مجازر غزة وانتهاء دور الرجل الأبيض!!
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
كتب الشهيد المفكر الكبير سيد قطب رحمه الله، سنة 1962م كتابين مهمين من أخريات كتبه، الأول بعنوان: (هذا الدين)، وقد تحدث فيه عن خصائص الدين الإسلامي. أما الثاني فكان بعنوان: (المستقبل لهذا الدين)، وفي كتيبه الأخير، عقد قطب فصلا بعنوان: انتهى دور الرجل الأبيض، ويقصد بالرجل الأبيض هنا الرجل الغربي وحضارته، وليس مقصوده بالبياض اللون، فربما رأيت ألوانا أخرى لا تختلف عنه، كما صك الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مصطلح: الإنجليز السمر، إشارة إلى عملاء وتلامذة الاحتلال الإنجليزي في بلادنا، من أصحاب البشرات السمراء من أهل البلد، بعد أن غادرها الاحتلال، وتركهم يقومون مقامه وزيادة.
وقد سبق الشهيد سيد قطب لهذه الحقيقة الفيلسوف الفرنسي برتراند راسل، لكنه قالها من باب النظرة المادية البحتة فقط، بينما تناولها سيد بنظرة شاملة، تجمع أسباب انتهاء وسقوط هذه الحضارة، وهذا الدور. أما سيد رحمه الله، فقد بين أن المسألة أعمق من السبب المادي بكثير، وأن حضارة الرجل الأبيض قد استنفدت أغراضها المحدودة القريبة، ولم يعد لديها ما تعطيه للبشرية من تصورات، ومفاهيم، ومبادئ وقيم، تسمح لقيادة البشرية، وتسمح لها بالنمو والترقي، وأنها أصيبت بالعقم، رغم أن ما جادت به قريحة الغربيين من هذه المبادئ والقيم كانت محدودة تروج في فترة خاصة، وتواجه حالات محدودة، وأوضاعا خاصة.
مجازر غزة فضحت وعرت هؤلاء تماما، وأخذت معهم أذنابهم وذيولهم من بني جلدتنا، سواء على مستوى الأنظمة والحكام، أو على مستوى المثقفين والتابعين لهم، فقد تحول لسان الغرب الناطق بحق أي أقلية في العالم، إلى متكلم بالتحريض والتحريش على أطفال ونساء غزة،وفي هذا الفصل العميق الذي كتبه سيد قطب، وأسهب فيه، في بيان عوامل سقوط هذه الحضارة، وانتهاء دورها عن قيادة البشرية، وتركيزه على أنها حضارة مادية تجهل الدين، وتجهل الإنسان نفسه، وتجهل طبيعة الحياة البشرية، التي لا تحتاج لغذاء البدن فقط، بل إضافة إلى ذلك غذاء الروح والعقل والنفس، وكل نظام للحياة لا يحقق السعادة للكائن البشري، إلا تضمن كفاية هذه الجوعات المتعددة في كينونته الواحدة.. وهذه السمة هي التي خلت منها حضارة الرجل الأبيض! ولهذا السبب ـ من وراء كل سبب ـ انتهى دور الرجل الأبيض.
هذه المعاني التي أسهب فيها سيد قطب وغيره من مفكرينا الإسلاميين الكبار، كانت كلاما نظريا، كنا نقرؤه ونعتقد به، لكن كان هناك من يشكك فيه، تارة بالتشكيك في أصحاب هذه الأفكار، أنهم صداميون، أو أنهم منغلقون على ذواتهم وتراثهم، وتارة بأنهم لم يسبروا غور الحضارة الأوروبية بمنجزاتها الكبرى، بينما أثبتت الأيام التي نعيشها، والسنوات التي نمضيها، أنهم كانوا أبعد نظرا، وأصوب فكرا، وأكثر تشريحا وتحليلا لجوهر هذه الحضارة، بل ولمظهرها.
