زهير عثمان حمد
منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان، بات من الواضح أن من يعرقلون فرص التوصل إلى التفاوض وإيقاف الحرب ليس الجيش فحسب، بل هم الإسلاميون الذين يلعبون دور السماسرة في هذا النزاع الدموي. يسيطر هؤلاء الإسلاميون، وحلفاؤهم، على مساحة تحرك الجنرال عبد الفتاح البرهان، بحيث أصبحت قيادة الجيش نفسها محدودة القدرة على اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مجريات الحرب.


هيمنة الإسلاميين على مجريات الحرب منذ بدء محاولات التوصل إلى تسوية لوقف الحرب، لوحظ رفض الإسلاميين وداعميهم لأي تحرك نحو التفاوض. أعلت هذه الفئة صوت الحسم العسكري على كل صوت، غير مدركة لأصول الصراع السوداني-السوداني الذي استنزف خيرة الجنود والقادة العسكريين الذين خاضوا المعارك دون معرفة حقيقية بخلفيات الصراع. لم تُقتل شخصيات قيادية من قادة المؤتمر الوطني الأثرياء في هذه الحرب، بل كانت الضحايا من الأتباع الذين وقعوا تحت تأثير أيديولوجيا الإسلام السياسي.
تحالفات معقدة ومصالح ضيقة الإسلاميون الذين يمتلكون الشركات العابرة للقارات والاستثمارات الضخمة في آسيا وأفريقيا وأوروبا، يعيشون في مأمن من دانات الحرب. بينما يظل البسطاء، الذين وقعوا تحت تأثير شعاراتهم الأيديولوجية، في مواجهة الموت والدمار. هذه الفئة من الإسلاميين كانت تبيع كل شيء منذ وقت طويل، من المشاريع العامة إلى ممتلكات الدولة في الخارج، ولم تبق شيئاً لم يُباع حتى الهواء حين أقدموا على بيع خط هيثرو.
التدمير الاجتماعي والاقتصادي أدت سياسات الإسلاميين إلى تدمير النسيج الاجتماعي في السودان، وإيقاظ النعرات العنصرية، وتفقير الشعب، وحرمانه من حقوقه الأساسية في التعليم والرعاية الاجتماعية. وعندما انقلب السحر على الساحر، لجأوا إلى من حرموهم من حقوقهم ليحاربوا عنهم في معركة استعادة السلطة وتحسين صورة التنظيم التي أفسدها الفساد والنهب.
مستقبل غامض وتحالفات جديدة يسعى الإسلاميون اليوم لإحداث قطيعة مع الماضي دون الاعتذار عن سنوات الإنقاذ الأكثر سواداً في تاريخ السودان. هذه العقبة قد تجد حلاً مؤقتاً مع البرهان بوجهه الجديد تحت قبضة الإمارات. لكن السؤال يظل حول مدى صمود الصحفيين الموالين للإسلاميين في دعم البرهان حتى النهاية، خاصة مع التحركات الدولية والإقليمية.
من المتوقع أن يكشف اللقاء المرتقب في أديس أبابا، والذي يجري برعاية رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد، عن الدور الحقيقي للإسلاميين في المرحلة القادمة. قد يجد البرهان نفسه تحت الحماية الإماراتية، لكنه سيحتاج إلى غطاء إعلامي قوي يتجاوز المجموعة الحالية من الصحفيين، وهو ما قد يوفره له الإسلاميون بمهاراتهم المتعددة في المناورات الإعلامية.
الحرب الأهلية في السودان ليست مجرد صراع بين جيشين، بل هي معركة معقدة تشارك فيها مصالح ضيقة لفئة من الإسلاميين الذين يسعون للسيطرة على مجريات الأحداث واستغلالها لمصالحهم الخاصة. ومع استمرار الحرب، يظل الشعب السوداني هو الضحية الأكبر في هذا الصراع، بينما يستمر الإسلاميون في التلاعب بالمصائر من خلف الكواليس.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

