جمعة: "لا ضرر ولا ضرار" القاعدة الأولى في الفكر الإسلامي
تاريخ النشر: 25th, July 2024 GMT
لا ضرر ولا ضرار القاعدة الأولى في الفكر الإسلامي، فقد وضح الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الجمهورية السابق عبر صفحته الرسمية على موقع الفيسبوك أن بناء الحضارة عملية فكرية في مقامها الأول تبدأ فور إدراكنا محور هذه الحضارة حيث يجب أن تسير عملية البناء في فلك هذا المحور، فلا تشذ عنه ولا تتعارض معه.
علي جمعة: "كن فيكون" أصل العقيدة ولا يشترط معرفة حكمة الله معضلة القضاء والقدر أمام إرادة الإنسان الحرة.. يوضحها الدكتور علي جمعة
قواعد الحضارة الأساسية
وأضاف جمعة أن عملية البناء تبدأ من تحديد القواعد وتنتهي عند تحقيق الغايات، فلكل حضارة قواعد أساسية يقوم عليها البناء وغايات عليا تسعى لتحقيقها، وهذه القواعد وتلك الغايات هما طرفا عملية البناء الدائرة حول المحور، وإذا نظرنا لحضارة الإسلام وجدنا أن محورها كما بينَّا هو النص بشقيه القرآن والسنة، وتبدأ عملية بنائها الفكري بتحديد القواعد الكلية التي سيتم تنظيم الفكر وفقاً لها، ثم تحديد الغايات المقصودة من بناء هذه الحضارة، ثم نرسم خطاً مستقيماً بين القواعد والغايات وهو الخط الفكري للحضارة.
البناء المادي للحضارة
وتابع جمعة أنه يبدأ بعد ذلك البناء المادي الذي يكون في حقيقته انعكاساً واقعياً لما تم بناؤه في الفكر، فمع تحديد القواعد يتكون عقل المسلم فيعرف كيف يفكر؟ وبم يفكر؟ وما القواعد الضابطة له في التفكير؟، وكيف يتعامل مع الأحكام ومع الشريعة، ومع الواقع، ومع الآخر، بل مع نفسه؟ ويتعلم كيف ينظم علاقته مع ربه، ومع الكون، ومع الإنسان، ويتعلم كيف يرى ماضيه، وحاضره، ومستقبله، فإذا أدرك كل هذا استطاع أن يبني حضارة تجوب الآفاق.
أمهات القواعد في الفكر الإسلامي
وأمهات القواعد في الفكر الإسلامي خمس، وهي التي يدور عليها معظم أحكام الشريعة الإسلامية، وقد نظمها بعضهم في قوله:
خمسٌ محرَّرة قواعد مذهب * للشافعي بها تكون خبيرا
ضررٌ يُزَالُ وعادةٌ قد حُكِّمَتْ * وكذا المشقةُ تجلب التيسيرا
والشك لا ترفع به متيقنا * والنية أخلص إن أردت أجورا
وتفصيل هذه القواعد الكلية الخمس فيما يلي:
قواعد فرعية مهمة تؤسس الفكر والحضارةوأشار فضيلة الدكتور علي جمعة أن هذه القاعدة مسوقة لبيان وجوب إزالة الضرر إذا وقع، وأصل هذه القاعدة قوله ﷺ: «لا ضرر ولا ضرار» (رواه أحمد وابن ماجة)، وتتعلق بهذه القاعدة قواعد فرعية مهمة تؤسس الفكر والحضارة معاً منها: الضرورات تبيح المحظورات، بشرط عدم نقصانها عنها، ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة، وجاز التلفظ بكلمة الكفر عند الإكراه، وأخذ مال الممتنع من أداء الدين بغير إذنه، وغير ذلك، ومنها: ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها، ومن ثم فلا يأكل من الميتة إلا بقدر سد الرمق، ومنها: الضرر لا يزال بالضرر، ومنها: إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما، ومنها: درء المفاسد أولى من جلب المصالح، فإذا تعارضت مفسدة ومصلحة، قدّم دفع المفسدة غالباً، لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، ولذلك قال ﷺ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ، وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (رواه البخاري ومسلم).
