د. جملات عبدالرحيم *
لا يزال التاريخ يُسجل يومًا تلو الآخر خِسَّة ووضاعة الأفعال الإجرامية المتأصِّلة في طبائع حُكَّام الصهيانة في العالم من حولنا، وأنهم أرادوا تهديد المسلمين في الأرض، ويمكرون ويخادعون، متأسين بوهم السيادة والشعب المختار، ويمعنون في توسيع الاستيطان في البلاد العربية سواءً في فلسطين أو غير فلسطين.
أهل باطل دائمًا، يتعَّمدون تكذيب العالم الإسلامي الذي يتناقش معهم ويجعلوه مكبلًا بالحديد، أو يشغولنه بقضايا مُختلقة وأخرى مُلفَّقة، حتي يجمعوا أنفسهم ويسودوا العالم، ويجعلونه كالمجنون فاقدَ الأهلية، لأن رتبتهم –من وجهة نظرهم الضيقة- أعلى من الجميع، فيدبِّرون المشاكل للناس، ويصرفون المليارات على الإعلام لتجنيده لخدمة أجندتهم.
أهل عُقد نفسية وميكانيزمات مهترئة، يشيعون الفوضى ويشترون الأحزاب السياسية، من أجل أن يحوزوا الدعم المطلق في البرلمانات ومجالس الشيوخ وفي البيت الأبيض، كما توسَّعوا وتوزَّعوا على المدن والبلدان في شتى أصقاع الأرض ليوجدوا لأنفسهم موطئ قدم، للاستحواذ على البشر، وإسقاط المسلمين، ومن ثم إسقاط عدالة قضيتنا الأولى فلسطين.
والآن نتساءل: من سيُحاسب القارة العجوز التي تسببت في استيطان أصحاب هذا الفكر العقيم في أرض فلسطين العربية الأبية، من سيدفع فاتورة القتل والخراب والدمار وانتهاك حُرمات الحياة هناك؟ من يتحمَّل معاناة اللاجئين والمشردين والنازحين من المعذبين في الأرض؟
هم أنفسهم أم من دعمهم وناصرهم كذلك؟ المشكلة أنَّ الشعوب العربية والإسلامية الواقفة اليوم موقف المتفرج لم تجن من سكوتها أو حتى دفاعها، سوى الازدراء والاستخفاف من هذا الكيان وداعميه، في حين هم يرتبون أوراقهم ويأخذون الخطوات تلو الخطوات ويصرفون ويدفعون ولكن الله غالب أمره.
نخشى أن ندفع هذا الصمت غاليًا، فيضيع الحق، والتاريخ، والحضارة، والواقع، ونتماهى في عالم جديد رسموه هم وخططوا له، وما كنا فيه سوى دُمى يُحرِّكونها كيفما شاءوا.
الجميع يُدرك عواقف التهور والاندفاع في المواجهة مع كيان مدعوم من كبريات الدول في العالم، مما يعني أنَّ أية انجرار غير محسوب للحرب ضد الكيان يعني حربًا مع قوى عظمى.. الحل لدى أصحاب الحكمة والفزعة، بتحقيق الموزانة بين نُصرة أصحاب الأرض وبنفس الوقت تجنيب المنطقة بالكامل ويلات الخراب والحرب.
إنني آمل أن تجد هذه الكلمات صداها لدى منظمة الصحة العالمية، لإجراء أبحاث ودارسات دقيقة على الشخصيات التي تتولى القيادة في أمريكا وإسرائيل، للكشف عن سلامة قواهم النفسية والعقلية وكذلك الإنسانية، فلا يُمكن لعقل أن يتصوَّر أن هناك بشرًا سويًّا يأمر وينفذ ويدعم كل هذا الخراب والدمار والقتل والتشريد والإصابات التي شهدناها في الحبيبة غزة منذ بدء طوفان الأقصى.. لقد سلبوا الحياة من الحياة، لا بارك الله لهم، ولعنهم، ونصرنا عليهم، وشرَّدهم كما شرَّدوا إخواننا وأهلينا في غزة الكرامة والعزة.
