جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-05@01:29:49 GMT

عُمان.. مذهب المذاهب!

تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT

عُمان.. مذهب المذاهب!

مُعاوية الرواحي

شعاراتُ الوحدة مهمة للغاية لأي مجتمع، ومع تعدد الأديان، والعرقيات، والهويات، والثقافات، والأعراق تكون هذه الشعارات أكثر أهمية، مع أنها في حقيقتها سخيفة منطقيا، وغير مقنعة لأحد، وبها عمومية شاطحة، ولا يُسند حقيقتها أي شيء سوى ذلك الشعور العمومي بالسلام الذي يدعو الجميع للتعايش. "كلنا واحد" وغيرها من هذه الشعارات تصبح نافعة، وتمارس التوكيد على العموم الكبير فقط بعد تحقق أركان المذهب الذي ما أن يتم التفريط به إلا وتستيقظ الفتن المذهبية وتنطلق من عقالها كالشياطين التي تمسك المشاعل في حقلٍ من القش الجاف!

تشكل لغة الشعارات العمومية مظلة أمان لا بأس بها للفرد المنتمي لمذهب ديني.

نعم نحن عندما نجتمعُ في الساحة العمومية، كلنا بشكل ما أو بآخر نرفع هذه الشعارات السطحية، والعمومية، وأصفها بهاتين الصفتين متعمداً، فهي الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يفرزَ وسيلة تفكير أساسها التعايش وقبول تعدد الآراء، ليس لأن الفرد يظن في نفسه أنه قد يكون مخطئا، وقد يكون غيره صوابا، ليس من هذه الناحية. إنها تقود إلى تقبل تعدد الصوابات، وأن الطريق لله بعدد أنفس الخلائق، وبعدد عقول المذاهب.

متى يشعر الإنسان حقا بالأمان المذهبي؟ وبالتالي يردد بملء فيه هذه الشعارات العاطفية؟ يشعر بالأمان المذهبي عندما يتقين أن مذهبه الديني ليس عرضة للهجوم أو للإلغاء، عندما يتأكد لديه أن ممارسته لحق الانتماء الديني والمذهبي لا يقوم بتحديدها إنسان آخر نيابةً عنه. عندما يشعرُ أنَّه ليس متهماً، وأن مذهبه لا يحدد انتماءه الوطني أو الاجتماعي، عندما يرى الجميع سواسية أمام القانون لا يفرق بينهم مذهب ديني، عندما يرى أن الروح الوطنية هي التي تسود في الزمان والمكان، هُنا يتحقق الأمان المذهبي، وتشتد قوة الأواصر الاجتماعية.

هذا هو مذهب المذاهب، لم أجد نحتا ملائما لوصف الحالة العُمانية سوى هذه الطريقة. لدينا في عُمان قناعة راسخة للغاية أن خطر الانقسام المذهبي هو أحد أشد الأخطار الاجتماعية ضرراً على عُمان، ليس أمرا يحب أحدٌ أن يخوض فيه، وليس مجالاً يستطيع أن يتصدى له الجاهلون. المذاهب تختلف، في الفقه، وفي بعض شؤون العقيدة، وتتفق في شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ما يجمعها أكبر من قدرتها على أن تتفرق، وما يفرقها أقل من قدرتها على أن تجتمع. ونعم، لا تخلو المذاهب من خلفيات تاريخية، ومن صدامات سياسية، ومن حركة قيام الدول واندثارها، لكنها في المشهد العُماني متمسكة بذلك المذهب الذي لا يجب أن نفرط فيه، مذهب المذاهب، أو يمكن أن نسميه، مذهب تعدد المذاهب.

هذه ليست حقيقة مفتعلة، وليست من شعارات التطبيل التي يلوكها البعض في الشدة والرخاء، هذه حقيقة عُمانية واضحة المعالم، وتستمد قوتها من الطمأنينة المذهبية، وشعور كل فرد أن مذهبه محمي بقانون عام يشمل الجميع، يتبع العلماء الذين يختارهم، ويحترم العلماء من المذاهب الأخرى، ونتيجة هذا الاحترام المتبادل نشأت ظاهرة التعايش المذهبي في عُمان في عالم عربي يزخر بالصراعات المذهبية، ويشتعل بحروب الإلغاء، هذا فضلا عن استخدام العامل المذهبي في حروب سياسة بعضها يكاد يتحول إلى حروب ميدانية تهلك الحرث والنسل!

