عُمان.. مذهب المذاهب!
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
مُعاوية الرواحي
شعاراتُ الوحدة مهمة للغاية لأي مجتمع، ومع تعدد الأديان، والعرقيات، والهويات، والثقافات، والأعراق تكون هذه الشعارات أكثر أهمية، مع أنها في حقيقتها سخيفة منطقيا، وغير مقنعة لأحد، وبها عمومية شاطحة، ولا يُسند حقيقتها أي شيء سوى ذلك الشعور العمومي بالسلام الذي يدعو الجميع للتعايش. "كلنا واحد" وغيرها من هذه الشعارات تصبح نافعة، وتمارس التوكيد على العموم الكبير فقط بعد تحقق أركان المذهب الذي ما أن يتم التفريط به إلا وتستيقظ الفتن المذهبية وتنطلق من عقالها كالشياطين التي تمسك المشاعل في حقلٍ من القش الجاف!
تشكل لغة الشعارات العمومية مظلة أمان لا بأس بها للفرد المنتمي لمذهب ديني.
متى يشعر الإنسان حقا بالأمان المذهبي؟ وبالتالي يردد بملء فيه هذه الشعارات العاطفية؟ يشعر بالأمان المذهبي عندما يتقين أن مذهبه الديني ليس عرضة للهجوم أو للإلغاء، عندما يتأكد لديه أن ممارسته لحق الانتماء الديني والمذهبي لا يقوم بتحديدها إنسان آخر نيابةً عنه. عندما يشعرُ أنَّه ليس متهماً، وأن مذهبه لا يحدد انتماءه الوطني أو الاجتماعي، عندما يرى الجميع سواسية أمام القانون لا يفرق بينهم مذهب ديني، عندما يرى أن الروح الوطنية هي التي تسود في الزمان والمكان، هُنا يتحقق الأمان المذهبي، وتشتد قوة الأواصر الاجتماعية.
هذا هو مذهب المذاهب، لم أجد نحتا ملائما لوصف الحالة العُمانية سوى هذه الطريقة. لدينا في عُمان قناعة راسخة للغاية أن خطر الانقسام المذهبي هو أحد أشد الأخطار الاجتماعية ضرراً على عُمان، ليس أمرا يحب أحدٌ أن يخوض فيه، وليس مجالاً يستطيع أن يتصدى له الجاهلون. المذاهب تختلف، في الفقه، وفي بعض شؤون العقيدة، وتتفق في شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ما يجمعها أكبر من قدرتها على أن تتفرق، وما يفرقها أقل من قدرتها على أن تجتمع. ونعم، لا تخلو المذاهب من خلفيات تاريخية، ومن صدامات سياسية، ومن حركة قيام الدول واندثارها، لكنها في المشهد العُماني متمسكة بذلك المذهب الذي لا يجب أن نفرط فيه، مذهب المذاهب، أو يمكن أن نسميه، مذهب تعدد المذاهب.
هذه ليست حقيقة مفتعلة، وليست من شعارات التطبيل التي يلوكها البعض في الشدة والرخاء، هذه حقيقة عُمانية واضحة المعالم، وتستمد قوتها من الطمأنينة المذهبية، وشعور كل فرد أن مذهبه محمي بقانون عام يشمل الجميع، يتبع العلماء الذين يختارهم، ويحترم العلماء من المذاهب الأخرى، ونتيجة هذا الاحترام المتبادل نشأت ظاهرة التعايش المذهبي في عُمان في عالم عربي يزخر بالصراعات المذهبية، ويشتعل بحروب الإلغاء، هذا فضلا عن استخدام العامل المذهبي في حروب سياسة بعضها يكاد يتحول إلى حروب ميدانية تهلك الحرث والنسل!
تنشأ شعارات الوحدة وتردد بصدق وحماسة في نهاية طريق التعايش المذهبي، بعد تحققه التام، بعد وجود الطمأنينة المذهبية لدى الجميع، ومن هنا يكتسب هذا الشعار حقيقته، ومع سخفه المنطقي، يقال بصدق، لأنه يُرى بوضوح، وتشعر به القلوب، وتشعر بصدقه، وما دمنا في عُمان نستشعر هذه الطمأنينة في قلوب كل الأفراد، لا توقع بعض الملاسنات الجانبية تلك الفتن النارية التي تعصف بمجتمعات أخرى. بالمنطق البسيط جدا، ما دام الفرد آمنا في مذهبه، سيساهم في تحقيق الأمان للمذاهب الأخرى!