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: عبر صفحته الرسمية مفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء مفتي الجمهورية السابق الفكر الإسلامي الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء مفتي الجمهوري حضارة الإسلام المشقة تجلب التيسير الجمهور كبار العلماء الجمهورية لا ضرر ولا ضرار فی الفکر الإسلامی علی جمعة
إقرأ أيضاً:
عصارة الفكر القديم.. مواقف من الواقع وسجل حافل بالعبر
في مدرسة الحياة ثمة دروس لا تنسى، ومع ذلك هناك أيضا أشياء تدفن في مقبرة الذاكرة إلى الأبد، تبلى العظام، وتنصهر الأحداث في محرقة الذاكرة، كل هذا وذاك ينبع من منطلق «أن لا شيء يمكن أن يبقى على حاله حتى وإن طال الزمن»، فالأحوال تتغير والأحداث تتجدد لحظة بأخرى، هكذا تعلمنا في الدرس الأول لنا في مرحلة الوعي بمدرسة الحياة.
نتحدث كثيرا عما تعج به صفحات السابقين لنا في هذه الدنيا، أحيانا نراها أكثر إشراقا من الحاضر رغم صعوبتها، لكن ما أن ننعم النظر جيدًا حتى نكتشف بأن الماضي هو الذي أسس لنا الحاضر، ولذا تفتخر الأمم بأنها تبدأ مما انتهى به الآخرون.
جلنا يردد المقولات الرائعة والحكم المنمقة، في كثير من الأحيان نستفيد من تجربة الماضي؛ لأنها تعلمنا الدرس الجديد لنا في الحياة، فخبرات السنين تكشف لنا الصورة الكاملة في بعض الأشياء التي يمكن أن تكون منعطفًا مهمًا لنا سواء في مرحلة القوة أو الضعف، لذا نحن لا نستهين أبدا بعصارة الفكر القديم وبتجارب السابقين.
علميا وعمليا، محاولة إحصاء الدروس الماضية أمر بالغ الصعوبة وربما من المستحيلات؛ لأن مجالات الحياة متشعبة، لكن الشيء الراسخ أمامنا هو ما قاله المفكرون والفلاسفة والنوابغ من البشر في شأن الحياة وما فيها من بحر واسع يعطينا نظرة شمولية لوضع الإنسان وقيمته سواء في مجتمعه أو المجال الذي يعمل فيه.
والإنسان أينما وجد فهو ابن بيئته «حقيقة لا جدال فيها»، أما نتاج فكره وإنجازاته فهي للعالم ويستفيد منها البعيد والقريب، ومن أدق التفاصيل والدروس التي تعلمنا الحياة إياها أننا مهما وصلنا من المكانة والرفعة نظل بحاجة إلى استكشاف العالم واستخراج الدروس المستفادة من كل تجربة حياة نخوضها كل يوم.
علينا أن نقرأ لكي نفهم ما يدور في هذا العالم، وما فيه من أسرار يصعب علينا معرفتها بسهولة، وإذا كان لدينا بعض المعرفة فإننا نؤكد على المعلومة التي وصلتنا بشكل دقيق، أما إذا كنا نجهل المعلومة فعلينا أن نكشف عن وجهها اللثام فنتعلم شيئًا جديدًا، لذا يظل الفكر الإنساني يعج بالكثير من الحقائق التي تقدمها له التجارب الخالدة عبر الزمن، وما نتعلمه اليوم لا شك بأننا سنحتاج إليه غدا.
