الإسلاميون: كتائب القتلة وسماسرة الحرب الخفيون في حرب السودان
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
زهير عثمان حمد
منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان، بات من الواضح أن من يعرقلون فرص التوصل إلى التفاوض وإيقاف الحرب ليس الجيش فحسب، بل هم الإسلاميون الذين يلعبون دور السماسرة في هذا النزاع الدموي. يسيطر هؤلاء الإسلاميون، وحلفاؤهم، على مساحة تحرك الجنرال عبد الفتاح البرهان، بحيث أصبحت قيادة الجيش نفسها محدودة القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مجريات الحرب.
هيمنة الإسلاميين على مجريات الحرب منذ بدء محاولات التوصل إلى تسوية لوقف الحرب، لوحظ رفض الإسلاميين وداعميهم لأي تحرك نحو التفاوض. أعلت هذه الفئة صوت الحسم العسكري على كل صوت، غير مدركة لأصول الصراع السوداني-السوداني الذي استنزف خيرة الجنود والقادة العسكريين الذين خاضوا المعارك دون معرفة حقيقية بخلفيات الصراع. لم تُقتل شخصيات قيادية من قادة المؤتمر الوطني الأثرياء في هذه الحرب، بل كانت الضحايا من الأتباع الذين وقعوا تحت تأثير أيديولوجيا الإسلام السياسي.
تحالفات معقدة ومصالح ضيقة الإسلاميون الذين يمتلكون الشركات العابرة للقارات والاستثمارات الضخمة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، يعيشون في مأمن من دانات الحرب. بينما يظل البسطاء، الذين وقعوا تحت تأثير شعاراتهم الأيديولوجية، في مواجهة الموت والدمار. هذه الفئة من الإسلاميين كانت تبيع كل شيء منذ وقت طويل، من المشاريع العامة إلى ممتلكات الدولة في الخارج، ولم تبق شيئاً لم يُباع حتى الهواء حين أقدموا على بيع خط هيثرو.
التدمير الاجتماعي والاقتصادي أدت سياسات الإسلاميين إلى تدمير النسيج الاجتماعي في السودان، وإيقاظ النعرات العنصرية، وتفقير الشعب، وحرمانه من حقوقه الأساسية في التعليم والرعاية الاجتماعية. وعندما انقلب السحر على الساحر، لجأوا إلى من حرموهم من حقوقهم ليحاربوا عنهم في معركة استعادة السلطة وتحسين صورة التنظيم التي أفسدها الفساد والنهب.
مستقبل غامض وتحالفات جديدة يسعى الإسلاميون اليوم لإحداث قطيعة مع الماضي دون الاعتذار عن سنوات الإنقاذ الأكثر سواداً في تاريخ السودان. هذه العقبة قد تجد حلاً مؤقتاً مع البرهان بوجهه الجديد تحت قبضة الإمارات. لكن السؤال يظل حول مدى صمود الصحفيين الموالين للإسلاميين في دعم البرهان حتى النهاية، خاصة مع التحركات الدولية والإقليمية.
من المتوقع أن يكشف اللقاء المرتقب في أديس أبابا، والذي يجري برعاية رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، عن الدور الحقيقي للإسلاميين في المرحلة القادمة. قد يجد البرهان نفسه تحت الحماية الإماراتية، لكنه سيحتاج إلى غطاء إعلامي قوي يتجاوز المجموعة الحالية من الصحفيين، وهو ما قد يوفره له الإسلاميون بمهاراتهم المتعددة في المناورات الإعلامية.
