هل يمكن إقامة حفل زفاف بدون عريس؟ بالتأكيد ممكن!

بل إنه من الممكن إقامة هذا الحفل بدون عريس، وبدون عروسة أيضا، إذا كان الهدف من الزفاف ليس الزواج وتكوين الأسرة، وإنما مجرد لقاء للأقارب والأصدقاء، والتحدث عن أمور الحياة وتناول الأطعمة اللذيذة.

لكن المنظمين السعوديين لـ "محادثات السلام حول أوكرانيا" في جدة لم يظهروا اتساقا، ولم يصلوا بالنكتة إلى منتهاها المنطقي، حيث تم استدعاء أوكرانيا.

لم يكن لأوكرانيا سوى علاقة ضئيلة بالاجتماع، وهو ما أكده رضا جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك موسكو، بنتيجة الاجتماع، أو بالأحرى غياب أي نتيجة، حيث لم يجتمع المشاركون من أجل أوكرانيا، إدراكا منهم أن غياب روسيا يعني ضمنياً ألا يتمخض الاجتماع عن أي نتيجة. وظني أن محاولة البرازيل تذكير المشاركين بهذه الحقيقة قوبلت بالسخرية على البرازيليين، الذين أتوا، لسذاجتهم، للحديث عن أوكرانيا...

إقرأ المزيد تركيا لبنان أخرى وانهيارها حتمي

كان الجميع منشغلين بأشياء أخرى.

فقد حدد الأنغلوساكسونيون، نواة التحالف المناهض لروسيا، مهمتهم في دعم استعداد أوكرانيا للقتال حتى آخر أوكراني، إلا أن الأمر الرئيسي هو أن الاجتماع بصيغته الراهنة هو محاولة لإنشاء تكتل ضد "بريكس"، أو محاولة لتفكيك "بريكس"، وسحب روسيا منها أولا، ثم الصين. دعونا نتذكر رفض المشاركة الشخصية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووفقا لبعض التقارير الزعيم الهندي في قمة "بريكس" المقبلة في جنوب إفريقيا. إن الولايات المتحدة الأمريكية تبذل قصارى جهدها لوقف صعود "بريكس".

 ومشاركة دول إضافية في الاجتماع الأوكراني، ممن لا يحظون بالسيادة السياسية، مثل الأرجنتين أو الدول الأوروبية، إنما تهدف فقط إلى إخفاء الهدف الرئيسي للولايات المتحدة، ألا وهو اصطياد أكبر الدول المحايدة المشاركة أو الراغبة في الانضمام إلى مجموعة "بريكس". فإذا وقفوا إلى جانب الولايات المتحدة في صراعها مع روسيا، فمن غير المرجح أن يكون لدى "بريكس" أجندة سياسية. وسيتم طرد الصين لاحقا بنفس الطريقة.

في المرحلة الأولى، تعتبر مشاركة كل هذه الدول بدون روسيا، حتى بدون نتيجة بشأن أوكرانيا، مقبولة تماما بالنسبة للولايات المتحدة، ثم ستتبع ذلك محاولة لتوحيد هذه الصيغة من الاجتماعات.

في المقابل، عادت بلدان إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية الآن تقريبا إلى العصر الذهبي للحرب الباردة، حيث تتمكن من المناورة والحصول على المكاسب من الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي مقابل ولائها.

 فلا تنوي أي من هذه البلدان، بما في ذلك الهند وجنوب إفريقيا والبرازيل، رفض المشاركة في مزاد "من يقدم أكثر"، ولكن بلا توقعات كثيرة، نظرا للوضع الاقتصادي الصعب ليس فقط في روسيا، ولكن أيضا في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ككل. لهذا، فإن مشاركة هذه الدول في الاجتماع، وعدم دعمها للولايات المتحدة، أمر متوقع. فقد جاؤوا "للقاء الناس وعرض أنفسهم"، ولا أكثر من ذلك.

أما الصين، فلم تأت إلى الاجتماع من أجل موسكو أو السلام في أوكرانيا، وإنما مدفوعة بالمخاوف بشأن "بريكس"، والتي يجب أن تصبح، وفقا لبكين، عرشا لها، أو بالأحرى نقطة الانطلاق إلى عالم تكون فيه الصين القوة الأولى، لذا يجب ألا يجتمع شركاء "بريكس" مع الولايات المتحدة في غياب الصين.

من جانبها فإن موسكو راضية تماما عن عدم وجود نتائج ملموسة في الاجتماع، ولا زالت واثقة من براغماتية المشاركين المهمين بالنسبة لها، ما يدفعهم إلى تخريب الجهود الأمريكية، دون بذل الكثير من الجهد من قبل موسكو.

مع ذلك، أود التركيز هنا على المملكة العربية السعودية، حيث لم تكن ذريعة عقد الاجتماع هي الأمر المهم، وإنما كان الشيء الرئيسي هو أن تكون المملكة من بين المشاركين في أهم الأحداث الدولية.