وقد جاءت معركة طوفان الأقصى في غزة، وبدأت تستدعى مثل هذه الأفكار، ليس لطرحها من جديد، بل للتدليل على صحتها، وللبرهنة على صدقها، بأن الرجل الأبيض قد انتهى دوره، ولم يعد له وجه يلقى به أحدا يدعي فيه أنه راعي حقوق الإنسان، أو أنه صك ميثاق الأمم المتحدة، أو أسس مجلس الأمن، فكلها صيغت على مبدأ التعالي على الخلق، والنظرة الأنانية لمن سواه، وعند التطبيق لا تكون لصالح المظلوم، إن كان المظلوم ليس على لون هذه الحضارة الأيديولوجي.
مجازر غزة فضحت وعرت هؤلاء تماما، وأخذت معهم أذنابهم وذيولهم من بني جلدتنا، سواء على مستوى الأنظمة والحكام، أو على مستوى المثقفين والتابعين لهم، فقد تحول لسان الغرب الناطق بحق أي أقلية في العالم، إلى متكلم بالتحريض والتحريش على أطفال ونساء غزة، هو نفسه الغربي الذي منذ شهور كان يملأ الدنيا ضجيجا تعاطفا مع أوكرانيا وحقها في تقرير مصيرها، والدفاع عن أرضها ضد روسيا، هو نفسه الذي يمد الكيان الصهيوني بما يحتاج وما لا يحتاج من أدوات الحرب اللاأخلاقية، والتي لا تتسم بأي لون من ألوان الإنسانية، أو الالتزام بمعاهدة جنيف ومواثيق الحقوق الدولية التي صكها الغرب نفسه!!
رأى العالم أجمع، بكل مستوياته، إفلاس الرجل الأبيض، وإفلاس من قلدوه من بني جلدتنا، رأوا الكيل بعدة مكاييل، سواء من حيث منع الحرب والقتل والتشريد، أو من حيث إغاثة الجرحى، فلم يكتفوا بالتفرج، بل كانوا مشاركين بالعتاد والسلاح، كانوا من قبل يشاركون بالصمت، والكيل بمكيالين.وقبل أحداث أوكرانيا، جاءت أزمة كورونا، لتعري هذه الحضارة وأهلها، بأنانيتها، وسحقها للإنسان لحساب بقائها فقط، فرأينا احتكار الدواء لصالح أصحاب هذه الحضارة فقط، ورأينا القرصنة على سفن تحمل أدوات طبية.
لقد رأى العالم أجمع، بكل مستوياته، إفلاس الرجل الأبيض، وإفلاس من قلدوه من بني جلدتنا، رأوا الكيل بعدة مكاييل، سواء من حيث منع الحرب والقتل والتشريد، أو من حيث إغاثة الجرحى، فلم يكتفوا بالتفرج، بل كانوا مشاركين بالعتاد والسلاح، كانوا من قبل يشاركون بالصمت، والكيل بمكيالين.
من أكبر إيجابيات المجازر التي تجري في غزة، أنها أسقطت ورقة التوت عن حملة لواء هذه الحضارة، سواء على المستوى الفكري أو السياسي أو العسكري، عندما تعلق الأمر بالكيان الصهيوني، تخلفت كل المواثيق، ونحيت جانبا كل العهود، بل صدروا جميعا عن قوس واحد، يصيبون به الأطفال والنساء، وهما أكبر عنصر يتغنى به الغرب في الحقوق، فهما أقدس المقدسات: الطفل والمرأة.
ما كان يناقش في محافل البحث العلمي، ما بين رافض ومؤيد، من التردي والسقوط الأخلاقي والقيمي لهذه الحضارة وانهيارها، كان موضع جدل ونقاش، الآن برهنت هذه الحرب في غزة على صحته، بل دللت ووثقت بكل ما لا يدع مجالا للشك، على هذه النظرة، وهذه النتيجة: انتهاء دور الرجل الأبيض، ممثلا في الحضارة الغربية، التي لم يعد لها مجرد التاريخ والماضي الذي يمسح عار واقعها المخزي.
