها اللذين لم تلقاهم، إلا في المحادثات المصورة عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، قطز وصلاح الدين، بل تراهم بعثوا من زمن النبي؛ صحابة يحملون هم هذه الأمة؛ التي ابتلاها الله بالتغريب فكتب عليها التيه، حتى تعود، إلى وصفة النبي صلى الله عليه وسلم الذي تركها فينا، (إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً، كتاب الله، وسنة نبيه).
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه فلسطينية حرب غزة الاحتلال احتلال فلسطين غزة مواقف حرب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة صلى الله علیه وسلم الآیس کریم
إقرأ أيضاً:
حسام موافي: سيرة النبي محمد مصدر إلهام وفخر للمسلمين.. فيديو
أكد الدكتور حسام موافي، أستاذ طب الحالات الحرجة بكلية طب قصر العيني، على أهمية قراءة سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أن هناك العديد من الكتب التي تناولت السيرة النبوية بأسلوب سهل وبسيط يمكن للجميع قراءتها، سواء الكبار أو الصغار.
وخلال تقديمه لبرنامجه "رب زدني علمًا" على قناة “صدى البلد”، أشار حسام موافي إلى أن العبودية لله عز وجل هي مصدر الكبرياء والفخر للإنسان، كما أن العبودية لله تجعل الإنسان كبيرًا، ومن كان عبدًا لله فهو فخر وشرف لكل إنسان"، مضيفًا أن الإسراء والمعراج دلالة قوية على حب الله لعباده، حيث قال سبحانه وتعالى "الذي أسرى بعبده".
وتطرق حسام موافي إلى تجربته في المملكة العربية السعودية قبل رمضان، حيث أدى مناسك العمرة في الحرم المكي، ولفت إلى أنه التقى بأشخاص من مختلف الجنسيات، مؤكدًا أن الدعوة إلى الله يجب أن تكون مستمرة في كل زمان ومكان، ليس فقط في شهر رمضان، مؤكدًا على ضرورة الاستمرار في العبادة والدعوة وتذكير الناس بالتقرب إلى الله طوال السنة.