غطروشة: سفينة أرعبت الأساطيل
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
بقلم: كمال فتاح حيدر ..
كانت السفينة (غطروشة) من السفن المفضلة في معارك الأدميرال العربي: رحمة بن جابر الجهلمي (1760 – 1826). اما كيف حصل على درجة أدميرال فكانت هذه هي الصفة التي يطلقها عليه قادة الأسطول البريطاني على الرغم من ضراوته في المعارك التي خاضها ضدهم أو معهم، اما سفينته (غطروشة) فكانت هي الكابوس المرعب في حوض الخليج.
الادميرال (الجهلمي) هو أقدم بحار ارتدى رقعة العين بعدما فقد إحدى عينيه في معاركه المرعبة، وقد تركت تلك الرقعة السوداء أثرها على أعراف القراصنة حول العالم، حتى اصبحت صورتهم النمطية مرتبطة بعصابة العين. .
كان هذا القرصان العربي فارع الطول نحيف الجسم، مقطوع اليد. مثخن بجراح السيوف وطعنات الرماح، عرفه الناس بملامحه المخيفة، ثم صار اكثر قبحا بسبب الندوب والإصابات التي طغت على تضاريس وجهه. سأله أحد القادة الإنجليز فيما إذا كان قادرا على القضاء على عدوه بذراعه المبتورة، فاستل خنجره الملتوي بيده اليسرى، التي كانت سليمة، وكاد ان يقتل الرجل بضربة واحدة. قائلاً: أنه لا يرغب في اكثر من قطع أكبر عدد ممكن من الحناجر بهذه اليد. .
تذكر المصادر التاريخية انه اقتحم مياه بوشهر عام 1816 بنحو خمس سفن كبيرة، يقودها طاقم مؤلف من ثلاثمائة رجل. . كان يتردد بمراكبه على موانئ البصرة والقرين (الكويت) والبحرين ومسقط. يتردد في إبحاره بين خور الديلم وخور حسان. ولديه أتباع يزيد تعدادهم على ألفي رجل، يغيرون من وقت لآخر على السفن البريطانية واحيانا يشتركون معها في الهجوم. .
يقول المستر بروس (المقيم الإنجليزي في بوشهر): ان الادميرال (رحمة الجهلمي) أقام ثكنة له على سواحل مدينة بوشهر، وكان يمتلك سفينتين كبيرتين من طراز (البغلة)، إضافة إلى سفينته المفضلة (الغطروشة)، وسفينة مدفعية، وسفينة كبيرة من طراز (البتيل)، ومجموعة كبيرة من القوارب الصغيرة بأحجام متباينة. .
الغريب بالأمر انه ساعد القوات البريطانية عام 1819 في حملتها ضد القواسم في رأس الخيمة. ثم قام بعد عام واحد فقط بسلسلة من عمليات القرصنة المتكررة ضد السفن التي ترفع العلم البريطاني. وفي يناير / كانون الاول 1820، كان هو وطاقمه يستعدون لشن هجمات على البحرين من ميناء القطيف، ثم ابحر إلى شيراز بثلاث سفن لتقديم مساعدته لأمير شيراز في حملته المخططة للبحرين. واستمرت أعماله العدائية ضد البحرين للمدة 1821 – 1822, استولى بعدها على 7 سفن بحرينية وقتل طواقمها. استقر بعدها في بوشهر حتى فبراير / شباط 1824، عاد بعدها إلى الدمام. ثم ذهب إلى مسقط عام 1825، وساعد الشيخ طحنون في حملته ضد قبيلة القواسم في رأس الخيمة . وفي نهاية ذلك العام، بدأ سلسلة من الهجمات الضارية على القطيف عقابا على عدم دفع ضريبة الحماية المستحقة له. فقرر البريطانيون عدم التدخل في تصرفاته إذا ظلت هجماته مقتصرة على أهل القطيف، لكنه سرعان ما حوّل تركيزه إلى آل خليفة وذهب إلى الحرب معهم في بداية عام 1826. وبعد وقوع عدد كبير من الضحايا في صفوفه، فر إلى بوشهر حيث طلب المساعدة المادية والعسكرية من المقيم السياسي البريطاني، لكنه عاد إلى الدمام بخفي حنين. .
