عربي21:
2024-09-07@13:55:20 GMT

مجازر غزة وانتهاء دور الرجل الأبيض!!

تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT

كتب الشهيد المفكر الكبير سيد قطب رحمه الله، سنة 1962م كتابين مهمين من أخريات كتبه، الأول بعنوان: (هذا الدين)، وقد تحدث فيه عن خصائص الدين الإسلامي. أما الثاني فكان بعنوان: (المستقبل لهذا الدين)، وفي كتيبه الأخير، عقد قطب فصلا بعنوان: انتهى دور الرجل الأبيض، ويقصد بالرجل الأبيض هنا الرجل الغربي وحضارته، وليس مقصوده بالبياض اللون، فربما رأيت ألوانا أخرى لا تختلف عنه، كما صك الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مصطلح: الإنجليز السمر، إشارة إلى عملاء وتلامذة الاحتلال الإنجليزي في بلادنا، من أصحاب البشرات السمراء من أهل البلد، بعد أن غادرها الاحتلال، وتركهم يقومون مقامه وزيادة.



وقد سبق الشهيد سيد قطب لهذه الحقيقة الفيلسوف الفرنسي برتراند راسل، لكنه قالها من باب النظرة المادية البحتة فقط، بينما تناولها سيد بنظرة شاملة، تجمع أسباب انتهاء وسقوط هذه الحضارة، وهذا الدور. أما سيد رحمه الله، فقد بين أن المسألة أعمق من السبب المادي بكثير، وأن حضارة الرجل الأبيض قد استنفدت أغراضها المحدودة القريبة، ولم يعد لديها ما تعطيه للبشرية من تصورات، ومفاهيم، ومبادئ وقيم، تسمح لقيادة البشرية، وتسمح لها بالنمو والترقي، وأنها أصيبت بالعقم، رغم أن ما جادت به قريحة الغربيين من هذه المبادئ والقيم كانت محدودة تروج في فترة خاصة، وتواجه حالات محدودة، وأوضاعا خاصة.

مجازر غزة فضحت وعرت هؤلاء تماما، وأخذت معهم أذنابهم وذيولهم من بني جلدتنا، سواء على مستوى الأنظمة والحكام، أو على مستوى المثقفين والتابعين لهم، فقد تحول لسان الغرب الناطق بحق أي أقلية في العالم، إلى متكلم بالتحريض والتحريش على أطفال ونساء غزة،وفي هذا الفصل العميق الذي كتبه سيد قطب، وأسهب فيه، في بيان عوامل سقوط هذه الحضارة، وانتهاء دورها عن قيادة البشرية، وتركيزه على أنها حضارة مادية تجهل الدين، وتجهل الإنسان نفسه، وتجهل طبيعة الحياة البشرية، التي لا تحتاج لغذاء البدن فقط، بل إضافة إلى ذلك غذاء الروح والعقل والنفس، وكل نظام للحياة لا يحقق السعادة للكائن البشري، إلا تضمن كفاية هذه الجوعات المتعددة في كينونته الواحدة.. وهذه السمة هي التي خلت منها حضارة الرجل الأبيض! ولهذا السبب ـ من وراء كل سبب ـ انتهى دور الرجل الأبيض.

هذه المعاني التي أسهب فيها سيد قطب وغيره من مفكرينا الإسلاميين الكبار، كانت كلاما نظريا، كنا نقرؤه ونعتقد به، لكن كان هناك من يشكك فيه، تارة بالتشكيك في أصحاب هذه الأفكار، أنهم صداميون، أو أنهم منغلقون على ذواتهم وتراثهم، وتارة بأنهم لم يسبروا غور الحضارة الأوروبية بمنجزاتها الكبرى، بينما أثبتت الأيام التي نعيشها، والسنوات التي نمضيها، أنهم كانوا أبعد نظرا، وأصوب فكرا، وأكثر تشريحا وتحليلا لجوهر هذه الحضارة، بل ولمظهرها.