* خبيرة علاقات سياسية ودبلوماسية
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
نشر موقع "موندويس" الأمريكي، تقريرًا، سلّط فيه الضوء على مؤسسة "هند رجب" التي تأسّست عقب استشهاد الطفلة هند رجب في غزة، بقصف للاحتلال الإسرائيلي، مبرزا أنها تسعى لمحاكمة الجنود الإسرائيليين المتّهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين، مستندة إلى أدلة تشمل منشوراتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "الطريقة التي قُتلت بها الطفلة هند رجب مروعة؛ حيث وُجدت بالمقاعد الخلفية من سيارة محطمة، على بعد أمتار من دبابة ميركافا إسرائيلية"، مضيفا: "وُجدت عمتها وعمها مقتولين في المقعدين الأماميين، وأربعة من أبناء عمومتها ينزفون بجانبها".
وتابع: "كانت تتوسل لموظفة فلسطينية على الطرف الآخر من خط هاتف خلوي، وتبكي خوفا، ثم في لمح البصر، تمزقت لأشلاء بوابل طلقات الرشاشات الإسرائيلية"، مردفا: "استشهدت هند رجب قبل سنة، وكانت في السادسة من عمرها، والآن تسعى المؤسسة التي تحمل اسمها إلى تحقيق العدالة".
"ليس فقط من أجل هند، ولكن من أجل عدد لا يحصى من الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل في انتهاك للقانون الدولي" بحسب التقرير نفسه.
ملاحقة الجنود كأفراد
أضاف الموقع أن المؤسسة لا تلاحق دولة الاحتلال الإسرائيلي، بل تتبع نهجًا مختلفًا بملاحقة الجنود الإسرائيليين كأفراد. وحدّدت المؤسسة التي تتخذ من بروكسل مقرًا لها، في ملف قدمته إلى المحكمة الجنائية الدولية، في لاهاي، في 8 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، هويّة ألف جندي إسرائيلي تعتقد أنه يجب على المحكمة مقاضاتهم.
وأبرز التقرير: "استنادًا إلى 8000 دليل، بما في ذلك منشورات الجنود أنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي من غزة المدمرة"، مشيرا إلى أنه: "من الممارسات التي تباهى بها المجنّدون والضباط الإسرائيليون على فيسبوك وإنستغرام وسناب شات وتيك توك وتلغرام وغيرها: القصف العشوائي".
"القتل المتعمد للمدنيين، بمن فيهم العاملون بالمجال الطبي والصحفيون والمدنيون الذين يلوحون بالرايات البيضاء؛ والتدمير الوحشي للمنازل والمستشفيات والمدارس والأسواق والمساجد؛ والتجويع القسري والنهب" أبرز التقرير ما كان يتباهى به المجنّدون والضباط الإسرائيليون.
وأوضح محامي المؤسسة هارون رضا، أنّ: "مؤسسة هند رجب تراقب جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة منذ كانون الأول/ ديسمبر 2023، بمساعدة شبكة من النشطاء والمحامين حول العالم"، مضيفا أنّ: "المؤسسة لديها شبكة كبيرة جدًا من المحققين في الداخل والخارج".
وتركز المؤسسة، وفق المحامي نفسه، على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي للجنود الذين خدموا في غزة منذ بدء الحرب، قبل خمسة عشر شهرًا، ويقول هارون إنّ: "جميع هؤلاء الجنود لديهم حسابات على التواصل الاجتماعي، وكان العديد منهم يضعون صورًا جماعية ويُظهرون أماكنهم وممارساتهم خلال الحرب".
إلى ذلك، تقوم المؤسسة بتوثيق التواريخ والأوقات والمواقع في غزة، ثم تقارنها مع منشورات أخرى للجنود، سواء مقاطع الفيديو أو الصور.
توثيق الجرائم
ذكر الموقع أن القادة العسكريين الإسرائيليين أمروا الجنود بالتوقف عن التباهي بجرائمهم خوفًا من تعرضهم للاعتقال أو الملاحقة القضائية أثناء سفرهم إلى الخارج.