الحرب الأهلية في السودان ليست مجرد صراع بين جيشين، بل هي معركة معقدة تشارك فيها مصالح ضيقة لفئة من الإسلاميين الذين يسعون للسيطرة على مجريات الأحداث واستغلالها لمصالحهم الخاصة. ومع استمرار الحرب، يظل الشعب السوداني هو الضحية الأكبر في هذا الصراع، بينما يستمر الإسلاميون في التلاعب بالمصائر من خلف الكواليس.
zuhair.osman@aol.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
المجتمع الدولي وإدمان الفشل حول السودان
المجتمع الدولي وإدمان الفشل حول السودان
د. الشفيع خضر سعيد
كتبنا من قبل، أنه ولإطفاء نيران الحروب وإخماد بؤر التوتر وبسط السلام في مختلف بقاع العالم، ولأجل حماية حقوق الإنسان وصون كرامته، ولدرء مخاطر الكوارث الطبيعية ونقص الغذاء، ولتمتين التعاون والتنسيق والتكامل بين دول العالم في مجالات التنمية والصحة والتعليم وتطوير العلوم لصالح أمن وسلام وتقدم البشرية، توافقت بلدان العالم على مواثيق دولية وإقليمية يحميها القانون الدولي، وعلى مؤسسات ومنظمات دولية وإقليمية، كمنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، يفترض أن تعمل على تحقيق المبادئ المضمنة في تلك المواثيق.
صحيح أن منظمة الأمم المتحدة تحتاج إلى إصلاحات جوهرية في إطار نظام عالمي جديد يحد من هيمنة القطبية ويحقق التكافؤية بين الدول، صغيرها وكبيرها، وعلى ذات المنوال ربما تحتاج المنظمات الإقليمية، وهذه مناقشة هامة ولكنها ليست موضوع هذا المقال. ونكتب اليوم، ما دامت حرب السودان دخلت عامها الثالث، ولاتزال مشتعلة تحرق وتدمر في البلد، وتهدد بنسف الأمن والإستقرار إقليميا ودوليا، خاصة في ظل ما يدور في محيطنا الجيوسياسي، وما دامت النخب السودانية، المدنية والعسكرية، لاتزال في قبضة الخلافات والتشرذم والعجز عن تقديم رؤية موحدة لوقف الحرب والانتقال إلى مربع السلام والتحول الديمقراطي، فإن المجتمع الدولي والإقليمي، محكوما بتلك المواثيق وبالقانون الدولي، كان لابد أن يواصل تدخله ومساهماته لوقف هذه الحرب اللعينة، والتي ابتدرها مباشرة بعد اندلاع الحرب بانتظام منبر جدة للتفاوض بين طرفي القتال في مايو/إيار 2023، وفي نفس الشهر خصص الاتحاد الأفريقي اجتماعا حول السودان خرج بخارطة طريق من ستة عناصر لوقف الحرب. ثم توالت بعد ذلك تحركات المجتمع الدولي، من إجتماعات ولقاءات هنا وهناك، كما حددت معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، مبعوثين مختصين بالتعامل مع حرب السودان، وعُقد مؤتمر باريس الدولي بعد مرور عام على الحرب، ومؤخرا عُقد مؤتمر لندن الدولي بعد مرور عامين، وكل الخوف أن يعقد مؤتمر دولي آخر في عاصمة أوروبية أخرى، بعد مرور ثلاثة أعوام على الحرب وهي لاتزال مشتعلة!