وقد جاءت معركة طوفان الأقصى في غزة، وبدأت تستدعى مثل هذه الأفكار، ليس لطرحها من جديد، بل للتدليل على صحتها، وللبرهنة على صدقها، بأن الرجل الأبيض قد انتهى دوره، ولم يعد له وجه يلقى به أحدا يدعي فيه أنه راعي حقوق الإنسان، أو أنه صك ميثاق الأمم المتحدة، أو أسس مجلس الأمن، فكلها صيغت على مبدأ التعالي على الخلق، والنظرة الأنانية لمن سواه، وعند التطبيق لا تكون لصالح المظلوم، إن كان المظلوم ليس على لون هذه الحضارة الأيديولوجي.

مجازر غزة فضحت وعرت هؤلاء تماما، وأخذت معهم أذنابهم وذيولهم من بني جلدتنا، سواء على مستوى الأنظمة والحكام، أو على مستوى المثقفين والتابعين لهم، فقد تحول لسان الغرب الناطق بحق أي أقلية في العالم، إلى متكلم بالتحريض والتحريش على أطفال ونساء غزة، هو نفسه الغربي الذي منذ شهور كان يملأ الدنيا ضجيجا تعاطفا مع أوكرانيا وحقها في تقرير مصيرها، والدفاع عن أرضها ضد روسيا، هو نفسه الذي يمد الكيان الصهيوني بما يحتاج وما لا يحتاج من أدوات الحرب اللاأخلاقية، والتي لا تتسم بأي لون من ألوان الإنسانية، أو الالتزام بمعاهدة جنيف ومواثيق الحقوق الدولية التي صكها الغرب نفسه!!

رأى العالم أجمع، بكل مستوياته، إفلاس الرجل الأبيض، وإفلاس من قلدوه من بني جلدتنا، رأوا الكيل بعدة مكاييل، سواء من حيث منع الحرب والقتل والتشريد، أو من حيث إغاثة الجرحى، فلم يكتفوا بالتفرج، بل كانوا مشاركين بالعتاد والسلاح، كانوا من قبل يشاركون بالصمت، والكيل بمكيالين.وقبل أحداث أوكرانيا، جاءت أزمة كورونا، لتعري هذه الحضارة وأهلها، بأنانيتها، وسحقها للإنسان لحساب بقائها فقط، فرأينا احتكار الدواء لصالح أصحاب هذه الحضارة فقط، ورأينا القرصنة على سفن تحمل أدوات طبية.

لقد رأى العالم أجمع، بكل مستوياته، إفلاس الرجل الأبيض، وإفلاس من قلدوه من بني جلدتنا، رأوا الكيل بعدة مكاييل، سواء من حيث منع الحرب والقتل والتشريد، أو من حيث إغاثة الجرحى، فلم يكتفوا بالتفرج، بل كانوا مشاركين بالعتاد والسلاح، كانوا من قبل يشاركون بالصمت، والكيل بمكيالين.

من أكبر إيجابيات المجازر التي تجري في غزة، أنها أسقطت ورقة التوت عن حملة لواء هذه الحضارة، سواء على المستوى الفكري أو السياسي أو العسكري، عندما تعلق الأمر بالكيان الصهيوني، تخلفت كل المواثيق، ونحيت جانبا كل العهود، بل صدروا جميعا عن قوس واحد، يصيبون به الأطفال والنساء، وهما أكبر عنصر يتغنى به الغرب في الحقوق، فهما أقدس المقدسات: الطفل والمرأة.

ما كان يناقش في محافل البحث العلمي، ما بين رافض ومؤيد، من التردي والسقوط الأخلاقي والقيمي لهذه الحضارة وانهيارها، كان موضع جدل ونقاش، الآن برهنت هذه الحرب في غزة على صحته، بل دللت ووثقت بكل ما لا يدع مجالا للشك، على هذه النظرة، وهذه النتيجة: انتهاء دور الرجل الأبيض، ممثلا في الحضارة الغربية، التي لم يعد لها مجرد التاريخ والماضي الذي يمسح عار واقعها المخزي.