جوهر المشكلة – الحركة الإسلامية

لكل أزمة سبب رئيس هو المرتكز الأساس لحدوثها، الحرب في السودان غطّت سماءها سحب الكذب والتضليل، وأضحى السؤال عمّن أطلق رصاصتها الأولى مثل جدل الدجاجة والبيضة، وكادت أن تضيع ملامح بدايات الحرب، وكيف شاهد وسمع الناس أصوات الرصاص بالمدينة الرياضية وطيبة، وبذات الذاكرة السمكية تبخرت من قبل ذكرى خطيئة انقلاب يونيو 1989، وما تبع الانقلاب من تخلق لنظام حكم الحركة الإسلامية، ونسي الناس أن حرب اليوم لم تـندلع فجأة، وتغافلوا عن إرهاصاتها وعلاماتها التي بدأت مع الانقلاب، الذي قاده العميد الركن عمر حسن كادر الحركة بالجيش، وأصاب الكثيرين الزهايمر فأخذوا ينسبون كل الجرائم والموبقات، التي أتى بها نظام حكم الحركة الإسلامية إلى قوات الدعم السريع حديثة التأسيس، ولم يقدم فقهاء دولة (القرآن) شرحاً للناس عن إمارات ساعة انفجار الحرب، البادئة منذ حروب الجنوب وجبال النوبة وجبل مرة، أن تلك المحطات علامات مرور على الصراط الطويل الموصل لقيامة اليوم، فكل مبتدأ له منتهى، ومنتهى الحرب يكون بإنهاء أثر المتسبب الأول، والبادئ الأظلم، فقد اغتصبت الجماعة الباغية السلطة وتمتعت بها، وأساءت استخدامها، وأشعلت نيران الحروب بآلياتها – أجهزتها الأمنية والعسكرية، فلا يوجد حزب ولا جماعة أخرى بالسودان مسؤولة بصورة مباشرة عن هذه النهايات المأساوية غير الحركة الإسلامية.
إنّ جوهر المشكلة هو هذا التنظيم الأخطبوط والسرطان المتجذر في جسد الدولة والمجتمع، وليس شماعة التمرد المزعوم ولا الاستهداف الخارجي والعملاء (قحت، تقدم، صمود، قمم)، أو الغزو الأجنبي (عرب الشتات)، كما يدّعي اعلام التنظيم المضلل ومعاونوه، إنّ آفة البلاد تكمن في الأذى الجسيم والجرم المتسلسل الذي الحقه التنظيم بسكان السودان، التنظيم الحركي الإسلامي الذي يغالب سكرة الموت، في حربه غير محسوبة العواقب التي أقدم عليها، يقاوم خروج الروح بالصعقات الكهربائية الإقليمية ليفيق من السكرة، التي أصابته جراء التفكيك الأمني والعسكري الذي ألحقته به الضربات القاسية من قوات الدعم السريع، فنشط عبر علاقاته الممتدة مع التنظيم العالمي للنهوض مجدداً بسبب ما تعرض له من هزّة، فهو لا يدين لحلفائه في الداخل بفضل، حتى الذين تصالحوا معه من منطلقات جهوية من بعض الشيوعيين والبعثيين والأنصار والاتحاديين والمتمردين السابقين، لن ينالوا ما يصبون إليه من مطامح سياسية، لأن أولويات الحركة الإسلامية تنظيمية إقليمية وعالمية، وضريبتها المستحقة الدفع تجاه الممولين العالميين باهظة، وعندما يحين موعد سداد الفاتورة لن يجد داعموها من أحزاب وحركات الداخل ما يسدون به الرمق، وبناءً على التسريبات فإنّها باعت معادن الأرض مقدماً، ورهنت موانئ البلاد للسادة أصحاب المصلحة – الممولين العالميين، ولا عزاء للمغفلين النافعين.
إنّ جميع المليشيات الجهوية وحركات دارفور المسلحة، المقاتلة في صفوف الحركة الإسلامية في نسختها الأخيرة التي يقودها علي كرتي، لن يكون لها علو كعب بين مليشيات التنظيم العقائدية – البراء وغيرها، وقد بدأ التذمر يطفو للسطح بين قائد مليشيا قبيلة الشكرية العميل المزدوج، وكتائب التنظيم المالكة للسلاح الحديث، فمعلوم أن تنظيم الحركة الإسلامية منذ يومه الأول بعد اغتصابه للسلطة، استمرأ صناعة المليشيات، والتي من بعد نفاذ الغرض المصنوعة من أجله يقوم بحرقها وكنسها، في ازدراء وتحقير واستعلاء وغرور، دون حسبان لركن ركين من أركان مقاصد الشريعة الإسلامية - الحفاظ على النفس، فجوهر المشكلة يكمن في وجود هذا التنظيم الذي تلاعب بأرواح المواطنين، وتندر وتهكم على موتهم تحت ركام قصف طيرانه الأجير، بإطلاق وصف "المشاوي" و"الكباب" على جثامين الشهداء الفقراء من المسلمين السودانيين، فهذه الحركة الإسلامية ومنذ سطوتها على السلطة ظلت تعمل على شراء السلاح بموارد السودانيين، لتسفك دمهم بنفس السلاح، فلم يجد المواطنون منها خيراً، وقد أدت كل الأدوار القذرة التي أنكرتها فيما بعد وألصقتها بالآخرين – التآمر (مع إيران وتركيا ومصر ضد السودان)، والارتزاق، والزج بالمليشيات الأجنبية وإشعال الحروب، فجوهر مشكلة السودان يكمن في الحركة الإسلامية – النسخة الأخيرة.

إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com  

مقالات مشابهة

  • منصة محايدة!!
  • عادل الباز يكتب: الخطة (ط): التطويق (1)
  • اختفاء 2000 شخص فى السودان منذ بدء الحرب
  • السودان الجديد وصورة دوران قري (1-2)
  • جوهر المشكلة – الحركة الإسلامية
  • على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (12 – 20)
  • كيكل: الوحدة التي حدثت بسبب هذه الحرب لن تندثر – فيديو
  • على طريق الانعتاق من الهيمنة المصرية (12 – 20)
  • هل دخل السودان عصر الميليشيات؟
  • السلاح والغذاء في حرب السودان