ومع تأكيدنا على قناعتنا التامة بأن قضية شعب السودان لا يمكن أن تحل من خارجه أو بالإنابة عنه،
افتقار تحرك المجتمع الدولي والإقليمي إلى استراتيجية قوية وشاملة، كان في إمكانها أن تعزز كتلة مدنية موحدة وقوية، مما قد يمنع إجراءات أحادية الجانب من قبل المتحاربين إلا أننا لا يمكن أن نرفض مساهمات المجتمع الدولي والإقليمي، أو نقلل من شأنها، بل نراها حتمية وموضوعية وضرورية. ولكن حتميتها وموضوعيتها وضرورتها هذه لا تستطيع أن تحجب عنا النتائج الضعيفة لهذه المساهمات والتي لم تتخط حاجز عبارات الشجب والإدانة حتى بتنا قاب قوسين أو أدنى من دمغها بإدمان الفشل. انظر إلى اجتماع لندن الدولي الذي عقد في الخامس عشر من هذا الشهر بمشاركة وزراء خارجية وممثلين لكل الدول الكبرى والدول المعنية بحرب السودان بالإضافة إلى الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الإيقاد، واللجنة الدولية للصليب الأحمر. فالمؤتمر فشل حتى في إصدار بيان ختامي، ولو تكرار لعبارات الشجب والإدانة، وذلك بسبب تضارب الرؤى بين المشاركين حول تفاصيل الأزمة في بلدنا. وأنظر إلى خطاب الاتحاد الأفريقي في المؤتمر والذي تضمن عبارات: لا حسم عسكري وعلى طرفي النزاع التوجه الى المفاوضات، ولن نقف مكتوفي الأيدي، ولا يمكن التسامح مع التداعيات الكارثية للحرب، ولن نسمح بتقسيم السودان، ودعوة كل الأطراف الخارجيه للتوقف عن التدخل في الشأن الداخلي للسودان، وكلها عبارات تكرر الجهر بها كثيرا منذ أن ضمنت في خارطة الطريق التي تبناها الاتحاد في مايو/إيار 2023. أما وسمنا للمجتمع الدولي والإقليمي بإدمان الفشل في التعاطي مع كارثة الحرب في السودان، فليس تحاملا أو تجنيا عليه في ظل اكتفائه، ولمدة عامين منذ اندلاع الحرب، بالخطب ورسم الخطط على الورق وعدم ترجمة ذلك إلى إجراءات عملية قوية لمنع تدفق الأسلحة والذخائر وأجهزة التجسس المتطورة إلى البلاد، ولحماية المدنيين، ولتكثيف المساعدات الإنسانية درءا للمجاعة والأوبئة.
لا أعتقد أن المجتمع الدولي والإقليمي نضب معين طاقته وتدابيره العملية لوقف الاقتتال في السودان. ولكن هناك كوابح عديدة تمنع تفجير هذه الطاقة وتفعيل هذه التدابير العملية، منها تضارب المصالح الذي يدفع الدول الكبرى، قائدة المجتمع الدولي والإقليمي، لإغماض أعينها عن مصدر تدفق الأسلحة ووقود الحرب إلى السودان، ومنها فقر المنهج الذي ظل يتبعه المجتمع الدولي والإقليمي تجاه قضية الحرب، والذي كان محدودًا وضيقًا ومفرطًا في تجنب المخاطر، وغالبًا ما كان خاضعا لنزوات المتحاربين الذين أيضا لاحظوا فقر المنهج هذا وتحايلوا لاحتوائه، ومنها افتقار تحرك المجتمع الدولي والإقليمي إلى استراتيجية قوية وشاملة، كان في إمكانها أن تعزز كتلة مدنية موحدة وقوية، مما قد يمنع إجراءات أحادية الجانب من قبل المتحاربين تضر بوحدة السودان المستقبلية، وذلك حسب ما نشرناه في مقالنا السابق على لسان أحد الخبراء الدوليين، والذي أشار إلى غياب التنسيق الاستراتيجي بين المنظمة الأممية والمؤسسات الإقليمية، باعتبارها تمثل منصات رئيسية لوساطة شفافة مصممة خصيصًا للسياق السوداني، كما أشار منتقدا غياب المشاركة الفعالة للمدنيين السودانيين في هذه الاستراتيجية، رافضا أن يكون هذا الإشراك عشوائيًا أو غير كامل، بل يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية المجتمع الدولي والإقليمي الشاملة، وركنا أساسيا في أنشطته الأساسية، بما في ذلك تعيين فريق مخصص للتعامل مع السياسيين وقيادات المجتمع المدني.
أخيرا، وبدل أن تحتوي أجندة حراك المجتمع الدولي على عموميات، أو مناشدات وإدانات مكررة بدون أي ردود فعل إيجابية تجاهها، أو مجرد عناوين لما يجب أن يفعل دون توفير تدابير وآليات للشروع العملي في التنفيذ، أن تركز الأجندة على كيفية التنفيذ العملي لثلاث قضايا أساسية: وقف إطلاق النار بدءا بمنع تدفق الأسلحة، تكثيف وتوصيل المساعدات الإنسانية ومنع استغلالها من أي طرف، وحماية المدنيين.
* القدس العربي