تنشأ شعارات الوحدة وتردد بصدق وحماسة في نهاية طريق التعايش المذهبي، بعد تحققه التام، بعد وجود الطمأنينة المذهبية لدى الجميع، ومن هنا يكتسب هذا الشعار حقيقته، ومع سخفه المنطقي، يقال بصدق، لأنه يُرى بوضوح، وتشعر به القلوب، وتشعر بصدقه، وما دمنا في عُمان نستشعر هذه الطمأنينة في قلوب كل الأفراد، لا توقع بعض الملاسنات الجانبية تلك الفتن النارية التي تعصف بمجتمعات أخرى. بالمنطق البسيط جدا، ما دام الفرد آمنا في مذهبه، سيساهم في تحقيق الأمان للمذاهب الأخرى!

يمارس البعض أدواراً لا نفع منها، ترسخ الشعور بالاختلاف بين المذاهب، بعضهم ضليع بما يفعل ويستثمر الاختلاف بين المذاهب لتعميق الانتماء إلى مذهبه، وبعضهم أحمق، وداعية فتنة، ومسبب شقاق، ينطلق من الكراهية والإلغاء، ولا يمانع حتى أن يستدعي السلطة لكي يوجهها ضد مذهب فلاني أو علَّاني، ولحسن الحظ السلطة في عُمان عاقلةٌ لكي لا تسمح لهذا الخطاب بالتفشي، وقد تتعامل مع هؤلاء الأفراد أحيانا ببعض الشدة، ولكن في المجمل، تتجنب السلطة في عُمان إثارة اللغط المذهبي وتسعى دائما إلى حل هذه المشكلات بطريقتها الأخرى المبنية على الاحتواء والإقناع ووأد المشكلات في مهدها. مقاربة يتمنى الجميع أن تستمر كما هي، وألا يوضع السيف موضع الندى.

السخيف منطقيا يصبح حقيقيا عندما يسنده واقع متحقق. الشعار، أي شعار في هذه الحياة سخيف منطقيا، كل إنسان يعرف أنه يختلف عن الآخر، ويجد الذي يشبهونه فيراهم يختلفون عن الآخرين، الذين أيضا لديهم مذهب آخر مغاير، فما الذي يصنع مشهد الوحدة في عُمان؟ تصنعه الطمأنينة، والعدالة بين المذاهب، والسعي المشترك بين علماء وعقلاء كل مذهب لإيقاف من يدعو للفتن والشقاق، تصنعه الثقافة الاجتماعية المتعايشة حتى بين غير المتدينين، يصنعه البناء المستمر للحصانة الثقافية، يصنعه الصدق في الاعتراف باختلافنا، يصنعه النقد الحصيف وتفنيد العلم المتراكم من بقايا الحروب السياسية، والاستخدام الغاشم للدين من قبل السلطة، وتحييد، أو تسطيح، أو قمع العلماء والفقهاء.

التعايش المذهبي في عُمان كبير، وواسع، وشاسع، وله سياقات وأسباب كثيرة، وبه تاريخ مفصل، ومن الصعب على أي فرد أن يحيط به علما، ومن المؤكد أن مقالا صغيراً مثل هذا لن يضع أكثر من بضع النقاط على ملايين الحروف، لذلك نلجأ أحيانا إلى لغة الشعارات، لأنها آمنة، وواضحة، وثمة واقع يسندها، قد لا نعرف لماذا نشعر بصدقها! لكننا نرى واقعا يؤكد لنا التعايش المذهبي في عُمان. مذهب المذاهب في عُمان! واحةٌ في صحراء الشقاق المذهبي العربي، ومنارة في المحيط الهائج للوحدة الإسلامية المهددة بالحروب، ثغر من ثغور التحقق التام للتصالح بين المسلم والمسلم، ومدنية تدير هذه المعادلة الصعبة باحتراف وبنجاح حتى هذه اللحظة. منجز من منجزات عُمان الحقيقية الذي إن تم التفريط به، فقد تم التفريط بسلامة المجتمع، والسلطة، والأجيال القادمة بضربة واحدة!

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

كلمات دلالية: هذه الشعارات المذهبی فی فی ع مان

إقرأ أيضاً:

لماذا نعيد مشاهدة أعمالنا التلفزيونية المفضلة في المواسم والمناسبات؟

وسط مئات الأعمال الرمضانية الجديدة كل عام، يجد كثيرون أن مشاهدة برنامج أو مسلسل جديد أمر مسلٍ وحماسي ينقله إلى عالم مختلف مع مجموعة جديدة من الشخصيات والقصص.

في المقابل، يستمتع البعض أيضا بمشاهدة نفس البرامج والمسلسلات المألوفة مرارا وتكرارا، خاصة في المواسم والمناسبات المعروفة، مثل شهر رمضان أو عيد الفطر أو حتى أعياد رأس العام الجديد، ويجدون في ذلك طقسا من طقوس الاحتفال بهذه المناسبة.

