سودانايل:
2025-02-07@03:34:55 GMT

افرازات الحرب وصيرورتها الكارثية

تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT

بقلم: د. محمد حمد مفرح

يتابع السودانيون، في مختلف مناطق السودان و خارجه، المسلسل التراجيدي الطويل للحرب الدائرة بالبلاد منذ أكثر من عام، و الألم يعتصر قلوب الجميع جراء وقوفهم على ماسي الحرب التي يصعب وصفها. و قد عمل استمرار الحرب و تطاول أمدها علاوة على تداعياتها واسعة النطاق على تحول قلق و خوف و هواجس المواطن الى فوبيا حقيقية True Fobia بعد أن رأي بأم عينه تجليات هذه الحرب و افرازاتها التي طالت اكثر من صعيد و كادت معها الدولة السودانية ان تنهار.

غني عن القول ان انعدام السلطة الحاكمة في العديد من مناطق البلاد مع افتقار المناطق الاخرى الى السلطة المؤثرة فضلا عن كارثية اضرار الحرب اصبحت واقعا يحدث عن نفسه و لا يحتاج إلى دليل.
لذا فقد غدا المواطن، و هو يقف على شفا حفرة الجنون جراء ما يجري بالبلاد، يصارع من أجل البقاء و يحاول جاهدا ان يتماسك نفسيا. و كأني، و الحال هذه، بالكثيرين و بالذات الاطفال و قد صاروا عرضة للامراض النفسية بما فيها الجنون، بعد أن استبد بهم الاسى و عصفت بهم اللوعة.
و ليس ثمة من شك في أن تطاول امد الحرب و استمراريتها بصورة متسارعة و متصاعدة و جنونها غير المسبوق مع اتساع رقعتها و ما صاحب ذلك من فظاعات و افرازات سالبة تمثل، مجتمعة، السبب الرئيسي في ما الت إليه حالة المواطن و الوطن من مأساة او وضع تراجيدي تاريخي لم تشهده البلاد من ذي قبل. و بالقطع تمثل هذه الصورة حالكة السواد المقابل الموضوعي للكارثة او المأساة المتجلية في أبشع صورها كما تبرز وحشية سلوك طرفي الحرب. و من المؤكد ان وضع الكثير من المواطنين في ظل هذه الحرب يعزى، في الغالب، الى عدم مواجهتهم مثل هذا الواقع سابقا، ما ضاعف معاناتهم و زاد مكابدتهم ضغثا على ابالة.
و من المؤكد ان الاثار بالغة الضرر التي ظلت تفرزها هذه الحرب تعد عصية على الوصف beyond description و الحصر في ظل تمددها راسيا و افقيا. و تبعا لذلك فقد أضحت تداعياتها و تفاعلاتها الكارثية تحدث عن نفسها و تنبيء عن بؤس و شقاء غير معهودين.
و بالنظر الى سلوك طرفي القتال بمنظار القانون الدولي Int. Law نجد أن انتهاكاتهما للقانون الدولي الانساني و القانون الدولي لحقوق الانسان واضحة للعيان و ذلك بشكل يدعو الى وجوب اعمال قواعد القانون الدولي الجنائي في حقهما. فالقصف و النهب و السلب الذي يقوم به الدعم السريع علاوة على الضربات الجوية غير محسوبة العواقب التي يقوم بها الجيش و غيرها تؤكد جميعها على الانتهاكات الواسعة Wide violations للقانون الدولي من قبل الطرفين.
و اذا حاولنا حصر افرازات الحرب، على سبيل المثال، نجدها تتمثل في الاتي:
-تدهور الاحوال الأمنية في الكثير من ارجاء البلاد جراء الحرب الدائرة و بسبب إطلاق صراح اعداد كبيرة من المجرمين من السجون، و ما يستتبع ذلك من خوف و قلق و انتشار الجرائم كالنهب و السطو و قطع الطرق و خلافها.