[email protected]

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الغربي الاحتلال غزة احتلال فلسطين غزة الغرب مواقف مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الحضارة على مستوى سید قطب من حیث

إقرأ أيضاً:

جيش الاحتلال يرتكب مجازر جديدة في اليوم 337 من الحرب على غزة

سرايا - واصلت الطائرات الإسرائيلية قصفها لمختلف مناطق قطاع غزة في اليوم ٣٣٧ من الحرب مخلفة أعداد كبيرة من الشهداء و الجرحى٠ واشارت مصادر طبية إلى استشهاد ٣٣ مواطنا خلال الساعات الأربع وعشرين الماضية.

وواصلت قوات الاحتلال استهداف مراكز النزوح في مختلف مناطق قطاع غزة.

وارتقى أربعة شهداء و ١٩ مصابًا في قصف على خيام النازحين بمدرسة حليمة السعدية في جباليا النزلة شمالي قطاع غزة. وكان جيش الاحتلال استهدف منزلا لعائلة حماد في منطقة العلمي بمخيم جباليا ما اسفر عن شهيدان وعدد من الجرحى.

وتمكنت طواقم طبية من نقل طفلة شهيدة وسيدة جراء استهداف شقة سكنية لعائلة عوض الله في عمارة الغرباوي بحي النصر غربي مدينة غزة وفي مدينة غزة ايضا ارتقى خمسة شهداء في ثلاث غارات متفرقة شملت ثلاثة شهداء من عائلة ياسين في حي الزيتون جنوب شرق المدينة إضافة إلى شهيد قرب مسجد بدر في نفس الحي وشهيد خامس في حي تل الهوا غربي المدينة. وسط القطاع وارتقى اربعة شهداء وإصابات بقصف طائرات الاحتلال الطابق الثاني لبرج همام على مدخل مخيم البريج لعائلة عيد.


وارتفع إلى سبعة عدد الشهداء نتيجة قصف مدفعي اسرائيلي على منزل لعائلة شحادة في محيط مسجد الرحمة غرب مخيم النصيرات وسط قطاع غزة.

وكان اربعة شهداء هم سيدتين وطفلين ارتقوا في قصف إسرائيلي على خيام النازحين في أرض ابو مهادي غرب مخيم النصيرات.

وجدد الاحتلال قصفه المدفعي لشمال مخيم النصيرات. جنوب القطاع واستشهدت سيدتين من عائلة بربخ في قصف اسرائيلي على منطقة قاع القرين جنوب خان يونس.

وارتقى خمسة شهداء وجرحى جراء قصف إسرائيلي على منزل يعود لعائلة "قنديل" في شارع اليرموك محيط عمارة جاسر وسط مدينة خانيونس.

واصيب عدد من المواطنين نتيجة قصف إسرائيلي مدفعي بشكل كبير جداً على عدة مناطق متفرقة من مدينة خانيونس. وفي رفح واصل جيش الاحتلال قصف ونسف لمباني سكنية شمال غرب مدينة رفح. وانتشلت طواقم الإسعاف جثامين لثلاثة شهداء من المدينة .
معا


مقالات مشابهة

  • دورة تدريبية عن الترميم الأخضر لمرممي متحف الحضارة
  • مستشار بمنظمة اليونسكو: أوروبا تدرك قيمة مصر «مهد الحضارة»
  • جيش الاحتلال يرتكب مجازر جديدة في اليوم 337 من الحرب على غزة
  • البيضاء.. مسيرات جماهيرية ووقفات حاشدة تنديدًا باستمرار مجازر العدو الصهيوني في قطاع غزة
  • شواطئ الإسكندرية تستقبل المصطافين قبل بدء العام الدراسى الجديد وانتهاء فصل الصيف
  • قانون موحد للآثار والتراث أبرز توصيات مؤتمر "الهوية والتراث في عالم متغير"
  • فعالية ثقافية توعوية عن تراث مصر بمتحف الحضارة
  • "الجهاد" تدين استمرار الصمت على مجازر الاحتلال بغزة والضفة
  • من الهلال الخصيب.. هل كان تهجين القمح السبب في قيام الحضارة المعاصرة؟
  • ٥٠ فدان ومقابر.. الدفاع عن الحضارة تكشف حالة تعد على تراث عالمى بدهشور - صور