فلماذا يعمد البعض إلى تكرار مشاهدة الأعمال الفنية القديمة؟

1- الإحساس بالألفة والإيجابية

في حين أن الأعمال الترفيهية الجديدة قد تكون مثيرة، فإنها قد تسبب الإرهاق لمشاعرنا، خاصة لأولئك الذين يعانون من التوتر والضغط العصبي.

وتقدم الأبحاث باستمرار دعما لنظرية "تأثير التعرض المجرد"، والتي تفترض أنه كلما زاد عدد المرات التي تعرضنا وشاهدنا فيها شيئا ما، زاد ميلنا إلى الإعجاب به لاحقا.

يحدث هذا لأن تجربة شيء معروف لنا، يزيد عندنا من "الطلاقة الإدراكية"، أو السهولة التي يمكننا بها من معالجة المعلومات. وبالتالي عندما يكون شيء ما سهل المعالجة، فإنه يميل إلى جعلنا نشعر بمشاعر إيجابية توقعنا في حب الشيء أكثر.

وبالتالي عندما نشاهد البرامج والمسلسلات المألوفة لدينا مرة أخرى، فإننا نتلقى القصص والعواطف التي نتوقعها. نحن نعرف كيف ستنتهي الحلقات، والأهم من ذلك كيف سنشعر بعد الانتهاء من المشاهدة. وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا أكثر ميلا إلى اختيار الكوميديا للمشاهدة المتكررة بدلا من الدراما.

2- تعزيز الشعور بالسيطرة

ما الممتع الذي قد تتوقعه عندما تشاهد مشهدا معينا للبطل وهو يستيقظ في سريره، ثم يفرّش أسنانه، ثم يغير ثيابه ويتوجه إلى العمل؟ في الواقع، الأمر غاية في المتعة بالنسبة للبعض. إذ قد يميل محبو مشاهدة الأعمال المفضلة مرارا وتكرارا لفعل هذا لتوفير الاستقرار والراحة اللازمين للإحساس بالهدوء في يومهم.

ووفقا لبحث أجراه متخصصون في الصحة النفسية والعقلية عام 2012 وتم نشره بمجلة أبحاث المستهلك، فإن التكرار يعزز لدى البالغين الشعور بالاطمئنان والسيطرة.

ويتضح أن معرفة ما سيحدث بالتفاصيل يمنح المشاهد إحساسا بالنظام والأمان والتحكُّم، خاصة خلال الأوقات التي نشعر فيها بأن حياتنا تخرج عن السيطرة ولا يمكننا تغيير ما نرغب فيه.

إعادة مشاهدة مسلسلات قديمة قد تساهم في شحن الطاقة وتعزيز النشاط (شترستوك) 3- تخفيف عبء اتخاذ القرارات

إن إعادة مشاهدة البرامج التلفزيونية والأفلام يمكن أن يخفف من إجهاد اتخاذ القرار. وذلك لأن البحث عن المألوف -في هذه الحالة، برنامج تلفزيوني أو فيلم محبوب أو مسلسل مألوف- هو وسيلة لتهدئة أنفسنا بعد يوم طويل قضيناه في اتخاذ القرارات.

بالطبع هناك بعض الخيارات الأكثر أهمية من غيرها، ولكن حتى المواقف التي تبدو غير مهمة -مثل التخطيط لما ستتناوله على العشاء- يمكن أن تؤدي إلى إصابتك بما يُعرف بـ"إجهاد اتخاذ القرار".

ومع أن اختيار برنامج تلفزيوني لمشاهدته هو من بين القرارات الأقل ضغطا التي ستواجهها طوال يومك، ولكن لا يزال من الممكن أن يساهم في إحساسك بالإرهاق. وهنا يمكن لرؤية القصص والوجوه المألوفة أن يمنح الدماغ قسطا من الراحة من التعامل مع المجهول والحاجة إلى اتخاذ القرارات.

4- كأنك تقابل صديقا قديما

إن إعادة مشاهدة الأفلام والمسلسلات المفضلة قد تجعلك تشعر كأنك تلتقي بأصدقائك، ويرجع ذلك إلى أن معرفتنا بالشخصيات في هذه العروض تلعب دورا في مشاعرنا الإيجابية، لأننا نطور شعورا بالارتباط بهذه الشخصيات.

صحيح أنه إذا نمت العلاقات الاجتماعية غير المألوفة لديك إلى الحد الذي يسيطر على أفكارك أو يغير من أدائك اليومي وعلاقاتك بالناس الحقيقيين، فقد يكون هذا سببا للقلق وربما تدخل الخبراء.