في الوقت نفسه، أبلغت الرياض موسكو "بالنتائج"، في محاولة، على ما يبدو، للحفاظ على دور الوسيط، وعدم رغبتها في إفساد العلاقات مع روسيا.

إقرأ المزيد برفع أو بدون رفع سقف الدين.. الاقتصاد الأمريكي سيغرق في أزمة

لقد كتبت، منذ خمس سنوات، عن حتمية تحويل وجهة المملكة العربية السعودية من الولايات المتحدة إلى الصين، وكما توقعت تماما المصالحة السعودية الإيرانية تحت مظلة الصين. ولا زلت أعتقد بقوة اختيار الرياض كأمر أساسي، على الرغم مما يدور من أحاديث بشأن أن ذلك قد يكون فقط مجرد وسيلة للتحايل والحصول على مزيد من المكاسب من واشنطن.

إلا أن الأحداث الأخيرة تضيف بعض التعديلات، حيث يبدو أن المملكة العربية السعودية لن تغير الشريك الأول فقط، وإنما تسعى جاهدة للعب دور مستقل. لكن هذا لا يلغي المسار الاستراتيجي نحو التقارب مع الصين.

كما يبدو أن نموذج الرئيس التركي للمساومة من موقع القوة معد. إلا أن المواجهة المحسوبة هي العنصر الأساسي في ألعاب الرئيس أردوغان، إن لم تكن العنصر الأكثر أهمية، وتلك لعبة خطيرة، لا سيما مع الولايات المتحدة الأمريكية.

ويبدو أن لدى محمد بن سلمان شوق متزايد لدور اللاعب العالمي، ومن المنطقي أن نتوقع تكثيف أنشطته بهذا الصدد، حيثما تسمح الظروف بذلك.

ولما كان هبوط أسعار النفط في الثمانينيات من القرن الماضي قد وجه ضربة قاسية للاقتصاد السوفيتي، فإن أسعار النفط المرتفعة نسبيا توجه ضربة لا تقل قسوة للولايات المتحدة الآن.

أتوقع حدوث صدمة اقتصادية في الولايات المتحدة هذا الخريف، وستلعب أسعار النفط المرتفعة نسبيا أحد الأدوار الرئيسية في هذا السيناريو، وسيزداد ضغط واشنطن على الرياض بأضعاف مضاعفة.

في الوقت نفسه، واجهت ميزانية المملكة العربية السعودية عجزا في النصف الأول من العام الجاري، خلافا للخطط المرسومة. ومع أن الوضع بشكل عام لا يمكن وصفه بالصعب، إلا أنه يوفر سببا مشروعا لجهود السعودية لدعم أسعار النفط، واللعب على نحو أكثر صرامة مع واشنطن.

موضوعيا، فإن الرياض، من خلال أسعار النفط، تؤثر بقوة على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حتى وإن لم تضع ذلك هدفا لها. ومع ذلك، فهل نحن على يقين أن ذلك لا يقع ضمن أهدافها؟

على الأقل، لن أتفاجأ إذا ما حاولت المملكة العربية السعودية، التي تمتلك مثل هذه الأوراق الرابحة في حوارها مع واشنطن، أن ترفع مكانتها بشكل كبير في الشؤون الدولية، وأن تصبح، على سبيل المثال، وسيطا ليس فقط بين روسيا وأوكرانيا، ولكن أيضا بين الولايات المتحدة والصين. فهل نشهد قمة بين القادة الأمريكيين والصينيين في الرياض؟

مع هذا، فإنني أضع النتائج البناءة تحت بند نظريات المؤامرة. أما الصدمة والفوضى في الاقتصاد والسياسة فهي السيناريو الرئيسي في العامين المقبلين من وجهة نظري المتواضعة.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف

رابط قناة "تليغرام" الخاصة بالكاتب

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

المصدر: RT Arabic

كلمات دلالية: كورونا ألكسندر نازاروف أخبار السعودية ألكسندر نازاروف الأزمة الأوكرانية الجيش الروسي العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا حلف الناتو فلاديمير بوتين محمد بن سلمان وزارة الدفاع الروسية المملکة العربیة السعودیة الولایات المتحدة للولایات المتحدة أسعار النفط إلا أن

إقرأ أيضاً:

«تايم»: التصعيد الروسي ضد الغرب.. هل نحن على حافة حرب نووية؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

يشعر العالم بالقلق المتزايد من احتمالية اندلاع حرب نووية مع تصاعد التوتر بين روسيا والغرب، وهنا يسلط الكاتب جورج بيب، مدير سابق لتحليل الشئون الروسية فى وكالة الاستخبارات المركزية، الضوء على المخاطر المتزايدة فى مقال له فى مجلة "تايم".

ويشير الكاتب إلى أن الولايات المتحدة، على الرغم من التحذيرات والتهديدات الروسية، قدمت لأوكرانيا أسلحة متطورة دون مواجهة رد فعل كبير من موسكو، إلا أن هذا الوضع قد يتغير قريبًا.