-ظاهرة انتشار القتلى و الجرحى و المعوقين في المناطق التي شهدت قتالا بين طرفي الحرب و ما نتج عن ذلك من ظواهر سالبة بصورة غير مسبوقة.
-هدم المرافق الصحية و توقف العديد من المستشفيات عن الخدمة مع انعدام الادوية في المستشفيات التي لا تزال تعمل.
-انتشار سوء التغذية و ما قاد و يقود إليه من امراض و وفيات و بالذات وسط النساء و الاطفال.
-انتشار المجاعة في مناطق عدة من البلاد بسبب النقص الحاد في المواد الغذائية.
-غلاء الاسعار بصورة جنونية قلبت حياة المواطن الى جحيم.
-الافرازات النفسية للحرب و بالذات في اوساط الاطفال.
-هدم المصانع و توقفها عن العمل ما ادى الى توقف عجلة الانتاج.
-توقف النشاط الزراعي بالمشاريع الانتاجية ما انعكس سلبا على اقتصاد البلاد.
-تاثر النشاط الزراعي التقليدي سلبا من خلال توقف المزارعين في كثير من المناطق عن العمل بالمزارع جراء انتشار الفوضى الامنية و ظاهرة التعديات و قطاع الطرق.
-هدم المؤسسات التعليمية من مدارس و جامعات و معاهد و خلافها مع توقف الدراسة بالكثير جدا من هذه المؤسسات.
-هدم الكثير من مرافق الدولة و البنية التحتية في المناطق التي طالتها الحرب.
-تعرض المستندات بمرافق الدولة المختلفة في مناطق القتال للتلف و الضياع.
-هدم و احتلال منازل المواطنين في المدن و القرى التي كانت مسرحا للقتال.
-السرقات الواسعة التي تعرضت لها منازل المواطنين ما تسبب في فقدان هؤلاء المواطنين لاثاث منازلهم و مدخراتهم.
-ظاهرة النزوح و اللجوء التي تسببت فيها الحرب و التي قادت الى افرازات متنوعة.
الجدير بالتاكيد ان كل هذه التأثيرات الضارة و الواسعة التي تمس حياة المواطن بصورة مباشرة، و كل ما نتج عن الحرب من دمار عام لم يحمل طرفي الحرب على ايقافها بل ظلت مستمرة و مستعرة و اشد ضراوة اكثر من اي وقت مضى. و من المعلوم أن كل اللقاءات التي تمت سابقا بجدة و القاهرة و البحرين و اديس ابابا و غيرها و جميع المناشدات من قبل الامم المتحدة و الجهات الدولية الأخرى ذات الصلة، و الخاصة بفتح المسارات الانسانية و إيقاف الحرب لم تثمر و لم تؤد الى الاستجابة الى الدواعي الانسانية الخاصة بفتح مسارات الاغاثة، دعك عن وقف القتال. و يؤكد واقع الحال ان الدعم السريع ظل يتعامل، وفقا لتصريحاته، بايجابية مع مناشدات وقف الحرب و يبدي استعدادا لايقافها من جانبه، فيما ظل قادة الجيش يدعون لاستمرار الحرب حتى القضاء على الدعم السريع.
و على صعيد اخر فان من الأهمية بمكان استمرار دور تنسيقية القوى المدنية الديموقراطية (تقدم) بصورة اكثر فاعلية في الساحة الاقليمية و الدولية مع ضرورة تواصلها مع كل الجهات الفاعلة من اجل تحقيق هدف اغاثة المواطنين و السعي الجاد لوقف الحرب.
صفوة القول أن صيرورة الحرب في ظل هذا الواقع المأساوي بالغ التعقيد ربما تتمظهر في تدهور الوضع العام بالبلاد أكثر فاكثر، ما قد يقود الى حرب اهلية Civil war و الى الانهيار الكلي للدولة، ما لم يكن هناك تدخل أممي من قبل الامم المتحدة بموجب الفصل السابع.