[email protected]
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغربي الاحتلال غزة احتلال فلسطين غزة الغرب مواقف مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الحضارة على مستوى سید قطب من حیث
إقرأ أيضاً:
جبل الأبيض.. إمكانات زراعية غير مستغلة
◄ جبل الأبيض يمثل فرصة ذهبية لتطوير قطاع زراعي منتج ومُستدام في وطننا الحبيب
يوسف بن علي بن ناصر الجهضمي
يُعد جبل الأبيض أحد المواقع التي تتمتع بمناخ مثالي لزراعة مختلف أنواع الخضار والفواكه، حيث تساعد الظروف البيئية من درجات حرارة معتدلة وتربة خصبة على إنتاج محاصيل زراعية متنوعة. ومع ذلك، فإن هذه المنطقة لا تزال غير مستغلة بالشكل المطلوب، مما يجعلها مثالًا على الفرص الضائعة في القطاع الزراعي.
ويتميز جبل الأبيض بمناخ ملائم لنمو محاصيل متعددة مثل الطماطم، والخيار، والبصل، والباذنجان، والعنب، والتفاح، والتين، والرمان، وغيرها من الفواكه والخضراوات. كما أن ارتفاعه عن سطح البحر يجعله بيئة مناسبة لزراعة محاصيل نادرة قد لا تنمو في مناطق أخرى بسبب الظروف المناخية القاسية.
وعلى الرغم من الإمكانيات الواعدة، إلا أن هناك عدة تحديات تحول دون استغلال جبل الأبيض زراعيًا، من أبرزها:
نقص الاستثمارات الزراعية: غياب المشاريع الزراعية الكبرى وعدم وجود خطط حكومية أو استثمارات خاصة لتطوير الزراعة في المنطقة. شح المياه: رغم توفر المياه في سد وادي ضيقة القريب من المنطقة، إلا أن الاستفادة منه في الري لا تزال محدودة. ضعف البنية التحتية الزراعية: مثل قلة الطرق الزراعية، وندرة الدعم الفني والتقني للمزارعين. قلة الوعي بأهمية الزراعة المحلية: عدم وجود حملات توعوية أو تشجيع للسكان المحليين على الاستثمار في الزراعة.ويُعد سد وادي ضيقة مصدرًا مائيًا مهمًا يمكن أن يسهم بشكل فعال في دعم الزراعة بجبل الأبيض، حيث يحتوي على كميات كبيرة من المياه التي يمكن استخدامها لري الأراضي القابلة للزراعة. ومن خلال مشاريع الري الحديث، مثل أنظمة التنقيط والري بالتكثيف، يمكن استغلال هذه الموارد بشكل مستدام دون هدر المياه.
وثمة حلول ممكنة لتطوير القطاع الزراعي في جبل الأبيض:
توجيه استثمارات نحو القطاع الزراعي من خلال تشجيع رجال الأعمال والمستثمرين على استصلاح الأراضي. استخدام مياه سد وادي ضيقة بشكل أكثر كفاءة عبر بناء شبكات ري حديثة وإدخال تقنيات الزراعة المستدامة. تقديم دعم حكومي على شكل قروض زراعية، أو تخفيضات على المعدات والبذور. توعية السكان المحليين حول أهمية الزراعة وإمكانيات المنطقة الزراعية من خلال حملات إعلامية وورش عمل تدريبية. إنشاء أسواق محلية تساعد المزارعين على بيع منتجاتهم بسهولة، مما يشجعهم على زيادة الإنتاج.وختامًا.. يُمثل جبل الأبيض فرصة ذهبية لتطوير قطاع زراعي منتج ومستدام، ولكن ذلك يتطلب جهودًا مشتركة من الجهات الحكومية، والمستثمرين، والمجتمع المحلي. ومع وجود مصادر مائية قريبة مثل سد وادي ضيقة، فإن استغلال هذه الإمكانات يمكن أن يسهم في تحقيق الأمن الغذائي وخلق فرص اقتصادية جديدة في المنطقة.