فقد بصره في أيامه الأخيرة، وكانت وفاته بعد التحام سفينته بسفينة الشيخ أحمد بن سلمان ال خليفة في معركة حامية الوطيس، ولما شعر بدنو نهايته عمد إلى نار في راس (النارجيلة) التي كان يشرب منها الدخان، فالقاها في ذخيرة البارود التي كانت تحته فانفجرت السفينة بهم وقُتل هو وابنه ومن معهما. .
التساؤلات التي لابد منها: اين تعلم الملاحة ؟، وكيف توفرت له المؤهلات التعبوية لخوض المعارك والاشتباكات البحرية الواسعة ؟. واين تعلم اللغات الفارسية والإنجليزية والبرتغالية ؟. .
فالحديث عن هذا الرجل ذو شجون. . د. كمال فتاح حيدر
المصدر: شبكة انباء العراق
كلمات دلالية: احتجاجات الانتخابات البرلمانية الجيش الروسي الصدر الكرملين اوكرانيا ايران تشرين تشكيل الحكومة تظاهرات ايران رئيس الوزراء المكلف روسيا غضب الشارع مصطفى الكاظمي مظاهرات وقفات
إقرأ أيضاً:
مفاجآت على طريق القدس.. عام من الاستيلاء على سفينة “جلاكسي”
يمانيون – متابعات
يعد مشهد استيلاء القوات المسلحة اليمنية على سفينة الشحن الإسرائيلية “جلاكسي” واقتيادها إلى ميناء الحديدة قبل عام من أكثر المشاهد المأساوية في تاريخ الكيان، وصفعة مدوية للأعداء لم يستوعبوها حتى الآن.
في الرابع عشر من شهر نوفمبر 2023م، وفي خطابه الثاني بعد عملية “طوفان الأقصى” تحدث السيد القائد عبد الملك بدر الدين الحوثي – يحفظه الله- كثيراً عن تداعيات التطورات في قطاع غزة، والعدوان غير المسبوق عليها، والاستهداف الهمجي على المدنيين، والصمت العربي المطبق، ثم تطرق إلى الدور اليمني وما الذي يمكن أن تقدمه اليمن في هذا الجانب نصرة، وإسناداً للمظلومين في غزة.
ويومها قال السيد القائد عبد الملك الحوثي:” في البحر الأحمر، وبالذات في باب المندب، وما يحاذي المياه الإقليمية اليمنية، عيوننا مفتوحة للرصد الدائم، والبحث عن أي سفينة إسرائيلية، وليعلم الجميع، وليعرف الكل أن العدو الإسرائيلي يعتمد في حركته في البحر الأحمر، وبالذات من باب المندب على التهريب والتمويه، ولم يجرؤ أن يرفع الأعلام الإسرائيلية على سفنه، وهو يغلق أجهزة التعارف”.
ومضى قائلاً:” لكن -إن شاء الله- سنظفر -بتوفيق الله سبحانه وتعالى- بهم، وسننكل بهم، وفي أي مستوى تناله أيدينا، وإمكاناتنا، لن نتردد في استهداف العدو الإسرائيلي.. هذا موقفنا المعلن والصريح والواضح، وليعرف به كل العالم”.
حمل خطاب السيد القائد جزئيتين هامتين، الأولى، التأكيد على أن اليمن بقواته المسلحة ستظفر بهم، والثانية التأكيد على أننا سننكل بهم، وهو خطاب كان هاماً في توقيته، وغامضاً للكثيرين، لا سيما وأن اليمن لم يسبق أن نفذ عمليات كبرى في البحار، ما جعل الكثيرون يتساءلون: كيف يمكن لليمن التنكيل والظفر بسفن العدو الإسرائيلي؟!