mohammedhamad11960@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

خرافة النظام الدولي الليبرالي

عند انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة للمرة الأولى في عام 2016، هبت مؤسسة السياسة الخارجية للدفاع عما يسمى بالنظام الدولي الليبرالي- وهو اختصار لنظام المؤسسات والمعايير والقواعد التي تطورت بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ـ خشية أن يدمرها ترامب. وبعد ثماني سنوات يعود ترامب إلى البيت الأبيض. ولكن في هذه المرة لا يبدو أنه قد بقي من النظام الدولي الليبرالي الكثير لكي يدافع عنه أحد. ويرجع هذا إلى أفعال إدارة بايدن بقدر ما يرجع إلى أفعال إدارة ترامب الأولى.

طيلة الوقت، لم تكن ماهية النظام الدولي الليبرالي واضحة بدقة. فقد كانت فيه عناصر مختلفة (نظام أمني ونظام اقتصادي ونظام لحقوق الإنسان)، وكان يعمل بأشكال مختلفة في الأجزاء المختلفة من العالم (فكان، على سبيل المثال، شديد الاختلاف في أوروبا الغربية عما كان عليه في آسيا). كما أنه تطور بمرور الوقت (فعلى وجه الخصوص، كان نظام ما بعد الحرب الباردة مختلفا تمام الاختلاف عن نظام الحرب الباردة). فضلا عن أنه لم يكن من الواضح نهائيا ما الذي يجعل منه «ليبراليا» أو حتى ما يعنيه ذلك.

ومع ذلك، لم يهتم غير عدد قليل من خبراء السياسة الخارجية بهذه التعقيدات. وعمدوا بدلا من الاهتمام بتلك التعقيدات إلى استحضار المصطلح - الذي أطلق عليه منظر العلاقات الدولية الواقعي جراهام أليسون اسم «هلام المفاهيم» - لانتقاد أي خروج تقريبا على استراتيجية السياسة الخارجية الأمريكية بعد الحرب الباردة المتمثلة في الهيمنة الليبرالية. وبدلا من التفكير في كيفية إصلاح النظام الدولي الليبرالي بهدف جعله أكثر شرعية واستدامة، دافعوا عنه دونما نقد.

ومثلما أوضح المؤرخ مايكل كيميج، فقد ظهرت فكرة النظام الدولي الليبرالي، التي نظّر لها أكاديميون من أمثال جون إيكينبيري في جامعة برينستون، بوصفها مبدأ تنظيميا للسياسة الخارجية الأمريكية في أثناء إدارة أوباما. (وقد عمل كيميج نفسه في وزارة الخارجية في أثناء إدارة أوباما). كان ذلك أقرب إلى بديل لفكرة الغرب الحضارية العتيقة، أو «فكرة الغرب التكنوقراطية» ـ على حد وصف كيميج نفسه ـ التي لم تركز على الثقافة بقدر ما ركزت على المؤسسات، برغم أنه لم يكن واضحا أي المؤسسات هو «الليبرالي» وبالتالي يكون جزءا من النظام.

كان مفهوما في كثير من الأحيان أن النظام الدولي الليبرالي «قائم على القواعد»، برغم أن القواعد ـ وخاصة قواعد النظام الاقتصادي بعد الحرب الباردة ـ كانت من إنشاء الغرب الذي «تلاعب بها» بحيث تصب في صالحه. ولكن في أثناء إدارة أوباما، شاع المصطلح بوصفه وسيلة ينتقد بها الدبلوماسيون والخبراء الغربيون قيام القوى غير الغربية ـ وخاصة الصين وروسيا ـ بخرق القواعد.

من بعض الأوجه، انشق الرئيس ترامب عن النظام. ففي الوقت الذي خفض فيه الضرائب وقلل اللوائح، عمد أيضا إلى فرض التعريفات الجمركية في محاولة لدعم التصنيع المحلي، منشقا بذلك عن الليبرالية الاقتصادية للنظام الدولي بعد الحرب الباردة، وهو ما قد نسميه بالليبرالية الجديدة الوطنية. وفي ما يتعلق بالقضايا الأمنية، كان الانشقاق أقل، فبرغم أن ترامب هدد بسحب الولايات المتحدة من حلف شمال الأطلنطي، فإنه لم ينفذ تهديده قط، والواقع أن إدارته قدمت التزامات للحلفاء ـ ولأوكرانيا ـ أكبر مما قدمته إدارة أوباما.

وعندما تولى جو بايدن الرئاسة خلفا لترامب في عام 2020، سعى في البداية إلى أن يجعل الديمقراطية المبدأ الإطاري الجديد للسياسة الخارجية الأمريكية. وسعى-على وجه الخصوص- إلى جمع ديمقراطيات العالم وتوحيد قواها ضد القوى الاستبدادية. وهكذا، فإن الديمقراطيين ـ الذين أصبحوا أكثر من الجمهوريين تشددا تجاه روسيا، وذلك خاصة بسبب التدخل الروسي الملحوظ في انتخابات عام 2016 ـ أعادوا إحياء اتجاه المحافظين الجدد بعد أن أفقدته حرب العراق مصداقيته.