وقال هارون رضا إنّ: "قيادة الجيش لم تطلب من جنودها رسميًا التوقف عن ارتكاب جرائم الحرب، لكنهم طلبوا منهم التوقف عن نشر تلك الممارسات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا يعني أن القادة يعرفون ما يفعله الجنود ولا يشعرون بالخجل من ذلك، لكنهم لا يريدون أن يتورط الجنود في أي ملاحقات قضائية".
وأضاف رضا أنه: "من المثير للاهتمام أنهم بدأوا يحذفون كل المنشورات، لكنهم لا يعلمون أن الإنترنت له ذاكرة طويلة وأنه كان هناك ما يكفي من الوقت لتوثيق الجرائم"، مؤكدا أن "المؤسسة لديها قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات التي تم التحقق منها أكثر من مرة، وتلك البيانات تشكل أدلة لرفع قضايا ضد الجنود المتورطين".
واسترسل: "من بين ألف جندي وردت أسماؤهم في ملف مؤسسة هند رجب للمحكمة الجنائية الدولية، مجموعة من الضباط والقادة، بما في ذلك ثلاثة وثلاثون جنديًا يحملون الجنسية الإسرائيلية وجنسية أخرى، ومنهم أكثر من عشرة جنود من فرنسا والولايات المتحدة، وأربعة من كندا، وثلاثة من المملكة المتحدة، واثنان من هولندا".
إثر ذلك، أرسلت المؤسسة، قائمة بأسماء الجنود الإسرائيليين إلى عشر دول مختلفة يعتبرها الجنود الإسرائيليون وطنهم الأم، أو يتّجهون إليها بعد انتهاء خدمتهم العسكرية، وهي دول تمارس الولاية القضائية العالمية على أخطر الجرائم الدولية.
وأوضح رضا أنّ: "المؤسسة تقوم بالتحقق من المناطق التي يسافر إليها الجنود المتورطون، ومن نمط الرحلات الجوية الأكثر شيوعًا، ثم رفع قضايا بحقهم"؛ موضحا أنه: "تم تقديم شكاوى في النمسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا والسويد وتايلاند والإكوادور".
واعتبر رضا أنه: "رغم فشل العديد من محاولات الاعتقال بعد أن تم إبلاغ الجنود بأنهم ملاحقون ونجحوا في الفرار، فإن نجاح عملية الاعتقال مسألة وقت فحسب".
وتستهدف المؤسسة أيضًا المتواطئين والمحرضين على جرائم حرب الاحتلال الإسرائيلي على كامل قطاع غزة، ومن بين هؤلاء جمهور فريق "مكابي تل أبيب" لكرة القدم، الذين قاموا بأعمال شغب بأمستردام في الخريف الماضي، وحاخام ينتمي للواء جفعاتي الإسرائيلي، تفاخر بتدمير أحياء كاملة في غزة، وأيّد قصف المدنيين الفلسطينيين.
شعور زائف بالأمان
أضاف رضا بأن "الجنود الإسرائيليين أصبحوا مثل مجرمي الحرب النازيين الذين هربوا إلى باراغواي أو كندا أو أوروبا وكان لديهم شعور زائف بالأمان"، مؤكدا أن "المؤسسة تتعقبهم وتستطيع مقاضاتهم في حال الذهاب إلى أي دولة ذات اختصاص قضائي عالمي أو أي دولة توافق على ملاحقتهم قضائيًا".
ويعتقد هارون أن "المسؤول عن قتل هند رجب سيمثل أمام العدالة، لأن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم عندما تكون هناك ولاية قضائية عالمية، وهذا يعني أنه حتى لو تم اكتشاف المسؤولين عن الجريمة بعد عشرين سنة، سوف تتمكن المؤسسة من ملاحقتهم".
إلى ذلك، خلص التقرير بأنّ: "القائمون على المؤسسة بأنهم لن يرتاحوا حتى ينالوا من جميع مرتكبي جرائم الحرب في غزة، بمن فيهم المسؤولون عن مقتل هند رجب".