لكن يقول خبراء علم النفس إن الديناميكية غير الرسمية -مثل الإعجاب بالمشاهير- من شأنها أن توفر احتياجات شخصية معينة، مثل ملء الفراغ الاجتماعي أو الرومانسي في حياتك، أو اكتساب شعور بالدعم أو الإلهام من ذلك الشخص، أو الشعور بمشاعر الإعجاب القوية تجاهه.

5- الحماية من مشاعر الرفض والوحدة

وجدت الأبحاث العلمية أن الشخص كائن اجتماعي بالفطرة، ويمتلك مشاعر قوية بالرغبة في الانتماء. لذلك قد يلجأ البعض إلى البرامج التلفزيونية المفضلة كمصدر محتمل للتواصل عندما يشعرون بالوحدة أو الرفض.

وفي مجموعة من الدراسات المنشورة عام 2009 في مجلة علم النفس الاجتماعي التجريبي، أظهرت البيانات أنه عندما يفكر الناس في وقت شجارهم مع أحد أحبتهم، يشعرون بزيادة في مشاعر الرفض والمزاج السلبي، مما أدى إلى انخفاض احترامهم لذاتهم، ولكن عندما تبعوا ذلك بالتفكير في برنامجهم التلفزيوني المفضل، فإن كل تلك التأثيرات النموذجية للرفض تختفي تدريجيا لديهم.

بالطبع إعادة مشاهدة أي عرض لا تكفي، بل يجب أن يكون مسليا وخاليا من الدراما والمآسي. ومع ذلك، حتى إن كان نوعك المفضل مشحونا بالمشاعر الحزينة، يظل هناك تأثير إيجابي عند إعادة المشاهدة لأنه من غير المرجح أن تشعر بخيبة الأمل أو الخوف أو الحزن عندما تكون على علم بشكل مسبق بالأحداث.

تخفيف عبء اتخاذ القرارات قد يدفع البعض إلى إعادة مشاهدة أعمال فنية قديمة (شترستوك) 6- شحن الطاقة وتعزيز النشاط

في علم النفس، ضبط النفس هو "القدرة على التحكم في سلوك المرء، سواء السلوك الظاهر أو الخفي أو العاطفي أو الجسدي، وكبح جماحه أو تثبيط اندفاعاته".

وإذا كنت تشعر بالوحدة أو الانزعاج أو التوتر، فإن الأمر يتطلب ضبط النفس لتغيير مشاعرك أو تنظيمها. كما يتطلب الأمر ضبط النفس لقمعها، أو لقمع رد فعلك تجاه شخص ما عندما تكون في مزاج سيئ.

ولأننا لدينا احتياطيا محدودا من ضبط النفس الذي يتطلب جهدا كبيرا، فسيكون من الصعب متابعة شيء آخر يتطلب جهدا.

وفي دراسة علمية لاستكشاف الطرق التي تساعد بها العوالم الخيالية المألوفة الأشخاص على تنظيم ضبط النفس. وجد الباحثون أنه عندما قام الأشخاص بشيء يتطلب جهدا كبيرا في يومهم، وكانوا يعانون من انخفاض في ضبط النفس، أصبحوا أكثر ميلا لإعادة مشاهدة برامجهم التلفزيونية المفضلة. وبعد مشاهدة برامجهم التلفزيونية المفضلة، أفادوا بأنهم أصبحوا أكثر نشاطا.

لذا، إذا مررت بيوم شاق، فإن إعادة مشاهدة برنامجك التلفزيوني المفضل قد تساعد بالفعل على التخلص من التوتر والضغط النفسي، وتعزز مشاعرك الإيجابية.

مقالات مشابهة

  • هل يعتبر العرب من مصير زيلينسكي؟ واشنطن.. الحليف المتقلب
  • أستون فيلا يضع قدماً في ربع نهائي «أبطال أوروبا»
  • عندما يلتقي الذكاء الاصطناعي والعاطفي
  • موائد الأئمة الكبار.. «الإمام الأول» عندما يقول المصريون «يا خراشي» يطلبون عون شيخ الأزهر!
  • لماذا يصعق الناس من الشيخ عندما يضل الطريق؟!
  • بنزيمة يكشف خططه المستقبلية بعد الاعتزال
  • شيخ الأزهر: لابد أن يسود الأدب والاحترام بين أتباع المذاهب الإسلامية
  • ناصر الخليفي: لا يعجبني مبابي عندما يتحدث عن سان جيرمان
  • عندما يُختزلُ المعتقلُ في جسده!
  • لماذا نعيد مشاهدة أعمالنا التلفزيونية المفضلة في المواسم والمناسبات؟