ثم لم يمض على تولي بايدن منصبه إلا ما يزيد قليلا على العام حتى جاء الغزو الروسي لأوكرانيا فأنهى فكرة «مجتمع الديمقراطيات». وبقدر ما تصور كثيرون في أوروبا والولايات المتحدة أن حرب أوكرانيا هي الخط الأمامي في الصراع العالمي بين الديمقراطيات والدول الاستبدادية، سرعان ما تبين أن الديمقراطيات غير الغربية من قبيل البرازيل والهند وجنوب إفريقيا لا ترى الأمر على هذا النحو. فانغلق الغرب على نفسه ـ متحدا، ولكنه معزول.

وهكذا عادت فكرة «الغرب» ـ في انتكاسة إلى التفكير الحضاري السابق لأوباما. ومما يزيد الطين بلة أنه غالبا ما يحدث خلط بين الغرب وبين فكرة الديمقراطية وكأنما ما من ديمقراطيات في العالم إلا في الغرب أو كأنما كل الدول غير الغربية هي دول استبدادية.

ثم جاء السابع من أكتوبر وحرب إسرائيل في غزة، وفي حين أن الحكومات الأمريكية والبريطانية والألمانية استمرت في التعبير عن غضبها من كل ما تفعله روسيا في أوكرانيا ـ من احتلال الأراضي، وقتل المدنيين، وقصف المدارس والمستشفيات، وما إلى ذلك ـ فقد دعمت هذه الحكومات نفسها إسرائيل وهي تفعل مثل ذلك في غزة. وبات واضحا تمام الوضوح أن بعض الأرواح أقل قيمة في نظر صناع السياسات في الغرب من بعضها الآخر.

ولو أن هناك لحظة بعينها تحولت فيها فكرة النظام الدولي الليبرالي إلى مزحة، فلعلها لحظة في الخريف الماضي اجتمع فيها زعماء العالم في الأمم المتحدة في نيويورك، وفي أثناء ذلك قامت إسرائيل ـ وهي لا تزال تنعم بحماية الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في مجلس الأمن شأن ما نعمت بها جنوب إفريقيا في زمن الفصل العنصري ـ بتوسيع نطاق الحرب وقامت بغزو لبنان.

وفي النهاية، يتوقف على رؤيتكم للسياسة الدولية أن تحددوا ما إذا كان النظام الدولي الليبرالي قد مات خلال العام الماضي أم أنه انكشف واتضح أنه محض خدعة. ومنظرو العلاقات الدولية الليبرالية يؤمنون بالتقدم في السياسات الدولية، وبخاصة من خلال إنشاء المؤسسات والمعايير والقواعد التي تقيد الدول. وكان النظام الدولي الليبرالي تعبيرا عن هذا الإيمان.

أما المنظرون الواقعيون ـ من ناحية أخرى ـ فيميلون دوما إلى رؤية هذه المؤسسات والمعايير والقواعد باعتبار أنها إما طوباوية على نحو خطير أو هي محض ساتر دخاني يخفي أكثر مما يبدي. ويؤمنون، في نهاية المطاف، بأن الأقوياء يفعلون ما يحلو لهم ـ وفي الوقت الحالي يبدو أن العالم يؤكد تحليلهم المتشائم.

مقالات مشابهة

  • تصاعد الاحتجاجات في عدن وسط انتشار عسكري كثيف
  • ضياء الدين بلال يكتب: القوة الخفية التي هزمت حميدتي (2-2)
  • وزير الدفاع الأمريكي: سنجهز إسرائيل بالذخائر التي لم تُمنح لها سابقًا
  • مصادر مقربة من ترامب تكشف تفاصيل مبادرة غزة الكارثية
  • مدير مكتبة الإسكندرية: الهجرة غير الشرعية أبرز التحديَّات الشائكة التي تواجه المجتمع الدولي
  • محافظ الشرقية: المُشاركة المُجتمعية هي السبيل لحل المشكلات التي تواجه المواطنين
  • خرافة النظام الدولي الليبرالي
  • بكثير من الفرح والأمل.. نازحو ود مدني يعودون لبيوتهم التي هجروها بسبب الحرب
  • النقد الدولي: ندعم الإصلاحات العراقية التي تبعد سوق النفط عن الأزمات
  • هل تقلل الأسواق المالية من خطورة الحرب التجارية التي أشعلها ترامب؟