في بعض الحوارات الثقافية وحتى السياسية والاقتصادية، يتعمد المحاورون والضيوف ذكر بعض المقولات القديمة التي توصف الحالة التي يذهب هو وغيره للحديث عنها في ذلك اللقاء، ومن هنا أرى أن التمعن في لملمة هذه التجارب على هيئة مقولات عظيمة، هو أمر بالغ الأهمية؛ لأن مثل هذه المقولات تقدم خلاصة الفكر والتجربة.
قرأت ذات يوم مقولة أعجبتني؛ لأنها عبارة عن نصيحة تمنيت لو أستطيع أن أتمسك بها وأعمل قدر المستطاع بتطبيقها فهي تقول: «أربعة أشياء لا تتركها في حياتك وهي أولا: لا تترك الشكر فتحرم الزيادة وذلك مصداقا لقوله تعالى: «ولئن شكرتم لأزيدنكم»، أما النصيحة الثانية فهي: لا تترك ذكر الله فتحرم ذِكر الله لكَ، «فاذكروني أذكركم».
أما النصيحة الثالثة فهي: لا تترك الدعاء فتحرم الاستجابة، «ادعوني أستجب لكم»، والأخيرة: لا تترك الاستغفار فتُحرم النجاة «وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون».
ربما النصائح السابقة جميعنا بحاجة ماسة إليها، فمثل هذه المقولات لا تخرج إلا من أفواه الحكماء والعارفين بمقدار الإنسان في الحياة، ومع أننا نقرأ الكثير منها إلا أن مرحلة الإعجاب بها تزول سريعا، ربما لأننا لسنا بحاجة لها في تلك اللحظة، أو لأننا نريد أن نبحث عن الجديد الذي لا نعرفه، لكن ما أن تأتي أوقات صعبة علينا سرعان ما نعود بذاكرتنا إلى الوراء، هذه العودة المباغتة هي محاولة استدراك وتذكر لما قرأناه ذات يوم ولم نتمسك به، قد ننجح بنسب متفاوتة في تذكر ما نسيناه لحظيا، وأحيانا لا نستطيع استرجاع ما فقدناه من أقوال أثبت الزمن لنا أنها صحيحة مائة في المائة لكن لم نستفد بما أخبرنا عنه السابقون.
من المقولات التي أعجبتني أيضا ولم أتمكن من معرفة صاحبها لكثرة تداولها بين المغردين في منصات التواصل الاجتماعي، ولكن لعذوبتها وجمالها وجدت من المناسب ذكرها، حيث يقول كاتبها: «وضعت السكر في الشاي، ونسيت أن أحركه... وشربت منه فكان طعمه مرًا، ولكن مرارة الشاي لا تعني عدم وجود السكر فيه؛ لأنك بمجرد تحريك الشاي ستظهر حلاوته.. فالسكر موجود لكن يحتاج من يحركه.. كذلك الخير والحب موجود في نفوس أغلب الناس.. ولكنه يحتاج من يحركه.
حركوا الخير والحب في نفوسكم ونفوس من تحبون فستشعرون بحلاوة طعم حياتكم.. وتكتشفون الخير في شخصياتكم.. ما أنبل قطعة السكر!.. أعطت الشاي ما لديها ثم اختفت... هكذا المعروف... كن كقطعة السكر حتى وإن اختفت تركت أثرًا جميلًا.. فالبصمة الجميلة تبقى حتى وإن غاب صاحبها».
ما أود التركيز عليه هو أننا بحاجة ماسة دائمًا لرؤية الأشياء بعيون الآخرين، ليس لأننا نفتقد للبصيرة جميعا، ولكن من أجل فتح آفاق جديدة وطرقات أوسع للحياة، فما تراه أنت قد لا أراه أنا؛ ولذا نحن نختلف في نظرتنا للأشياء دون أن ندرك أن القرارات التي نصدرها أحيانًا لا يجانبها الصواب ولكن نتمسك بها عن جهل وقوة، لذا وجب علينا أن نفتح عيوننا وقلوبنا والاستفادة من الدروس والعبر السابقة.