قبل الخطاب، كانت الأحداث في قطاع غزة تتصاعد، والجرائم في تزايد مستمر، والقصف الجنوني في ذروته، والأمريكيون والغربيون على رأس الداعمين والمساندين لهذا العدو، وسبق للسيد القائد أن تحدث في خطاب سابق- الخطاب الأول بعد طوفان الأقصى- وأكد أن اليمن ستقدم الدعم لغزة بقدر ما تستطيع، لا سيما إذا تورطت أمريكا وشاركت في هذا العدوان.
وبعد أن اتضح للجميع المشاركة العلنية الأمريكية في حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، كان على سيد الأنصار الوفاء بوعده، وإسكات الأصوات النشاز التي بدأت تتحدث بأن كلام السيد هو قول وليس فعلًا، لكن آمالهم خابت، حينما أعلنت القوات المسلحة عن عملياتها الأولى المساندة لغزة عن طريق القصف بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة على “أم الرشراش” جنوبي فلسطين المحتلة، في مشهد فاجأ الكثير من المتابعين.
الصيد الثمين
بعد أيام قليلة، وتحديداً في 19 نوفمبر عام 2023م، بدأت الصورة تتضح جلياً، وبدأ الميدان يفسر حرفياً خطاب السيد القائد، فالقوات البحرية اليمنية كانت ترصد وتتبع كل السفن التابعة للعدو الإسرائيلي، وقد تلقت الأوامر بالسيطرة والاستيلاء على أي سفينة صهيونية تمر من البحر الأحمر، فكان الصيد الأول يتمثل في متابعة ورصد حركة سفينة الشحن التابعة لرجل أعمال صهيوني (رامي انغار) أثناء مرورها في البحر الأحمر، وتسمى “جلاكسي”.
أعلنت القوات المسلحة اليمنية في بيان تلاه العميد يحيى سريع عن الاستيلاء على هذه السفينة يوم 19 نوفمبر 2023م، وعرضت مشاهد نوعية لعملية الاستيلاء، فكانت صفعة مدوية للكيان الذي سارع بالنفي أنها تابعة له، حتى يتهرب من الحرج، فيما أدانت بريطانيا هذه الحادثة، وقالت: إنها غير قانونية، واعتبرت واشنطن هذه الخطوة بأنها انتهاك صارخ للقانون الدولي، وطالبت بالإفراج عن السفينة وطاقمها.
وعلى الرغم من الحرج الكبير للكيان ورعاته من الأمريكيين والبريطانيين، إلا أن مشهد الاستيلاء على السفينة أشعل الرأي العام العربي والعالمي، وأدخل الفرحة إلى قلوب الفلسطينيين الذين كانوا يعتقدون أن كل العرب تخلوا عنهم، وأيقنوا بعد هذه العملية أن اليمنيين صادقون في وعدهم، وأن كلام السيد القائد عبد الملك الحوثي عندما قال:” لستم وحدكم” هو قول وفعل.
ظل السؤال الأبرز هنا: ماذا بعد هذه العملية وما قدرات اليمن في إشعال حرب في البحر الأحمر؟ وهو ليس خبيراً في هذا الجانب.
الجواب على كل هذه التساؤلات برهنها الواقع خلال عام مضى من بعد عملية الاستيلاء على “جلاكسي”، حيث انتقل اليمن إلى مراحل متدرجة في تصعيده ضد العدو الإسرائيلي، وفي كل مرحلة كان يثبت جدارة تشكل مفاجأة للأعداء.
حارس الازدهار.. مهمة الفشل
بعد شهر تماماً من عملية الاستيلاء على سفينة “جلاكسي” في البحر الأحمر، أعلنت واشنطن عن تشكيل تحالف عسكري بحري ضد اليمن يوم 18 ديسمبر 2023م، حيث جاء الإعلان عقب اجتماع لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن مع وزراء ومسؤولين من 40 دولة، فضلاً عن ممثلين عن الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي، وتم خلاله مناقشة تصاعد ما سموه بتهديدات “الحوثيين” في البحر الأحمر، حيث كان هدف التحالف حماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر وفك الحصار المفروض على ميناء “ام الرشراش”.