حيث يرى بعض الخبراء فى واشنطن أن فوائد تقديم مزيد من المساعدة لأوكرانيا تفوق المخاطر المحتملة، ويشمل ذلك القرار الأخير بإعطاء الضوء الأخضر لأوكرانيا لاستخدام الأسلحة الأمريكية لشن هجمات على الأراضى الروسية.

ويعتمد تحديد الخطوط الحمراء التى لا يجب تجاوزها على الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى يختلف حكمه بشأن ما يمكن لروسيا تحمله اعتمادًا على تقييمه لوضع ساحة المعركة، والنوايا الغربية، والمشاعر داخل روسيا، وردود الفعل الدولية.

ويخشى الكاتب من أن تركيز الغرب على رد فعل موسكو على كل فعل فردى من أفعالهم قد يقلل من تقدير تأثير المساعدات المتزايدة على حسابات بوتين.

تشهد العلاقة بين روسيا والغرب توترًا متصاعدًا، يزداد معه توظيف التهديد النووى كأداة ضغط فى خضم الصراع الدائر فى أوكرانيا.

وتشير المؤشرات إلى أن روسيا مستعدة لتغيير عقيدتها العسكرية بما يتيح لها تخفيف القيود على استخدام الأسلحة النووية. وقد برز ذلك من خلال تصريحات رسمية روسية متكررة تُلوّح باحتمال استخدامها، فضلًا عن إجراء تدريبات تحاكى استخدام أسلحة نووية تكتيكية، ورفع جاهزية ترسانتها النووية.

يُثير هذا التصعيد النووى قلقًا بالغًا فى مختلف أنحاء العالم، خاصةً مع تزايد احتمالية استخدام الأسلحة النووية فى الصراع الدائر فى أوكرانيا.

النووى الروسي
ويشير الكاتب إلى أن هناك نقاشًا داخل روسيا حول كيفية استعادة خوف الولايات المتحدة من التصعيد النووي، بينما يدعو بعض المتشددين إلى استخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد أهداف عسكرية، يفضل خبراء آخرون أكثر اعتدالًا اختبار قنبلة نووية أو مهاجمة أصول أمريكية.

وتلعب المخاوف من التدخل الغربى المتزايد فى أوكرانيا دورًا مهمًا فى قرار بوتين بزيارة كوريا الشمالية وإحياء معاهدة الدفاع المشترك بين البلدين، والتى كانت سارية المفعول قبل انهيار الاتحاد السوفيتي.

فيما أكدت روسيا، بعد ضربة أوكرانية على ميناء سيفاستوبول باستخدام قنابل عنقودية أمريكية، أن الولايات المتحدة متورطة مباشرة فى الهجوم، مما أدى إلى مقتل مدنيين روس، وهددت بعواقب وخيمة.

وتطرح مقالة بيب سؤالًا مهمًا: هل يناور الروس، أم أنهم على وشك التهور فى مواجهة عسكرية مباشرة؟

وتحذر المجلة من تجاهل المخاطر الحقيقية التى تواجهنا فى إدارة أزمة ثنائية، وتؤكد أن القرارات المتسرعة، مثل نشر عسكريين أمريكيين أو مدربين فرنسيين فى أوكرانيا، قد تدفع روسيا إلى التصعيد.

وتختتم المجلة بتذكيرنا بأن نقاط التحول التاريخية تظهر بعد فوات الأوان، مما يجعل من الصعب تحديدها فى الوقت الحالي.

ويؤكد الكاتب أننا لا نزال قادرين على التأثير على مسار الأحداث، لكنّنا قد نتعثر فى مثل هذه اللحظة الآن.

وتُعد المقالة تحذيرا قويًا من مخاطر التصعيد، وتحث على توخى الحذر والتفكير بعناية فى خطواتنا قبل أن ندفع العالم إلى حافة الهاوية.
 

مقالات مشابهة

  • الحزب الشيوعي التشيكي المورافي: واشنطن لا تريد إحلال السلام في أوكرانيا لسعيها لإضعاف روسيا
  • أمريكا وأكلاف الكيان الصهيوني الباهظة
  • «تايم»: التصعيد الروسي ضد الغرب.. هل نحن على حافة حرب نووية؟
  • «فورين بوليسي»: خطة ترامب لإضعاف الدولار ليس لها أي معنى
  • بايدن واثق من فوزه بالانتخابات المقبلة: ساهزم ترامب
  • البيت الأبيض: قلقون بشأن زيارة أوربان إلى روسيا
  • رئيس الوزراء المجري أوربان يلتقي بوتين لإجراء محادثات في موسكو في زيارة نادرة يقوم بها زعيم أوروبي
  • “المحادثات مع رئيس الوزراء الهنغاري كانت مكثفة ومفيدة”.. أبرز تصريحات بوتين في لقائه مع أوربان
  • أوكرانيا عن زيارة رئيس حكومة المجر إلى روسيا: نرفض محادثات السلام دون مشاركتنا
  • اتهامات أوروبية للصين بتطوير طائرات مسيرة لصالح روسيا