يمارس البعض أدواراً لا نفع منها، ترسخ الشعور بالاختلاف بين المذاهب، بعضهم ضليع بما يفعل ويستثمر الاختلاف بين المذاهب لتعميق الانتماء إلى مذهبه، وبعضهم أحمق، وداعية فتنة، ومسبب شقاق، ينطلق من الكراهية والإلغاء، ولا يمانع حتى أن يستدعي السلطة لكي يوجهها ضد مذهب فلاني أو علَّاني، ولحسن الحظ السلطة في عُمان عاقلةٌ لكي لا تسمح لهذا الخطاب بالتفشي، وقد تتعامل مع هؤلاء الأفراد أحيانا ببعض الشدة، ولكن في المجمل، تتجنب السلطة في عُمان إثارة اللغط المذهبي وتسعى دائما إلى حل هذه المشكلات بطريقتها الأخرى المبنية على الاحتواء والإقناع ووأد المشكلات في مهدها. مقاربة يتمنى الجميع أن تستمر كما هي، وألا يوضع السيف موضع الندى.
السخيف منطقيا يصبح حقيقيا عندما يسنده واقع متحقق. الشعار، أي شعار في هذه الحياة سخيف منطقيا، كل إنسان يعرف أنه يختلف عن الآخر، ويجد الذي يشبهونه فيراهم يختلفون عن الآخرين، الذين أيضا لديهم مذهب آخر مغاير، فما الذي يصنع مشهد الوحدة في عُمان؟ تصنعه الطمأنينة، والعدالة بين المذاهب، والسعي المشترك بين علماء وعقلاء كل مذهب لإيقاف من يدعو للفتن والشقاق، تصنعه الثقافة الاجتماعية المتعايشة حتى بين غير المتدينين، يصنعه البناء المستمر للحصانة الثقافية، يصنعه الصدق في الاعتراف باختلافنا، يصنعه النقد الحصيف وتفنيد العلم المتراكم من بقايا الحروب السياسية، والاستخدام الغاشم للدين من قبل السلطة، وتحييد، أو تسطيح، أو قمع العلماء والفقهاء.
التعايش المذهبي في عُمان كبير، وواسع، وشاسع، وله سياقات وأسباب كثيرة، وبه تاريخ مفصل، ومن الصعب على أي فرد أن يحيط به علما، ومن المؤكد أن مقالا صغيراً مثل هذا لن يضع أكثر من بضع النقاط على ملايين الحروف، لذلك نلجأ أحيانا إلى لغة الشعارات، لأنها آمنة، وواضحة، وثمة واقع يسندها، قد لا نعرف لماذا نشعر بصدقها! لكننا نرى واقعا يؤكد لنا التعايش المذهبي في عُمان. مذهب المذاهب في عُمان! واحةٌ في صحراء الشقاق المذهبي العربي، ومنارة في المحيط الهائج للوحدة الإسلامية المهددة بالحروب، ثغر من ثغور التحقق التام للتصالح بين المسلم والمسلم، ومدنية تدير هذه المعادلة الصعبة باحتراف وبنجاح حتى هذه اللحظة. منجز من منجزات عُمان الحقيقية الذي إن تم التفريط به، فقد تم التفريط بسلامة المجتمع، والسلطة، والأجيال القادمة بضربة واحدة!
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: هذه الشعارات المذهبی فی فی ع مان
إقرأ أيضاً:
"ستموت قريبًا".. ماذا كان رد رونالدو عندما سخر منه "مستر بيست"؟
أثار النجم البرتغالي كريستيانو رونالدو تفاعلًا كبيرًا بعد تأكيده لـ "اليوتيوبر" الشهير "مستر بيست" أنه يطمح للعيش حتى عمر الـ100 عام، وذلك خلال حوار مثير في قناة رونالدو الرسمية على "يوتيوب".
"ستموت قريبًا".. ماذا كان رد رونالدو عندما سخر منه "مستر بيست"؟وخلال الحوار، قال رونالدو: "أبلغ من العمر 39 عامًا وبضعة أشهر.." ليرد عليه "مستر بيست" مازحًا: "تقريبًا 40 عامًا، أنت في طريقك إلى الموت، لقد بدأت تتقدم في السن".
ورد رونالدو بثقة على صاحب أعلى عدد مشتركين على منصة "يوتيوب" قائلًا: "أود أن أخبرك أنني أنوي أن أعيش حتى عمر الـ100 عام".
وتم تداول هذا المقطع على نطاق واسع بين مستخدمي منصة "إكس"، مما أثار العديد من التعليقات حول طموحات لاعب النصر السعودي.
وفي سياق متصل، أكدت صحيفة ماركا الإسبانية أن كريستيانو رونالدو كان يخلق ضجة وتوقعات كبيرة حول هوية ضيفه القادم، حيث قام بنشر مقطعين تشويقيين على قناته دون الكشف اسم الضيف، مما زاد من حماس الجمهور وأطلق العنان للنظريات والتكهنات حول من قد يكون.
واعتقد الكثيرون أن الضيف سيكون ليونيل ميسي، الذي يتمتع بتنافسية كبيرة معه على مر السنين، والذي يُعرف بعلاقة جيدة بينهما.
ومع ذلك، فاجأ رونالدو الجميع بالإعلان عن أنه سيتعاون مع منافسه الجديد، "مستر بيست"، الذي يُعتبر أشهر "يوتيوبر" في العالم بــ331 مليون مشترك، حيث أشار رونالدو في عدة مناسبات إلى رغبته في التفوق عليه.