لكن هذا التحالف سرعان ما تفكك، فالدول العربية أعلنت النأي بنفسها عن المشاركة فيه، والدول الأوروبية فضلت أن تعمل بمفردها في حماية سفنها في البحر الأحمر، ولم تبق سوى دول قليلة فيه.
كان الإعلان عن تشكيل التحالف رسالة من قبل أمريكا لليمن بهدف رفع الحصار عن موانئ إسرائيل جنوبي فلسطين المحتلة، لكن القوات المسلحة اليمنية رفعت من وتيرة تصعيدها، ولم تأبه لأية تهديدات، واستمرت في تعقب السفن المرتبطة بالكيان أو تلك التي تتجه إلى الموانئ الإسرائيلية، وأجبرت الكثير منها على التراجع وتغيير مسارها.
بقيت أمريكا على رأس تحالف الازدهار وإلى جانبها بريطانيا، ودخلا في عدوان مباشر على اليمن في 12 يناير 2024م ولا يزال مستمراً حتى يومنا هذا، وكان الهدف هو إجبار اليمن بالقوة على رفع الحصار المفروض على “إسرائيل”.. لكن الإخفاق الأمريكي البريطاني الإسرائيلي تواصل في البحر الأحمر، في حين أظهر اليمن ما في جعبته من أسلحة وقوة وعتاد، ومع مرور الأيام والأسابيع والأشهر، تعرضت السفن البريطانية للاستهداف المباشر، وتم إغراقها في البحر مثلما حدث لسفينة “روبيمار”، وتعرضت القطع الحربية للعدو الأمريكي والبريطاني للاستهداف، وصولاً إلى استهداف حاملة الطائرات الأمريكية “ايزنهاور” التي اضطرت للفرار من البحر الأحمر نتيجة العمليات اليمنية المتصاعدة للقوات المسلحة اليمنية، كما اضطرت البارجة البريطانية “أدموند” للفرار.
لم تؤتِ الغارات الأمريكية البريطانية أكلها، وتمكنت القوات المسلحة اليمنية بكافة تشكيلاتها من استهداف سفن الأعداء، متجاوزة البحر الأحمر، إلى البحر العربي، والمحيط الهندي، وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، وفي بعض الأحيان، وعند تمادي السفن بعدم الاستجابة لنداءات اليمن يتم إغراق السفن المخالفة واحراقها، وخير شاهد على ذلك، ما حدث لسفينيه “سونيون” في البحر الأحمر، وهي سفينة يونانية حاولت عبور البحر الأحمر للاتجاه إلى ميناء “أم الرشراش” ولم تستجب للتحذيرات المتعددة للقوات اليمنية، فكان مصيرها الإغراق، والصعود إلى متنها وتفجيرها.
تحول اليمن إلى قوة بحرية هزمت القوة البحرية الأعظم في العالم، وأنتجت مفاجآت يمنية على طريق القدس لم يستوعبها الكثيرون حتى الآن، من أبرزها صناعة القوارب المسيرة، والصواريخ الفرط صوتية، والغواصات المسيرة، والأسلحة الباليستية والمجنحة، والطائرات المسيرة، وأسلحة أخرى لم يكشف عنها بعد.
بدأ اليمنيون عامهم بالاستيلاء على “جلاكسي” ومسك الختام كان باستهداف حاملة الطائرات الأمريكية “ابراهام لينكولن” في البحر العربي، ومدمرتين حربيتين أمريكيتين في البحر الأحمر، في حين لا تزال الأحداث تتصاعد، ولا نعلم ما الذي تخبئه لنا الأيام.
——————————————-
موقع أنصار الله – أحمد داود